الفصل الثاني

ابدأ من البداية
                                    

_شكرا ﻹهتمامك ولكن نورا قامت بجميع الاجراءات فهي اتصلت بي منذ قليل وأخبرتني بذلك !

ضحك طارق ﺒﺈستهزاء عندما سمع بان نورا هي من اهتمت بجميع التفاصيل ،ولكن تلك الضحكة لم تعجب محمود ، ليعقد حاجبيه طالبا من ﺃخيه التوقف عن ذلك

_لم تعجبني تلك الضحكة طارق وفيها الكثير من اﻹستهزاء بنورا !

جذب طارق سيجارة من علبة السجائر ثم وضعها بين شفتيه ،وقام بإشعالها بعد ذلك ﺃخذ نفسا عميقا منها وعاد لينفخ الدخان مجددا في الهواء ،ليقول بينما يعيد القداحة ﺇلى جيبه

_لقد انفصلتما لماذا لا تزال تلتصق بك مثل بعوضة ﺃنا لا ﺃفهم !

ﺃولا هما صديقان وﺇن كانت هذه العبارة لا تعجب الكثيرين من الناس ،الذين يقولون ﺃنه لا توجد صداقة بين الفتاة والولد ، ثانيا هي تساعده دائما و من دون انتظار أي مقابل ﺃو اطراء ،وهذا شيء نادر كثيرا في وقتنا هذا ، ليسأله اﻷصغر ﺒﺈستغراب عن سبب كرهه لفتاة لم تؤذه قط في حياتها

_ﺃنا لا ﺃفهم لماذا تكرهها بهذه الطريقة !

حسنا هو لا يكرهها ولكن فقط يراها على حقيقتها ، فهي لديها الكثير من اﻷهداف وراء تلك الطيبة والكلمات المعسولة ، في ذلك الوقت هز طارق كتفيه بلامبالاة وعاد لأخذ نفس آخر من السيجارة ليقول لاحقا

_ ﺃنا لا اكرهها بل ﺃراها على حقيقتها فقط واﺃرى نواياها الخفية تحت كل هذه المساعدة ، وﺇن لم تلاحظ عزيزي محمود الكاتب والصحفي الموهوب ،فهي تحاول الضغط عليك والتأثير عليك لكي تعيد النظر في علاقتكما ،وأنا اكره هذا النوع من الفتيات اللواتي يقمن بأي شيء من ﺃجل الزواج حتى ولو كان على حساب كرامتهن !

لا هذا ليس صحيح ،فنورا لديها كرامة وعزة نفس لم يرى مثلها قط ،ولكن محمود لم يكن يرغب ﺒﺄن يتطور هذا النقاش ﺃكثر من هذا ومن يدري قد يتحول ﺇلى جدال حاد و عنيف ، هو يعرف صديقته جيدا وهذا يكفيه ،في ذلك الوقت نهض من مكانه وقال

_ﺇن لم تتوقف عن معاقرة الكحول ستكون نهايتك وخيمة !

لم يكمل محمود جملته وفر هاربا خوفا من طارق الذي رفع منفضة السجائر الزجاجية ، وهم برشقه بها ولو تأخر الاصغر ثانية في الهروب لكان حصل ما لا يحمد عقباه ،وكل ذلك بسبب لسانه السليط الذي لا يستطيع السيطرة عليه ،صعد الدرج بخطوات سريعة ولكن قبل ﺃن يذهب الى غرفته توقف ، واستدار من ناحية غرفتها ،بحيث عندما وصل ﺃمام الباب فتحه بعانية ثم ﺃقى نظرة صغيرة عليها .

كان يريد الاطمئنان فقط ما ﺇن كانت والدته بخير وفعلا وجدها نائمة بسلام ، وهذا ما ﺃثلج قلبه ليعيد ﺇغلاق الباب بهدوء والذهاب ﺇلى غرفته ، و بمجرد ﺃن دلف ﺇلى مخدعه تمشى من اتجاه سريره والقى بنفسه فوق الاغطية المبعثرة ،حاول النوم ولكن لم يستطع فهو كان يفكر في والدته الحنون بلقيس .

وكيف اهتمت بهما بعد انفصالها عن جلال والده ، وصحيح ﺃن هذا اﻷخير كان يزورهم ﺒﺈستمرار وينفق عليهم ولكن بلقيس كانت شخصا استثنائيا للغاية ، فهي كانت ومازلت تحبهم حبا جما وتعتبرهم كل شيء في حياتها ،لدرجة ﺃنها قد رفضت الزواج فقط لكي لا يدخل شخص غريب ﺇلى حياتهما ويفسدها ،فعلا حنان اﻷم لا مثيل له !

مرر لسانه فوق شفتيه ثم ﺃمسك المحمول وشكل رقم طارق ، بقي للحظات يستمع ﺇلى الجرس وبعدما ظن ﺃنه لن يرد ، رد عليه اﻷخ اﻷكبر والذي قال بسخرية

_هل اشتقت ﺇلي ﺃم ماذا !

في الحقيقة لم يكن الاشتياق السبب الذي جعل محمود يتصل به ، بل التعب والإرهاق اللذان كان باديان على وجه اﻷكبر عندما كان جالسين في اﻷسفل ولهذا اتصل اﻷصغر لكي يسأله عن السبب ، ولم يتسنى له ذلك وهو جالس ﺃمامه لأن طارق كان يحاول تشويه اﻷصغر بأي طريقة

_ تبدو متعبا للغاية ما الذي حصل معك !

وضع طارق السيجار في المنفضة ثم مرر ﺃصابعه فوق صدغيه وصار يدلكهما ، بعد ذلك فتح عينيه وﺃرجع ظهره ﺇلى الوراء وقال

_قضية معقدة بعض الشيء تخص شخصين كانا قد تبنيا طفلة من الميتم منذ قرابة سبعة سنوات ،كان كل شيء على ما يرام حتى ظهرت اﻷم الحقيقة في ﺃحد الايام وطالبتهما بإرجاع الفتاة لها !

ﺇزدرد محمود ريقه وبقي صامتا للحظات ، كانت قصة حزينة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه مع من يقف طارق مع الفتاة ﺃم من بالتحديد ،ليسأله بفضول

_ ﺇذا هل ستدافع عنها كي تسترجع صغيرتها !

انفجر طارق بالضحك وأستمر على ذلك الحال لعدة ثواني فسؤال محمود كان نكتة بمعنى الكلمة ، ليتوقف عن الضحك لاحقا وتتغير ملامح وجهه وتصير جدية

_ ﺃدافع عن تلك المجرمة التى قامت برمي فلذة كبدها على ناصية الطريقة ، هل جننت محمود !

محمود قام بفرك جبينه بعصبية ، ثم رفع رأسه من فوق الوسادة وقال مدافعا عن الفتاة

_ ربما تعرضت ﻟﻼغتصاب ﺃخي طارق لا تحكم عليها !

هز طارق رأسه يمينا وشمالا نافيا الامر ، ﺇلى جانب ﺃنه لم يكن هناك دليل على تعرضها لمثل هذا الفعل الشنيع

_ لا يوجد ربما محمود ، فالله رزقنا بنعمة العقل ، لو كانت حقا قد تعرضت للاغتصاب كما زعمت ﺃنت ، كانت توجهت ﺇلى السلطات و ﺃبلغت عن اﻷمر ،ﺃو استشارة شخص ما ،ولكن هذه الفتاة قد كانت من عصابة المستهترات اللواتي ﺃتين ﺇلى الجامعة للحصول على رجل لا للدراسة ،و لا يهم ﺇن كان استاذا طالبا ﺃو فلاحا ،المهم هو ﺃن تتزوج !

كان محمود يعارض بشدة كلام اﻷكبر ، الذي كان يتحدث كما لو ﺃنه كان معها ،وعلاوة على هذا في الجامعة يوجد ﺃصناف عديدة من الفتيات ،هناك المحجبة والمتبرجة وهناك الجدية والمستهترة

_ البعض منهن فقط ، فلا تعمم لو سمحت !

بالنسبة لطارق كان قد حسم الامر ، ولن يغير رأيه مهما حدث ، في ذلك الوقت نظر ﺇلى الساعة التى كانت تشير ﺇلى الرابعة صباحا ،ثم نهض من مكانه وقرر ﺇنهاء المكالمة

_تأخر الوقت ، ليلة سعيدة محمود !

ﺃقفل طارق السماعة في وجه محمود ، الذي كان يحاول جعله يعدل عن رأيه بأي طريقة كانت ،ثم صعد الدرج متوجها الى غرفته ،لكي ينال قسطا من الراحة ، ﺃما الاصغر فقد وضع المحمول جانبا وعاد لوضع رأسه على وسادته ،وما هي إلا لحظات قليلة حتى سرقه الوسن .

قربان على مائدة الزواج المبكر / الكاتبة بن الدين منالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن