الفصل الثامن عشر

Start from the beginning
                                    

استدار الجميع ونظروا ﺇلى طاهر في تلك اللحظة ، طاهر الذي تصنم في مكانه ،وكأنه قد تم تثبيته بمسامير على تلك الارضية ، ولكنه لم يبقى على ذلك الحال مطولا لينفجر لاحقا بالضحك واستمر بذلك لعدة لحظات ،ثم قال

_ اذهب محمود اذهب قبل ﺃن اتصل بالشرطة واتهمك بالتعدي والضرب علي !

ضاع كل تعبه ضاع كل شيء ، ﺃجل بسبب هذا الحقير ضاع كل تعبه ومن ﺃجل ماذا ، لقد كان طاهر سيرحل ،في كلتا الحالتين سواء فاز محمود ﺃو لم يفز ، لماذا فعل هذا ﺇذا ،لحق محمود بطاهر ، الذي كان يتوغل وسط الممر المحفوف بالشجيرات من اتجاه حضيرة السيارات ،ثم سبقه قليلا ووقف ﺃمام باب سيارته مثل جدار منيع وقال

_لمن اعطيت المنصب ها ،اخبرني لمن تبرعت به !

_ﺃنا !

صوت انثوي مألوف صدح من وراء محمود ، ليستدير ويكتشف بأنها نورا ، صديقته وملاكه المنقض ،صدمتين في يوم واحد ،حسنا طاهر شخص حقير يكمن التكهن بتصرفاته الخالية من الرحمة ،ولكن نورا كيف تفعل هذا به ،ليقول محمود باستغراب

_ ﺃنت ،كيف حصل ذلك ﺃنا لم ﺃعد ﺃفهم ﺃي شيء !

في ذلك الوقت ،اجتمع تقريبا جميع زملائهم في المكان ،ووقفوا متفرجين على ذلك الجدال ، وهذا ما جعل نورا تشعر بالخجل وكأنها قامت بفعل مشين ، ولأنها لم تكن تعلم كيف ستكون ردة فعل محمود ، قررت اصطحابه الى مكان آخر لتشرح له كل شيء ، فاقتربت منه ووضعت يدها المرتجفة في يده وهمست له

_لنتحدث في مكان آخر لو سمحت !

سحب محمود يده من يد نورا ، وكأنها مصابة بمرض معدي وهذا ما جعلها تشعر بالخجل والكثير من الاهانة ،عندما حصل ذلك ، ولكنها وحتى تلك اللحظة كانت تعذره ، فهو تحت تأثير صدمة كبيرة ، ومع ذلك فهي لم تفعل ﺃي شيء خطأ لتقول

_ لقد شاركت مثل الجميع وكنت اعمل على مقال ويبدو بأنه كان الافضل ولذلك ربحت المنصب !

شعر محمود بصداع فضيع ،وكأن رأسه سينفجر في ﺃي لحظة ،متى حصل ذلك وكيف حصل ، ﺃين كان عندما حصل كل هذا ، ليسألها والكثيرة من المرارة تعتريه

_ولماذا لم تخبريني بأي شيء ، هل خفت من الحسد ﺃم ماذا ، ﺃليس من المفروض ﺃن يخبر الاصدقاء بعضهم البعض بكل شيء !

ضحك الحاضرون على تعليق محمود الساخر ،بخصوص خوف عسلية المقلتين من الحسد ! ولكن نورا لا تصدق ذلك النوع من التفاهات والهراء ،لتجيبه بنبرة يشوبها القليل من الانفعال

_لأنك لم تسألني محمود لأنك لم تسألني هذا هو السبب !

انفجر محمود بالضحك ، واستمر على ذلك الحال لبرهة من الزمن ، ثم استدار وهم بالذهاب ليلتقي بطارق في وسط الطريق والذي كان قد وصل منذ ثواني فقط ،انضم الصحفي ﺇلي اخيه الاكبر وهما بالرحيل من هناك ،ولكن نورا كان لديها المزيد لتخبره به لتقول له

_محمود انتظر !

في ذلك الوقت اتلفت محمود وصرخ في وجهها بكل قوة

_ماذا تريدين ماذا !

امتلأت مقلتي نورا بالدموع ،فهو لم يرفع قط صوته في وجهها ، وأكثر ما ﺃزعجها في الامر برمته هو ﺃنه فعل هذا ﺃمام طارق ذلك الشخص الذي لم يحبها قط ،ومع ذلك لم تكن لتجرح صديقها لتضيف

_لماذا ﺃنت منزعج ، لقد ظننت بأنك ستفرح من اجلي كما كنت لأفرح من ﺃجلك محمود !

لماذا هو منزعج حقا لماذا ، لماذا هو منزعج ، اقترب منها وصار يخبرها بسبب انزعاجه منها مركزا مقلتيه في مقلتيها

_لقد خدعتني هذا هو سبب انزعاجي ، اتصلت بي وأخبرتني هناك فتاة ستساعدني و صدقت كلامك مثل الابله ، ولكن في الاخير ظهر بأن كل شيء كان خطة من تنفيذكما ﺃنتما الاثنين !

اللعنة ، هل وصل به الامر ﺇلى هذا الحد ، يتهمها بأنها كانت تدبر خطة مع طاهر ، اللعنة وهي التى لم تفارقه لحظة واحدة وهو راقد في المستشفى ، نظرات الاتهام التى كانت في عينيه جعلتها تنفجر في وجهه مثل بركان كان خامدا لسنوات

_لماذا تظن بأن الجميع ضدك لماذا ! لقد كنت اساعدك محمود وفي حال لم ترى ذلك ، لقد كنت اساعدك ﺃكثر من ﺃن اركز على نفسي وكنت افرح لفرحك وﺃحزن لحزنك ، بينما ﺃنت انزعجت لأنني فزت في مسابقة تافهة ولعينة !

هز محمود رأسه يمينا وشمالا باستهجان ، فهي لم تفهم سبب غضبه منها لغاية اﻵن ، ثم توقف عن ذلك و قال بينما ابتسامة صغيرة تعتلي تراتيل وجهه

_فوزك غير مهم ولكن ﺃكثر شيء ازعجني هو حياكتك للأمور من وراء ظهري ،وتركي في المستشفى مرميا مثل القتيل وذهابك للاحتفال بنصرك ﺃنت وشريكك ! ﺃنت خائنة مع سبق الاصرار نورا وأنا لن ﺃسامحك ابدا !

كلامه كان جارحا ﺃكثر من شفرات السكاكين ، شكه بها كان مهينا ﺃكثر من ذلك اللقب الذي كان يلقبها به طارق ،كلما رآها ملتصقة به ، فهي تحملت الاهانة والمهانة الالقاب الجارحة فقط لأنها تحبه ،لا الحب قليل عما تحمله له من مشاعر في قلبها ، فهي تهيم به عشقا لتقول بخيبة

_في الحقيقة ﺃنا التى لن ﺃسامحك ﺃبدا ، ﺃيها الاناني السطحي الذي لا يفكر إلا بنفسه وبسعادته ، كنت سأتنازل لك عن المنصب ،ولكن بما ﺃنك تتهمني بالباطل ومن دون ﺃي دليل ،سأقبل به فقط لكي ﺃرى تراتيل وجهك ، وأنت تعمل تحت امرتي يا من تدافع عن حقوق المرأة !

لم يكن سبب انزعاج محمود هو عمله تحت امرت امرأة ، ولكن الامر الذي ازعجه هو خيانتها له بتلك الطريقة ،الخالية من الرحمة ، فهو لطالما كان في صف المرأة وسيبقى دائما كذلك ، في تلك الاثناء نظر ﺇليها من رأسها ﺇلى اخمص قدميها ،بطريقة مهينة ومشينة للغاية ،ثم استدار وهم بالرحيل ، عندما عرض طارق طريقه قال محمود محذرا

_دعني و شأني دعني و ﺸﺄني طارق فهذا ليس وقت القاء المحاضرات على الاطلاق !

تنحى طارق من طريق محمود ،الذي تمشى بخطوات سريعة حتى وصل ﺇلى سيارة الاجرة ،التى استقلها للوصول الى هنا ، اندس فيها ثم طلب من السائق الرحيل عن ذلك المكان اللعين ، ذلك المكان الذي لطالما شعر كلما تواجد فيه بالغربة والوحدة ، فهو كان يتحمل قسوة طاهر ونفاق الباقيين ،فقط لكي يوصل ﺃصوات المستضعفين ولكن تحمله وصبره ،عكسا صورة ﺃخرى عنه ،وأعطوه مظهر الضعيف بينما هو اشجع شخص في هذا العالم كله .

قربان على مائدة الزواج المبكر / الكاتبة بن الدين منالWhere stories live. Discover now