يقول دوستوفيسكي
" لا تكبر إنه فخ "
لكننا كبرنا ، كبرنا ووقعنا في الفخ أدركنا كم أن الحياة شقية ومزحومة بالأقدار السوداء، كم أن الدنيا رخيصة ولا تستحق تعلقنا وتمسكنا بها ، تجافي الطيبين وتأكل من عمر الناجحين الكثير والكثير ، تهاب من يملك سيف النضال في داخله وتكره كل من يعاند اتجاه رياحها.
كبرنا وأدركنا كم إنه من السهل أن يغدر بنا وأن نترك ضحايا غدرًا من أقرب الناس إلينا ، ومن أقرب الناس قد نتذوق كؤوس الخيانات المرهقة، أدركنا كم هو صعبٌ جدًا إن يقام كل جدار ثقةً يهدم بين قلوبنا وقلوب الواثقين بنا ، تعلمنا عند كل أبواب الخيانات ألا نعاود سكب الثقة في قلوبٍ ليست سوى مجرّد قلوب عابرة ومثقوبة النبض يدنسها النفاق، غالبا ما يخفي غبار صدقها معالم نفاقها ، قلوب تعطي عكس ما تعطيها.
كبرنا وأدركنا كم أن للحزن شعورًا عقيمٌ لا يثمر في قلوبنا غير البؤس والضيق ، يغزو دواخلنا ليجعلنا نرتدي الأيام ثقال وننحي تحت أقدام قلوبنا ، يقاسمنا البكاء ويمسح رماد احتراق نبضاتنا من على جدران صدورنا.
كبرنا وأدركنا بأن للكآبه لون رماديّ بشعٌ للغاية ، خالي من تفاصيل الحياة لا شئ فيه ينبض ولا فرح فيه يطول ولا سعادة منه تقترب ، يتركنا في صراعِ طويل مع أمواجه، فلا نحن فيها نغرق ولا من صراعِ موجها نتخلص ، يظل النضال مشتعلٌ بيننا دون أن يعلن أيّ منا نصره.
كبرنا وأدركنا بأن أغلب المواقف التي تصادفنا سلاحنا فيها الصبر والتجاهل والإنتظار .
كبرنا للحد الذي أفرطنا فيه في البقاء وحدنا لساعاتٍ طوال ونحن لا نُطق غير الصمت ، متلحفين بالهدوء والسكون وكل الساعاتِ تمضي وهي تسرق من كيس أيامنا العمر .
فقدنا لذة الحديث والتقريب والتعلق بأغلب الأشياء من حولنا ، دائمًا ما نشدّ من ثباتنا وقوتنا .
كثيرًا غدر بنا وكثيرًا سلب الضحك منا ولكن برغم من كل ذلك لا يزال يجتاحنا جنون النضال للحفاظ على أنفسنا ، ودون أن يلاحظ أي أحدهم سقوطنا في داخلنا.
" نعم كبرنا ، كبرنا ووقعنا في الفخ "
****