1

127 20 20
                                    

ربما وفي مستقبل ما، سيصنّفون هذا الأمر كحقيقة مسلّم بها: تجمّلْ وتزينْ، لن تقابل أحداً.
انهض من فراشك، اقفز نحو الشارع، ستجد مائة من معارفك ينتظرونك عند أول زاوية.

ولكن أن أصادف بيون بيكهيون؟ هذا كثير جداً.

بحلقتُ في صورتي المعكوسة على زجاج النافذة، أناملي مغروسة في خصلاتي المبعثرة تحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، دماغي مأخوذ بمَن يقف على بعد بسيط مني، يعطيني ظهره ويُعجز عيناي عن التمتع بتأمله.

بدأ كل شيء قبل نصف ساعة من الآن، قرقر بطني معلناً جوعه وهذا كان الإنذار الأخير إبان سقوط جسدي مستسلماً أخيراً بعد ثلاث ساعات متواصلة من العمل.

سارعت لتلبية النداء فأغلقت الحاسب ليس قبل إلقاء نظرة أخيرة على سطح المكتب حيث أرسل بيكهيوني لي ابتسامته المشرقة تلك في صورة كان قد شاركها معنا صباح اليوم.

ابتسمت ببلاهة بدوري ثم سحبت محفظة نقودي وكمامة عشوائية من الدولاب، ولم ألقِ نظرة على ما انتعلته في قدميّ حتى. باختصار كان شكلي فظيعاً...

ضجيج تصادم أكياس المعكرونة في يدي هو ما لفت انتباهه إليّ أخيراً، تمتم بشيء ما تحت أنفاسه قبل أن يتجاهلني مجدداً مستديراً نحو باب أمامه يؤدي إلى ردهة داخلية ما.

هل من الطبيعي أن يغار المرء من لوح خشبي؟ مهما كانت الإجابة لن تغير من حقيقة أني فعلت.

ندته ولم أتلقى رداً.
«بيكهيوني
لحنّتها ولكن لا استجابة.

عندما ضرب ضوء كشاف هاتفي في عينه حدجني بنظرة قاتلة لم تؤثر فيّ كثيراً.

ولكن ولأنني لطيفة قليلاً، وأحبه كثيراً، أقفلت الجهاز ودسسته في جيبي قبل أن أقبل نحوه بهمّة لا تناسب مظهري الفوضوي.

اعتقدت أنّه سيستاء من قرعات حذائي على الأرضية وكدتُ أشرع في التغزل بقوة تحمّله وصبره في وجه الإزعاج... ولكني ابتلعت بشدة محرجة ما أن تصادم بصري مع كتلة الفرو حيث حجزتُ قدماي، وأخيراً فهمت لمَ بقيتا دافئتان رغم كل الصعاب!.

«أنا أحبك»
بالتأكيد لم أنوي قول هذا! ليس بهذه الطريقة!.

«نعم؟"
تركيزه ما يزال مع الباب اللعين وكدت أشتمه رفقة اهتماماته الغريبة لولا أن حافظتُ على رزانتي الظاهرية بشق الأنفس، هي ضرورية في هذه المرحلة!.

«أقصد أنني من أكبر معجباتك. أعنيها بشكل حرفي ولكني ما زلت صغيرة نوعاً ما»

إيلجي لينا ما الذي تهذين به؟ لَكم وددتُ لو أستطيع صفع ذاتي فقط! مجدداً نجحت في الحفاظ على رزانتي.

«انظري يا هذه! أعتقد أنك مخطئة. أنا لستُ مَن تظنينه»

كيف أخبره أنّ ترنيمة صوته أهم عندي من جميع التراتيل المقدسة؟

إن نازلتُ جهاز تحليل الأصوات في معركة "الكشف عن صوت بيون بيكهيون" سأنجح وأرسل الجهاز مع مخترعه نحو أبعد قبو.

ولكنه بالتأكيد ليس بحاجة إلى سماع هذه الترهات...

لذا أنا فقط ابتسمت بشرّ من خلف الكمامة قبل أن أحاججه: «هذه الحيل لا تنطلي عليّ. أنا أعرفك أكثر من معرفتي لآخر حبيب لي وحتى لصديقتي المقربة!»

«حسن. التزمي الصمت رجاء»

عاد للتمتمة وأطبقتُ فمي مؤقتاً.

فجأة سطع ضوء غريب في المكان وما لبث أن تلاشى ليعود مجدداً ولكن كومضات متفرّقة مختلفة في الحدة والشدة.

النور الأبيض غطّى على كل شيء وحتى على الرجل الوسيم أمامي، لأنني وفي اللحظة التي سيطرت بها على حواسي أدركته وقد ابتعد عن مكانه الأول وأصبح يقف الآن كصنم ما إلى جوار الباب موضع تحديقه السابق. وعلمتُ أخيراً؛ تلك النقطة هي مسطَع الضوء!.

بدهشة تملّكتني راقبتُ بيكهيون يفتح الباب بلطف قبل أن يتراجع عدة خطوات للخلف.

وحينها ظهر شيء ما في المكان، شخص، بالتحديد امرأة.

امرأة ذات جسد متناسق وعظام طويلة ظاهرة رغم الطبقات الثقيلة من الأقمشة المبهرجة باهظة الثمن التي تغطّيها من جيدها الممسوح حتى أخمص قدميها.

بعد ما بدا وكأنه دهر حوّلت نظري عن السيدة ذات الهيئة المتعالية لأبحث عن بيكهيون والذي -ولتكتمل دهشتي- ما يزال متصنماً حيث ألفته آخر مرة.

فكي سقط للأرض عندما انحنى بشدة وبتوقير غريب يحدّثها بلغة تبدو مريبة لمجرّد وقعها على الأذن.

«ابقِ هناك لبعض الوقت»

أشار إلى الباب حيث خرجت المرأة.

هل يعي ما يقوله؟ كيف سأجرؤ على ذلك حتى!

«لن أتزحزح من هنا»
بصلابة أعلنتُ. وللنظرة العالمة في عينيّ المرأة ظننتُ لوهلة أنّها ربما فهمت ما قلته.

«لا تجادليني رجاء. من الأفضل لكِ ألا تري ما سيحصل. هاه إيري ماذا قلتِ؟»

وهل أقوى على ردّ هاتين المجرّتين الفاتنتَين خائبتَين؟

بأكياسي المجلجلة في يدي وكمامتي مبللة من العرق البارد خطوت بتردد حيث أشار مسبقاً.

لا شيء غريب. لا شيء مخيف. كانت حجرة صغيرة عادية تبدو كمستودع من نوع ما.

حينما اطمأن لتأقلمي مع المكان ارتفع طرفا شفتيه -ولم أعلم متى خلع عنه قناعه- قبل أن يغلق الباب ببطء مغلقاً معه آخر شعاع ضوء قد يصل إلي.

همتُ طويلاً في ابتسامته التي أزاحت جانباً كل تلك الإشراقات من خلف آلات التصوير، ابتسامته هذه هي الأفضل من دون منازع!.

الضوء الساطع الآن كان أقوى من سَلفه، انتشلني بعنف من أحلامي ليبثّ الرعب في كياني مجدداً.

أصوات غير مألوفة وصلت إلى مسمعي تزامناً مع سيل من الكلمات باللغة الغريبة ذاتها من فاه بيكهيون تقابلها بضعة عبارات مقتضبة بصوت السيدة الذي بدا حاداً، ناعماً، مُقشعِراً، وحانياً بطريقة أربكتني.

_

One night | BBHWhere stories live. Discover now