القصة العاشرة

28 0 0
                                    


#إذلال

تضع  راحة يدها على بطنها المنتفخة بجنين  تنتظره بعينين تغيمان دمعا ، كأن ولدها أمامها تُربت عليه بحنو .

أصوات بجانب الباب  تخبر عن وصوله  ، انتفض قلبها وتسارعت نبضاته ، رفعت عينيها لباب المنزل ، سمح عقلها لتلك العينين بالاتساع تهيؤا وتأهبا.

نهضت تتفقد ولديها التوأم النائمين، قّبلتهما بحرارة، كأنها ستفارقهما .

دخل ببزته السميكة كقلبه ، وحذائه الاسود  الذي يشابه فعله ، تعب العمل واضح على ملامح وجهه المتجّهم وفمه المتشقق إزداد بشاعة مع التدخين .

لم يُلق لها بالاً ولم يُرحّب ، مر أمام تمثال واقف متأهب ،  يده تحمل جوالاً ملتصقاً بأذنه يُلقي السِباب على طرفه الآخر وأوامر لطالما شبعت منها وارتوت .

" كيف لم يعترف ذلك ال... الحقير أريد زعيمهم الذي يتاجر بها وإلا لن يحدث معك طيب "

ثم قذف الهاتف على  السرير بجانب الصغيرين مقطب الجبين

أخرج من بزته العسكرية سيجارة  أخذها  كعادته ممن يعتقلهم  بتهمة الاتجار بالممنوعات  .

شهقة خفيفة صدرت من جوفها حين أمسك ذوائبها بقوة ، سرعان ما تزايدت وتعالت  بسبب يديه  اللتان تتفننان في شد شعرها ، يدها فوق بطنها خوفا على طفلها والثانية على قبضته القوية .

"  أ تمثال أنتِ ، إنقلعي وحضري لي شيئاً يسد جوعي "

أفلتها ،  جسدها خانها فأبي إلا أن يرتطم بالأرض  ، دموع متحجرة تكافح عدم النزول ، وجنينها يرفس مقهورا .

وضعت الطعام أمامه متحاملة على ألم سقوطها ، لم يأبه لأنّاتها لإنشغاله بهاتفه ، تلك البسمة   تراها يومياً لكن ليست لها .

حين انحنت تضع إبريق الماء رأت بعض من كلمات الغزل ، تذكرت ماضيها السعيد أو البئيس ، تمنت لو تغّيره.

بسمته تلك طالما شهدتها وأغدقتها بالحب ، جمله المغازلة أخجلتها وأحبتها ، سأجعلك ملكة ، جملة أخطأها فأصبحت عبدةً لسيدها .

كم تخاصمت مع والديها  ولم تصدق قول أبيها أنه ليس على صراط مستقيم

هجرتهم  ، فهجرها هو وأبى الرحمة .

تتعالى صرخات دواخلها وتنوح بؤسا لحالها ، ثلاثة سنين تراقصت وجعا ، وأهلها نفوا أي صلة بها .

كارتجاف صحيفة في الرياح كانت يدها ، تضغط اسم والدها لكن تتراجع في آخر لحظة ،  تعاود من جديد حتى فاض بها  وعدم ردهم لها ذبحها .

حزمت أمتعة عدة واحتضنت أطفالها عازمة الاستنجاد بأهلها .

نظرة باكية من والدتها ، والعتاب والألم بكشرة والدها .

تفحصت وجهيهما وبعينيها استنجدت وطلبت السماح ، قدمت طفليها اللذين يطالعان الوضع بحيرة ، يقّلبان النظرات بين الوجوه الواجمة .

صرخ الأب وتكلم ، والأم تحاول أن تجعله يرحم

"إذهبي إلى من تركتنا لأجله ، فليس لنا بنات هنا "

حاولت الأم التكلم لكن نظرة واحدة من زوجها جعلتها تتنازل 

ورمى بها خارج البيت ، هي والصخر سِيّان .

رجعت مذلولة ، صعقت متقهقرة للخلف تستوعب الصدمة ، زوجها وغريبة على فراشها ، لملمت الفتاة ثيابها  تستر عورتها أما هو ، أخذ سيجارة محشوة وملا بها صدره ، ارتدى سرواله وجلس ببرود   .

جوفها مزدحم بالإذلال والإهمال ، والحرمان والخذلان ، واُتخم بالآلام.  حاولت أن تبتلع ذلك وتسكت كالزمان ، رفض واسترجع كل الذي في جوفه ، صرخت كالمجنونة صوتها بح  ، بكاء الصغيرين يعلو خوفا منها ، وهو فقط يدخل أدخنته بدل صوتها

وقعت تحت عينيها ، حديدة سميكة تفي بالغرض ، تداركها وتصارعا عليها  ، طارت وسكت الصوت وعم الهدوء .

وصل الوالدين عازمان علي الصلح وأخذ ابنتهما  ، دخلا  فصُعقا ، إرتجفت ثناياهما

رجل عارٍ  يبرك أرضا كأن الزمن توقف عنده وسيجارته تحرقه دون أن  يشعر ، يصوب ناظريه نحو زوجته المضطهدة خاوية الحياة والقلب، كانت تنظر لصغيرها المضرج بالدماء وقد فارق الحياة. وتوأمه ترقد بجانبه تحاول أن تصبح مثله .

قصص متنوعه 2Where stories live. Discover now