الفصل الثالث والستون : بوصلة ذات إتجاه واحد

Start from the beginning
                                    

ضيق عيناه بإستنكار من كلامها فكاد يحذرها من إطالة لسانها لكن مريم قاطعته :
- انا سمعتك بتقولها يا ريماس يعني ديه نفس البنت اللي كنت بتقوم من جنبي وبتروح تكلمها صح ؟ نفسها اللي قلت عليها عميلة ومابينكم علاقة شغل مش اكتر بس كل مرة بسمعك بتكلمها.

وجد عمار نفسه محاصرا بأسئلتها ليرضخ في الأخير و يومئ بإيجاب :
- ايوة هي ديه ريماس.

تراجعت مريم الى الخلف رامقة إياه بذهول و خذلان و تمنع غشاوة الدموع من التسلل لعينيها لكنها لم تستطع درء حشرجة صوتها وهي تتمتم :
- انت ازاي كده ... ليه مصمم تقهرني و تحسسني كل مرة اني رخيصة و مليش قيمة عندك ليه بتخليني اصدقك وكل لما احاول اثق فيك من تاني انت بترجع تؤذيني و تأكدلي اني غلطانة.
- يا مريم صدقيني انتي فاهمة غلط اا...
- طيب رد عليا ريماس ديه بجد عميلة ولا انت كنت بتكدب عليا ؟

سألته مباشرة فأغمض عمار عيناه مجيبا إياها بصراحة :
- لأ مش عميلة ... انا بعرفها من سنين طويلة بتقدري تقولي عليها صديقة طفولتي يعني انا لسه عارف الحقيقة ديه من شويا بس.
- انت بتقول ايه مش فاهمة.

صمت مرغما وهو يجد نفسه واقعا في حيرة بين الصمت أو الإعتراف لها بكل شيء لكن مريم اعتبرت سكوته تجاهلا و إستهانة بمشاعرها فضربت صدره وهي تصيح بجنون :
- انا كنت عارفة انك مخبي عني حاجات كتير بس متوقعتش توصل بيك الأمور لأنك تخونني بكل وقاحة كده و بتقول اني فاهمة غلط هو ايه اللي فاهماه غلط انا كنت بشوف رسايلكم بعينيا و اسمعكم بتتكلمو بعدين بتجي وتقولي انك بتحبني ده حتى ... حتى ليلة وفاة عمك انت روحت اتصلت بيها و دلوقتي بتاخدها في حضنك كأنها حبيبتك انت ازاي بتبقى عارف تضحك عليا اكتر من مرة و بتعاملني زي الهبلة !

ضربته ثانية وهي تتابع بحرقة و قهر :
- ليه مصمم تعيشني في الوجع ده مرتين و ليه بتجيلي مادامك بتحب غيري حرام عليك.

- ريماس ديه بتبقى psychologist و انا بتعالج عندها.
لفظ عمار جملته دفعة واحدة فإنطفأت ثورتها فجأة و توقفت الحروف في حلقها تنظر له بصدمة و عدم استيعاب حتى همست :
- بتبقى ايه ؟

أخذ نفسا عميقا و حمحم يجلي صوته ليقول بهدوء :
- دكتور ريماس انا بتابع معاها في جلسات من شهور طويلة لما جيت في ليلة كنت هنتحرف و ارمي نفسي من البلكونة لولا بابا لحقني في اخر لحظة.

شهقت برعب و أمسكت يده بتلقائية فنظر اليها مكملا :
- ساعتها عرفت ان حالتي متدهورة و مينفعش أأجل العلاج اكتر من كده خاصة ان الأدوية مبقتش تفيدني.

هزت مريم رأسها بتعب و توهان :
- أدوية ايه ... انا مش فاهمة حاجة.

نعم لقد كانت تراه يتجرع بعض الحبوب من حين لآخر وحتى أن هالة رأته في المطعم منذ سنتين و أخبرتها بأنه كان يبدو بحالة غير متوازنة لكنها لم تركز في هذا كثيرا و انشغلت بمشاكلها الأخرى ، أدرك عمار ما تفكر هي به الآن وكم كان صعبا عليه أن يفشي أسراره و يعرض ضعفه على الآخرين و خاصة المرأة التي يحبها لكنه لو لم يفعل سيخسرها ولن يكسب ثقتها مرة أخرى لهذا هو مضطر وربما سيكون أفضل من أجله كما أخبرته ريماس منذ قليل.
ضغط على يده و تشنج صوته بينما يتنفس بحدة هاتفا :
- مريم انا مكنتش طبيعي و عانيت من الاكتئاب و نوبات عصبية و اضطرابات كتيرة من قبل لما كنت بنتكس ببقى مش شايف حاجة قدامي و ممكن اعمل اي حاجة.
يعني لما كنت بتعامل معاكي وحش كنت ببقى تحت تأثير واحدة من النوبات بتوعي ومش واعي علشان كده بضطر ابعد عنك فترة عشان مأذكيش ... و بالمناسبة يوم حطيت ايديا على رقبتك و خنقتك كنت قاصد اعمل كده ولولا اغمى عليا كنت قتلتك من غير ما احس.
__________________

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now