الفصل الاول

6.9K 224 68
                                    

السلام عليكم نوفيلا حين التقيتك (( جعفر قلبي ))
المواعيد حد و ثلاث و خميس الساعه ٨ و يارب تعجبكم

الفصل الأول

ذات صباح يشبه غيره فتحت عيونها الناعسة .. شديدة الحمره من قلة النوم و الراحة تنظر إلى سقف غرفتها الكئيب كباقى البيت بلونه الرمادى و تلك الشقوق التى تملؤه و تملىء حيطان البيت الذي أصبح كوحش كريه يحاوط عنقها بقوة بأصابعه الكبيرة و يمنع وصول الهواء إلى رئتيها ... يخنقها و يوئد أحلامها بداخل قلبها أحلام أصبحت سراب بعيد و صعبة الحدوث بسبب
ذلك السجن الكبير التى تعيش فيه منذ وعت على تلك الحياة البائسة ... مع أم مريضة و أب لا يهتم .. أبقى كل واجباته فوق عاتق أمها التى لم تستطع حملها لوقت طويل و ألقتها فوق كتفيها و مع صعوبات لا تستطيع تحملها بمفردها خاصة مع أخوه صغار أصبحوا فى عنقها تتحمل مسؤليتهم
أعتدلت من نومها تنظر إلى أخوتها الغارقين فى النوم فوق ذلك اللحاف المهترىء فوق تلك الأرض الأسمنتية الصلبه جوار بعضهم و لم تختلف هى عنهم كثيراً و لكن الفرق الوحيد إنها لا تجد الراحة فى نومها كما لا تراه فى صحوها
غادرت الغرفة و هى تغلق عينيها علها تستطيع فتحهم بشكل جيد فالرؤية مشوشة حقاً
لم تنم جيداً منذ أكثر ... هى حقا لا تتذكر
أغلقت باب الحمام و جذبت تلك الستارة لتداري بها تلك الفتحات التى تملىء ذلك الباب و نظرت إلى المرآة المكسورة ليهولها ذلك المنظر
هل هى تلك المرأه التى تنظر إليها من المرآة ... هل تلك التجاعيد ترتسم حول عيونها و فمها ... هل تلك الآثار لسنوات طوال لأمرأه عجوز تظهر على وجهها أم أنها تتخيل
أم هذا ما أصبحت عليه روحها جسد شابه وروح عجوز هرمه ... رأت من الحياة ما يجعلها تزهدها و تتمنى الرحيل منها سريعاً
أغرقت وجهها ببعض المياة و غادرت الحمام لتجد جميع أخوتها يصطفون حول الطاولة الأرضيه ينتظرون الإفطار
أخذت نفس عميق ببعض الضيق ثم دلفت إلى المطبخ و بدأت فى تحضير صحن الفول و الخبز حتى تخرج للعمل الذي تعود منه لا ترى شىء أمامها من كثرة الإرهاق
وضعت الطعام على الطاولة الأرضيه و دخلت إلى الغرفة أرتدت ملابسها التى أصبحت مهترئه من كثرة لبسها لها و غسيلها
و غادرت بعد أن ألقت نظرة على أخوتها الذين يتصارعون على قطع الخبز
و ككل يوم تصل إلى ذلك المصنع الصغير لصنع الملابس دخلت مباشرة إلى غرفة التبديل و ضعت فوق ملابسها ذلك (( البالطو )) الأبيض و توجهت مباشرة إلى الماكينه الخاصة بها
و حين جلست وصلها صوت رئيس الوردية البغيض
- أيوه كده الشمس طلعت و نورت و نقدر نقول نهارنا نادي
لم تنظر إليه و لكنها بدأت فى العمل مباشرة
ليقف أمامها مباشرة و أتكىء على ذراعيه ينظر إلى وجهها الخالى تماماً من مساحيق التجميل
و ملامحها التى لا يرى أجمل منها فى عينيه
كان ينظر إلى تفاصيلها و هو يفكر
(( يعلم جيداً إنها تراه سمج و ثقيل الدم ... لكنه يعشقها و يشفق عليها مما تحمل فوق كتفيها من مسؤلية لذلك لا يدقق على تأخرها و أحياناً أخطائها فى العمل بسبب أرهاقها و تعبها الواضح لعينيه بوضوح يؤلم قلبه بشده
طرق على الطاولة بأطراف أصابعه لترفع عيونها إليه ليبتسم إبتسامة صغيرة و غادر
ظلت عيونها تتابعه حتى دلف إلى المكتب الخاص به شاب ثلاثيني أسمر البشرة بلحيه كثيفة و شارب و حاجبيه كثيفين أيضاً ملامح مقبوله لا يشوبها سوى ذلك الأثر لجرح كبير فى جبينه مروراً بنصف حاجبه
عادت إلى ما تفعله و هى تفكر اليوم سوف تأخذ راتبها و تدفع الإيجار المتأخر ... و أيضاً تشترى بعض الطعام الجيد لأخوتها و الحذاء الذى يحتاجه أخيها الصغير
أخذت نفس عميق و هى تلوى فمها بضيق
إذا قامت بدفع كل ذلك المال ماذا تبقى لنهاية الشهر أغمضت عيونها لعدة ثواني ليثقب الدبوس الخاص بماكينه الخياطة أصبعها لتصرخ صرخة صغيرة لكن إنتبه لها ذاك الذى أصبح قلبه ملك لها منذ أول يوم حضرت للعمل هنا ... وقف أمامها وقال بقلق
- مالك يا هدير ؟
رفعت عيونها إليه و قالت بدموع حبيسه داخل عينيها
- صابعي
أمسك يديها ينظر إلى أصبعها الذى أغرقته الدماء أمام نظرات الأستهجان من باقى الفتايات و همسات جانبيه عن كم هى (( مسهوكه ))
عاد جعفر إلى داخل مكتبه و عاد إليها و بين يديه لاصقه طبيه و بأهتمام واضح و سرعة بداء فى لف أصبعها باللاصقه الطبيه و حين أنتهى نظر إليها و قال بعيون تشع حب
- خلي بالك و أنتِ شغاله ... حرام صوابعك
لم تعقب على كلماته و لكنها أومئت بنعم و عادت تجلس مكانها من جديد و عادت إلى عملها لينظر هو إلى باقى الفتايات و قال بصوت عالي
- كله يرجع لشغله مش عايزين عطله
ساعات و ساعات مرت عليها وحالها كحال جميع الفتايات ظهرهم منحني فوق (( ماكينة الخياطة )) حتى خرج جعفر من مكتبه و هو يقول
- يلا ساعة الغدا
توقفت جميع الماكينات ماعدا واحدة و خرجت جميع الفتايات إلا هى
ليس معها مال و لم تحضر طعام من المنزل فلا تستطيع مشاركة باقى الفتايات الغداء
كان قلبه يؤلمه من أجلها ... لكنه يعلم جيداً أنها سترفض أن تتناول معه الغداء أو أن تأخذ منه المال
ظل واقف عند باب غرفة مكتبه ينظر إليها و هى تعمل بقوة و سرعة
لم يكن فى يده شىء يفعله سوى أن يظل هو الآخر دون غداء ... و لكنها لم تتناول أيضاً الإفطار و هذا اليوم الثالث لها و لم يدخل جوفها سوى بضع لقيمات لذلك هى لا ترى بشكل سليم و لذلك جرحت أصبعها
و كأن القدر و جسدها أتفقا عليها لم تشعر بنفسها إلا حين فتحت عيونها تنظر إلى ذلك السقف الأبيض الذى يختلف تماماً عن سقف بيتها
نظرت حولها لتجد جعفر يقف أمام النافذة يعطيها ظهره قالت بصوت هامس
- أسطى جعفر
ألتفت إليها سريعاً و القلق و بعض الضيق يرتسموا بوضوح على ملامحه
و أقترب منها بهدوء ثم جذب الكرسي و وضعه بالقرب من السرير و عيونه ثابته على عيونها شديدة الحمره و وجهها الشاحب كالأموات
ظل الموقف ثابت و الصمت ثالثهما و هى لا تفهم ماذا حدث ... و لكن كل ما تشعر به الأن إنها أخطئت خطىء كبير حتى جعل الأسطى جعفر فى تلك الحالة من الغضب
كادت أن تقول شىء حين تكلم هو من بين أسنانه
- أنتِ بقالك كام يوم مأكلتيش ؟
جحظت عيناها بصدمه و أنتبهت إلى المكان حولها خاصه حين رفعت يديها الموصول بها المغذي لتشعر بوغزة الحقنة فى وريدها
ليكمل هو بنفس الغضب المكتوم
- ردى عليا ... بقالك كام يوم مدخلش جوفك حاجة تسند قلبك ؟
أخفضت نظرها خاصة و هى ترى ذلك الأهتمام الكبير بها داخل عينيه ... إهتمام لم تراه يوماً فى عيون من هم منها ... و يجري فى وريدهم نفس الدماء
- أنتِ عايزة تموتي نفسك ؟
قالها بصوت ملتاع و قلب يتألم و روح تكاد تغادر جسده لتسكن جسدها تضمها تقطب جروح روحها و قلبها
أنحدرت تلك الدمعة الحبيسه داخل عينها حين قالت
- هو أنا قد ذنب أنى أموت نفسي .. أنا بخاف من ربنا و بخاف أزعله مني راضية بكل إللى أنا فيه لكن ورايا كوم لحم عايز ياكل و يشرب و يلبس ساقية مربوطة فيها و عيني متغميه حتى عن نفسي .
يعلم ... كان يعلم كل تلك الحمول التي ألقيت فوق كتفيها منذ سنوات ... و حملتها هذه الطفلة الصغيرة بدلاً عن والد لا يستحق ذلك اللقب .. و أم مريضة لا حول لها و لا قوة و لكن أن يسمعها منها ... خاصه بذلك الألم الذي يسكن صوتها ... أنه لكثير عليه حقاً لم يعد يحتمل خاصة و هو يتذكر كلمات الطبيب
- جسمها ضعيف جداً ... تقريباً بقالها ثلاث أو أربع أيام مأكلتش حاجة ... و كانت داخله فى مرحلة جفاف
عاد الصمت سيد الموقف من جديد و كل منهم سارح فى أفكاره .... هى تلوم نفسها على كل ما قالته ... منذ متي تشتكي حالها منذ متي تلقى بعض من حمول روحها لأحد ... لابد أن تعود للصمت من جديد عليها أن ترى دائماً كل الأبواب موصده بأقفال صدئه حتى تتحمل ما هى فيه بصمت
كان يتابع نظرات عيونها ... إنقباضة أصابعها على شرشف السرير ... و يعود يرتسم أمام عينيه هيئتها حين سقطت أرضا مغشي عليها و لم تستجيب لأى من محاولاتهم لافاقتها .. فلم يجد حل آخر سوى الأتصال بالأسعاف
لقد أتخذ قراره و لن يتراجع فيه ... هو وحيد لا أهل له و لا عائلة ... لديه بيت ليس بالكبير و لكنه يكفى لها و لأخوتها سيتولى هو المسؤلية .. و يضع يده بيدها و يكملوا المسيره معاً ... و لكن سوف يحمل عنها الحمل الأكبر .. و الأهم إنها لن تبقى بمفردها
فى تلك اللحظة دلف الطبيب حتى يطمئن عليها و بعد عدة دقائق قال
- لازم تفضلي معانا يومين على الأقل ... علاماتك الحيوية كلها منخفضه و ده مش كويس خالص
- يعني أيه يا داكتور ؟
سأله جعفر بقلق و كانت هى تنظر إلى الطبيب بعدم أستيعاب ... ليكمل الطبيب موضحا
- هى محتاجة راحة و تغذية ... و محتاجين كمان نطمن على السكر و الضغط
- أنا مش هينفع أفضل هنا ... أنا لازم أمشى دلوقتي
قاطعت حديث الطبيب لينظر الأثنان لها واحد باندهاش و الثاني بغضب
لكنها لم تهتم بكل ذلك وبدأت فى نزع الإبره المغذية ليسيل بعض الدماء من وريدها ليتحرك الطبيب سريعاً و بداء فى إصلاح ما أفسدته لكنها رفضت و بشكل قاطع أن يعيد توصيله بوريدها ... ليقول الطبيب ببعض الغضب لكن أيضاً باستسلام
- يبقى لازم تمضي على إقرار إنك متحمله المسؤلية كاملة
أومئت بنعم و هى تنزل قدميها أرضاً كل ذلك و جعفر صامت تماماً ينظر إلى ما تقوم به و لكن داخل عينيه شىء ما لا تستطيع تفسيره
شعرت ببعض الدوار حين بدأت فى الوقوف ليقترب سريعاً منها يدعم وقفتها و نظر إلى الطبيب و قال
- ممكن تقولنا المفروض نعمل أيه ؟
لوى الطبيب فمه ببعض الضيق ثم قال
- راحة تامه لمدة أسبوع على الأقل و ثلاث وجبات متكاملين و عصاير فرش كتير و سوايل فى العموم كتير و مش أقل من لترين ماية فى اليوم ... و كل يوم تقيس ضغط وسكر
أومىء جعفر بنعم و هو يجعلها تعود تجلس على السرير من جديد ..ثم وقف أمام الطبيب وقال
- لو سمحت إعملنا إذن الخروج
غادر الطبيب الغرفة ليعود جعفر يجلس على الكرسي لكن بعد أن عدل وضعيته أمامها مباشرة و قال بأمر غير قابل للنقاش
- هنخرج من هنا على بيتكم ... ترتاحى و ممنوع تنزلي الشغل
أبتسمت إبتسامة صغيرة لكنها ذبحته من الوريد إلى الوريد و أكملت عليه بكلماتها
- مينفعش ... إخواتي يعملوا أيه لو أنا رقدت ... ملهمش غيرى و دوا أمى ... أنا هروح النهارده و بكره الصبح هكون فى المصنع ... بس بالله عليك يا أسطى جعفر ما تخصم منى النهارده ... أنا عليا إيجار متأخر .. ولو مدفعتش هبقى أنا و أخواتي و أمى فى الشارع
هل توقف قلبه عن النبض و ضخ الدماء إلى عروقه أم توقفت رئتيه عن إمداد جسده بالهواء
أغمض عينيه لثواني ثم فتحهم ينظر إلى وجهها بعيونها الحزينه التى تنظر أرضاً
دلفت الممرضه و معها إذن الخروج ليقترب منها حتى يساعدها فى السير و كانت هى من داخلها تشكره بقوة لأنها تشعر بالدوار و الرؤية مشوشة و تشعر أن ساقيها كالهلام لا يحملانها
كانت تريح رأسها على زجاج السيارة مغمضة العينين غير واعيه لذلك الجالس بجانبها ينظر إليها كل دقيقة و أخرى سامحاً لدموعه أن تهطل من عينيه تهون ولو قليلاً من ذلك الألم الذي ينحر قلبه
لم تشعر به حين أوقف السيارة و بعد عدة دقائق عاد تشغيلها ثم إيقافه لها مره أخرى ... حتى وصلا أمام بيتها
ترجل من السيارة و طرق الباب عدة طرقات و بعد ثواني فتح لينظر إلى تلك الصغيرة صاحبة العيون الملونة و الملامح الخلابة التى تستتر خلف تلك العلامات السوداء التى تلطخ وجهها و شعر مشعث و ملابس رثه ممزقه
ليبتلع تلك الغصه التى تؤلم حلقه و قال بابتسامه حزينه
- مين هنا يا حلوة ؟
عادت إلى الداخل دون أن تجيبه بشىء و بعد عدة ثواني ظهر أمامه رجل طويل القامه غزى الشيب رأسه يرتدى ملابس داخلية بيضاء و بين يديه أرجيله يفوح منها رائحة سيئة يعلمها جيداً
- أنتَ مين ؟ و عايز إيه ؟
كان ينظر إليه بتقزز و بداخله رغبة قوية أن يلكمه فى وجهه ... ما هذا الأب الذى يترك أولاده فى تلك الحالة ... أو يترك إبنته تعاني كل هذه المعانه فى محاولة سد خانته التى تركها فارغه ... أى رجل هو من يترك إبنته تقابل تلك الحياة الوعره بمفردها دون إكتراث أو إهتمام
- أنا الأسطى جعفر مدير هدير فى المصنع
- عملت أيه بنت (( ... )) دى
سأله سريعاً ليظهر الغضب على وجه جعفر الذى قال بصوت عالي
- بدل ما تسأل عملت إيه ؟ أسأل جرالها أيه ؟ هى مش بنتك و أنتَ أبوها ؟
ظهر الأمتعاض على وجه حنفي و قال ببعض الضيق
- هو أنتَ جاى تعلمني أقول إيه و مقولش إيه ... أنتَ عايز أيه يا جدع أنتَ ؟
نظر جعفر إلى السيارة ليجدها كما هى غارقة فى النوم ليعود بنظره إلى الرجل إذا صح أن يقول تلك الكلمة عليه و قال
- أنا جاى أطلب إيد هدير و عايز أكتب كتابي عليها النهارده
- وأنا مش موافق
أجابة حنفى سريعاً ثم أستمر موضحاً
- هدير هى إللى بتصرف على أخوتها لما تتجوز أخواتها هيموتوا من الجوع
لم يشعر بنفسه و هو يهجم على الرجل لتسقط الأرجيلة من يديه حين أمسكه من ملابسه المتسخه و قال
- أنتَ إزاى كده حقير و واطى ... أنتَ أب أنتَ
دفعه إلى الخلف و هو يكمل بازدراء
- أنا هكتب عليها و هاخدها هى وأخوتها و أمها معايا
أبتسم حنفي بسعادة ليكمل جعفر
- و مش هتدفع مليم واحد فى الجوازه دى ... بس أنا ليا شرط
أتسعت إبتسامة حنفي و هو يقول
- شروطك أوامر يا أسطى بس أنا كمان ليا طلب
رفع جعفر حاجبه المقسوم بسبب ذلك الجرح القديم ليقول حنفي قبل أن تخونه شجاعته أمام تلك الهيئة المخية التى تقف أمامه متجسده فى كتلة عضلات تحمل رأس له عينان حادتان
- مهرها ... و لا هتاخدها كده من غير حاجة
ليعود جعفر يمسكه من ملابسه و هو يقول بصوت جهورى جعل جميع أخوتها تتجمع عند باب الغرفة الداخلية يشاهدون ما يحدث بخوف
- أنت كمان عايز تاخد فلوس ... هى بيعه و عايز تاخد تمنها أنتَ راجل خسيس و واطى صحيح
ليبعد حنفي يد جعفر عن ملابسه و هو يقول
- تدفع مهرها تاخدها فى إيدك و أنتَ ماشي وأبقى أكتب عليها براحتك مدفعتش طلبك مرفوض و ورينا عرض إكتافك
لن يتحمل أكثر من ذلك فرفع قبضته و ضربه فى نصف وجهه ليترنح فى وقفته و سقط أرضاً لينحنى جعفر و نظر إليه و هو مسطح أرضاً
- هدير معايا فى العربية بره ... هبعت أجيب المأذون و هكتب عليها و هديلك ٥ الآف جنيه بس مش عايز أشوف وشك نهائى ... و لا تقرب من هدير و لا من أخوتها و هتمضيلي وصل أمانه اااه علشان مترجعش فى كلامك ... موافق
ظل حنفى ينظر إليه بخوف ثم أومىء بنعم ليرفع جعفر عينيه إلى الأطفال الواقفين عند الباب و قال لأكبرهم
- تعرف شيخ الجامع
أومىء الصبي بنعم ليقول له
- روح ناديه بسرعة
ليركض علي إلى الخارج سريعاً منفذاً أمر جعفر دون أن يفهم و لكنه سعيد بسبب ما فعله فى والده الذي يظل طوال الوقت فى المنزل بين سبهم و ضربهم و أيضاً بسبب قسوته على أمهم المريضة و أخذه للمال من هدير حتى يشترى تلك الأشياء الغريبة التى تجعله يقوم بأفعال لا يفهمها بسبب أن هدير دائماً تبعدهم عنه حتى لا يأخذون شىء من أفعاله
بعد عدة دقائق عاد علي و بيده شيخ الجامع ليجد حنفي يجلس أرضاً أسفل قدمي شاب ثلاثيني رغم أن ملامحه تبدوا عليها الشر إلا أنه توسم فيه خيراً و لا يفهم السبب
وقف جعفر سريعاً و هو يقول
- أتفضل يا شيخنا
جلس الشيخ عبد العليم و قال
- خيراً ان شاء الله
- كتب كتاب يا شيخنا .. بس الله يكرمك عايزين نخلص بسرعة
إبتسم الشيخ عبد العليم و أخرج دفتره من حقيبته الجلديه و هو يقول
- مبارك يا أبني ... أين العروس ؟
تحرك جعفر إلى خارج المنزل و أقترب من السيارة و توجه إلى باب السائق
و فتحه و جلس بهدوء ثم قال بصوت هادىء
- هدير ... هدير
فتحت عيونها بأرهاق و نظرت إليه بتشتت ليبتسم إبتسامة صغيرة و هو يقول
- هدير أنا عايز أطلب منك طلب و لو سمحتي مترفضيش
أعتدلت تنظر إليه باستفهام و حيره ليكمل هو بصوت حاني لكنه يحمل أيضاً من الحزم الكثير ما جعلها لا تعلم ماذا عليها أن تقول
- أنا طلبت إيدك من أبوكى و هو وافق و الشيخ عبد العليم جوه مستنيكى علشان نكتب الكتاب
فتحت فمها ليشير لها بالصمت و أكمل كلماته
- أنا أتفقت مع أبوكى على كل حاجة ... أنتِ و أمك و أخواتك هتيجوا تعيشوا معايا فى البيت ... أنا مقطوع من شجرة و لا ليا قريب و لا حتى غريب و أنتوا هتبقوا كل عيلتي و أهو القفه أم و دنين يشيلوها أتنين
كانت الدموع تتجمع فى عيونها و لم تستطع أن تجيب بأى شىء على كلماته ليقول هو بابتسامة رجاء و توسل
- أرجوكي مترفضيش
لم تشعر بنفسها و هى تؤمىء بنعم ليبتسم و غادر السيارة و توجه إلى بابها فتحه و أشار إليها
لتترجل من السيارة ليمد يده يدعم وقفتها لتدخل إلى البيت بخطوات مترنحه لم تنظر إلى والدها الذى ينظر إليها بشر و غضب مكتوم
أجلسها على الكرسي المنفرد و أنحنى ينظر إلى حنفي فى عمق عينيه و قال بتقزز
- مش يلا بقا يا عمي
أومىء حنفي بنعم و هو يتذكر كيف جعله يمضى على وصل الأمانة دون أن يعطيه المال مشترطاً أن يسلمه المال بعد عقد القران
بداء الشيخ عبدالعليم فى عقد القران و خلال دقائق كانت توقع بأسمها أسفل الورقة التى جعلتها الأن زوجة الأسطى جعفر السمج
غادر الشيخ عبدالعليم
ليقف جعفر ينظر إلى هؤلاء الأطفال اللذين يقفوا عند الباب الداخلى ينظرون إلى ما يحدث بالخارج دون فهم أو إستيعاب و قال
- يلا يا ولاد لموا كل هدومكم و حاجاتكم
ثم نظر إلى هدير التى تنظر إليه بزهول و صدمه و عدم إستيعاب ... أقترب منها متجاهلاً حنفي الذى ينظر إليهم بغضب
- يلا يا هدير ساعدى أخواتك و جهزى والدتك علشان نمشي
أومئت بنعم و كأنها مغيبه عن العالم و الناس و تحركت بالفعل لكن بهدوء شديد بسبب ذلك الدوار الذى لم يفارقها ... يعلم إنها مازلت متعبه و لكن عليه أن ينهى الأمر مع حنفي
حين دلفت إلى الغرفة و أغلقت الباب نظر إلى حنفي و قال
- هوصلهم على البيت و هجبلك الفلوس
و مد يده فى جيب بنطاله و أخرج مبلغ من المال و وضعه فى يد حنفي و هو يقول
- خد دول على ما أجيبلك الفلوس ... و على فكره دول فوق الفلوس إللى أتفقنا عليها
أبتسم حنفي و هو يقبل الأوراق المالية و يشتم رائحتها و كأنها أغلى العطور و قال بصوته و طريقته التي تثير الغثيان
- من إيد منعدمهاش ... مبروك عليك البت و أمها و أخواتها
و تحرك سريعاً يرتدى تلك الجلباب التى تملئها (( الرقع )) و خرج من المنزل
ظل جعفر ينظر فى أثره بتقزز و أشمئزاز ... ثم نفخ الهواء ببعض الضيق الذى تبدد و هو يرى الصغيرة التى فتحت له الباب تقف عند باب الغرفة المفتوح تمسك بين يديها (( بؤجه )) صغيرة تحمل فيها ملابسها القليله تنظر إليه بعيونها التي تخطف الروح و القلب
و بعد عدة ثواني لحق بها أخواتها حتى خرجت هدير تحمل حقيبة مهترئه و قالت بخجل
- أحنا جاهزين ... بس
أقترب منها و هو يقول باستفهام مصاحب بابتسامة صغيرة حانية
- بس أيه ؟
أشارت إلى الغرفة لينظر إلى الداخل ليرى ذلك الجسد الهزيل الممدد على أريكة صغيرة فى إحدى جوانب الغرفة ليدرك ما تريد هدير قوله ليومىء بنعم
دلف إلى الغرفة و أقترب من الأريكة ... ليشعر بالصدمه حين وقعت عينيه على أمرأة أربعينيه بيضاء لكن المرض رسم على ملامحها المميزة آثاره لكن ما تراه عينيه يدل على أنها كانت سيدة جميلة بملامح تخطف القلوب أبتسم لها لتبادله الإبتسامة أقترب منها أكثر و أنحنى يحملها بين ذراعيه بسهوله بسبب نحول جسدها
توجه إلى السيارة و نظر إلى علي و قال
- أفتح الباب يا بطل
لينفذ الصبي ما قاله له جعفر ليجلسها داخل السيارة و نظر إليهم من جديد و أشار إليهم أن يصعدوا إلى السيارة و فتح الباب لهدير و أشار لها أن تصعد هى الأخرى حملت أختها الصغيرة و ركبت بالفعل ليغلق الباب ثم وضع كل الحقائب فى شنطة السيارة و جلس مكانه و تحرك فى إتجاه بيته و حياة جديدة كان يتمناها هو منذ سنوات ... و حيره و خوف تسكن عيونها من مجهول لا تعلمه رغم إحساسها بالأمان الذى يسكن قلبها يجعلها تريد أن تغمض عينيها و تغرق فى النوم براحة لأول مره منذ سنوات

يتبع

حين التقيتك (( جعفر قلبي )) Where stories live. Discover now