(٤)

14 5 1
                                    


كانَت السنواتُ تتوالى ومرّت الأَيام، ما زِلتُ حيًا ولنّ أَموت الآن مع إنَني في العام المائة والسبَعون.
وبنّي جنسَي يعيشَون أكثَر، لكنّ اليوم بعد قِرائتك لهذه الحُفنَة ستُحرق وإن حاولِت تَدوينَها فالإحتفاظ بِها مُحَال دونَ قَلبي، وأنّا أعطيتُكِ قلبي فَلا يُقتَل بينَ يديك مرةً أُخرى، المرة الأَولى حين أنجبتِ.

أنّا لوث* بلّ الحقيقة أننّي ألمافايّ* وإن أدعيتُ النّور، رُوح ألمافايّ تسكُنني و تسكنُ كلّ من يسكُنَني وأنتما تسكُنَانيّ وإن كُنتَما الجُزء المفقَود فيّ.

في ذكرى السنة الخامسة عشر من زواجنَا والثَانية عشر من ميلاد أزميرالدا كان القدّر يَؤدي الرقصّة الأبَدية لها، أُقسمُ أنّني حاولَت، أُقسم أنّني كُنَت سأُزهِقُ رُوحيّ بدلًا من رُوح أحداكُمَا، لكنكِ خليّتِ بالوَعد حين حدثتُكِ أنّني لا أُريد رؤية أحدٍ في هذا اليوم!
كُنَتِ تَدريّ من أول يومٍ عرفتَنيّ فيه، فكيَف لرُوحٍ طاهِرة أن تُحبُّني... لا مُبَرِرات الآن ولستِ أنتِ السبَب إنهُ يومٌ أَعرفُ أحداثه وإن كذبنَي قلبي قبَل عينّاي.

في ذلِك اليَوم هربَت الفتَاةُ مِنكِ وأتَتني في رويّة، وأنّا أنحتُ ما تبقى من المنَزل وأخيطُ جُروحًا بالأَوراقِ التي أَعطيتَنيّ كانَت ستكون نَافعة وسأتَخلصُ من الماضي وسأُحيكُ مُستَقبلكِ بعيدًا عنّي، لم أُشاهدِها قطّ أنها كانت معي وتَراني، لكنّ.. لكنّها ظَهرت تنَشجُ: أبَيّ!

كغمضةٍ عينٍ إن لم تكنُ... تخبطت وتَلطخت دِمائُهَا، فقَدّتُ الوعيّ وقعتُ كجُثةٍ هامدِة، تضّرج المنَزل المَلعون بالدماء فعرفتِ أنَني أَعطيتُ رُوحيّ بَدلًا عنّها، لكنّني ما زِلتُ حيًا والتي أُخِذَت هيّ رُوح أزميرالدا.

جُثتّي كانَت تحيّا دُون رُوح، جئتِ إليّ تُقبلينَني في وجنتي مُعتَذرةً، ودّدتُ أنّ أعتذرُ لكِ، أن أعتَذرُ لقلبي وقلبكِ لكن رُوحكِ الطَهور إختُلِجَت.
ميعادُنَا معلومٌ وتَلك الرسالة التَي تَركتِها كانَت شفاءٌ للدَاءِ، بعد أنّ كتبتُكِ فيّ سأَتيكُما فالدُنيَا ملاذٌ غير آمن لسَاكنيَها ونحنُ ملاذُنَا حُبّ يسكنُنَا، يَسكنُ ذلك الوهجُ بِالداخل، يسكنُ الرُوح.
نسيتُ أنّ أقول لكِ أنّني دسّيتُكِ في أحدى تَلك الرسائل.
خبأتُ ملامح وجهكِ وعينّاكِ البُنيَة وعطركِ وخصّالٌ من شعركِ، خبأتُ بشرتكِ العسلية خبأتُكِ منّي.
وأنتِ يا أزميرالدا فكُلَكِ فيّ، وإن كانَ الجسَدُ مفقَود فالرُوح لا تحيّا إلا بَروحيّها.

تَوسَطتُكما في القبَو، فأستبحينّني عُذرًا.

بَرشلونة
١٩ شُبَاط ١٨١٧
كلُّ الأَحلام المُنتهية في الواقَع تبتدأ في الخيَال.
_______
• لوث - Luz وتعنَي النّور بالأسبانيَة.
• ألمافاي - alma fea بالعربيَة رُوحٌ شريَرة وتعنَي الرُوح التَي تُسكن في رُوحِ كلّ البَشر.

أزميرالداWhere stories live. Discover now