الجزء الثالث والثلاثون

9.2K 152 82
                                    

*
*
{ الليّث }

كان واقف بالمطبخ المتواضع .. ويجهز الفطور للأشخاص اللي جاءو بحياته بيوم وليله .. كان ملاحظ صدمتهم وخوفهم من وجوده .. شلون يستوعبها عقل .. أخ بعد اربعة وعشرين سنة ؟
بس هو تقبّل الموضوع .. والأهم تقبّل وجودها هي بالذات .. وبعد فكرة كونه يتيم ومقطوع من شجرة صار له أخت يداريها وتداريه .. كان رافع كمه ويصب القهوة بالدلة .. ومن حس بصوت خطوات تقترب من المطبخ .. ألتفت وناظر لعبد العزيز اللي يحك عينه بنعاس : وليه ما صحيتني قبل هالوقت ؟
ناظره الليثّ بإبتسامة وقال : قلت أجهز الفطور ثم أنكس(أرجع) أصحيك
ركز عبد العزيز نظراته على ذراع الليّث اللي كان واضح عليه آثار حرق
والليث على طول تدارك الوضع ونزل أكمامه وهو يصد عن عبد العزيز .. كان كلامه يكفي عشان يصدمهم فيه .. شلون الحين يلاحظ آثار الجروح اللي تسببو بها اخواله وللآن باقية على جسده ؟
تنحنح وألتفت وهو يوقف قدام عبدالعزيز وقال بهدوء : أدري الموضوع صعب تصديقه .. وأنا مثلك ومثلها بالبداية ولكن بعدها ياعز الموضوع حقيقة ولابها جدال .. أنا بن عناد وهي أختي وهالشيء لازم تستوعبونه
عبدالعزيز كان يناظره وملاحظ إهتزاز صوته من قوة الموقف .. ولكنه أكتفى بهز رأسه ويبتسم بضيق وقال : يصير خير يا بن عناد
تلهف قلب اللّيث للقب اللي فارقه سنين طويلة وأبتسم برحابة وهو يسمع الآذان : أجل صحي بنت عناد لأجل نفطر
وقبل يلتفت عبد العزيز ويتجه لغرفتها اللي ياما تأمل بابها لليالي طويلة .. حتى أنفتح الباب وخرجت منه وهي تشتت نظراتها للمكان .. أبتسم الليث وصد عنها بصعوبة وهو يمسك نفسه بالقوة عشان ما يحضنها وكمل تقديم الفطور .. وعبد العزيز تنهد وهو يمسك ذراعها ويشد عليها بحنيّة وهو يجلسها جنبه وكفوفها بكفّه .. وكأنه يقول " أنا معش " .. وهذا كان كفيل بأنه يضفي راحة ويزرع شعور الأمن بقلب كل شخص خايف !!
جلس الليّث قدامهم وهو يصب القهوة ويقدمها لعبدالعزيز اللي خذى الفنجان بهدوء
رفع عيونه وناظرهم بخُفوت وهو يحاول يفهمهم إنه مو شخص غريب .. ويكفي الغربة اللي عاشها سنين طويلة .. ماعاد يبي يعيش هالشعور وهو مع أخته ! كانت مجبورة تتقبله بسرعة عشان ما تأخذ الغربة باقي سنينهم منهم !
مع ذلك حاول ما يبّين ضيقته من السكوت والصمت .. بدأ عبد العزيز يأكل لعل الجادل تتجرأ وتأكل وراه ولكن هيهات .. كانت تناظر للصحون بصمت وبرأسها ميّة موال وبقلبّها مية شعور .. ولاهي قادرة تعبر عن شيء
كانت تختلس النظر له بين لحظة ولحظة .. وهي شابكه يدينها ببعض لدرجة إن مفاصل أصابعها البيضاء كانت بتصدر صوت قرقعة من شده إنقباضها
تنحنح الليّث وهو حالف يقطع هالصمت وقال وهو يعدل جلسته : أنا جيت هالبيت قبل سنة ونص .. وقلبت أنا والحكيم الجار الوضع رأس على عقب عشان المفتاح .. وبخاطري أعرف من الذكي اللي تركه تحت الفراش اللي جنب الباب ؟
عبد العزيز ناظره بنص عين وهو كاتم ضحكته ووده يقول " الحين هذي سالفة تنقال ؟ "

ولكنه ألتزم الصمت وهو عاذر حماسه وسخافته وما تكلم وهو ينتظر الجادل تتحرك وتتكلم .. ولكنها بقت صامتة
والليّث رجع يقول وهو يعدل جلسته : لقيت المفتاح وخلاص .. ودخلت هالبيت إلا أنصدم ببسه خرعتن وخلتن أحب الأرض من الخـوف
ضحك عبد العزيز غصب عنه على ملامح وجه الليثّ .. وهو أنبسط إنه قدر يضحكه والحين كان دور الجادل ولكنه سكت بصدمة وهو يشوفها ترفع رأسها وتناظر بهدوء : كم عمرك !
رمش بعدم إستيعاب لسؤالها مع ذلك فرحته كانت أكبر إنه سمع صوتها وإنها تكلمت معه ..
عدل جلسته بفرحة ماقدر يكتمها وقال بحماس : عمري ثلاثة وعشرين
هزت رأسها بإيجاب وهو قال بإبتسامة : أنتي أكبر مني بسنتين .. يعني لازم تحنين عليّ بالضعف
ناظرته بهدوء وهي تتأمل وجهه كان أسمر ولكن واضح سماره القوي ماكان له .. قد ماكان واضح إنه بسبب الكد تحت الشمس والتعب .. تأملت ملامحه تفاصيله وجهه .. دقنه عيونه .. سمحت لنفسها تدقق بكل وجهه وكأنها تحاول تستوعب اللي صار .. ولا صحاها من سرحانها الا يد عبد العزيز اللي شد على يدينها
رمشت بضيق وهي تميّل شفايفها والليّث أبتسم وقال : معليتس يالجادل .. أهقى(أظن)إنتس بتتقبليني بيوم من الأيام .. لامنتس دريتي إني تعنيت واجد لأجل ألقاتس
ناظرته وهي ساكتة وهو ما ترك مجال للصمت يدخل بينهم .. بكل فرصة كان يعلق على كل شيء ينقال ويسولف وهو يضحك وكأنه يعرفهم من زمان .. ماباقي سالفة ماقالها ولا باقي نكتة ما ضحكهم بسببها .. كان طاير بالسماء ومبسوط والفرحة بلغت فيه ما بلغت .. بعد سنين الهم والضيق صار له أخت يفتخر بها قدام كل شخص يقول إنه مقطوع من شجرة !
عبد العزيز كان ملاحظ ميانته اللي طيّحها بدون سابق إنذار ولكنه بدأ يتقبله من لمح الرضا والإستيعاب بعيون الجادل .. اللي كانت تحاول بكل قوتها تبدأ تصدق وتتقبل الوضع .. الليّث ماكان معطيها فرصة عشان تكذب أو تنسحب من حياته .. كان مُصر يدخل نفسه بحياتها بكل قوته .. أعلن حضوره ودخوله لحياتها بكل قوته وهي ماكان عليها إلا تتقبل الوضع !
كانت تتأمله وهو يسولف .. ولكن لسبب ما
ولطول المدة اللي أفترقو فيها عن بعض .. واللي ماكانو يعرفون بعض فيها كانت تظن إنها بتحس إنه غريب ! ولكن اللي صار إنها آلفته لدرجة ظنت إنه كبر وهو يداريها ويلعب معها طول وقته !
إنسحب بعدها اللّيث لما أقامو الصلاة وعبد العزيز خرج معه .. تاركين وراهم الجادل .. تفكر بكل اللي صار معها .. بكل المواقف اللي تستدعي التفكير
تحاول تخرج من الموضوع بأقل الضرر ..
وفجاءة من بين تفكيرها أنفجرت تبكي بقوة وهي تغطي وجهها بكفينها وتشاهق بقوة .. ولكن بكاءها هالمرة كان"فرحة،وعدم تصديق" من كان يظن بعد كلامهم وكسرهم مجاديفها بكل مرة وسخريتهم بأنها شخص ماله سند وماهي إلا ثقل على كتوف اللي تعرفهم .. يكون عندها أخ ؟
بكت فرحة وهي تنحني وتسجد بعدم تصديق وهي تلهث بالحمد طوال الوقت .. وكأن توها تستوعب
كانت بتدعي من كل قلبها على اخواله اللي فرقوه عنها وظلموه سنين طويلة ..
تنهدت بضيق وهي تمسح دموعها : أهم شيء إننا ألتقينا وآسفي على سنين مضت وأنا أظن إن مالي سند
وهو يظن إنه يتيم .. وحسبي ووكيلي الله على كل شخص ذوق هالليّث ضيم
--
--
وعدّى أول يوم بوجود الليّث بشكل غرِيب .. ما تصادف مع الجادِل ولا هي قدرت تظهر وتبان قدامه
كانت باقِية بغرفتها طول الوقت !
عبد العزيز كان متشتت .. والدنيا تروح به وتجي .. كان ضايع وحيل .. يلقاها من أي جهة ؟ ويحارب بأي جبهة عشان ينتصر ؟ بس بنفس الوقت كانت مِنقاد لها .. ويحاول يداريها بكل فرصة .. كان طول وقته يطبطب عليها ويسانِدها .. ويسعدها بشتى الطرق
وبعد أذان العشاء من اليوم الثانِي .. خرج من البيت وهو يلتفت بإستغراب لغياب الليّث طول هالمدة
عقد حواجبه وهو يشوفه يجهز شبّة النار بمكانهم المعتاد .. وبيدينه إبريق شاي ويهف بيده الثانية النار لأجل تشتعل .. تقدم بخطوات هادية لين وقف جنبه وقال : حيّا الله بن عنّاد .. منت بهيّن
رفع رأسه الليّث بضحكة .. وصدره منشرح من لقبه اللي سمعه وكثير .. ولكن هالمرة كان غير : حياك يا بن راجح .. ما نتعداك
أبتسم وهز رأسه بإيجاب .. ورفع الفروة وهو يغطي بها رأسه .. ومن جلس عبد العزيز بالجلسة وقدام شبّة النار حتى قابله اللّيث وهو مبتسم .. وبدأ يسولف معه بلا وجهة ..

من قريت الشعر وأنتي أعذبه من كتبت الشعر وأنتي مستحيلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن