الدكتور خالد المصرى

Start from the beginning
                                    

" خبطت علي كتف محمود عامل النظافة في المستشفي بتاعي وابتسمت وقُلت:

= هو أنت أحسن مني يعني علشان تنضف المستشفي وأنا لا؟

- لا ماقصُدش والله بس....

= كلنا في الدنيا واحد يا محمود، ماحدش أحسن من حد، واللي يلاقي حاجة غلط يصلحها من نفسه ومايستناش التاني ييجي علشان يعملها، عارف كيس العصير ده لو فضل مكانه إيه اللي هيحصل؟

" بص عليا بـ استغراب:
- إيه؟

= كمان أسبوع هيكون مقلب زبالة كبير، هي الدنيا كدة يابني، والمشكلة بتبدأ بغلطة صغيرة أوي تكاد لا تُذكر ولما بنهمِلها بتفضل تكبر وتكبر لحد ما تتحول لكارثة.
فلو ما عالِجناش المشكلة في أولها عواقبها هتكون مستحيلة الحل.

مسكت كيس العصير وروحت ناحية صندوق الزبالة ورميته ولسه بلف وشي.

وفجأة....

لفت انتباهي ظرف موجود جوا الصندوق، فـ وطيت وجيبته وبدأت اقرأ اللي مكتوب جواه:

" دكتور "خالد المصري" أنا الحاج كريم من أسوان عندي ٥٥ سنة، شغال علي باب الله، بطلع كل يوم الفجر أقعد علي الطريق وأستني أي حد ياخدني معاه أشتغل، والدنيا حقيقي صعبة معايا لإني مابقتش أقدر أفرِد ضهري، ودلوقتي جايلك من غير ما مراتي تِعرف علشان أقدملك طلب إنك تعالج بنتي.
أنا ومراتي متجوزين من ١٥ سنة وربنا ما أنعمش علينا طول المدة دي بنعمة الخِلفة، وبعد كل الصبر ده بنتي جت للدنيا من ٣ شهور، ومحتاجة عملية قلب مفتوح في أسرع وقت، لإن حالتها كل يوم بتسوء عن اللي قبله.
بالله عليك أقف جمب أب الزمن دوِّب قلبُه".

دموعي نزلت غصب عني..
الراجل ده ظروفه كانت زيي بالضبط، وشغال نفس الشغل بتاع أبويا!!!

لفيت ضهر الورقة لاقيت مكتوب عليا:

"بنتي الغالية ياسمين، أعذريني يا نور عيني، بس معلش حظك قليل في الدنيا، والدكتور طلع مسافر برا مصر واللي شغالين عنده مش راضيين يقبلوا حالتك.
أشوفك في جنة ربنا يا حتة مِن قلبي وروحي.
الغلابة اللي زينا يابنتي تقريبًا مالهُمش مكان وسط القلوب السودا اللي في الأرض.
بكره معادنا في الجنة وأحس بقلبك وهو سليم وأكون فرحان بيكي وأنا شايفك جميلة وبتضحكي.

والله أبوكي عمل المستحيل علشانك، لدرجة إنه استلف فلوس المواصلات علشان يعرف ييجي لحد هنا فسامحيني يابنتي.
سامحيني يا جنة من ربنا جاتلي علي الأرض بس ماليش نصيب كبير فيها."

" في اللحظة دي قلبي كإنه إتخلع من مكانه، وركبت العربية بتاعتي وبدأت أسوق بسرعة زي الملهوف علي بنته من الموت وسافرت من القاهرة لأسوان، سافرت ١٢ ساعة بتحدي فيهم الزمن الوقت، لحد ما وصلت للعنوان ووقفت قدام الباب، وبدأت آخد نفس طويل، وأطلعه بالراحة علشان أهدأ.

قصص وعبر Where stories live. Discover now