الفصل التاسع والعشرون

शुरू से प्रारंभ करें:
                                    

عيناه معلقتان بجسد والده الساكن فوق سريره فعاد ينظر لوالدته بتساؤل قلق...ابتسمت صفية له تهمس بنبرة مطمئنة..
(لقد فتح عينيه صباح اليوم و حينما حدثته كان منتبها لكنه عاد ليغلقهما و الدكتور قال انه سيستعيد وعيه تدريجيا فقط نصبر و ننتظر...)
تنهد كرم بتفهم رغما عنه اصابه اليأس...لقد قطع الطريق من البيت الى هنا بلهفة و شوق لرؤية والده واعيا لكنه حينما وصل وجده كما كان و هذا أحبطه...حدّث والدته بخفوت
(سأبقى معه الليلة و أنتِ أمي عودي للبيت كي ترتاحين قليلا)
لامست صفية ذراعه بحنان مبتسمة المحيا لتقول بتأكيد..
(لن اتحرك من هنا إلا معه بني...)
رفضه كان واهيا امام اصرار والدته التي تحركت معه لخارج الغرفة بينما تقول...
(ستعودون جميعا للبيت مع زوجاتكم هذا ما اخبرت به اخواك صباحا...الحمد لله والدكم يتحسن و سيعود لنا قريبا فيجب ان يجد كل شيء على ما يرام سواء حياتكم او العمل)
تأهبت غسق المنتظرة بالخرج فور خروجهما من الغرفة فنظرت لها صفية بحنان و هي تستمع لاعتراض ابنها...
(لا يمكن أن نتركك وحدك أمي!...فليعود خالد و صالح فهما هنا منذ أيام و سأبقى أنا معك مادام لا تريدين ترك أبي)
تنهدت صفية بخفوت لتعاود و تفرض أمرها متعللة بما تراه بعينيها...
(يا كرم لا تكن عنيدا و اسمع كلامي...إن بقيت هنا ستبقى غسق معك و بقاؤها هنا مشقة عليها...ألا ترى بعينيك من ليلة واحدة قضتها في بيتها و على سريرها عاد وجهها يُشرق حفظها الله)
اتسعت عينا غسق بخجل من ملاحظة صفية لتغيرها...منذ الصباح و على مدار الطريق الى هنا و تفاصيل ليلة الأمس لا تبرح عقلها و غصبا تؤثر على ملامحها فهي تشعر بحرارة وجنتيها الدافئتين...لقد كانت ليلة فاصلة في حياتها...وجهت بصرها الى كرم الذي ناظرها ببسمة زادت ارتباكها فتنحنحت بصوت مسموع لتتحدث بحرج...
(كرم محق فمن الصعب أن تبقي هنا بمفردك حتما ستحتاجين مساعدتنا...و أنا لست متضررة أو متعبة من البقاء هنا فلا تحملي همي أمي)
ابتسمت لها صفية بتقدير حاني فقالت...
(سلمتِ يا ابنتي لكنني سأكون مرتاحة إن سمعتم كلامي و عدتم للبيت لتباشروا حياتكم)
هزت غسق رأسها رفضا و قد اقتربت من صفية لكنها لم تتمكن من قول شيء حينما صدح صوت سهر المزعج..
(صباح الخير أمي الحاجة لقد سمعت أن أبي الحاج استفاق...كيف هي صحته الآن و الله لولا طلب خالد ان ابقى في بيت اهلي لكنت جئت و قضيت الليالي معكم لأساعدكم)
توقفت خطواتها جوار غسق لترمقها بطرف عينيها بينما تقول...
(فالدكتورة ليست وحدها من تعرف الأصول)
ألتزمت غسق الصمت التام فحقا لا تريد أن تؤثر سخافة سهر على حالة الهدوء و السعادة التي تعيشها...بينما صفية تولت الرد ببسمة صغيرة...
(لا بأس يا سهر كلكن واحد)
هزت سهر رأسها تردف بتفهم...
(بالطبع يا أمي الحاجة)
وقع خطوات يقترب منهم جعلهم يلتفتون لها فيصادفهم وجه خالد الذي يضيق عينيه بترقب حينما وجد زوجته هنا...اقترب منهم يسألها بصوت مرهق...
(ما الذي تفعلينه هنا يا سهر؟!)
وقفت قبالته تتحدث بصوت متضايق...
(لأقف جانب زوجي و اهله يا خالد ألا يكفي أنك منعتني عن القدوم رغم أن هبه و غسق كانتا هنا طوال الوقت)
اغمض خالد عينيه يلجم نفسه عنها ثم يفتحهما ليردف بغضب مكتوم...
(و كنت محق في منعكِ لأن الوضع لا يسمح ابدا لمشاكلك مع الجميع ثم ان هبه لم تأتِ إلا مرة واحدة لتطمئن على زوجها...و الدكتورة معنا تساعدنا بتواصلها مع الأطباء هنا)
ارتفع حاجبها عاليا لتردد خلفه بسخرية...
(هكذا إذًا أصبحت أنا الغير مرغوب فيها بينكم)
زفر خالد بعصبية يرفع وجهه الى أمه التي حثته على التريث بنظرتها فيعود لزوجته متسائلا...
(من أين عرفتي أن الحاج استفاق؟!)
التفتت سهر تناظر كرم و غسق طويلا قبل ان تبتسم بسماجة و تقول...
(رأيت كرم في الصباح يخرج من البيت بصحبة الدكتورة فأخبرت أبي كي يخرج و يسألهما عن الأحوال و حينها عرفنا أن أبي الحاج عاد له الوعي)
بهدوء غير عابئ بثرثرتها تحرك كرم مبتعدا عنهم...و دون ارادة غسق تحركت روحها معه لتتشبث به متسائلة بعينيها الى أين و عندما سمعتها منطوقة من والدته تلهفت لتعرف الإجابة...فلن تخفي على نفسها أنها حقا تريده معها...أمامها في كل لحظة...
(الى أين كرم؟!)
اجاب أمه بهدوء بعدما توقف...
(الى الحديقة فرأسي يؤلمني قليلا)
اومأت له أمه فتدخلت سهر لتقول بضيق بعدما فهمت مغزى كلامه و انها ستسبب له الصداع...
(سلامتك يا كرم)
هز رأسه متفهما ليبتعد عنهم و تلاحقه عينا غسق برفض لبعده هذا...ظلت على وضع الرفض للحظات زادت فيهم ثرثرة سهر و حشر انفها فيما لا يعنيها حتى دخلت صفية الى غرفة زوجها و قد قررت غسق اللحاق بزوجها...تحركت مبتعدة عن خالد و سهر لتهرول في خطواتها الى مكان كرم...
بالأسفل...حديقة المشفى
وقفت على بعد خطوات منه تتطلع  اليه بطريقة مختلفة...تتفحصه و تحفظ تفاصيله التي اختلطت معها أمسا...عيناها تعلقتا بكفه المستريح على كرسي الحديقة الخشبي...يبدو خشنا لكن بالأمس كان حانيا رقيقا!...نبضات قلبها تتعالى مع كل ذكرى تراودها...قضمت شفتها بخجل سعيد من كونها تتأثر كأي انثى طبيعية بلا خلل...فكت سراح شفتها متذكرة قبلته لها صباحا...لا تزال حية حتى هذه اللحظة...انها تشعر بملمسها و كأنها حدثت للتو!...اهتاجت نبضاتها فأسرعت تضع كفها فوق قلبها و تكوره ببسمة ترتسم ببطء خجول...وجنتاها تحترقان حتى انها تظن أن أذناها سيطلقان صفيرا مدويا مصاحب بدخان بعد لحظات!...يا لها من مشاعر رائعة لأنها معه و له...انها تعشق كرم بكل ما فيه...ابعدت كفها عن صدرها و مالت عيناها الى كفها الآخر الذي يحتوي على حبة مسكن جلبتها له...زفرت لتتخلص من خجلها قليلا و تتقدم نحوه...ألتفت لها بعدما وصلت فيبتسم في وجهها...تنحنحت ترفع حبة المسكن قائلة...
(جلبت لك حبة مسكن)
اتسعت بسمته كثيرا ليزيح كفه و يربت به جواره كي تجلس بينما يقول...
(رأسي لا يؤلمني قد كانت حجة لأتخلص من ثرثرة أم مازن)
ترحلت عيناها على ملامحه المبتسمة لتهمس روحها بعشق نابض من قلبها...
"أعرف و الحبة أيضا حجة لأبقى معك"
لكنها استعاضت عن البوح بهذا بقول خجول...
(جيد انك بخير...)
وصلها صوته الأجش قريبا عميقا للغاية...
(و أنتِ معي سأكون دوما بخير)
غزا الدفء روحها كما وجنتيها اللتين شعتا بحمرة قانية جعلتها ترفع كفها تلامسها لتُهدأ من حرارتها...لاحظها كرم و قد لفت نظره حمرة وجنتيها فمد كفه يلامس وجنتها الحرة قائلا...
(وجنتاك حمراوان منذ فترة!)
اجفلت من حركته هذه بعدما حاوط كلتا وجنتيها كما أن تعابير وجهه الجدية غصبتها على التحديق في عينيه منصتة لكلامه القلق...
(غسق وجهك دافئ جدا...ربما اصابك البرد بعدما صعدتي للسطح صباحا و كنتِ قد انهيتِ حمامك للتو!)
كفاه يحيطان وجهها و يقربانه من وجهه المتفحص بلهفة ملامحه...باردتان كبيرتان تدغدغان مشاعرها بطريقة عجيبة...اغمضت عينيها تركن بوجنتها اليمنى الى كفه و كأنها تتمرغ فيه هامسة ببسمة ابهجت روحه...
(كفاك باردتان...أحب هذا الشعور)
تعرقلت انفاسه في صدره للحظات يطالع امرأة خُلقت لتكون عشقه الوحيد...ابتسم برضا لكل ما تقوله و تفعله كزوجته...بالأمس تخطيا معا ذاك السد بينهما...بالأمس وصل اليها اخيرا...همسها الناعم بين كفيه بعدما فتحت عينيها جعل روحه تعانقها...
(أنا بخير لا تقلق...)
ضحكت بخفوت خجول لتردف بمزح...
(حتى والدتك لاحظت ان وجهي مشرقا)
حرك ابهام كفه الأيسر على وجنتها ليعبر عن سعادته حينما قال...
(ناديتها أمي)
منحته عينيها الواسعتين تحدق فيه بصمت قبل أن تهمس بصدق...
(حينما شعرت بها قلتها...والدتك امرأة عظيمة تستحق الثناء فيكفي انها اضافت للدنيا ابناء مثلكم)
غامت عيناه بفيض من حنان و عشق فشعر بحرارة وجنتيها تحت كفيه تزداد...غسق تخجل من ملامسته...تتفاعل معه...أي سعادة هذه التي يعيشها؟!...لكنه قرر أن يخفف من خجلها قليلا فقال مازحا...
(لم أكن أعرف أنني إضافة للدنيا...ظننت أنني همجي و قليل الذوق)
رمشت عيناها مرات متتالية قبل ان تضيقهما بصدمة لتهمهم بحرج نادم...
(تختار اوقات غريبة لتوبخني بها!)
رنت ضحكته الرجولية عاليا يناظر عبوسها اللذيذ قائلا ببراءة زادت حرجها...
(أنا أوبخك!...أنا فقط اتذكر رأيك عني من قبل)
برمت شفتيها بنزق لتنفرجا بهمس آسف...
(كنت مخطئة...حسنا؟!)
ضحك مجددا قبل ان يميل مقبلا وجنتيها بالتتابع على مهل ثم يفك سراح وجهها من بين كفيه ناظرا في عينيها اللامعتين قائلا بموافقة...
(حسنا...)
ابتلعت ريقها ببطء و صورته تُحفر في قلبها...هل يُعقل أن يوجد حبا كالذي تحبه لهذا الرجل؟...كرم لو تعرف كم أنا ممتنة لقدري لأنه جمعني بك!...
********
توقفت عن النزول تنظر في هاتفها الصادح و تضغط عليه بعصبية ترفض مكالمة باهر لها...منذ الأمس و لم يكُف عن الاتصال...و هي لا تقوى على الكلام ابدا فماذا ستقول له؟!...اكملت نزولها للأسفل حتى توقفت عند باب مكتب والدها...الضوء لا يزال مضاءً!...اسرعت الى الباب تفتحه بعدم تصديق حينما وجدت والدها كما هو منذ تركته ليلا...لقد اصرت على البقاء معه خوفا من الحالة التي عاد بها ليخبرها انه ذهب لبيت فلك و لم يجدها به...تقدمت منه بقلب متوجع على ما وضعته فيه بنفسها لتهمس بغصة مختنقة...
(أبي...هل ما زلت مستيقظا منذ الأمس؟!)
رفع طارق رأسه لابنته بملامح مرهقة للغاية يقول...
(كيف أنام بعد كل ما حدث؟!!)
قضمت شفتها بندم لتجلس على عاقبيها جوار كرسيه تلامس كفه بأيد ترتعش و تهمس...
(لقد ابتعدت بنفسها عنك فلا تفكر بها أكثر يا أبي)
ناظرها بتعب وخز قلبها بخوف قبل أن يقول...
(فلك لا تزال زوجتي ميرنا)
استقام واقفا لتستقيم بعده بتساؤل لم يدم حينما رأته يسحب سترته من خلف الكرسي ليرتديها لكنها نطقت سؤالها من باب التأكيد...
(الى أين أبي؟!)
ارتدى سترته يتحرك الى الباب قائلا...
(الى بيت فلك...)
صرخت بعصبية غير مقصودة فحقا كل ردود فعلها باتت خارج سيطرتها...
(لكنك ذهبت امسا و لم تجدها...لقد اختارت ان تبتعد خوفا منك يا أبي و أنت ما زلت متمسكا بها!...و ماذا إن ذهبت و لم تجدها ايضا هل ستبحث عنها في الشوارع؟!!)
دون ان يلتفت لها قال بإرهاق...
(ان تطلب الأمر ان افعل هذا سأفعل لأنه ابسط حقوقها ان اسمعها)
خرج من الغرفة فشدت ابنته على شعرها بحدة مرتعبة بينما تهمهم..
(ماذا لو عرف الحقيقة؟!!...يا الهي سأخسر أبي للأبد!!)
الحي...
خرجت هيام من بيتها بعدما خلعت عنها رداء الطبقة الثرية و عادت تتشح بعباءة سوداء...لقد استغلت نوم فلك لتشتري بعض الطلبات للبيت...مرت ببقالة أم أيوب و لكنها كانت مهمومة لدرجة انها لم ترَ سوى الطريق امامها أما وجوه البشر مطموسة...اسرع أيوب و الذي كان يقف في البقالة منتظرا قدوم أنور الى الباب غير مصدقا ان هذه هيام!!...عاد برأسه للداخل يسأل أمه بتعجب
(هل عادت هيام للحي؟!)
ضيقت وجيدة عينيها مجيبة بنفي...
(ما الذي جعلك تذكرها الآن فمنذ تزوجت ابنتها و لم أراهما ابدا!)
عاود أيوب النظر في الشارع يتتبع ظل هيام المتروك...من رآها هي هيام لكن لمَ عادت و الأهم لماذا ترتدي ملابسها القديمة؟!...ترحلت عيناه الى بيتها يرفعهما حيث شرفة غرفة فلك...يا الله كم مر من الوقت زهد فيه النظر الى هذه الشرفة...ترى بأي وادٍ صاحبتها دون أمها؟!...صوت سيارة تتوقف قرب البقالة استرعى اهتمامه فتوجه بنظراته اليها لتضيق عيناه ثم تتسعا بتأهب حينما خرج طارق منها...أليس هذا زوج فلك؟!...شعر بجسد أمه تقف جواره تحدق السيارة بتفحص ثم تتساءل...
(لمن هذه السيارة الفخمة؟!!)
تتبع أيوب خطوات طارق الى بيت فلك و عقله يطرح العديد من الأسئلة فيجيب أمه بخفوت شارد...
(هذا زوج فلك)
برمت وجيدة شفتيها بنزق لتتمسك بكمه و تسحبه للداخل قائلة...
(لا دخل لنا أيوب...)
توقف أيوب عن الحركة يقول بجدية...
(كيف لا دخل لنا أمي...فلك ابنة حارتنا و نحن بمثابة اهلها)
لكزته وجيدة في ذراعه تقول بتأنيب...
(زوجتك لو عرفت عن فلك ستسبب شرخا بينكما)
تنهد أيوب يناظر أمه بصمت قبل أن يقول...
(مودة عرفت كل شيء يا أم أيوب...)
شهقت امه بجزع تقترب منه متسائلة بقلق...
(و ماذا حدث يا معدول؟!!)
تأثرت عينا أيوب بما مرا به معا في هذه الفترة الصعبة و التي أوجع فيها مودة بقصد و بدون ليقول...
(تحملتني و صبرت علي و اخفت عنكم وجعها...ساعدتني لأعرف حقيقة ما في قلبي لفلك)
حديثه كان يمر على وجيدة صعبا دون استيعاب...فتتسع عيناها بهلع على علاقة ابنها بزوجته و على قلب مودة مما عرفت...سألته بترقب خائف
(و ما الذي في قلبك لفلك يا أيوب؟!)
ابتسم أيوب بحزن متذكرا ظلمه لفلك آملا أن تسامحه فهمس...
(شعور بالمسؤولية بعد كل شيء هي ابنة حارتي و نحن سندها)
شقة هيام...
تعلقت قبضة طارق في الهواء أمام باب الشقة...قلقا ألا يجدها و خائفا إن وجدها...صعب ما يعيشه و لم يتوقع يوما ان يمر به...زفر نفسا مصحوبا برعشة عجز رجل تخطى الخمسين قبل أن يقرر دق الباب و الانتظار...مرت لحظات ليعاود الدق و قلبه يخفت نبضه كلما طال الانتظار...ألم تعد هنا بعد؟!!!
بالداخل...
كانت تغط في نوم عميق هاربة من كل شيء عاشته لعمر طويل...رمشت بعينيها حينما وصل لإدراكها صوت الدق على باب الشقة...فتحتهما بصعوبة تنظر حولها بتيهٍ فتتذكر انها في شقتها القديمة...بللت شفتيها الجافتين بلسانها لتزيح عنها الغطاء و تنزل من على السرير منادية بصوت خافت للغاية...
(هيام أين أنتِ...أمي احدهم يدق الباب!)
الصمت القابع بالشقة ألزمها الخروج من غرفتها...وقفت لثوان في الصالة تبحث عن أمها و حينما فطنت انها خرجت ظنت انها هي من تدق الباب...استندت على الجدران تتحرك ببطء لتفتحه و في كل خطوة ينال منها التعب...كلها متعب من شعرة رأسها و حتى وتين قلبها...وصلت اليه تفتحه فيطل عليها وجه طارق المرهق...لا تعرف لماذا لم تهتز لرؤياه ربما لأنها تيقنت من لقاء كهذا...ليس مهما السبب ابدا...لم يعد يهم أي شيء!...ابتعدت عن الباب تناظره بصمت يصرخ من خلفه وجعها فيستقبله هو بسؤال قلق...
(أين كنتِ بالأمس لقد جئت الى هنا و لم أجدك؟!!)
اسبلت اهدابها للأسفل تتراجع للخلف بينما تقول بخفوت ذابل...
(و هل يهمك أين كنت حقا؟)
دلف للشقة يغلق الباب خلفه قائلا بجدية..
(لدي أسئلة كثيرة لك فإن جاوبتِ سؤالي بسؤال لن نصل للحقيقة ابدا)
رفعت وجهها في وجهه تسأله بجدية مماثلة رغم انهاكها...
(و هل تريد معرفة الحقيقة؟!)
اهتزت حدقتاه لوهلة جعلتها تبتسم بمرارة قائلة...
(إن كنت مهتما و لو للحظة ما كنت تتركني في قسم الشرطة دون حتى ان تسمع مني)
ارتعشت شفتاها بقهر ليعلو صوتها قليلا تؤشر على نفسها...
(حينما كنت مجرد خادمة تعمل في قصرك انصفتني و استمعت لي أما الآن...)
قاطعها بصوته المتعب...
(الأمر صعبا على أي رجل و رغم كل شيء سعيت الى ان أسمعك)
اتسعت بسمتها الساخرة تقول بحدة...
(متأخر جدا يا طارق...سعيك قد فات عليه الأوان)
نكست رأسها أمامه تقضم شفتيها تمنع دموعها المقهورة لتقول...
(تأخرك يعني انه روادك الشك...يعني انك مِلتُ لتصديق هذا علي...لم تشفع لي عندك عشرتنا على الأقل)
رأت في عينيه تيه قتلها في الصميم قبل أن يردف بما يصدقه و لا يصدقه في قرارة نفسه...
(فلك لقد تنازلت عن القضية قبل أن أسمع منك حرفا ألا يعني هذا أنني...)
(تشك بي و لكنك تعاند نفسك كي لا تصبح الرجل الذي حذره الجميع من شباك فتاة لعوب و لكنه سقط فيها على الرغم من نصحهم)
قاطعت قوله بما يجيش في صدرها من وجع...لم تتمكن من كبح دموعها اكثر فنزلت ملتهبة على خديها و هي تردف...
(لقد عشت حياة تدفعني دفعا لبيع نفسي...حفرت في الصخر لأبقى بطهري و ألا افتعل ما سأحتقر نفسي بسببه...و حينما غلبتني الدنيا دققت بابك و دخلت حياتك بفستان ابيض لم يُدنس و الآن اخرجتني منها بتهمة قذرة)
شهقت بألم تصرخ في وجهه...
(لقد اخبرتك عن حياتي و عن نفسي...اخبرتك طارق بكل شيء و لم أخفِ عنك حتى ما يخجلني...قلت لك مرارا أنك بتُ أبي قبل زوجي...رجوتك ألا تخذلني و وعدت ألا تفعل...انظر الآن أين نحن و أين وعدك!...صدقتهم طارق أليس كذلك صدقت أن ابنة خادمة تتزوج بعقد مؤقت و تأخذ ثمن زيجاتها ستخونك في غرفة نومك و تُدخل لبيتك رجلا غريب...تخليك عني يا طارق لم يدهس ثقتي بك فقط بل دهس كل شيء بيننا...)
علا صوته من فرط التفكير الذي لا يرحمه يبرر لها ما مر به...
(الكل شهد ضدك يا فلك حتى ابنتي...شهادتهم شلت تفكيري و رغم ما مررت به كنت ادافع عنك حتى و إن مال جزء مني لتصديق ما أسمع و أرى...ما وُضعتُ به كان قاسيا و مشتتا لأي رجل يا فلك فأنتِ لا تعرفين معنى أن تُخان من شخص تحبه فما بال أنتِ زوجتي)
حديثه و إن كان صادقا...و إن كان معبرا عن تخبطه و صعوبة اتخاذ قراره إلا انه زادها بكاءً...أكثير عليها أن تجد شخصا يؤمن بها و يدافع عنها مغمض العينين مهما كانت تهمتها...رفعت كفيها تمسح دموعها فتتساقط غيرها بينما تقول...
(أنت محق فلقد رفعت فلك الخادمة سقف توقعاتها و ظنت انها شخص يُحق له العيش بأمان و كرامة كسائر البشر)
اغمض طارق عينيه يبتلع ريقه بصعوبة بالغة فيزفر نفسه المختنق ثم يسألها بفضول زوج لا يزال متأرجحا...
(فلتخبريني أنتِ بالحقيقة...من هو أيوب يا فلك هل هو نفسه الرجل الذي دفع لك كفالة الخروج من قسم الشرطة؟!!)
من بين دموعها المتساقطة رنت ضحكتها التي اصابته بالجمود...يتطلع اليها بترقب مذهول...تبكي و تضحك في آن واحد...ناظرته بعينين تعكسان خذلان روحها فتردف...
(صدقني يا طارق لو اخبرتك عن هويته لن تصدقني حتى و ان اقسمت لك لأخر عمري...حينما تنتهي الثقة بيننا ينتهي معها كل شيء)
نطق اسمها بنبرة مصعوقة...
(فلك!)
فأوقفته بقولها الباكي...
(فليعد كلا منا لحياته الطبيعية...مكانك في قصرك و مكاني هنا في شقة هيام...إن أردت أن تتأكد من نسب الطفل انتظر ولادته و قم بالفحوصات اللازمة فلن أمنعك)
فتحت هيام الباب على قول ابنتها الأخير فأصابها الهلع من ان حياة ابنتها الزوجية ستنتهي...راقبت طارق الذي يقترب من ابنتها قائلا بصوت تسمعه منه لأول مرة...صوت رجل متعب و ممزق بين افكاره
(فلك ما الذي تقولينه أنا لا أريد خسارتك بل اردت..)
ابتعدت عنه فلك تقول بانكسار...
(لم يعد ينفع يا طارق...حينما تزوجتك كنت ابحث عن أب و دفء لا أنكر منحتني إياه لكن حال شككت فيّ كزوج سيظل شكك دائما بيننا...)
تدخلت هيام بلهفة بينهما تهدأ ابنتها برجاء...
(اهدئي يا فلك فالسيد طارق جاء ليعيدك الى بيتك)
اوقفتها فلك بقولها المقهور...
(لا تتدخلي أمي هذا بيني و بينه)
قال طارق بجدية تامة...
(أنا لا أسعى للطلاق يا فلك...أعرف انه يوجد سوء فهم و علينا حلّه!)
هزت فلك رأسها تفهما تقول...
(طلقتني أم لا حياتنا انتهت طارق...)
سحب طارق نفسه بصعوبة ووهن غادر يزداد بداخله يكبله...يناظر زوجته المنهكة فيقرر ان حالتها حقا لا تسمح بمزيد من الجدل لكنه قال بإصرار...
(لم ينتهي حديثنا هنا...)
تركهما و خرج من الشقة و بقيت هيام متجمدة بذهول في مكانها قبل ان تهرول الى ابنتها تتشبث بها قائلة بتوبيخ...
(هل أنتِ غبية يا فلك زوجك جاءك الى بيتك ليعرف الحقيقة و أنتِ تطلبين الانفصال!!!)
سالت دموعا جديدة من عينيها قبل ان تقول بحرقة قلب..
(طارق جاء ليعرف من أيوب و من الرجل الذي أخرجني من قسم الشرطة...طارق جاء ليتأكد من شكه يا هيام)
تراخت اصابع هيام المتمسكة بابنتها تنظر لها بحزن متألم على حالتها فهمست باقتراح واهٍ...
(الخيانة أمرا ليس هينا على الرجل كما ان العقربة لبنى و ابنته اتفقتا مع الخدم و حبكوا التهمة عليك...حقه أن يتأكد من صدقك لذا دعينا نطلب من أيوب أن يقابله و...)
(مستحيل هيام...)
صرخت بها فلك برفض متوسل جعل أمها تتوقف...اقتربت منها فلك تقول بجدية...
(أيوب ليس له ذنب لنخرب حياته مع زوجته فكما قلتي قبل لحظات الخيانة ليست هينة)
عادت تبكي دون رغبتها لتهمس بتساؤل تعب من ان خانة اجابته دوما فارغة...باردة...و قاسية للغاية
(ألا يحق لي أن أجد شخصا يثق بي لكوني فلك التي حقا تموت و لا تفعل ما يحرمه الله...لماذا دوما يضعوني في خانة الرفض و يلفظوني خارج حياتهم مع أول خطأ لست السبب فيه حتى؟!...يكفي يا هيام ما عشته حتى هذه اللحظة ما فعله طارق لم يكن جديدا فها هو يضيف شرخا جديدا في روحي اضافت الدنيا و الناس قبله مئات الشروخ...قتلتني شكوكهم و سوء ظنهم...قتلوني جميعهم و دفنتني الحياة في وحلها للأبد)
صمتت هيام تتطلع الى ابنتها بندم و وجع...روحا جلبتها للدنيا لتذوق معها اضعافا من الظلم و الذل...

لقياك لي المأوى(مكتملة)जहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें