من تكون حقا؟!

Start from the beginning
                                    

رأتها تنظر إليها بعدما انتهت من عناقها مع شقيقها وتبتسم بغرابة...كما لو كانت تتفحصها وتقيمها.
تقدمت نحوها بخطوات سريعة متحمسة والتقطت كفيها هاتفةً "أنتِ دليلة صحيح؟ لماذا تبدين امرأة عادية للغاية؟"
رمشت الأخيرة عدة مرات كمحاولة لاستيعاب ما يحدث....لكن شيرين لم تمهلها الفرصة وجذبتها من يديها نحو عادل سائلة ببراءة مختلقة "أنت مهووس بتلك المرأة للغاية رغم كونها غير جذابة!"

سحب عادل دليلة من مرفقها نحوه برفق وأظهر الامتعاض من سلوك شقيقته عديم التهذيب تجاهها......لم يكن بحاجة إلى الكلمات كي يجبر الآخرين على توقيره و احترامه، هو فقط يرسل إشارات مخيفة عبر عينيه لقلوب الأعداء.
لم تتوقف شيرين في الحقيقة عن تفحص دليلة لكنها توقفت عن إهانتها بالحديث بطريقة غير مباشرة انصياعا لأوامره الصامتة.....لم يخف عليها شعوره العميق بالدهشة لرؤيتها....بل هي تعتقد أنه حتى يشك فيما تراه عيناه.

حين فُقدت لم يعرف لها مكانا ولا ملجأ البتة، واشتد الأمر عليه حين صارت الشرطة تفترض اختطافها للمرة الثانية من العصابة بعدما أوهمت العائلة الثاكل أن ابنتهم ماتت!!

"منذ متى و أنتِ تخفين أمر وجودكِ على قيد الحياة عني؟!"
اخترق صوته الكئيب أفكارها..يعتب عليها بصورة قاسية كما قست عليه الأيام من رحيلها....
نظراته أوحت لها بما حمل في صدره من كمد و تعاسة لمدة لا بأس بها..ظنا منه أنها قد لقت مصيرا عصيبا و مازالت تلقاه.
لم يتلق منها جوابا واضحا عدا اعترافها أنه كان بإمكانها مقابلته منذ مدة لكنها لم تفعل....كانت عاجزة عن رؤية وجهه بلا سبب واضح "بالنسبة له" واستمرت بكل جهدها في تتبع أخباره و تفاصيل حياته عن بعد...لكنها لم تتواصل معه قط!

لماذا؟!
تساءل في نفسه بعدما تملكه الغضب من استهتارها بمشاعره و استخفافها غير المبرر بما يلقاه من عذاب كليلٍ لا نهار له إثر الحادث الذي وقع لها....إن كانت أمامه الآن في تمام العافية فبالتأكيد الرجل الذي اختفى بعدها بأيام سيكون أيضا على قيد الحياة....يترصده من مكان ما ليرى كيف يحيا بدونه..

تنهد بعمق متأهبا بقدر ما استطاع لسماع الصدمة التالية ثم تشدق متسائلا "هل أبي كذلك على قيد الحياة؟ لقد اختفى بعدما اختفت جثتكِ بأيام.."
لم يبدُ عليها رغبة في كتمان الأمر عنه، لكنها ظلت صامتة تطوي شفتيها للداخل و تنظر بنظرات ذات معنى نحو دليلة المصدومة مما تراه و تسمعه...
فهم سريعا ما تعنيه لكنه لم يحرك ساكنا و همهم لها لتتحدث غير عابئ باعتباراتها للولاء و الغرباء...في نفسه تغلب عليه مظنة أن دليلة ليس واشية، إلا أنه لا يبوح بأسراره و دواخل حياته لأي إنسان قط..فما بال مكره يذهب هباءًا أمامها؟!

"اجعلها ترحل...إن أردت معرفة الحقيقة عليك سماعها وحدك"
قالت بفظاظة و ألقت بجسدها على الأريكة ثم طالعت دليلة بعيون جارحة كتعبير أقل قسوة على أنها دخيلة لا تنتمي لهم و لن تكون.

الزهور الجنائزية || Funeral flowersWhere stories live. Discover now