الفصل الثاني

2.7K 204 34
                                    

الفصل الثاني


عيونها تدور فى كل مكان ... ترى أمامها بيت أدامي يليق أن يسكن به من هم من بني البشر غير ذلك الكوخ الصغير المتهدم التى كانت تسكن به هى و أخوتها و والدتها
بيت مكون من طابقين يطل على حديقة صغيرة الطابق الأرضى صالة كبيرة و على الجانب الأيمن يوجد المطبخ الذى حين دخلته شهقت بصوت عالى بسبب إتساعه و أيضاً جمال ألوانه و وجود كل الأغراض به حتى غسالة الأطباق
أقترب جعفر منها و قال بصوت هادىء
- كنت بجهز فى البيت ده و أنا بتخيلك فيه كل يوم
نظرت إليه بعدم تصديق ليبتسم و هو يكمل
- من أول يوم دخلتي عليا ورشة المصنع و أنتِ باصه فى الأرض و إيدك بتترعش و الدموع ماليه عيونك سكنتي قلبي ... و كنت بدعى ربنا فى كل أذان إنك تكونى ليا ... ست بيتي و مراتي
أنهمرت دموعها فوق وجنتيها من الصدمه أو عدم التصديق ... لا تعلم و لكن الأرض تميد بها  و لم تعد قدميها تحملانها  ليقترب منها سريعاً يضمها إلى صدره  وهو يقول بقلق
- أنتِ لازم ترتاحي .. كلام الدكتور معملناش منه أى حاجة تعالى معايا يلا
و تحرك ببطىء لتريح رأسها على كتفه العريض ليبتسم رغماً عنه لذلك القرب الذى كان يحلم به طوال حياته
حين وصل إلى السلم كانت قدميها ثقيلة جداً لا تستطيع رفعها لينحني قليلاً و حملها بين ذراعيه و كأنها عصفورة صغيرة بين يدى عملاق ضخم
صعد الدرج و هو يتأمل ملامح وجهها الملائكي ... لكنه شاحب مرهَق يسكنه سنوات و سنوات و هذا هو دوره الذى خلق من أجله
توجهه مباشرة إلى الغرفة الكبيرة مروراً بثلاث غرف .. أولهم غرفة الصبيه و الذى أصبح بداخلها علي و حسام .. و الغرفة الثانية بها فاطمة و الصغيرة التى سكنت قلبة زينب ... و الغرفة الثالثة أصبحت فيها والدة هدير ... فتح باب الغرفة  الذى جعلها تشبه غرف الأميرات كما يراها فى عينيه و كما تليق بها
أقترب من السرير و وضعها عليه برفق ثم أمسك قدميها
يخلع عنها حذائها و دثرها جيداً ثم أعتدل واقفاً يتأملها فى سريره و بيته أبتسم بسعادة ثم تحرك ليغادر الغرفة فا بالخارج  يوجد الكثير من المهام عليه إنجازها
غادر الغرفة و مباشرة إلى المطبخ
أخرج بعض الأغراض من البراد و بداء فى تجهيز طعام جيد و يكفى للجميع
و بعد أكثر من ساعتان كان يضع الطعام فى الطاولة التى تتوسط المطبخ بعض أن وضع بعض من الطعام على حامل منفرد حتى يصعد ليطعم الحجة بدريه
صعد السلم من جديد و طرق الباب الأول ليفتح حسام الباب ليبتسم جعفر و هو يقول
- العشا جاهز فى المطبخ
ليركض الصبي إلى خارج الغرفة و هو يقول بصوت عالي
- العشا العشا
ليركض علي خلفه و دون أن يطرق الباب كانت فاطمة و زينب يركضوا خارج الغرفة 
يلحقون بأخوتهم ... و حين وصلوا للأسفل صَدموا فى ظهر علي وحسام بسبب توقفهم فاجأة أمام طاولة الطعام بزهول و صدمة لأنواع الأكل الموجودة فوق الطاولة و كميتها لتقترب زينب من الطاولة و سحبت أحد الكراسي و صعدت فوقه و مدت يدها و بدأت فى الأكل ليقترب أخوتها و كل منهم جلس على كرسي و بدأو فى الأكل بسرعة و بكلتا يديهم
طعام لم يروه منذ سنوات بين قطع الدجاج لذيذة و شهية و الخضروات التى لم يروها من قبل
أنتهوا جميعاً من الطعام و أراحوا ظهورهم إلى الخلف ينظرون إلى بعضهم براحة و سعادة ثم أعتدل علي و قال بعد تفكير لعدة ثوانى
- أحنا بهدلنا الدنيا
نظرت فاطمة إلى الأرض لتجد بعض الطعام قد سقط هناك و أيضاً حسام نظر إلى الطاولة ليجد بواقى الطعام نثرت هنا و هناك ظلوا يتبادلون النظرات حتى قال حسام
- عيب علينا الراجل هيقول علينا أيه ؟
وقفت فاطمة و هى تقول
- أنا هغسل الأطباق ... و أنتوا نظفوا الترابيزة و الأرض
أومىء الصبيين بنعم ثم نظرت إلى زينب و قالت
- متنزليش من على الكرسي لحد ما نخلص
أومئت الصغيرة بنعم  و هى تأكل قطعة دجاج كبيرة ببطىء كقطة صغيرة كسولة
أخذت فاطمة أحد الكراسي و وقفت عليه و بدأت فى غسل الصحون حين بداء على فى البحث عن أدوات التنظيف
قبل ذلك بقليل دخل جعفر غرفة الحجة بدريه و أقترب منها لتبتسم إبتسامة صغيرة له ... لكن عيونها تحمل الكثير من الأسئلة .. لكن المرض و الإهمال جعلاها بلا حول و لا قوة غير قادرة على الحركة أو الكلام
وضع حامل الطعام على الطاولة الجانبية التى تتوسط أريكة و أثنان من الكراسي الكبيرة ثم أقترب منها يساعدها حتى تجلس جيداً ثم أحضر الحامل و بداء فى إطعامها كانت نظراتها تحمل الكثير من الشكر و الأمتنان  لكنه لم ينسى ذلك السؤال الذى كانت تنطق به عينيها فبدأ فى التحدث و أخبارها من هو و أين يعمل و ماذا حدث حتى وصلوا بيته و لكنه لم يقص عليها ما حدث مع حنفي حتى لا يجرحها أو يشعرها بالدونيه
- بس .. خلي بالك أنا بحب هدير و مصدقت بصراحة أنها بقت مراتي
أبتسمت بدريه بسعادة و حركت يديها المرتعشة لتربت على يده التي يستند عليها و تدعمه فى جلسته غير المريحة من أجل إطعامها
حين أنتهى من إطعامها وقف على قدميه و هو يقول
- ألف هنا يا حجة .. هنزل أشوف الصغيرين خلصوا أكل و لا لسه
أومئت بنعم ليغادر سريعاً بعد أن عدل وضعيتها
وقف مكانه ينظر لما يحدث أمامه بزهول ... فاطمة فوق الكرسي تغسل الصحون .. و حسام ينظف الطاولة و علي يجلس على ركبتيه ينظف الأرض و زينب تجلس فوق أحد الكراسي تأكل
قال بصوت هادىء لكنه حازم
- أنتوا بتعملوا أيه ؟
ألتفت الجميع إليه ليقول حسام سريعاً
- بنظف مكان ما كلنا يا بيه
ليرتفع حاجب جعفر المقسوم بتعجب ليكمل علي
- و خلاص قربنا نخلص أهو
لتكمل فاطمة حديث أخويها بما جعل جعفر يشعر حقاً بالغضب
- معلش بقا خلصنا كل الأكل إللى كان موجود .. و كان لازم ننظف مكانا على الأقل و كمان هنطلع ننظف الأوض فوق
- بس
قالها جعفر بصوت عالي ليسكت سيل كلماتها .. فاطمة فتاة فى الرابعة عشر تقريباً ... تشبه هدير كثيراً
نظر الثلاثة إليه بخوف ليقول هو بأمر
- سيبوا من أيديكم .
لم يتحرك أى منهم من مكانه ليكمل هو
- أنتوا دلوقتي فى بيتكم و مش
- لو ده بيتهم صحيح يبقا لازم يحافظوا عليه و ينظفوه
قاطع كلماته صوت هدير من خلفه التى تستند على باب المطبخ وضع حامل الطعام سريعاً و أقترب منها و هو يقول بلوم
- أيه بس إللى قومك من السرير ؟
أجلسها على أقرب كرسي لتنظر إلى أخوتها و قالت بأمر
- كملوا تنظيف
هى تعلم جيداً و دون أن تراهم ما قاموا به وقت تناولهم للطعام هى أكثر من تدرك حالة أخوتها من جوع و حرمان لسنوات لذلك لابد أن تجعلهم يتحملون التنظيف حتي لا يعيدوا ما حدث و قالت و هى تنظر إلى جعفر باعتذار
-  لازم يفرقوا بين بيتهم القديم و هنا .. لازم يتعلموا أن حياتهم القديمة متنفعش هنا و كمان لازم يتعلموا يحافظوا على بيتك
- بيتنا
قاطعها جعفر قائلاً بصوت عالي نسبياً ثم نظر إلى الأطفال و قال
- تعالوا هنا
أقتربوا الأطفال من مكان وقوفه ليجلس على ركبتيه أمامهم و قال
- شوفوا يا حلوين ... ده بقا بيتكم الجديد و أنا جعفر جوز أختكم ... يعنى أخوكم الكبير ماشى
ونظر إلى حسام و قال موضحاً
- يعني مش بيه يا حسام
ليخفض حسام وجهه بخجل ... ليكمل جعفر كلماته
- أحنا بقينا عيلة واحدة و أنتوا أخواتي الصغيرين و أي حاجة محتاجينها تطلبوها مني و من هدير و طلباتكم أوامر
كانت تنظر إليه و بداخلها مشاعر كثيرة مختلطه و متخبطه ... من هذا الشخص الذى يجلس أمامها الأن على ركبتيه أمام أخواتها الصغار
ذلك السمج ثقيل الظل التي لم  تشعر تجاهه سوا بالبغض و الكره ... هل هذا هو جعفر صاحب الصوت العالي و جميع الفتايات بالمصنع و هى أولهم يرتعش جسدهم خوفاً أمامه
كيف هذا
لم تشعر بنفسها و هى تتذكر ذلك اليوم الذى وقف فيه وسط الورشة الصغيرة التى تعمل بها هى و الفتايات
و قال بصوت عالي و عروق وجهه جميعها نافره مع جرح جبينه و حاجبيه الكثيفين المقسم أحدهم بالنصف جعله كوحش كاسر ضخم الجثة خاصة و هو يقول
- و ديني لو الفلوس إللى أنسرقت ما طلعت دلوقتي مخلي واحدة فيكم تنفع فى سوق الحريم
ظلت جميع الفتايات صامتات يرتعش جسدهم من الخوف ... ليقترب جعفر خطوة واحدة فقط لتصرخ فتاة كانت تختبىء خلف باقى الفتايات و قالت
- الفلوس أهي بس أبوس إيدك متأذينيش
كانت عينيه تدور بين الفتايات جميعاً لا يرى من تتحدث ليقول بنفس الصوت الجهوري
- وريني وشك
لتخرج الفتاة منكسة الرأس بين يديها المال و هى تقول بصوت باكي
- و الله ما كنت قصدى أسرقه
أقترب منها يرتعش جسدها بخوف و لم تعد قدميها تحملانها وجلست أرضاً
أنتبهت من أفكارها على صوت فاطمة القريب منها و هى تقول
- سمعتى يا أبله هدير عمو جعفر هيجبلنا لبس جديد
رفعت هدير عيونها إلى جعفر الذى يداعب شعر حسام و يحمل بيده الأخرى زينب الصغير ويداعب أنفها بأنفه
لتزيد حيرتها ... و ذلك الشعور الذي بدء يطرق باب قلبها و يجعل دقات قلبها تزيد ... دقه
يتبع

حين التقيتك (( جعفر قلبي )) Where stories live. Discover now