الأوحدُ.

428 27 9
                                    

السّقف و الصّمت.

فتحتُ عينا واحدة، و إنكمشت الأخرى في تعب و إنزعاج من أشعة الشمس الغزيرة فوقي.

كان سقفُ غرفتي شيئا لم أحبذ النظر إليه اليوم، عكس المعتاد، مللت صموده، و وقوفه الدائم بقوة في الأعلى، أ لا ينهار؟ أ لا يشعر؟ ألا يخاف المرتفعات؟ ألا يمل الجمود؟

هل هو يحسدني على قدرتي على التحرّك ؟

دلكتُ عيناي و جلست على السرير، أبتسمُ ناحية الكومة القماشية الصغيرة المعقودة بقرب وسادتي، تملكُ رائِحة الصّنوبر و الشتاء، ترخي كل عظامي التي رميتُها على السّرير ليلة أمس.

و الكوبُ الصينيّ الفارغ بجانب سريري الذي إحتسيتهُ بالأمس.

كم أنتِ تلمِسينني بِدون أَصَابع يا أمي،كيف أكونُ بدونكِ.

آه يا أنا.


أشعر أحياناً بالضجر، الضجر من الأحداث المملة التي قضمتها لسنوات، والتي كانت رطبة و عديمة الطعم وخاملة في عقلي، تظهر في لحظات لاحقة على شكل تذكار للمعاناة، عدة مشاهد مكررة مُرهِقة، و مُضجِرة.


كمشهد الشعور القاسي جداً بإستقبال العالم مجدداً عند الإستيقاظ... كما الآن.

لازمني ذلك الشّعور ثمانية و ثلاثون سنة في كل صباح.

أن أعيش الصباح بشكلٍ مُكرر لهوَ شيء مُرهق.

مشهدُ الأزقَة، نفسُ الأوجهِ في الجامعة، نفس المشهد على عتبة الباب، نفس الذكريات و الأغنيات.


لكن الضجر الذي شعرتُ به اليوم عندما كنت أحدق بنفسي، يداي تستندان على قطعة الرخام الباردة، و عيناي ترتعشان على الرجل أمامي، بكل عمق و هدوء، لا يضاهيهِ شيء.

ضجرت من عيناي و مَنظرهما الدائم على نفس البقعة من وجهي، شعري الكثيف، فَكي و جسر أنفي، لقد ضجرت حقاً صورتي في المرآة.

لا أعلم كيف سأستمر حياً و أنا أحمل هذا الوجه معي.

أكره أن صورتي في رأسي لا تشبه جداً صورتي على المرآة.

في لُبّ عقلي، أنا هيجان أزرق فائضٌ.

مفترسٌ عظيمٌ لكل الأحزان الغامضة، واسع و بلا إنحصار،مظلمٌ و لا ينتهي قاعي،مليء بالأعاصيرِ التي تعصف و تقتلعُ كل شيء.

"Untitled"- TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن