الفصل الثاني والخمسون

Start from the beginning
                                    

أغلق الباب و اقترب منه مغمغما بصوت قاتم :
- لسه فاضل ايه تاني معملتوش.
- نعم ؟
- انا عملتلك ايه خلاك تكرهني كده انت ازاي طلعت بالسوء ده ... ازاي هان عليك ابنك اللي عملت فيه كل حاجة وحشة من لما وعي ع الدنيا ... رد عليا !

نهض رأفت من مكانه و دنى منه بتوجس و رأسه ينذره بالشكوك التي غزته و تحقق شكه عندما صرخ عمار :
- انا عرفت كل حاجة يا رأفت بيه مريم قالتلي ع اللي عملته و قولته عليا.

- عمار انا ...
تهدج بتقطع لكن الآخر قاطعه على الفور مبتلعة الغصة المؤلمة بحلقه :
- لما خسرت ابني و مريم هربت انت شوفتني قد ايه كنت متوجع ومقهور عليهم ... ساعتها طلبت منك لأول مرة فحياتي انك تساعدني عشان تلاقيها بس جيت و كدبت عليا.
قولتلي انك ملقتهاش ونصحتني انساها بس انت ... انت لقيتها وقولتلها عني حاجات بشعة لدرجة ... مبقتش قادر حتى ابصلك.

وقف رأفت يستمع لكلمات عمار المتهمة و المعاتبة ، صرخ و ادمعت عيناه وهو يبدي مشاعره و انكساره من والده حتى قاربت أنفاسه على الإنقطاع فتمتم وقد بدأ يشعر بوخزات مؤلمة في صدره :
- انا عملت كده علشانك ... البنت مكنتش مناسبة ليك خالص وانا قصدت احميك منها.

اندهش من حديثه و استنكره بحدة :
- تحميني ؟ مين طلب منك تعمل كده انت مين عشان تقرر مين اللي تناسبني ومين اللي متناسبنيش !
ايوة طبعا لان من لما كنت ولد صغير اتعلمت امشي ع الخطوات اللي انت بترسمهالي اتعودت ع اني انفذ أوامرك ولما شوفت اني بدأت اعيش حياتي بعيد عن عيلتكم و اسمكم و مجتمعكم حسيت بالخطر و خفت ع السلطة بتاعتك علشان كده روحت لمريم و هددتها و حكيتلها عن حاجات محصلتش اصلا !

أنهى عمار كلامه و أولاه ظهره غير منتبه لوالده الذي استند على المكتب وهو يضع يده على صدره بتألم ثم وقف بجمود فجأة و عادت عقاله لصوبها وهو يربط الخيوط ببعضها البعض حتى همس :
- يبقى انت اللي عملت كده فعلا ... انا دلوقتي اتأكدت.

تجعد وجه رأفت بإستغراب و عدم فهم ليلتفت له الآخر و تلمع عيناه بالصدمة و الإتهام قائلا :
- محدش غيرك عرف بجوازي السري و عنوان بيتي وانت اللي كنت بتبعت رجالتك ورايا عشان يشوفوني بروح ع فين... انا كنت مستغرب اشمعنا انت ظهرت يوم هروب مريم بالضبط بس دلوقتي فهمت .... انت ... انت اللي قتلتلي ابني.

شحب وجه الآخر و ابيضت شفتاه برهبة من سوء الإتهام و ضاقت عليه ضلوعه بينما يترجع نظرات الحقد و الإزدراء من إبنه الوحيد ، يا الهي لم يتوقع يوما أن يكون سيئا في عيني ولده لدرجة يتهمه فيها بهذه الجريمة البشعة ، يقتل حفيده ؟ هل كرهه عمار وفقد الثقة والأمان به لهذا الحد ! مهلا هل مات الجنين مقتولا من الأساس !
أغمض عيناه من هول ما ينزل عليه ، و تزامنت وخزات قلبه مع حروف عمار المتثاقلة :
- انا شوفتك اكتر من مرة مع سليم اللي اتضح انه باعني وبيشتغل مع غيري وهو دفعله عشان يسمم مريم ... شوفتك وانت بتديله فلوس و سمعتك وانت بتكلمه عن المهمة اللي محدش لازم يعرفها بس فضلت بكدب نفسي.
قلت مستحيل ابويا يوصل للمرحلة ديه صحيح هو عمره مااعتبرني ابنه و احترم حياتي وقراراتي بس مش معقول يحب ينتقم مني ف ابني اللي لسه مشافش الدنيا.
بس دلوقتي كل حاجة اتكشفت ... و طلعت انت ورا اللي حصل.

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now