🍠° جزر وفجل °

49 11 0
                                    

(🍠🍠)

لطالما كنت قريبا من الطعام ..او ربما هو من وجد له مكانا في نفسي . بطريقة او بأخرى شعرت بالراحة عند اختلائي بوجبة دسمة ..راحة تفوق مرارا الحديث للبشر من حولي ..

هل هذا طبيعي ؟

عموما ، كنت آكل وفي ذات الوقت كنت اتأمل البشر ..الكثير منهم . ما جعل لي الكثير من القصص
رواد المقهى ..رئيسي ..زملائي ..الكثير مما يسجله ذهني بصمت لدرجة اعتدت ذلك . المشاهدة من خلف الجدار الرابع حتى ان الاستنكار كان يعتليني ان وجه الي حديث مباشر او حاول احدهم مناقشتي في أمر ..

اعتدت الصمت حدّ ظنوني أحمق وحدّ حسبتني ابكم ..وبما ان الممسحة ودلو الماء لم يساعدا كثيرا في منحي بعض ^الكاريزما الاجتماعية^ بل جرف خيش التنظيف كلها .

وربما لا ملامة ..
ولست اعني  الاغنية
حسنا .. انه حامد ..عامل نظافة ..هل كنت ستنحني مثلا لاجل عامل نظافة ؟

كانت حقيقة ..بطريقة او بأخرى ذلك ما انا عليه . واقف على عتبة السلم الاجتماعيّ ..في الدرجة قبل الاخيرة أي اعلى بقليل من عون البلدية ..^الزبال^ ان كنت تفهم قصدي ..

كلانا يقوم بذات العمل ..لكنه يحضى بإزدراء أشد

اعتذر لعبثي بمشاعرك . بغض النظر عما راودك وانت تقرأ هذا لكنني لم استطع ان امنع عقلي من الغرق في كل تلك التلافيف الفكرية الضيقة وانا اراه .

من خلف زجاج المقهى الذي كنت امسحه ، كان هو يجمع اكياس القمامة من الحاوية في شارعنا . الجو ماطر وبارد . كان مشهدا عاديا له تقطعه سيارة مارة تتباطئ سرعتها عند قربها منه ليرمي صاحبها من نافذته قارورة بلاستيك فارغة وبضع مناديل ورقية مستعملة على الرصيف ثم يستكمل طريقه بسرعة راشقا عامل النظا.. لا مهلا ! ..بل ^الزبال^ بمياه المطر المتسخة ..

كان هذا عاديا كذلك ..

حتى النظرة الهادئة على وجه العامل وهو يتبعه بأنظاره في صمت ، تنهده الذي لم تصلني حرارته من خلف الزجاج ..او ربما فقط ابتلعتها برودة الجو خارجا . ثم انحنائته لجمع الفضلات واستكمال عمله .

كل ذلك كان معتادا . لا جديد ، مشهد كلاسيكيّ لمسكين من ضحايا القرن العشرين الذين يسممهم الاستهلاك المغلوط للعولمة ..اعني بذلك السائق

مع ذلك وجدت شيئا مختلفا بي .
فكرت لعلها حالة الطقس التي تعطي تأثير تراجيديا سينيمائية مألوفة ..قد ايقظت في لاوعيي شيئا اجهله .

بدى ذلك منطقيا وكافيا لتبرير فكرتي . وانا استدير باحثا عن معطفي وكوب قهوتي الذي لم اشربه بعد قبل ان اتجه للخارج .

" لقد ابتل واتسخ ، لن ينفع "
كان تبريري الوحيد لنظرته المتسائلة بينما امنحه المعطف .
ألححت في صمت حين تجاهلت رفضه المحرج ومددت كفي اسبقه لفتح سحاب معطفه .

انصاع لي بصعوبة . بعد ان جررته للوقوف تحت مظلة المقهى لنكمل جدالنا . بدت لي حماقة ان نبتل نحن والمعطف الثاني قبل الوصول لحل .

اخيرا كانت عبارة
" اليوم في بدايته ، أستعمل وانت مبتل ؟! انا دائما هنا ..اعده لي غدا "

هي ما اقنعه . ووافق . ثم دفعت له القهوة وعدت ادراجي قبل سماع شكر او اعتراض

لم احتج كليهما .
تابعني بنظراته وانا اعود للداخل لامسك الممسحة

" حظا موفقا يا زميل "
لا اعلم ان سمعها ..لكني اعلم انه ابتسم وضحك . شيء من السرور اعتلاه ، لوح لي وذهب

معطفي الذي كان يحجب بزة عملي الرمادية حجب هذه المرة خاصته الفاقعة البرتقالية . نحن واحد رغم كل شيء

شعرت ان زمالتنا تلك ان صح القول قد اسعدته اكثر مما فعل المعطف او كوب القهوة الورقي شبه الساخن  .

شيء ما داخلي وكزني بطرفه . نظر لي بلؤم بينما يهمس لي بكونه يعلم . يعلم اني لم اساعد الرجل لاني طيب ..فعلت لانه 'زميل' لربما رأيت فيه شيئا مني ..فأردت نصرته لأجلي ..

ازعجني ذلك

وفي عادة  هربت اليها قررت تطبيق فلسفتي الفريدة على الموقف ..فيما ابحث لنا عن مكان في الهرم الغذائي ..

عله يكون جزرة وأكون فجلة
شبيهان باختلاف

يغمرنا التراب ، لكن لهذه الجذور الكثير لقوله حيال دورها الذي تلعبه في الاسفل ..مغمورة في القاع
على الاقل انا آمنت بذلك وابتسمت ..

هل لك في المرة القادمة ان تحشر غلاف العلكة في جيبك ان لم تجد له حاوية ..وان تترك اغلفة وجباتك في سيارتك حتى تجد لها مكانا لرميها ..والا تلصق اللبان تحت الطاولة ان اردت التخلص منه ؟!

اعلم انك لا تفعل هذا بالمنزل ، لألا ترى والدتك منحنية لتجمعها او تنظفها ..او لكي لا تجبرك انت على فعل ذلك بنفسك

فقط لا تفعل ذلك خارجا ايضا ..حيث ننحني نحن لنلتقط وننظف ..

هل لك ان تفعل ؟!

خُطّ في
_04_09_2022_


Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
خــالٍ من الدّســــــمWhere stories live. Discover now