الفصل الثامن (حَارة القط).

4K 232 22
                                    

حَرم_السَّفاح
«استكمالًا لنوڤيلا من سبع فصول»
#علياء_شعبان
[[الفصل الثامن]]
“حارة القط".
•~•~•~•~•~•~•~•
بعد مرور عِدة أشهر، خاصم النوم جِفنيه وكيف يغفو والفؤاد ظمئ؟! يتلهف عطشًا لرؤيتها والقيود بينهما قائمة لا تُزال؟! وَضع رأسه على المخدة وظل يستحضر طيفها يتخيلها تجلس على طرف فراشه بابتسامتها الساحرة التي لم تغزو شفتيها إلا قليلًا منذ أن فرض القدر عليهما الالتقاء؟!، مال برأسه قليلًا على الجنب الأيمن شاعرًا برغبة جامحة على قدومها في الغد رغم عدم تأكده من ذلك؛ فلم يتبقَ سوى أيامٍ على ولادتها طفله الحبيب؟! وما أن تذكر قُرب قدوم طفله حتى تجهمت ملامحه بحُزن دفينٍ لا يبوح به مُنذ أكثر من سبعة أشهر، يتأرجح شعوره أحيانًا بين الندم والاقتناع؛ يتسلل الندم إلى خاطره لأنه لم يستطع السيطرة على مشاعره تجاهها وأدخلها ضمن دائرته المحفوفة بالأهوال والمخاطر حتى حملت بطفله وأحيانًا يشعر بأن ما فعله لم يكُن سوى استجابة لقلب دق لها ونبض لأجل أن يحيا معها وما أجمل أن يهبك القدر معافاة من رحم مُعاناة؛ هي وطفلها سيكونان عافيته وترياق ضد معاناته!
أخذ نفسًا عميقًا وهو يسترجع ذكريات الأشهر الماضية من ليلة القبض عليه وحتى هذه اللحظة، لقد نجح محاميه باستمات ومهارة على تخفيف الحُكم عليه فتلقى عشر سنوات مقتضاها المشاركة في مذبحة التجمع الخامس وجاء هذا التخفيف نتيجة لمقطع الفيديو الذي سُجل من قِبلها وتبين من خلاله بأنه مُتلقيًا ومُنفذًا للتعليمات التي أتته من رئيسهم الذي نجح بمكرٍ في الهرب خارج مِصر وبمُقتضى هذا الفيديو أيضًا قدم المحامي نقضًا للنيابة للنظر في القضية مرة أخرى ورغبةً في تخفيف الحُكم عنه وفي انتظار قبول النقض حتى يتمكن المحامي من الحصول على إطلاق سراح له مِن قِبل النيابة إلى حين جلسة النقض والتي إما ستنُص على بقاء المُدة كما هي أو تخفيفها بعد الاطلاع على أوراق القضية والحيثيات الجديدة وإلى حين ذلك يُمكنه أن يُحاكم طَليقًا.
ابتسم بهدوءٍ رغم تأرجح معالمه بين الثبات والحِدة وهو يتذكر خروجه بسهولة من مسألة مقتل "رضوان" حيث قام "الزير" بدفن الجثة ومحو أي آثار أو أدلة قد تُدينه ولم يُبلغ أحد عن غيابه حتى ورغم تخبطها أثناء استجوابها إلا أنها كتمت هذا الأمر تمامًا، تنهد تنهيدة حارقة كاد أن يخرج معها صوت زئيره المختنق فأسرع جالسًا في نومته حينما وجد صعوبة في تنفسه ثم مدَّ ذراعه أسفل المخدة والتقط المظروف المحبب إلى قلبه والذي يؤنس وِحدته وسِجنه ثم نظر يمينه ويساره أولًا قبل أن يفتحه باشتياقٍ ولوعةٍ ناظرًا بأعين هائمة إلى الأشعة التي تخص طفله الي لم يولد بَعد؛ فمع كُل زيارة شهرية منها له؛ تأتيه بصورة للجنين وكيف يبدو في هذا الشهر وما الذي اكتمل فيه حتى صار بحوزته ثماني صور لشبله الذي ينتظره على أحر من الجمر ويبدو أن الصورة التاسعة لن تأتيه وليس بحاجة إليها؛ بل بحاجة إلى طفله فضلًا عن صورة له.
بدأ يفر الصور بأنفاسٍ مُتسارعة من فرط الشوق والحماس مُتذكرًا حينما سألها بفرحةٍ عارمةٍ ذات مرة وهو يتطلع إلى إحدى صور الأشعة:
-قلبه اكتمل!!
هزَّت رأسها بابتسامة مُنشرحة فتابع بلهفة أكبر:
-وسمعتي نبضاته؟!!
أومأت ثانية فقال وهو يتنهد بعُمقٍ شديدٍ ينظر إلى بطنها بحسرةٍ كأنما أضاع على نفسه أكثر لحظات عمره الذهبية:
-كان نفسي اسمع نبضه أنا كمان، أنا بجد كمان كام شهر وهكون أب؟! مش مصدق إن مشوار وِحدتي بيخلص!
أمعنت النظر داخل عينيه وهي تقول بإصرارٍ وتحدٍ:
-تتعوض المرة الجاية، البيبي الجاي نسمع نبضه سوى ومعانا غيث، مش قولت لي نفسك تسميه غيث؟!!
أومأ بوجه مُتهللٍ قبل أن تتحول ملامحه إلى أخرى ثابتة بينما يقول بلهجة مُحذرة:
-خلي بالك منه يا سبأ، أنا خارج، خارج في أسرع وقت وبحاول أكون جنبكم، أنا أبني مش هيتربى غير في عِزي وحُضني، اوعي تفارقي الزير أو تتحركي لأي مكان من غير ما يكون معاكِ، اوعي!
أغمض عينيه بثباتٍ لا يلغي قلقه على زوجته وطفله إلا أنه واثق كل الثقة بأن "الزير" يُضحي بعمره لحمايتهما والحفاظ على أمانته، نفخ بقوةٍ راغبًا في مجيء الصبح وسماع أية أخبار عنها تبعث الطمأنينة والسكينة على قلبه، أدخل الصور داخل المظروف مرة أخرى ووضعهم أسفل المخدة وقرر أن يستسلم للنوم حتى طلوح الصُبح.
•~•~•~•~•~•~•~•
داخل أحد أحياء منطقة شُبرا بالقاهرة وبالأخص داخل "حارة القط" التي سُميت بهذا الاسم نسبة إلى شرف الدين القط أكبر تُجار الجُملة بشُبرا منذ السبعينيات كما يمتلك أبنائه وأحفاده نصف مُمتلكات الحارة؛ أنجب "شرف الدين" أربع فتيات وصبي وترك لهم مالًا لا يُعد ولا يُحصى بجانب العقارات والمصانع ولكن الشقيق قام بالاحتيال على الفتيات وأخذ حقهم في الإرث ولم يترك سوى بنايتين؛ فتتشارك كل اثنتين في بناية واكتفى بذلك مُعللًا بأن الفتيات لا حق لهن في الإرث وأنه الوحيد الذي عمل مع والده وشقى حتى اتسعت تجارته وهو الوحيد الذي سيحافظ عليها من بعد وفاته والده ولن يسمح أن يذهب كَدِه وشقائه إلى أزواج شقيقاته!
لم ترتضي الفتيات ظلمه ولكنهن في النهاية قبلن بالأمر الواقع بينما توقف "عصام شرف الدين القط" عن وَصل الفتيات أو ودهن بالسؤال أو إعطاءهن حقهن فانتهى الأمر إلى خِصام دام لسنواتٍ ومازال مُستمرًا.
أنجب "شرف الدين القط" أربع فتيات وهن "عزيزة"، "حُسن"، "أمل"  "حنان" و "عصام" هو أكبرهم سِنًا، حرصت "عزيزة" دومًا أن تكون بمعزل عن الخلافات مع شقيقها عكس الأخريات اللواتي طالبن بحقوقهن طوال الوقت ولم ينلن شيئًا لتقرر أن تعيش بعيدةً عن حارة القط دون أن تسأل عن حقها في الإرث أو غيره إلا أن حلت تلك الضائقة بابنتها؛ فقررت أن تعود إلى مسقط رأسها وتعيش بين أهلها كي تحتمي بهم من براثن السفاح وأعدائه، استلمت فور وصولها حقها في الإرث لتتشارك مع إحدى شقيقاتها البناية ذاتها والمكونة من أربعة طوابق بينما تشاركت شقيقاتها الأخريات البناية المقابلة لبنايتها، وعلى بُعد مسافة قريبة يعيش شقيقهن في بيته الكبير ولكنه يتجاهل التعامل معهن وكأنهن لسن من دمه ولا يأبه حتى بما يتعرضن له من ظروف مادية قاسية حتى العائد من المصانع والمحلات التجارية لا يتقاسمه معهن رغم مطالبتهن وأبنائهن له بذلك!!
تشاركت "عزيزة" البناية مع شقيقتها "حُسن" التي تسكن بالطابق الأرضي بينما سكنت "عزيزة" بالطابق الثاني هي وبنتيها، لدى "حُسن" صبيين وفتاتين؛ "أنس" الابن الأكبر وتأتي بعده "رضوى" التي تزوجت من ابن خالتها ثم "مُنذر" وآخر العنقود هي "فاطمة".
أما "أمل" فهي الأخت الثالثة وتتشارك البناية المقابلة مع شقيقتها الرابعة "حنان"؛ لدى "أمل" فتاة وحيدة تُدعى "شهد" وقد عملت طيلة حياتها على رعايتها وحُسن تربيتها وتلبية كافة مطالبها بينما "حنان" لديها صبي وفتاتين؛ "حاتم" الابن الأكبر الذي تزوج من "رضوى" ابنة خالته، "زهراء" الوُسطى ثم "منار".
تُعتبر "حُسن" هي الوحيدة التي تزوجت ابن عمها وحمل أولادها كنية عائلة "القط" ولكنه توفى منذ أن كان أطفالها صِغارًا ولم يترك عمها الذي كان يُحب الخمر والسهر والنساء لابنه شيئًا كي يرثه فصارت وأولادها أغنياء بالكنية والنسب لا بالمال بل حياتهم المادية لا تتناسب مع طموح أولادها الذي يكبر كلما كبروا واشتد عودهم.
ننتقل إلى الطابق الثاني خصيصًا شقة "عزيزة" التي وضعت كفها أسفل ذقنها وهي تجلس على الأريكة المقابلة لشاشة التلفاز وتنظر إليه بينما عقلها شاردًا مع ابنتها التي تتأوه بألمٍ لا تقوى على تحمله طوال الليل وهي توشك أن تلد في أية لحظة، نفخت "عزيزة" بحنقٍ شديدٍ غاضبة للغاية من ابنتها التي لا تنصت لها أبدًا مهما نصحتها وأرادت أن تنتشلها من مجهول ومصير غامضين إلا أن الأخيرة مُتشبثة بالاستمرار وتهوى الانتظار كذلك، تنهدت بنفاد صبرٍ قبل أن تهرول نحوها "يقين" ثم تُشير بسبابتها نحو غرفة شقيقتها فهبَّت "عزيزة" من مكانها وهرعت إلى الغرفة مُباشرة لتجد "سبأ" تتقلب على الجانبين وتتلوى من شدة الألم؛ فيبدو أن المخاض قد حان وقته!!
-سبأ، شكلك بتولدي؟!
أومأت سلبًا وهي تضغط على أسنانها من فرط الألم ثم تقول بصوت ضعيف مكتومٍ:
-الدكتور قال لي قدامي لسه يومين!!!.. بس أنا تعبانة ومش قادرة أستحمل تاني.. حاسة إن روحي بتطلع!!
نزلت بعينيها إلى بطنها الكبير وبدأت تمسد عليه برفقٍ ثم رددت بتوسلٍ:
-يارب اديني القوة أكمل علشان خاطر ابني.
انهمرت دموعها خشيةً ألا تتحمل ما تمر به من ألم لا يفوقه ألمًا مثيلًا البتة وخافت أن تترك ابنها وحيدًا بلا أب أو أم، سارت "عزيزة" إليها حتى احتوتها بحنوٍ بالغٍ إلى جنباتها ورغم ما تعانيه "سبأ" في هذه اللحظة لم يمنع ذلك "عزيزة" من تذكير ابنتها بنصائحها التي ترددها على سمعها كل يومٍ فأردفت بصوت مخنوقٍ تعاتب ابنتها:
-مش لو كُنتِ اتطلقتي منه كان زمان عِدتك خِلصت بولادتك؟!.. ليه مُصرة تدمري حياتك بإيدك يا سبأ وتوجعي قلبي عليكِ!!
سبأ وهي تصيح بنبرة مختنقة بعدما ابتعدت عن ذراعي والدتها:
-تاني هتقولي لي طلاق؟ اتطلق من جوزي ليه وأنا بحبه؟ أبيعه ليه في مِحنته؟ واوعي تقولي لي أسطوانة خالاتك عندهم شباب زيّ الورد وأنس فُرصة ما تتعوضش وإن ابني هيتربى كويس بعيد عن أبوه، أنا لا يمكن أحرم أبني من أبوه ولا أربيه مع راجل تاني وأبوه على وِش الدُنيا وعُمري لو دبحتيني ما هتخلى عن تيَّم، تيَّم هيخرج وهيربي ابنه بنفسه ولحد اللحظة دي أنا هستناه، أما بالنسبة لأنس فيبقى أخويا وصاحبي بلاش تجبريني أبني سور بيني وبينه، كفاية يا ماما، كفاية بقى!!
عزيزة وهي تلطم وِجنتيها بقهرٍ ثم تقول بعويلٍ:
-هتستنيه عشر سنين؟؟!.
سبأ وهي تتحامل على ذراعها ثم تنزل عن الفراش وتتحرك بوهنٍ صوب باب الغرفة مضيفةً بعزيمة وإصرار قاطعين:
-وأستناه العُمر كُله مش بس عشر سنين.
سارت فورًا خارج الغرفة فنفخت "عزيزة" بحُزن كبيرٍ وقد ترقرقت عيناها بالدموع وهي تقول بقهرٍ وبكاءٍ:
-الله يسامحك يا بنتي.. دا أنا مفرحتش بيكِ ولا شوفتك عروسة حتى!!.. قلبي مقسوم وأنا شيفاكِ بتضيعي نفسك والعمر بيجري بيكِ علشان خاطر واحد ميستحقكيش؟!.. واحد أناني علشان يضمنك حَبِلك بدل ما يسيبك تروحي لحال سبيلك وهو عارف إن نهايته محتومة ومفيش مستقبل بينكم.. منك لله يا شيخ زيّ ما ضحكت على بنتي وخدت شرفها وإنتَ بتمثل عليها الحب ووسختها بعيل وهي لسه يا قلب أمها بريئة.. من قلب أم محروق بدعي عليك تعفن في السجن.
كان صوت والدتها المرتفع يصل بسهولة إلى أذنيها ما أن تجاوزت عتبة باب الغرفة، فتوقفت فورًا وهي تبتلع غِصَّة مريرة في حلقها قبل أن تعود مرة أخرى إلى الغرفة ثم تصيح باكيةً قد تحطم قلبها فِتاتًا من جملة والدتها الأخيرة:
-حرام عليكِ.. بطلي تدعي عليه بالكلام دا.. بطلي تكوني قاسية ومؤذية.. ما أخدش مني حاجة غصب عني ولا كان عايز يضمن وجودي زيّ ما بتقولي.. أنا بحبه.. ادعي له يخرج علشاني.. علشان وَحشني وعايزة أشوفه وألمسه من غير ما يكون في حاجز بينَّا!!.. علشان نربي ابننا سوى.. لو سمعتك بتدعي عليه تاني أنا همشي من هنا ومش هتعرفي لي مكان.. هوني عليا.. جربي مرة واحدة تدعي له لو فعلًا بتحبيني!!
عزيزة وهي تصيح بانهيارٍ:
-مش بعيدة.. بكرا تبقي أُم.. وتفهمي أنا حاسة بأيه دلوقتي..  بكرا أشوف رد فعلك لمَّا تحسي أن اللي قدامك خطر على ضناكِ يا سبأ!!
حدجتها "سبأ" بنظرات قوية قبل أن تمشي في غضب من أمامها، فتحت باب الشقة وخرجت منه ثم تحركت إلى درجات السلم وهمَّت أن تصعده للسطح كي تجلس قليلًا مع نفسها بالأخص في غياب "الزير" الذي يسكن السطح بغرض البقاء بالقرب منها وحمايتها تحقيقًا وتقديرًا لوصايا زوجها وقبل أن تخطو صاعدةً سمعت صوت "فاطمة" يأتيها من الخلف وهي تقول بلهجة حماسية:
-رايحة فين يا أُم غيث؟!
التفتت "سبأ" إليها ثم افتر ثغرها عن ابتسامة عريضة ورددت على مضضٍ:
-هو مش إحنا متخاصمين يا مُهزقة؟!
فاطمة وهي تقترب منها أكثر ثم تلمس وِجنتيها بأطراف أناملها:
-والله ما كان قصدي خالص أجي في صف خالتو عزيزة وأضايقك، أنا بس كُنت عايزة لك الخير والصلاح ووعد عليَّا مش هتكلم في أي حاجة تزعلك تاني، إن شاء الله ربنا يفك سجنه ويرجع لحضنك ولحضن ابنه قُريب.
أسرعت "سبأ" باحتضانها؛ ففاطمة وباقي الفتيات هن صديقات مقربات لبعضهن للغاية ولكن فاطمة هي الأكثر قُربًا ورفقًا بالأخيرة، تنهدت "سبأ" بقوةٍ قبل أن تقول بابتسامة خافتة مازحة من بين دموعها:
-مش عايزاكِ تستخدمي علم النفس بتاعك دا في تحليل شخصية جوزي خالص، الطب النفسي اللي بتدرسيه في الكلية طبقيه على أُمك وأخوكِ مُنذر أولى.
ابتعدت "فاطمة" ورددت بنفي قاطعٍ يميل إلى المزحٍ:
-مُنذر سقوطة؟! دا أنا لو فكرت أستخدمه حالة وأطبق عليه اللي تعلمته احتمال يجنني وبدل ما اتخرج وأبقى دكتورة نفسية، أخرج على سرايا المجانين.
انطلقت ضحكة رقيقة من فمٍ "سبأ" ورددت بهدوءٍ:
-تصدقي بالله أحسن نموذج تعالجيه نفسيًا هي أُمك، الله يهديها.
تنحنحت "فاطمة" بتوترٍ قبل أن تفرك كفيها وتقول بنبرة هادئة:
-طيب ما تحاولي تقنعيها معايا علشان خاطري يا سبأ إني ألبس النقاب؟!!
ضربت "سبأ" على صدرها ورددت:
-أنا أتكلم في مسألة النقاب مع خالتو حُسن؟! إنتِ عارفة هتعمل أيه؟!!
أسرعت الفتاتان في نفس اللحظة تجلسان بالأرض ثم تبدأن في ضرب أفخاذهن وهن يصرخن بعويلٍ مُثيرًا للضحك:
-يا مِيلة بختك يا حُسن.. يا زهرة شباب حارة القُط طول عُمرك.. تخلفي ليه واحدة زيّ دي عاقة.. وساخة البطون كما يجب أن تكون!!
أنهتا هذه المسرحية الهزلية قبل أن تنفجر الضحكات منهما وتضربان أكفهما ببعضٍ وفي هذه اللحظة سمعت صوت هرولة تقترب أكثر منهما لتظهر أمامهما "منار" التي رددت مُتلعثمة:
-شاهد قبل الحذف.. خالتكم حنان زانقة مُنذر وأنس في الزاوية وهتبتدي فقرة الاقناع والاستعطاف بتاعة كل نهاية أسبوع.
انطلقت ضحكات مُجلجلة من فمٍ الثلاثة قبل أن تتابع "سبأ" بحماسٍ:
-قوموني بسرعة عايزة أتفرج لايف.
ساعداها على النهوض وسار الثلاثة معًا هابطين الدرج  ثم إلى البناية المقابلة التي تعيش بها الأختان؛ حنان وأمل، توجهت الفتيات إلى الطابق الأرضي حيث تعيش "أمل" ليجدوا الباب مفتوحًا فأبصروا كُلًا من "أنس" و "مُنذر" يجلسان على الأريكة بجوار بعضهما بينما تجلس "أمل" مقابلة لهما بعد أن وضعت على الطاولة كل ما لذ وطاب من الأطعمة والحلويات، قررت الثلاث فتيات أن يتابعن المشهد من خلف الباب ليجدن "أمل" تلتقط الشوكة وتملأها ثم تتوجه بها إلى فمٍ "أنس" وتقول بنبرة سعيدة:
-كُل يا قلب خالتك.. يا نور عينها.. كُل وقول لي رأيك!!
التقط "أنس" الطعام إلى فمه باستسلام فالتفتت هذه المرة إلى "مُنذر" وقبل أن تملأ  الشوكة مرة ثانية وجدته يقول بثباتٍ:
-غيري لي الشوكة يا مولة.
افتر ثغرها عن ابتسامة واسعة وتابعت وهي تلتقط غيرها وتغرسها داخل الصينية:
-عيون مولة، كُل وقول لي رأيك إنتَ كمان يا قُط يا صغير!!
التقط الطعام مسرعًا إلى فمه وأخذ يلكه باستمتاعٍ قبل أن تقول "أمل" بنظرات مُتحفظة وهي تراقب تعابير وجهيهما ثم تردف:
-الأكل دا كله من عمايل إيد بنتي شهد.. رأيكم أيه؟!
توقف "أنس" عن مضغ الطعام فجأة ثم تكلم بصعوبةٍ وغيظٍ:
-إحنا كدا مش هنلحق نقول رأينا يا خالة.. وبعدين أنا عايز أفهم المغزى من حلقة الشيف الشربيني الأسبوعية دي!!
رفع "مُنذر" أحد حاجبيه ثم ردد باستنكارٍ:
-من إمتى النُوغة بتعرف تعمل أكل؟!
مطت "أمل" شفتيها بامتعاضٍ وردت ببعض الضيق:
-ما تقولش على وحيدتي كدا يا مُنذر!
مُنذر بضحكة عالية يسخر:
-وَحيدتك أيه دي وَحيدة القرن وبعدين الأكل دا إنتِ اللي عاملاه يا مولة مش نُوغة كفاية تحوير!!
في هذه اللحظة قطع كلامهم خروج "شهد" من غرفتها التي تفاجأت من وجودهم لتردد بدهشةٍ وهي تنظر إلى الأكل:
-الله أكل؟! إنتِ بتأكلي مُنذر وأنس يا ماما وسايبة بنتك اللي في ثانوية جعانة؟!!
هرولت مسرعةً إلى الطاولة ثم التقطت شوكة وغرستها بالصينية وبدأت تأكل بشراهة وجوعٍ بينما يحدقون جميعًا إليها ولكنها لم تلحظ ذلك إلا حينما تساءلت مستلذةً بمذاق الطعام:
-تسلم إيدك يا ماما.. المكرونة بالبشاميل تُحفة وچوسي.
مُنذر وهو يبتسم بمكرٍ ويقول:
-تسلم إيدك إنتِ يا نُوغة!!
التوى شدقها على الفور لتجد والدتها ترميها بنظرات نارية جعلتها تترك الشوكة وتنهض مُهرولةً بعيدًا عنها لتُبصر في هذه اللحظة رؤوس الفتيات تطل من وراء الباب فتقرر الانضمام إليهن ومتابعة ما يجري الآن ولا تفهمه، ابتسم "أنس" ابتسامة ثابتة قبل أن يردد بعبثٍ:
-تسلم إيدك يا خالتي.
تنحنحت "أمل" بحرجٍ قبل أن تردد متلعثمة:
-كِدبة بيضا يا ولاد وبعدين أنا ووحيدتي واحد!!
رفع "مُنذر" أحد حاجبيه ثم أردف بنفاد صبرٍ:
-ما تنجزي وتقولي يا خالتي عايزانا في أيه بعد كل الحوارات دي ورشوة الأكل الأسبوعي الجميل دا؟!!
تنحنحت "أمل" في استعداد قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة ثم تستطرد بحسمٍ:
-طبعًا أنا خالتكم حبيبتكم.. طوق نجاتكم من شبشب أمكم.. أنا اللي ربتكم وغيرت لكم كوافيل يامــا و..
قاطعها "مُنذر" وهو يفرك جبينه بطرف أنامله ويردد مازحًا في سُخريةٍ:
-صُداع من كُتر التأثر.. انتابتني القشعريرة.. شعر صِدري وِقف.. حتى شوفي!!
ضغطت "أمل" على أسنانها قبل أن تسرع بنزع شبشبها ووضعه أمام مرأى عينيهما مما جعله يتراجع عن مقاطعتها ويتابع ما ستتفوه به مُجيبًا هو وأخيه على أسئلتها بهزات من رأسيهما فقط لتتابع هي بثباتٍ:
-إنتَ يا أنس في تالتة كُلية شُرطة وهتبقى ظابط أد الدنيا وإنتَ يا مُنذر أينعم سقوطة وعايد مرتين ولسه موكوس في سنة أولى حقوق زيّ ما إنتَ بس شايفة لك مُستقبل مُبهر في عالم المحاماة.
سكتت هنيهة ثم أضافت بنبرة تمثل فيها التأثر الشديد:
-ينفع تكون أختي عندها شابين زيّ الورد كدا وسايبين بنت خالتهم سِينجل؟!! أنا جمعتكم النهاردة علشان أخطبها لواحد مِنكم.
تدلى فكيهما في صدمة بينهما ابتسمت "أمل" ابتسامة بريئة وهي تطرق برأسها للأرض كي تضع الشبشب مكانه وتقول بثباتٍ:
-ولو مش بتعرف تطبخ هعلمها ولو مش بتعرف تغسل المواعين هجيب لها غسالة أطباق ولو ...
رفعت بصرها نحوهما مرة أخرى ولكنها وجدت الأريكة فارغة وصوت أقدامهما الهاربة تهرول صوب باب الشقة فِرارًا لتكز على أسنانها وتردد بغيظٍ:
-استنوا بس طب نتفاوض!!
مُنذر وهو يقهقه مهرولًا:
-بين البايع والشاري يفتح الله يا مولة.
جلجلت ضحكات الفتيات حينما وجدن هروب الشابين منها وما أن لاذا بالفرار خارج الشقة حتى اصطدما بمجيء والدتهما "حُسن" التي رفعت أحد حاجبيها وتساءلت متوجسةً:
-عامودين بيتي؟! مالكم يا ضنايا؟ بتجروا ليه؟؟
توقف "أنس" أمامها مُباشرة وأخذ يلتقط أنفاسه التي تتلاحق وراء بعضها قبل أن يتابع بضحكة مكتومة:
-إنتِ دعيتي عليَّا يما؟! أو زعلتك في حاجة!!
شهقت "حُسن" باستنكارٍ ورددت:
-أخس عليَّا لو عملت كدا يا عامود بيتي ونور عيني، قلبي وربي راضيين عليك يا حظابط، ليه بتقول كدا؟؟
مُنذر وهو ينفجر ضحكًا بعد أن توجه بنظراته إلى "شهد" الغارقة في نوبة ضحك بفعل ما فعلته والدتها:
-يرضيكِ يما تجوزي واحد من عامودين بيتك لنُوغة؟!!
التفتت "حُسن" إلى ابنة شقيقتها ثم رددت بحنقٍ:
-لأ ما يرضينيش.. نُوغة أكلها محروق.. أكلها محروق دا أيه.. دي مش بتعرف تطبخ خالص.
شهد وهي تومىء مؤيدةً في دعمٍ:
-حصل يا خالتو.. ادخلي بقى شوفي لك صِرفة مع أختك.
أخذت "حُسن" نفسًا عميقًا قبل أن تهم على الدخول إلى شقة شقيقتها قبل أن تضع "فاطمة" يدها على كتف والدتها وتقول بتوسلٍ:
-بس بلاش أبوس إيدك أسطوانة تاريخكم الزواجي اللي حفظناها.. لأن القصة دي بأمانة تِعر.
ضغطت "حُسن" على أسنانها قبل أن تلتقط ذراع ابنتها وتباغت بقرصها فيه وهي تردد مغتاظة:
-شوف مين اللي بينصحني؟! فاطنة نفسية، أهي نفسية بنتي دي المثال الحي لوساخة البطون كما يجب أن تكون.
صرخت "فاطمة" تتأوه من قرصتها قبل أن تتركها أمها وتدخل إلى شقة شقيقتها التي ما أن رأتها حتى تلوى شدقها ورددت بعبوسٍ:
-تعالي يا حُسن.. تعالي شوفي عيالك.. زعلوني يا أختي!!
تمشت "حُسن" بخيلاء كعادتها وهي ترفع جزءًا من عباءتها بيدها إلى أن جلست على الأريكة ورددت:
-عايزة تجوزي عامودين بيتي لبنتك النُوغة؟! النُوغة يا أمل؟! ليه كدا يا أختي أنا أذيتك في أيه؟
رفعت "حُسن" طرف حجابها تمسح به على عينيها وهي تردد مدعيةً البكاء:
-النُوغة ما بتعرفش تطبخ ياختي.. أنا ما صدقت زوحت رضوى بنتي البلوة المسيحة دي ولبستها لحنان أختي تقومي إنتِ تلبسيني بلوة أدهى منها.. خطة في منتهى الذكاء بس أنا أذكى.
تركت طرف الحجاب ثم وجهت سبابتها وصاحت يتمرد وحزمٍ:
-على جُثتي النُوغة تخش بيتي.. أنا عايزة واحدة تساعد فاطنة نفسية في شغل البيت.. بدل الاكليريك اللي بيتكسر من إيدي بسبب المصالح.
رفعت "أمل" جانب شفتها العلوية ثم وضعت أصابعها أسفل ذقنها وتساءلت بجهلٍ واستنكارٍ:
-اكليريك؟!.. طول ما إنتِ ماشية ورى حنان مش هتنفعي يا بنت شرف الدين القط.
سكتت "أمل" هنيهة ثم أكملت بغيظٍ:
-وبعدين لا على جثتك ولا جثتي.. بكرا تندمي على وحيدتي وتستسمحيني تديها لحد من العامودين بعد ما تدخل كلية الطب وتبقى دكتورة أد الدنيا وأنا أرفض.
أسرعت "حُسن" بوضع يدها على خاصرتها ورددت بضحكة ساخرة عالية:
-مهما تكبر وتكون دكتورة ولا حتى سفيرة مش هتكبر على ننوس عين أمه ولا الزوز.. دول عامودين ياختي.. عامودين شداد.
لم تدع للأخرى مجالًا للكلام فطوت هذا الحديث وانتقلت إلى آخر غيره وهي تلتفت بكليتها إلى شقيقتها ثم تردد بحماسٍ في حاجة لمن يزده:
-بقول لك أيه يا أمل ياختي.. حنان من يومين قالت لي إن في علاجات وأدوية وحاجات بيحطوها على شفايفهم وبتتنفخ.. بفكر أجرب؟!
انفتحت عيناي "أمل" على وِسعهما قبل أن تردد بصياحٍ وعتابٍ:
-هتنفخي شفايفك لمين يا حُسن؟! يا ولية عيب على سِنك ما عدتيش صغيرة؟! وبعدين جوزك الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة وأكبر عيالك مشروع ظابط ما شاء الله!!
صرخت الأخيرة في وجهها كبركانٍ ثائرٍ:
-نعم ياختي.. ماله سني؟! أنا لسه زيّ ما أنا صغيرة وحلوة وبعدين ما إنتِ بتعملي ماششتير وبتكملي علامك ومحدش قال سِنك ومش سِنك؟!!
رفعت "أمل" أحد حاجبيها ورددت بحزمٍ:
-محدش كبير على العلام ياختي بس بنبقى كُبار على حاجات تانية واسمها ماچيستير ولعِلمك لو مبطلتيش ترمي ودانك لحنان أختي هعرف أنس بكل الحوارات اللي بتعملوها دي وساعتها هنشوف بقى هتبرري موقفك بأيه!!
لانت فورًا بعد أن كان الغرور جليس موقفها ثم رددت بتنحنح:
-لأ.. كُله إلا ننوس عيني.. بيزعق لي جامد.
أمل بحدةٍ تستكمل:
-خلاص يبقى نستكين بقى! ها؟
زفرت "حُسن" بحنقٍ قبل أن تردد:
-والله وبقى ليكِ صوت يا أمل وبتهدديني.. فاكرة جوازتك تمت إزاي؟! كله بفضلي وبفضل جمالي وإلا كان زمانك معنسة.
نفخت "أمل" بقوةٍ وهتفت بسخطٍ:
-يوووه، طالما فتحتي في الموضوع دا يبقى مش هنخلص!!
عودة بالذكريات إلى فترة السبعينيات حيث كانت الفتيات في ريعان شبابهن وتحديدًا فترة عروض الزواج المتزاحمة عليهن وذلك لانتمائهن لعائلة ذات أصل مرموق؛ فكان العرسان يأتون على سيرة العائلة الحَسنة وفي هذا الوقت كانت تتبع أغلب العائلات طريقة المقابلة الأولى وبمقتضاها تتم الزيجة أو لا وإن تم القبول لا يرى العريس عروسه حتى ليلة الزفاف، كان "شرف الدين القط" يتفاخر كثيرًا بجمال ابنته "حُسن" الفاتن فكان كلما جاء عريس لطلب إحدى بناته يلتقي بحُسن في المقابلة الأولى والتي تعرف نفسها باسم إحدى شقيقاتها وبعد أن يتم القبول ويُعقد القران وتأتي ليلة العُرس يتفاجأ العريس بزواجه من أُخرى غير الذي اختارها ولكنه لا يستطيع أن ينبس ببنت شفةٍ حتى لا يخسر مساندة تاجر كبير ومرموق بقدر شرف الدين القط، كان "شرف" يتبع هذه السياسة رغبةً في تزويج كل بناته وخاصةً اللواتي يمتلكن جمالًا في الوجه أقل من "حُسن"، وكان "محمد" زوج "أمل" أحد ضحايا هذه السياسة، حيث جلست معه "حُسن" في المقابلة الأولى وعرفت نفسها باسم "أمل" فأعجب بها كثيرًا ودارت بينهما أحاديث طويلة ورغب ألا ينتهي اللقاء وبعد ذلك اشترط عليه "شرف الدين" ألا يلتقي بعروسه مرة أخرى إلا ليلة زفافهما أثناء انتظارها له في غرفتهما وعُقد القران على هذه الشريطة وما أن دخل غرفة الزوجية ورفع الطرحة البيضاء عن وجهها حتى فتح فمه على وِسعه لبضع لحظات قبل أن يصيح مُنفعلًا في صدمةٍ:
-إنتِ مين؟!! مش دي العروسة اللي قعدت معاها؟! مش دي اللي اختارتها!!
أطرقت "أمل" برأسها في حُزنٍ من خداع والدها لأزواج شقيقاتها جميعًا واتباع سياسة لا تليق بمكانة بناته بين الناس؛ كانت "أمل" على قدر لا بأس به من الجمال ولكن انفعاله كان منطقيًا للغاية فقد رأى فتاة وتزوج غيرها؟!، بدأت تبتلع ريقها على مضضٍ فقبض على كتفيها وأخذ يهزها بشراسة ويردد عاليًا:
-انطقي.. إنتِ مين؟!!
هي بتلعثمٍ ولا تزال لا تقوى على النظر داخل عينيه:
-أمل.. أنا أمل.
صاح منفعلًا في حدةٍ:
-مش صحيح.. اللي قعدت معاها في المقابلة الأولى واحدة تانية خالص مش إنتِ!!
فركت كفيها معًا تعبيرًا عن مدى توترها وضعف موقفها، ترك كتفيها على الفور وأسرع باندفاعٍ وهياجٍ خارج الغرفة وأخذ بهستيرية ينادي والده الذي أتى مهرولًا في الحال ليصرخ "محمد" بسخطٍ:
-أنا اتخدعت يابا؟! الحاج شرف خلاني شوفت واحدة وجوزني واحدة تانية.. مش هي دي يابا اللي أنا اختارتها.. مش هي دي!!
أسرع والده بتكميم فمه قبل أن يقول بتحذيرٍ:
-وطي صوتك وأسكت.. حتى لو كان الكلام اللي بتقوله صح فإنتَ ما ينفعش تعادي شرف باشا.. هي ولا غيرها الأهم تناسب شرف القط ومش مهم تناسبه في أي واحدة فيهم.. مالها العروسة مش حلوة؟!!
التوى شدقه وأردف باختناقٍ:
-حلوة بس التانية أحلى.. أنا عايز التانية يابا.. اتصرف!!
تجهمت معالم وجه والده وردد بحزمٍ:
-روح يا واد شوف مراتك واعقل.. كتب الكتاب تم والفرح تم ومينفعش نرجع خطوة واحدة حتى!!
ردد "محمد" باستسلامٍ:
-حاضر يابا هعقل.
•~•~•~•~•~•~•
اندفع غاضبًا خارج باب الشقة وقد ملأت الدموع عينيه وفاض الكيل به ثم صفق الباب خلفه بهياجٍ في اللحظة ذاتها التي هرولت فيها ابنته "زهراء" وراءه للحاق به وتهدئته، فتحت الباب وهرولت وراءه وهي تناديه بصوت مخنوقٍ وأعين دامعة:
-بابا.. استنى علشان خاطري!!!
توقف "صالح" فورًا حينما سمع صوت ابنته التي توشك على البكاء، التفت إليها فوقفت أمامه مُباشرة وأسرعت تلتقط كفيه وهي تقول بحنو كبيرٍ:
-بابا حبيبي.. اوعي تزعل علشان خاطري أو تشيل في نفسك.. ما إنتَ عارف ماما طيبة وبتهرتل بالكلام وتنزل على مفيش!!
صالح وهو يومىء سلبًا ويرد:
-لأ يا زهراء أمك خلاص شافت نفسها عليَّا من يوم ما قررت تكمل تعليمها وهي مش مستنضفة تعيش مع واحد جاهل زيّ.. أمك بتذلني علشان قاعدين في شقة أبوها وأنا اللي كتبت شقتي باسمها بطلب منها علشان تعمل مشروعها اللي فشل.. وبعدين إنتِ شايفة اللبس اللي بقت بتلبسه؟! بقى دا لبس يا عالم يناسب ست مُحترمة قربت على الأربعين وقربت تكون جِدة!!
ابتلعت "زهراء" غِصَّة مريرة في حلقها قبل أن ترفع كفه إلى فمها ثم تقبله وهي تقول بحُزنٍ ومواساة:
-عارفة إن شخصيتها اختلفت في سنة 180 درجة من ربة منزل شاطرة وفرفوشة وبتحب بيتها وجوزها لواحدة شايفة إن مفيش حد بيتعلم غيرها وكل اللي حواليها جهلة ولبسها شوية غريب بس أنا هتكلم معاها وهحاول أحل الأمور ما بينكم وهترجعوا أحلى من الأول كمان يا حبيبي.
أومأ مرددًا في خفوتٍ:
-إن شاء الله.. هروح أنا بقى أشوف أكل عيشي.
تنهدت تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وقالت بهمٍ وبعض الحُزن:
-كنت نمت لك ساعة حتى يا بابا؟! إنت طول النهار في المحل ودلوقتي هتروح الشغل التاني، لنفسك عليك حق؟!!
افتر ثغره عن اِبتسامة دافئة قبل أن يجذب رأسها إليه ثم يقبل جبينها بحُب كبيرٍ ويقول:
-ربنا يخليكِ ليا يا حبيبة أبوكِ.
أنهى كلامه وغادر على الفور لتلتفت هي إلى البناية بنظرات مغلولة ثم هرولت تعود إلى الشقة مرة أخرى، سارت بخطوات ثائرة حتى وصلت إلى غرفة "حنان" والدتها ودون استئذان قامت بدفع الباب لتجد والدتها تقيس الملابس الجديدة التي اشترتها وتتفحصها عليها بإعجاب وعِناية أمام المرآة، التوى شدقها على الفور ورددت بصوت مخنوقٍ:
-إنتِ ليه يا ماما جاية على بابا أوي كدا؟!! ليه كل دقيقتين تهدديه إنه لو محققلكيش رغباتك وسمع كلامك هتطرديه من الشقة؟! مش إنتِ بردو اللي فضلتي تتحايلي عليه علشان يكتب الشقة اللي وارثها عن أبوه باسمك؟!! وبعدين مش شايفة إن لبسك بقى ضيق على الآخر؟؟ وهو زيّ أي راجل غيور على مراته.
رفعت "حنان" أحد حاجبيها ورددت باستنكارٍ:
-كل زمايلي في الجامعة دا لبسهم وأنا مش أقل منهم في حاجة وبعدين اتمدنوا بقى بدل ما إنتوا هتفضلوا فلاحين إنتِ وأبوكِ كدا؟!!
زهراء وهي تردد في ضيقٍ:
-بس دا لِبس مش مناسب لسِنك ولا شخصيتك.
حنان بعصبيةٍ ترد:
-ليه هو أنا عندي مية سنة؟! اطلعي برا متشغلنيش، روحي ساعدي مرات أخوكِ في المطبخ.
في هذه اللحظة جاءتهما "منار" تهرول بأنفاس لاهثةٍ ثم قالت:
-سبأ شكلها بتولد وواخدينها دلوقتي على المستشفى.
"على الجانب الآخر".
أخذت "سبأ" تصرخ صرخات مدوية ومتألمة وهي تضع يدها أسفل بطنها شاعرةً بقرب انزلاق الجنين من بطنها ليهرول "أنس" حاملًا إياها بين ذراعيه ثم يأتي "الزير" بسيارته فيضعها الأخير داخلها، أسرعت "عزيزة" تجلس بجوارها تحثها على التحمل بينما جلست "حُسن" بجوارها من الناحية الأخرى وأخذت تمسح العرق المنسكب على جبينها لتنطلق السيارة مُسرعة إلى إحدى المستشفيات بأمر من طبيبها المختص بمتابعة حالتها.
ثمة أعين تتابع ما يجري عن كثب، رفع سماعة الهاتف إلى أذنه وقال بلهجة حادة:
-الحلوة باينها بتولد يا كبير!
أجابه الثاني بابتسامة ماكرة:
-إنت عارف طبعًا هتعمل أيه؟!
أومأ وأجاب بابتسامة متشفية:
-هقتلها وأسرق الواد!!!!!!
يتبع
#علياء_شعبان
الفصل دا أحداث تعريفية خفيفة بخصوص الأبطال♥️♥️
كل عام وأنتم بخير.. عيد سعيد😍

حَرم السفَّاح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن