ملخص كتاب الوجودية منزع إنساني- الفكر الوجودي: نشأته وتطوره لجان بول سارتر

Start from the beginning
                                    

3- الوجودية المُلحدة ومسئولية الإنسان

إن "الوجودية المُلحدة " – التي يمثلّها سارتر وطبقًا لرأيه – هي الأكثر تماسكًا؛ فهي تعلن أنه إذا لم يكن الله موجودًا، فإنَّه يوجد على الأقل كائن يكون الوجود لديه سابقًا للماهيّة، كائن يوُجد قبل أن يكون قابلًا للتعريف وِفق أي مفهوم، وأنّ هذا الكائن هو الإنسان. ولكن، ماذا يعني أن الوجود سابق للماهيّة؟

هذا يعني أنّ الإنسان يُوجَد أولًا، يلتقي بالعالم وينبثق فيه ويتجانس معه ثم يُعرَّف بعد ذلك. وهكذا فلا وجود لطبيعة إنسانية، بما أنّه لا وجود لإله يمكنه تصوّرها. لا يكون الإنسان إلا على نحو ما يتصوره هو عن نفسه، لا يكون الإنسان شيئًا آخر سوى ما يصنعه بنفسه بعد هذه الوثبة نحو الوجود. ذلك هو أوّل مبدأ للوجودية – ( الإنسان صانع نفسه ) وهو ما يُسمّي أيضًا بـِ ( الذاتيّة ) - .

وهكذا فإن أول مسعى للوجودية يتمثّل في جعل كل إنسان متملّكًا لوجوده، ومتحمّلًا المسئولية كاملةً عن وجوده. وعندما نقول إنَّ الإنسان مسئول عن ذاته، فإننا لا نريد القول بأنّ الإنسان مسئول عن فرديته الضيقة فحسب، بل مسئول عن كل الناس.

وهكذا فإنّ مسئوليتنا أكبر بكثير مما نستطيع تقديره إذ تلزِم الإنسانية كلها، فإذا كثنتَ عامِلًا وفضَّلت أن تنخرط في نقابة مسيحية مثلًا، وكنت تريد من هذا الانخراط أن تبيّن للناس أن الحلّ المُلائم للإنسان في الواقع هو الخضوع، وأن مملكة الإنسان ليست على الأرض وإنها هي في عالم غيبي – الجنّة - ، فأنت بذلك لا تُلزِم نفسك فحسب، بل تريد أن يكون خضوعك قدوة للجميع؛ فيكون اختيارك بالنتيجة قد ألزم الإنسانية بأسرِها.

4- القلق

يعلن الوجودي بأن الإنسان كائن قلق، وهذا يعني التالي: إنّ الإنسان الذي يلتزم وينتبه إلى أنَّه ليس من يختار ما يكون عليه فقط، وإنما يختار نفسه في الوقت الذي يختار فيه الإنسانية برمّتها، لن يكون قادرًا عندها على الإفلات من الشعور بمسئولية تامّة وعميقة. ومن المؤكد أن كثيرًا من الناس ليسوا مَهمومين،ولكننا نخالهم يوارون قلقهم ويتهرّبون منه، والأكيد أن الكثير من الناس يعتقدون أن تصرفاتهم لا تُلزِم إلّا ذواتهم، ومتى قُلنا لهم : لكن ماذا لو فعل كل النّاس مثلكم ؟ أجابوا : لا يفعل جميع الناس مثل هذا.

لكن في الحقيقة، يجب أن نتساءل دائمًا: ماذا لو فعل جميع الناس هكذا؟

لا شكّ أن الإجابة ستكون محيّرة ومرعبة، وتجعل كل فرد يُفكِّر مرارًا قبل أن يقوم بأي تصرُّف لا يؤثر على نفسه فقط. فيعيش في حالة دائمة من القلق والتوجّس تجاه كل أفعاله في الحياة. ولا يتعلّق الأمر هنا بقلق يقود إلى الدعة والجمود، وإنما هو قلق بسيط يعرفه كل من حمل عِبء المسئوليات. فمثلًا عندما يأخذ قائد حربي على عاتقه مسئولية هجوم عسكري، ويبعث بعدد مُعيّن من الجنود إلى الموت، وإذا يختار القيام بذلك، وعلى هذا الاختيار قد تتوقف حياة عشرة، أو عشرين رجلًا، ولا يُمكنه أن يتخذ هذا القرار دون أن ينتابه شعور معيّن بالقلق، وكل القادة يعرفون مثل هذا القلق، إلا أنّه لم يكن ليمنعهم من فعله.

عَالَمُ الكُتُبْ 📖 - 📚 Books World Where stories live. Discover now