(27)

2.2K 75 0
                                    

الفصل السابع والعشرون
تقلصت ملامحه بألم ليعتدل بوقفته واضعاً يده على مكان الطعنة ، بينما نهضت "توليب" لترميه بنظراتٍ قلقة وهي ترى حالته الغير طبيعية .. ولكن علمت بديهياً أن تحركه المفاجئ ألمه ، مدت أناملها الرفيعه لصدره العاري و هي تتلمس جرحه ، بدى عميقاً إلى حدٍ ما .. نظرت له لتقول :
- أنت أزاي مروحتش لدكتور يا رعد .. هي أتخيطت صح ؟
- لاء ... أجاب ببساطة
- لاء ؟!! خليني اشوف ..
قالت وهي تنزع الضمادة الملتفة حول جزعه ببطئ ، جزعت و هي ترى الطعنة كما هي لم تُخيط .. نظرت له يإقتضاب لتقول بصرامة :
- على فكرة أنت مهمل ومعندكش ذرة مسئولية .. أتفضل عشان أخيطهالك ..
نفض يدها ليقول بجمودٍ :
- اتعدلي يا توليب .. ومالكيش دعوة دة جرحي أنا ..
- بس أنا سبب الجرح دة .. و أنا متعودتش أبقى متسببة فـ أذى شخص ..
قالت و هي تغرز أصبعها ذو الضفر متوسط الطول بصدره الصلب ..
رماها بنظراتٍ ساخرة ليمسك بأصبعها بكفه بعنفوانية حتى كاد أن يكسره .. لم يرى ألمٍ على ملامحها .. رأى قوة و تحدي وصراحةً .. أعجبوه ..
نفض أصبعها ليذهب نحو جواده .. ملس على رأسه ليطمئن قليلاً ، هو الجواد المحبب له منذ صغره ..
قطبت "توليب" حاجبيها لتحدج بالجواد بعنف ، نفضت شعرها المتهدل على ظهرها بتكبرٍ لتمضي نحو الجواد ، ابعدت كف "رعد" لتنظر له بعنف ، بينما ملست هي على رأس الجواد برفقٍ محدقه به بحنوٍ ، كتم "رعد" غيظه ، أمتدت أنامله السمراء ليتلاعب بخصلاتها الطويلة الغجرية ..
نظرت له "توليب" بجانب مقلتيها بحدة ، أستندت على ظهر الأدهم لتمتطيه بمهارةٍ وخصلاتها تتطاير خلفها ، أبتسم "رعد" بإعجاب ليقول :
- أنتِ ركبتي خيل قبل كدة ؟
نظرت له لتقول بثقة :
- طبعاً .. من و انا عندي 10 سنين و إنا بركبه .. بابا هو اللي كان بيعلمني أركبه ، كان عنده أسطبل ليا أنا بس ، حتى ان كان فيه حصان شبه الحصان ده كدة .. هو أنا ينفع لما أعوز ابقى اركبه ..؟ ولا هتضايق ؟
خفت نبراتها قليلاً أثر حزنها على أبيها ..
أبتسم لها "رعد" برفق ليردف بنبرة حانية لا تخرج إلا لها :
- أعتبريه بتاعك دلوقتي ..
صاحت "توليب" بفرح .. ولكن هدأت قليلاً عندما تذكرت ان تلك ستكون أخر ليلة جواره .. أهي كذبت وصدقت الكذبة ؟ ألتوى ثغرها بسخرية ليبدأ الجواد بالسير ببطئ .. ولكن نتيجة أندفاع "توليب" أخذ يركض بها و الأخرى تصرخ بسعادة كالأطفال و حقاً تذكرت جوادها ..
ركض بها الجوار بالفناء الوايع بينما "توليب" تقهقه بحماسٍ وخصلاتها تطاير ورائها .. و "رعد" وضع كفيه بجيب بنطاله و أرتسمت أبتسامة جذابة على ثغره .. و عيناه أيضاً تبتسم .. ضحكاتها ادخلت البهجة إلى قلبه .. بالطبع كل من سيسمع ضحكاتها تلك سيشعر بانه وُلد من جديد .. رؤيتها و هي سعيدة يغنيه عن العالم بأكمله .. طالع مهارتها بركوب الخيل وركوضها به بفخرٍ وكأنها إحدى أنجازاته النظيفة والنقية .. أخرج هاتفه من جيبه ليفتح الفيديو ليصورها و هو يبتسم عندما رآها تحوم بالخيل بالفناء وضحكاتها تعلو ..
أوقفت "توليب" الجواد ولم تختفي ضحكاتها لتترجل منه ، بينما "رعد" مازال يلتقط لها صوراً مع شريط فيديو مُبهجاً ، نظرت له "توليب" والضحكة ملء ثغرها ، نسمات هواءٍ أختلطت برائحة هواء الشتاء المميز لفح بشرتها ، أفترشت على العشب فاردة كِلتا ذراعيها على الأرضية .. أغمضت عيناها بأستجمامٍ ليوقف "رعد" الفيديو ليضع الهاتف في جيبه مجدداً و هو يمضي نحوها ، أفترش بجانبها و هو يضع كِلتا ذراعيه المفتولين تحت رأسه .. يطالع السماء للونها القاتم الخلاب ، و النجمات البراقة بها ، والقمر المنير الذي يتفوق جمالاً عن النجمات ، تفاجأ بها تنهض من جانبه و هي تركض ذاهبة نحو القصر ، صاح مستوقفها بتساؤل و هو مازال على وضعه :
- رايـحـة فين ؟
- هجيب حاجة ..
قالت وهي مازالت تركض برشاقة .. هز "رعد" رأسه بنفاذ صبر عن تلك الطفلة .. هي لم تستحق مافعله بها ..
عادت "توليب" بعد دقائق و هي تهرول نحوه ممسكة بصندوق الأسعافات الأولية ، جلست بجانبها لتردف بصرامة :
- قوم يلا ادعشان اخيطلك الجرح و أنضفه ..
قطب حاجبيه قائلاً بعند :
- مش عايز ..
ضيقت "توليب" حدقتيها لتضع الصندوق جانباً ، مدت كِلتا كفيها ممسكة بكفه لينهض ، أخذت تشحذ قوتها و هي تحاول جعله ينهض بينما الأخر صوت ضحكاته إخترقت الأجواء على محاولاتها البائسة ..
نفضت "توليب" كفه و هي تقول صائحة بإستهجان مخلوطٍ بنبرة كادت أن تبكي :
- أنت تقيل أوي أيه دة !!
و بلحظةٍ كان يجذبها من يدها جاعلها تعتليه و هو ينظر لها بجرأة قائلاً بنبرة ذات مغزى :
- مش أد الحاجة متعمليهاش يا شاطرة ..
توردت و جنتيها من وضعهما لتدفع من صدره في محاولة لأبعاده عنها و لكن بلا فائدة ، أزداد الوضع سوءاً عندما لف ذراعيه حول خصرها الشبه عاري و هو يلزقها بجسدها كتى باتت تختنق ، أخذت تصرخ به أن يتركها و هو لا يكترث .. و رغم أنها تضغط على جرحه - بدون قصدٍ - إلا أنه أبى تركها مستمتعاً بمحاولاتها الواهية لأبعاده بينما اردف وقد قست ملامحه قليلاً :
- أعتذري ..
قطبت حاجبيها بتساؤل و هي تتمتم :
- على ؟
شدد قبضته على خصرها و هو يقول مزمجراً بها :
- أنك روحتي نمتي في بيت راجل غريب ..
إزدردت ريقها لتصيح به بنبرة شبه عالية :
- أنت لو مكنتش .. آآآه ..
صرخت بألم عندما أعتصر خصرها بين يداه الفولاذية و هو يجأر بها :
- صــوتـك ..!!
أطبقت شفتيها بعبوس و هي تشيح بنظراتها عنه ، تفاجأت به يدير وجهها له و هو يضغط على صدغها بقسوة :
- لما أكلمك تبُصيلي ..
طالعته بحدة و تألم في آنٍ واحد ، أنفجرت به و هي تبعد يده :
- هو أنت ليه مصمم تكرهني فيك ؟ ليه مصمم تقتل كل لحظة حلوة بينا ؟
حاولت أن تبعد يداه عن خصرها و هي تقول بغضبٍ :
- سيبني .. سيبني يا رعد
- لما تعتذري ..
قال و هو مازال يقبض على خصرها ، تلويها بين يداه يجعل الألم بمعدته يشتد ..
- مش هعتذر ..
قالت و هي تنظر له بتحدٍ .. أزدادت عيناه سواداً ليشد على خصرها و هو يعتصره بين يداه ..
أغمضت هي عيناها بألمٍ و هي تئن .. تمتمت بحزنٍ :
- أسفة ..
خفف قبضته قليلاً و هو يطالع عبوسها بنظرةٍ حانية .. لف ذراعٍ حول خصرها و الأخر كان يُمسد على خصلاتها قائلاً بعتابٍ :
- توليب أنتِ اللي غلطتي .. واللي غلط بيعتذر صح ؟
نظرت له بألم لتقول وهي على وشك البكاء :
- بس أنت معتذرتش عن كل حاجة وحشة سببتهالي ..
رفع وجهه للسماء مغمضاً العينان .. بينما أنفجرت "توليب" بالبكاء و هي تدفن وجهها بصدره عند موضع قلبه بالضبط ..و دمعاتها الحارة بللت صدره ..
بينما كانت شهقاتها تمزق قلبه تمزيقاً ، أخذ يمسح على ظهرها و هو يغمغم بندمٍ مقبلاً خصلاتها :
- أسف .. أقسم بالله أسف ..
أخذ يقبل خصلاتها بحنانٍ وكأنها طفلته ، بينما هي لفت ذراعيها حول صدره و قد هدأ بكائها .. تمنت لو أنها لن تتركه غداً .. هي ستمزقه وستكسر قلبه إلى شظايا .. ولكن كان كبريائها أقوى من أن تظل معه حتى أو لأنها تحبه .. ذلك الحُب جعلها تخسر الكثير ..
بعدها نهضت لتخيط له الجرح وكان يبدو عليه أنه لم يتألم مطلقاً ..
• • • •
- أنا هنا ليه ؟! أنت عايز أيه مني ؟
قالت "حلا" و هي تجلس قبالته ، ملامحه رغم وسامتها إلا أنها تبث الرُعب بقلبها .. عيناه كالثليج أو أشد برودة ..
- أنتِ هنا مُجرد خدامة .. و هتبقي مراتي قريب ..
أرتجف طنين قلبها لتشهق و هي تقول بتلعثم :
- مـ مراتك ؟!!!
سارت أنامله على منحنيات وجهها الطفولي و هو يقول بخبثٍ :
- بالظبط كدة ..
- مستحيل ..!!
عقبت بتحدٍ قوي و هي تنظر داخل عيناه ، بينما هو لم يبدو عليه التأثر و هو مركزاً بنظره على عيناها .. نظرة رغم هدوئها إلى أنها كانت أقوى من صراخه ..
ألتوى ثغره بأبتسامة غامضة ليقرب وجهه منها وأنفاسه تلفح وجهها ، أستطرد بهدوءٍ :
- أنا نازل .. و لما أرجع عايز الشقة بتلمع .. و أحلى غدا يبقى على السفرة ..
ضرب بخفة على وجنتيها بكفه القوي لينهض و هو يمضي نحو الخارج .. وبالطبع صفع الباب خلفه تليه صفعته لباب الشقة مع "تكة" مفتاح الشقة مُعلناً أنه حبسها هنا ..
• • • •

انتي إدمانيDär berättelser lever. Upptäck nu