لمَ لم تقتلني؟!

Start from the beginning
                                    

**********

ارتشفت من كوب الشاي الموضوع أمامها رشفة صغيرة ثم شرعت في سرد ما حدث الأمسية الماضية دون أي تحليلات و فرضيات خاصة منها كيلا يقوم الرقيب بتحطيم وجهها بقاعدة المسدس كما حذرها منذ قليل...

"بعدما انتهينا من الرقص جلسنا نتحدث، و حاولت أثناء ذلك استخراج معلومات بنه بطريقة غير مباشرة أثناء سكره، لكن الأمر كان صعبا للغاية لأنه رفض البوح بأي شيء عن حياته عدا شيء واحد..."
أعادت خصلاتها المبللة بالعرق البارد للخلف بأناملها الشاحبة و ازدردت لعابها كأن ما سترويه بالغ الأهمية و يحتاج لاستعداد ثم استطردت..

"قال أن له أب يعتقد أنه مختل مثله و يقوم بأمور غريبة مؤخرا. هو يعتقد سلوكياته الأخيرة تلك_أعني والده_رائعة وفنية لكنه لم يخبرني ما هي"
نهض عبدالله عن مقعده و دار حوله مقتربا من مقعدها ثم انحنى بركبتيه أمامها بانتباه شديد و طالعها مباشرة في عينيها بينما يسأل "هل تحدث عن والده بصيغة الحاضر؟"
أومأت ببطء و نظراتها المترقبة ترمقه بطريقة لم تعجبه حقا...انفعاله عليها قبل دقائق لم يكن بسبب عيب في عملها أو حديثها إنما بسبب الضغط الذي يتعرض له لشعوره بالمسؤولية عن حياتها و سلامتها. ليس معتادا أن يهتم أحدهم لحياة غانية..لكنه يهتم و يعتقد اعتقادا مصدقا أنها امرأة عفيفة لم تقم ببيع نفسها بإرادتها...
حينما جاءت إليه في المرة الأولى كانت خائفة و تعتقد أنه ملجأها الوحيد...قالت أنها تود حماية الشرطة و تود التدليل على رجل عصابات حصل عليها من شبكة إتجار بالبشر و هي لا ترغب في هذا العمل بل و تتضرر تضررا جسيما منه! عرف هو بعدها أن ذلك الرجل الذي تجاسرت هي عليه و أبلغت عنه الشرطة كان المجرم المطلوب على قمة لائحة مكافحة المخدرات و قضايا القتل المرتبطة بالجنس...!
نعم، كان تخمين عادل العشوائي بشأنها صحيحا و دقيقا بطريقة مذهلة...كل شيء توقعه بشأنها عدا كونها تحدرت من أسرة فقيرة كان صائبا لكنه حتى الآن لا علم له بهذا.

نهض من القرفصاء و تجول بهدوء حول نفسه..واضعا يده على جبينه كي يستطيع التفكير. لا يعتقد أن تلك الكلمات التي هرتل بها عادل في سكرته كانت عبثا أو بلا معنى، إنما الأمر خطير و متصل برجل من المفترض أنه...ميت..

"رشاد العمري" نطق بها ثم نظر إليها و استطرد موضحا كأنه يتحدث إلى نفسه "ذلك الرجل ليس هينًا لكنه مات منذ سنين..لابد أنه خيال في عقل عادل المختل ينفذ به الجرائم....أو أنه - وذلك أسوأ - بالفعل على قيد الحياة في مكان ما و يرتكب تلك الجرائم"

"و ماذا سيحدث إن كان ما تقوله سيدي؟"
توقف عن الدوران حول نفسه و بدأ يشرح باندماج كأن هذا السؤال تم طرحه داخل عقله "سيكون علينا العثور على المرحوم لمعاقبته"

طالعته بتفهم و هزت رأسها عدة مرات ثم تساءلت عما يجب عليها فعله بهذا الشأن كي تكون ذات فائدة...الخلاص من تلك المهمة الأخيرة كان بمثابة الخروج من الجحيم بالنسبة لها، فمع أول صوت للأصفاد يكبل يدا المجرم و معه القس الذي دمر حياتها تكون قد تخلصت من كل تعاسة في أيامها و تعود براحة لتنام ليلا و تصحو نهارا...و ذلك لمن لم يدرك يعتبر حلما تتمنى تحصيله بعدما صارت أوقاتها ليلا دائما لا ينجلي، فالعمل لا يشتد إلا في الليل..و مادامت - لسبب نعرفه فيما بعد - لديها حرية رفض العمل خارج المكان... و المقصود به الدعارة... فهي على الأقل مجبرة على التواجد ك سمك الزينة أمام الزبائن كي تستعر رغباتهم في المكوث أطول.

الزهور الجنائزية || Funeral flowersWhere stories live. Discover now