الفصل الثامن

2.3K 169 20
                                    

الثامن

ظلت جالسة جواره تنظر إلى ملامحه المرهقة و جروح وجهه و رغم أن تلك الجروح زادت من خشونة ملامحه و أعطته مظهر إجرامي إلا أنها تعترف لنفسها  أنها أصبحت تعشقه حقاً بل أصبحت تذوب عشقاً فى ملامحه الإجرامية أستندت بيديها على السرير و أفكارها تأخذها إلى ذلك اليوم بعد مرور شهر على عودتها إلى العمل
و بعد أن تناولوا العشاء و صعدوا أخواتها إلى غرفهم و حمل جعفر بدريه و صعد بها إلى غرفتها عاد إليها بعد عدة دقائق ليساعدها فى تنظيف المطبخ
وحين أنتهت نظرت إليه بابتسامة واسعة وقالت
- هو أنتَ كل يوم بقى هتساعدني كده أنت بتتعب فى الشغل و
ليضع يديه على فمها يسكت سيل كلماتها و قال بابتسامة رقيقة لا تتناسب أبداً مع خشونة ملامحه
- أنتِ كمان بتتعبي فى الشغل و يمكن أكثر مني علشان كده لازم أساعدك المجهود ينقسم على أتنين مش واحد بس يشيله و بصراحة بقى أنا كنت عايزك ترتاحى و تقعدي فى البيت
- أيوه يا جعفر بس مصاريف أخواتي كتير و ليه أنتَ تشيلها كلها لوا
لم يدعها تكمل كلماتها و قال يقاطعها
- دول أخواتي .. و ممكن كمان يكونوا ولادي و بقوا مسؤلين مني من أول ما دخلوا بيتي ... مش عايزك تقولى كده تاني بلاش تحسسيني أنى غريب عنكم
ليكون دورها هى أن تسكت كلماته و قالت بابتسامة صغيرة لكنها تنير عالمه و كل حياته
- متقولش كده ... أنتَ مش عارف أنتَ بقيت  أيه عندنا كلنا و إزاى أخواتي شايفينك ... شايفينك فارس ... فارس جه بفرسه الأبيض و خطفهم من أيام سوده لجنة عمرهم ما حلموا بيها .. أنت رحمه من ربنا بعد ظلم كبير و عذاب سنين 
كان يستمع إليها و رغم أستمتاعه بتلك اللمعة داخل عيونها إلا أن إمتنانها و أحساسه أنه يطوق عنقها و عنق أخواتها بوقوفه جانبهم أكثر ما يضايقه و يجعله يشعر أن مازال موعد الوصال بعيد
و كانت هى تفكر أن عليها تخطي خوفها و ذلك الحاجز الواقف بينها و بينه ... عليها أن تعطيه ولو إشارة صغيرة تجعله يقترب أكثر ... أن يبادر و هى سوف تستجيب له بكل كيانها
حين صعدا إلى غرفتهم توجهّ مباشرة إلى الحمام لتتوجه هى إلى الخزانة و أخرجت منامة حريرية قصيرة
و تركت شعرها حر علي ظهرها و وضعت بعض من مساحيق التجميل و قبل أن ترتدي المأذر كان هو يغادر الحمام ليقف مكانه مشدوه من هيئتها التى حركت بداخله كل مشاعر الدنيا الذي يحاول كبحها منذ تزوجها سقطت المنشفة من يده و بدء فى الأقتراب منها 
كانت تنظر أرضاً بخجل و جسدها ينتفض ببعض الخوف و الخجل
ظل يقترب منها و عيونه تلتهم كل إنش منها بشوق و لهفة
حتى وصل إليها و لم يعد يفصل بيهم سوا خطوة واحده تركها هو حتى يعطى لنفسه مجال للتراجع
فبداخلة نار إذا أقترب منها أكثر يخشى أن تحرقه و تحرقها .. يريدها لكن أيضا لا يريدها ردًا للجميل ... يموت شوقًا لضمها بين ذراعيه زوجته حليلته لكن يريدها بكامل رغبتها ... قال بصوت متحشرج
- أيه الجمال ده ؟
لم تنظر إليه بل أخفضت رأسها أكثر ... ليلاحظ أرتعاش يديها و أنتفاض جسدها
ليمد يده يأخذ من يدها المأزر و أقترب الخطوة الفاصلة و رفع ذراعيه ليضعه فوق كتفيها و هو يقول
- شكلك سقعانة أوى
ثم جذبها من يدها حتى وصلوا إلى السرير ليرفع الغطاء و أشار لها أن تصعد فوق السرير
نفذت ما قاله بصمت و دون أن تنظر إليه ليضع الغطاء فوقها و هو يقول
- أتغطى كويس أخاف تاخدي برد
و أتجه إلى الجهة الأخرى و صعد مكانه بجوارها و أخذها بين ذراعيه يضمها بقوة حانية ... لتقول هى بخجل
- أنا كنت
ليضع يده فوق فمها و قال سريعاً
- كله هيجى فى وقته يا هدير ... أنا مش مستعجل المهم أنك فى حضنى و فى بيتي مراتي قدام ربنا و قدام الناس
ثم قبل أعلى رأسها و هو يستنشق رائحة شعرها الشبيهه برائحة الأطفال
عادت من أفكارها تبتسم بحزن و هى تهمس
- كان هو ده وقتها يا جعفر بس أنا إللى كنت غبية
طرقات على باب الغرفة ثم دخول الممرضة التي قالت مباشرة
- الشرطة بره و عايزاكى
ربتت على يده و أقتربت من أذنه و قالت
- أنا راجعه على طول
و غادرت الغرفة فى نفس اللحظة التى فتح فيها هو عينيه يظهر بداخلها شر كبير
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت أمام الضابط الذي قال
- حمدالله على سلامته .. ممكن تحكيلي أيه إللى حصل ؟
بدأت فى سرد كل ما حدث بالتفصيل ليسألها من جديد
- شاكه فى حد معين ؟
صمتت لثواني ثم قالت
- جعفر طيب جداً و راجل جد و محترم معرفش له أعداء 
ظل ينظر إليها بتفحص ثم أومىء بنعم و أشار لها أن تمضي على ما قالته ثم دعا بسلامة المريض و غادر 
ظلت واقفة فى مكانها تنظر فى أثره ثم دلفت إلى جعفر من جديد
~~~~~~~~~~~~~~
وقفت فاطمة أمام والدتها و هى تقول ببعض الضيق
- يا ماما عايزين نروح نطمن على عمى جعفر بس هدير مش راضية
أومئت بدريه بأنها مؤيدة لكلمات هدير لتضرب فاطمة قدمها فى الأرض بغضب
- ياماما زينب حالتها تخوف يمكن لو شافت عمى جعفر تطمن و ترجع زى ما كانت
ظهر الحزن على ملامح بدريه و أشارت لأبنتها أن تخبر هدير بحالة زينب  فقالت بغضب أكبر
- قولتلها و برضوا قالت مش النهارده
حركت بدريه رأسها بيأس لتقول فاطمة ببعض الهدوء
- أنا عارفة أن حالة عمى جعفر مش سهله و مش وقت زيارة أنا بس شايله هم زينب
نفخت الهواء و هى تقول باستسلام
- نستنا لبكره و أنا و أخواتي هنحاول مع زينب تاني و ربنا يستر
و صعدت إلى غرفتها لتجد علي و حسام هناك يجلسون أمام زينب الصامته تماماً و يبدوا على وجهها الحزن و الخوف
لتقترب و تجلس بجانبها تضمها إلى صدرها و هى تقول
- أنا كلمت أبله هدير و هى قالتلي أن عمى جعفر بخير و كويس
نظرت إليها الصغيرة بعيون دامعة لتكمل فاطمة كلماتها 
- و قالت كمان إننا نقدر نروح نشوفه بكره
لتنحدر تلك الدموع الحبيسة فى عيون الصغيرة منذ وقوع الحادث لتضمها فاطمة بقوة و هى تربت على ظهرها بحنان و عيونها بعيون أخواتها الذي يشعرون جميعاً بالخوف و القلق
~~~~~~~~~~~~~~~
أستيقظ فتحى على طرقات عاليه أعتدل جالساً ليتأوه من الألم الذى ينتشر فى جسده بسبب سقوطه فوق الطاولة و تلك الجروح الموجودة فى جميع جسده حتى غير الواضح منه
أقترب من الباب و هو يترنح ليجد مفتاح يقف عند الباب يستند بكتفه على إحدى جوانبه يلعب بميدالية مفاتيحة
ظل الأثنان ينظران لبعضهم بعضاً لعدة ثواني حتى قال مفتاح
- مش هتقولي أتفضل و لا أيه يا أبو هدير ؟
شعر فتحى بتهديد مفتاح المبطن فتراجع خطوة إلى الخلف ليدلف مفتاح و هو ينظر فى جميع الأتجاهات ثم توجهه إلى الأريكة وجلس عليها و هو يقول بلهجة آمره
- أدخل غير هدومك و أحلق دقنك و ألبس حاجة عليها القيمة عايزين نكمل شغلنا
أقترب فتحي و جلس على الأريكة المجاوره لمفتاح و قال باستفهام
- شغل أيه تاني ؟ و بعدين إحنا لسه معرفناش أيه إللى حصل لجعفر
ليلوي مفتاح فمه و هو يقول
- خبر الحادثه وصل لكل الناس و طبعاً أنت كأب حنون مينفعش تسيب ولادك و مراتك فى الظروف دى ... و لا أيه ؟
كان فتحى ينظر الي مفتاح باندهاش وصدمه ليكمل مفتاح كلماته
- و لا عايز الناس تاكل وشك و يقولوا موقفش جمب بنته و جوز بنته
ظهر الفهم أخيراً على وجه فتحي و وقف  يقول لنفسه بابتسامة خبيثة
- عيالي حبايبي و جوز بنتي الغالي ... ميستحقش كده أبدا أبدا
و غادر من أمام مفتاح ليحرك مفتاح ميدالية مفاتيحه حول أصبعه و وقف على قدميه و غادر البيت
يمنى نفسه بأموال جعفر ... و بهدير
~~~~~~~~~~~~~~
وصل حنفي أمام منزل جعفر عدل من ياقة قميصه و حزام بنطاله و طرق الباب عدة طرقات حتى فتح الباب أمامه و ظهر من خلفه علي بملابس راقيه تجعله يظهر كأبن من أبناء الطبقة الراقية مهندم الشعر و الهيئة
و حين وقعت عين علي على حنفي الذى يبتسم بسماجه ليقطب علي حاجبيه بضيق و قال بغضب
- أنت أيه إللى جابك هنا ؟
ليحضر حسام و خلفه فاطمة التى صرخت بصوت عالي و هى تركض فى إتجاه زينب تضمها بحماية
كل ذلك تحت نظرات فتحي القوية المصاحبه لأبتسامة سمجه
دفع علي إلى الخلف و دخل البيت بخيلاء و هو يقول
- هو أنتوا فكرتوا أبوكوا مات و لا أيه ؟
ليتراجع علي سريعاً و يقف أمام أمه و أخواته و هو يقول من جديد
- أيه إللى جابك هنا بقول ؟ و بعدين عمو جعفر مش هنا .
ليبتسم فتحي بسماجة أكبر و نظر إلى بدريه التى تنظر إليه بخوف
- علشان هو مش هنا أنا جيت معقول أسيب ولادى حبايبى لوحدهم
و ضرب على وجنة الصغير عدة مرات ليدفعه علي بقوة إلى الخلف و أقترب حسام يدفعه هو الآخر ليضرب على بقدمة فى معدته جعلت الصبى يقع أرضاً يتلوى بألم و صفع حسام بقوة على وجنته ترنح الأخير فى مكانه  لتصرخ فاطمة بصوت عالي و بدريه تبكى بصمت و هو يقترب من فاطمة و زينب لتصدر صرخة قوية جعلت الجميع يلتفت لمصدر الصوت باندهاش و صدمة


يتبع

حين التقيتك (( جعفر قلبي )) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن