الحَرب

65 2 0
                                    

بت الآن أشعر بما يؤرق مسلوب الوطن.
بعدما اغتربت في غياهب الأرض، في بلادٍ لم أعهد عيشتها من قبل. حيث الناس يشترون البيوت ليعيش فيها أشخاص غيرهم. حيث الولد يترك والده تحت رحمة الغرباء، ماضياً في حياته المادية، ناسياً فضل من ولده ورباه بكل ما أوتي من حب وفضّلهُ على نفسه. لقد أدركت أن ما كنت أمقته في بلادي لا يضاهي شوقي لها.

نعم، لقد سمعت صوت الغارات، ورأيت رجلاً يتم ضربه، لا، بل تعذيبه على رصيف الشارع وهو مكفوف الأيدي، مربوط الفم لكن صوت صراخه المكتوم تقشعر له الأبدان، والفساد خلف المكاتب لم يخفى عن أحد. لكن، راحت بي الذكريات إلى أيام كنت اسمع فيها الآذان خمس مرات في اليوم، ومهما كان مدى انشغالي، التوقف والاستماع إلى المؤذن وهو يكبر لتوحيد خالق الأكوان، جعلني أشعر وكأن فيضاً من الماء اخترق قلبي، أحيا نبضه وطهر شرايينه من ما لوث نقاءه طيلة اليوم.

تراءى لي حينما كان لدي أصدقاءٌ اتمشى معهم في ساحة المدرسة، كنا تارة نلقي النكات وتارة أخرى نشتكي من قسوة الأساتذة وصعوبة الدروس، والآن أخاف من تكوين صداقة مع أحدٍ بل لا أريد لأنني أعرف جيداً إختلاف مبادئهم وقيمهم عني، تفكيرهم ونظرتهم للحياة تجعل محادثتهم غير ممكنة خارج الصف الدراسي. أعيش في رهبة من تأثيرهم على تصرفاتي، فقد تجرفني الرياح معها بدون وعي مني، يبدو الأمر ك كابوسٍ بالنسبة لي، كابوسٌ لا أود أن يكون في وقتٍ ما واقعي.

لم أرى قيمة النعم التي كنت أعيش بها إلا عندما سلبت مني، ويالا كرهي الشديد لما اعتقدته سابقا، قصرت في حق نفسي، وأرهقت روحي بأمور لم تكن مقدرة لي. ولا أطيق تذكر قمة تقصيري في حق ربي، ليس وكأنني لست مقصرة الآن!

تساءلت لماذا حدث كل هذا؟ هل هذا غضب ربي علينا أم هو ظلم البشر لبعضهم البعض؟ لكن بالتأكيد، بعدنا عن ديننا وشرع الله هو أحد أسباب حربنا التي ظلمت بسببه بعض الأرواح البريئة. حسنا، يبدو أنني ابتعدت عن موضوعي الأصلي قليلا لذا ها أنا عائدة. أول ما جال في بالي عندما أحسست بشوق الوطن وكسرة خسارته هو انتمائي له! شعور الانتماء لمكان ما على الكرة الأرضية كان نادرا في عالم مشاعري، لكن ان كنت انتمي إلى مكان ما على هذه الأرض فهو وطني الذي ولدت فيه، يا لغبائي! عجزت عن
إدراك أمرٍ بديهيٍ كهذا.

مُفَكِّرة فَقَطْWhere stories live. Discover now