الفصل السادس

Start from the beginning
                                    

*****************

(أمتى حُصل الحريج ديه) سأل سليم باهتمام
تقدم حسام ليجلس قرب والده مجيباً
:- وجت الفرح تجريباً ... عشان إكده چلال أختفى من نص الفرح
هز سليم رأسه فى ضيق وهو يحوقل بخفوت وكأنه يحادث نفسه
:- لا حول ولا قوة إلا بالله .... عيلة السمرى ديه مش هتچبها البر
أومأ حسام برأسه موافقاً وقال بجدية :- ربنا يستر يابوى
صمت سليم قليلاً مفكراً ثم قال باهتمام
:- اسمع ياحسام ... عيلة البدرى بجوا نسايبنا دلوك ويوسف كان راچل مع خايتك ولازمن نوجف معاهم
أنتبه حسام لكلام والده بتركيز ثم سأل
:- أوامرك ... تحب نعمل إيه يابوى؟
نظر سليم فى الفراغ قائلاً بتفكر
:- أحنا هنزورهم المسا نعمل الواچب ونعرض عليهم مساعدتنا ... كمان لازمن البلد كلاتها تعرف أن العيلتين بجت عيلة واحدة
قطب حسام جبينه يفصح عما يدور بخلده
:- البلد كلاتها خابرة أننا بجينا نسايب ... ويوسف طلع راچل ووفى بكلمته على عينى وراسى ... لكن ياحاچ حضرتك خابر أن فى شبه جطيعة بينا وبين عيلة البدرى ... صحُ النسب هدى النفوس لكن بكفاية مفيش داعى للجرب الشديد منيهم
زفر سليم بآسى ثم أجاب بحكمة
:- الخسارة كانت علينا وعليهم ... وإبراهيم الله يرحمه ماتحملش وراح فيها أما يوسف فمن أول ماعينى وجعت عليه عرفته ... شبه أبوه الخالج الناطج ... أبوه كان صاحبى من زمان .. كان راچل چدع ويوسف طالعله وأنت شفت عمل إيه مع خايتك وأنا شايله الچميل ده ولاچل إكده هنجف چنبهم ونمد لهم يد المساعدة
حرك حسام كفيه باستسلام وردد ببساطة :- اللى تشوفه يا أبوى

******************

دلف يوسف إلى غرفته ببطء يتأمل شمس المنكمشة على نفسها فوق الفراش تدس وجهها فى الوسادة لتكتم نشيجها الملتهب
تقدم بهدوء نحوها ثم جلس بجانبها على طرف الفراش
أنتفض قلبه مع انتفاضة جسدها الباكى ومد كفه يمسح على شعرها برفق فأبعدت يده برفض واعتدلت جالسة تزيل أثر الدموع من وجهها محاولة السيطرة على بكائها بكبرياء مطعون
تأمل وجهها الذى أشتعل بحمرة قانية من شدة بكائها وقال بصوت منخفض وبنبرة آسفة
:- أنا آسف ماتزعليش ماكنش قصدى أغلط فيكِ أبداً
حركت مقلتيها الملتهبة بحمرة البكاء ترمقه بعتاب فأردف موضحاً
:- أنا خفت على ابن عمى اللى كان هيروح بسببى وأنا مارجعتش بعد السنين ديه كلها عشان أسبب الأذى لعيلتى
نهضت من الفراش بانفعال ووقفت أمامة بتحدى هاتفه بوجهه بحدة
:- لا طبعاً متأذيش عيلتك لكن تهينى أنا قدامهم كلهم ... ما أنا مستهترة و ماليش لازمه ... وجبت العار لأهلى وأنت الفارس اللى أنقذنى و سترنى ولازم أستحمل منك كل إهانة
اتسعت حدقتى يوسف بذهول من كلامها الحاد وقال بنبرة حازمة
:- شمس أهدى ... أنا مافكرتش بالطريقة ديه أبداً وماكنتش آآ..
قاطعته بغضب مكبوت وقد نفرت العروق بعنقها وخرجت أعصابها عن السيطرة
:- ما كنتش إيه!! .. كلكم حاسبتونى وظلمتونى ... ماحدش فيكم فكر أنا كنت حاسة بإيه وخوفى وذعرى كان أزاى والندل هشام بيحاول يتهجم عليا .. ماحدش سألنى كنت حاسة بإيه وصدمتى فى صاحبتى وهى بتسلمنى لواحد يهتك عرضى عشان يبقى ماحدش أحسن من حد
تقطع صوتها وغلبتها العبرات فخرج صوتها مشروخ، باكى وهى تحنى رأسها بحسرة مردفه
:- ما حدش عارف أنا كنت حاسة بإيه وأنا ماشية فى الشارع فى نص الليل مش عارفة أروح فين وألجأ لمين يساعدنى
رفعت مقلتيها نحوه تطالعه بآلم يحرق أعصابها وهو جالس على طرف الفراش يتفحصها بجبين متجعد ونظره مواسية تاركاً لها الفرصة لتفرغ شحنات ألمها المكبوت ... أردفت بخفوت تُلمح إلى موقفه معها
:- ماحدش عارف كنت بفكر أزاى أو حاسة بإيه وأنا بفوق فى شقة راجل غريب ومش عارفة مصيرى هيكون إيه!! ... ماحدش حاسس بيا ... ماحدش حاسس بيا كلكم حاكمتونى واتهمتونى وخلاص
شعرت بالدوار من قوة صياحها وانفعالها فترنحت وخذلتها ساقيها فسقطت أرضاً منهارة
أسرع يوسف لإسنادها قبل أن ترتطم بالأرض ثم أسرع لإحضار كوب من الماء وجلس بجانبها أرضاً وقلبه يخفق خوفاً وحزناً عليها
أحاط كتفيها بذراعه محاولاً تهدئتها وهمس لها بنبرة حانية
:- أهدى ياشمس ... اشربى المياة وأهدى
ارتشفت قليلاً من الماء بصعوبة وشهقاتها تتلاحق تحاول التنفس بصعوبة
سحب رأسها برفق يريحها على كتفه واحتواها بين ذراعيه بحنان وكفه تبعد شعرها عن وجهها المبلل بدموعها برفق بينما دفنت وجهها بكتفه تكتم بكائها المرير وتستمد منه القوة والتماسك ... مسد على ظهرها مرددا بحنو
:- كفاية عياط يا شمس ... أهدى دلوقت وبعدين نتكلم
مرت دقائق وهم على وضعهم أرضاً ... يوسف يحتويها داخل أحضانه الدافئة وكفه تمسد شعرها وظهرها بحنان
وهى ترتاح بجبينها على كتفه شاعرة بدفء جسده، تستنشق عبيرعطره القوى الذى أمتزج مع أنفاسها ليتسلل الهدوء تدريجياً لنفسها فتطمئن وتشعر بالأمان
انتظمت أنفاسها لتعود لمعدلها الطبيعى ... وبروحها المشاغبة الشقية مدت ذراعيها على استحياء لتحيط بخصره
لانت ملامحه الجامدة وهو يفكر فى حديثها السابق حين شعر بذراعيها تضمه بخجل ... احنى رأسه قليلاً يلامس جبينها بشفتيه هامساً بهدوء :- بقيتى أحسن دلوقتِ
أومأت برأسها بالإيجاب وهى تغوص بأحضانه أكثر وقد وجدت الراحة والأمان بملجأها داخل أحضانه بالقرب من خافقة
فك ذراعه عن كتفيها ليبتعد ولكنها لم تفلته من بين ذراعيها المتشبثة بخصره وظلت متكئة برأسها على صدره
تنهدت ببطء ثم قالت بصوت مشروخ خافت تواصل البوح بما يعتمل بصدرها
:- أنا غلطت يا يوسف ... غلطت لما أعجبت بهشام لكن أنا زيى زى أى بنت بحلم بالحب والجواز وغلطت لما صدقت سحر ورحت معها شقة خالد ... بس ربنا يعلم كنت خايفة عليها وعلى سمعتها وماقدرتش أتخلى عنها وهى محتجانى
استسلم يوسف لذراعيها المقيدة لخصره فجلس بسكون يميل بجذعه للخلف قليلاً متكأ على ذراعيه أرضاً يستمع لبوحها .... أجابها بهدوء حازم يقاوم مشاعره الثائرة
:- الحب مش بالكلام المعسول وخفه الدم .. الحب أفعال
رفعت مقلتيها تحدق فى مقلتيه المشوبة بالغضب فالحديث عن هذا الشخص مازال يثير حفيظته .. أردفت بتأكيد نادمه
:- غلطت والظروف خلتنا نقرب من بعض وصدقت كلامه أننا هنتجوز لما نخلص الكلية
انتفضت من حضنه فجأة لتعتدل جالسة تنظر لعينيه مؤكدة
:- أقسم بالله ما لمسنى ولا مرة ولا حتى مسك إيدى رغم أنه كان بيحاول معايا وبيزعل ويقولى مش بتثقى فيا وكلام كده عشان يأثر فيا بس أنا رفضت كل الكلام ده
أحنت رأسها بحرج هرباً من نظراته التى تزداد اشتعالاً عند ذكر هذا الحديث وأردفت بصوت خفيض
:- ولما ما قدرش يوصلى عملوا التمثيلية ديه عشان يوقعونى
رفعت مقلتين مغرورقتين بالدموع وقد عادت الذكرى لعقلها ... ورددت بحيرة
:- أنا مش قادرة أفهم ليه سحر تعمل كده ... أنا عمرى ما آذتها
نكست رأسها أرضاً فأنساب شعرها يغطى ملامحها المنكمشة بتأثر واضح
مد يوسف كفه ليرفع شعرها برفق عن وجهها فرفعت مقلتيها نحوه بحزن واستطردت بحرقة متوسلة وكفها يضغط على صدرها
:- سامحنى يا يوسف أرجوك ... أوعدك مش هغلط تانى وهحافظ على اسمك ... ادينى فرصة وثق فيا
تأملها للحظات يجول بنظره على ملامحها النادمة قبل أن يضم رأسها بين كفيه ويغوص فى أعماق بحور العسل المصفى المتلألئة بنظره حب واضحة ليردد بتأكيد وثقة
:- أنك تحلمى بالحب ده شئ طبيعى ... المهم أنك تختارى الشخص الصح .. الشخص اللى يستاهل تكملى حياتك معاه وطبعاً الاختيار ده يكون فى النور .. ارتباط رسمى حلال ... وقتها هتعرفى وتحسى معنى الحب الحقيقى
سالت دمعة حارة من عينها تنساب بنعومة على وجنتها لتستقر فوق أنامله و مقلتيها تغوص فى حدقتيه الواثقة وهى تردد
:- أنا استوعبت خطئى وآسفة لو سببت لك أى آذى
أرخى جفنيه يكتم مشاعره داخل قلبه وأطلق سراح رأسها من بين كفيه وغمغم بصدق
:- آذى!! .. أنتِ السبب فى رجوعى لبلدى وأهلى يبقى فين الأذى
نكست رأسها فى خجل ورددت بخفوت متلعثم
:- وآآآ ... جوازنا؟
مد ذراعيه خلف ظهره مرة أخرى يستند عليهم أرضاً متراجعاً بجذعه قليلاً وهو يرمقها بمكر مستشعراً قبولها بإتمام الزواج بحق كما يرغب هو أيضاً ولكن ليس بهذه السهولة يا زوجتى العزيزة ليستمر تأديبك فترة وجيزة على فعلتك حتى تتعلمى التفكير ألف مرة قبل القيام بأى فعل فالكلام سهل ولكن التنفيذ أمر أخر
خرج صوته يتصنع البرود ويُذكرها بكلمتها بالأمس
:- ماله جوازنا يا قًدرى ... زى ما اتفقنا كام شهر ونطلق
حدق بوجهها ليردف بنبرة ذات مغزى :- وكل واحد يختار شريك حياته بكامل أرادته
لوت جانب ثغرها بإحباط وهى تشاهده ينهض بخفة واقفاً ثم مد كفه نحوها لتمرر كفها الصغير داخل كفه بنعومة ثم جذبها ليساعدها على النهوض وأردف آمراً
:- اغسلى وشك وأنزلى أقعدى معاهم وأنا هنزل مع جلال أروح أشوف اللى حصل فى الحظائر
اومأت برأسها بالإيجاب بعد أن نهضت ووقفت أمامه للحظات تتأمله بحرج ثم سألته بتلعثم :- يعنى سامحتنى؟
ضيق عينيه وهو يرمقها ويردد ساخراً
:- هسامحك إن شاء الله ... بس بلاش تتقمصى كل شوية على أقل كلمة بالله عليكِ كفاية الضغط النفسى اللى أنا فيه
جحظت عينيها معاتبة ومدت قامتها صائحة بعتاب
:- ما أنت أحرجتنى قدام أهلك وأصحابك
تعجب يوسف من تحولها المفاجئ الذى يثير جنونه ورد عليها بحنق
:- أنتِ مش لسه كنتِ مسكينة وبتعيطى تحولتِ فجأة كده
زفر بتعجب من أمر النساء ثم أردف بجدية
:- ابن عمى كان هيموت ...غير الخسارة اللى حلت علينا وأنا كنت عصبى ... ماكنتش كلمة طلعت منى فى ساعة غضب ياشمس
عضت طرف شفتها السفلى بخجل وأقتربت منه قائلة بصوت خفيض متغنج :- يعنى مش هتحرجنى تانى!!
رفع رأسه ينظر للسقف بنفاد صبر مردداً :- حاضر ياشمس
تحركت بخطوات مترددة نحو الحمام بعد أن شكرته بخجل ... تتراقص برأسها فكرة مجنونة أن تنقض على عنقه تحتضنه وتقبل وجنته
ندائه الهادئ أوقفها والتفتت نحوه بلهفة ... ضيق مقلتيه وسألها بفضول :- كابوس إمبارح ... أول مرة يجيلك
هزت رأسها نفياً وهى تتقدم نحوه حتى توقفت أمامه مباشرة مجيبه بحرج :- لاء ... اتكرر قبل كده من بعد اللى حصل
نكست رأسها وقالت بشرود :- بس إمبارح كان فيه اختلاف
قطب جبينه متسائلاً بحركة من رأسه فأردفت بخفوت
:- كل مرة بشوف اللى حصل مع هشام وبقتله وأنت بتيجى تنقذنى .... لكن إمبارح سبتنى ... ما قربتش منى يا يوسف وكنت بتبعد .... بتبعد عنى
أقتربت منه أكثر وأستطالت على أطراف أصابع قدميها ومدت أناملها تتشبث بقميصه حتى لايختل توازنها وتسقط للخلف متسائلة بنبرة خجول غلفتها اللهفة :- أنت هتبعد وتسبنى يايوسف
مد كفيه يحيط ساعديها بخفة ليدعم استطالتها وقال بتردد
:- شمس ... أنا مصيرى مش معروف فى ظل الظروف اللى أحنا فيها دلوقتِ ... خلينا نتكلم بعدين
زاد تشبثها بقميصه ومازالت على أطراف أصابع قدميها ... ترغب فى فرصة معه وقالت بوجد
:- على الأقل أوعدنى تكون جنبِ الفترة ديه
أومأ إيجاباً بصدق
:- أكيد يا شمس ... أنا جنبك لغاية ماتلاقى نفسك وتعرفِ أنتِ عاوزه إيه بالظبط!!
اتسعت ابتسامتها بجذل واقتربت برأسها تلامس طرف ذقنه بشفاهها بخفة ثم أسرعت هاربة من أمامه
ضرب يوسف كف على الأخر وتابع هروبها نحو الحمام بتعجب محدثاً نفسه
:- حالة شيزوفرنيا متقدمه
رفع أنامله يلامس مكان شفتيها بنعومة مردفاً بخفوت :- أنا هيطلع عينى معاكِ يا شمس الشموس

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانWhere stories live. Discover now