الفصل الأول

90 5 0
                                    

العائلة ليست كلمة تطلق على عددًا من الأفراد تربطهم صلة الدم، بل تطلق على كل من ساعدهما، حماهما، راعاهما، أواهما ووقف بجانبهما كجدار ثابت كالجبال إن مالتا عليه لن تقعا أبدًا...
العائلة ليست بالمال الذي يُبعث كل شهر لاستهلاكهما في البيت من مأكل وملبس وإيجار، بل ببسمة حنونة، عناقٍ دافئ، حديث يتآلف مع قلبك يحاوطه بتهمل خوفًا عليه من أي نسمة هواء تضره...
العائلة ليست قولاً يقال فقط لصلة الدم، العائلة فعلاً يفعل فقط لصلة القلب... .

*****

تنهدت براحة وقد انهت اكثر ثالث شيء تكرهه بحياتها..
ذاك الخمار الكريمي المنسدل على صدرها برقة يداري صدرية فستانها البني الفضفاض... وهي هنا تكره الخمار حينما ترتديه على عجلة فلا تستطيع تثبيته كما تريد وليس الخمار نفسه... فهي من اقدمت على تلك الخطوة بكامل قواها العقلية كما تقول خلود صديقتها!..

امسكت حقيبتها الصغيرة ووضعتها على كتفها وخرجت مسرعة تتوجه لغرفة أخرى مقابل غرفتها تفتح بابها لترى والدتها الحبيبة مستغرقة في ثبات مريح... ارتخت ملامحها وفاضت عينيها بحبٍ لا تعلم كيف تصفه.. من النادر وجود أم حقيقة بها أسمى الصفات بهذا العصر.. ولكن من نعم الله عليها هو والدتها.. تلك المرأة الصابرة القوية.. من تفعل أي شيء فقط لأجل راحتها.. توجهت لها بهدوء ومالت بجذعها لترى ملامحها المستكينة براحة بال لم تهنئ بها إلا منذ سنواتٍ قليلة بعد عذابٍ كبير...

مالت برأسها تقبلها على خصلاتها السوداء المجعدة وابتعدت لتراها مرفوعة الجفنين واثار النوم لا تتركانها متثائبة بخفة.. فابتسمت بحنان وهي تقول :
- صباحو ورد على أجمل وردة في الدنيا.. .

اعتدلت والدتها تستند بجذعها على حامل الفراش خلفها ولا يزال جسدها ثقيل لم يستعد وعيه كما عقلها  وصوتها الخفيض يجيبها بحنان :
- صباح الخير يا حببتي.. .

توجهت الفتاة لنافذة الغرفة المسدل عليها الستائر وازاحتها على الجانبين فاقتحمت الخيوط البرتقالية الغرفة.. وللحظات ظلت تتأمل خلو حيهم من البشر إلا قلائل يركضون خلف لقمة العيش... ألتفتت لوالدتها عندما شعرت بحركتها فتراها قد غادرت الفراش متوجهة للخارج فخرجت خلفها لكن مندفعة جهة باب المنزل
بينما يعلو صوتها ليصل لوالدتها التي ولجت للمرحاض:
- انا نازلة افتح المحل.. وانتِ فوقي كدا وافطري وانزلي وقت ما تحبي.. .

آتاها صوت والدتها من الداخل :
- طيب استنى افطري معايا يا بنتي.. .

فتحت الباب وشرعت في ارتداء حذائها وهتفت :
- انهاردة الاتنين يا ماما وصايمة.. انتِ افطري ومتنيسش ابرة السكر.. يلا سلام.. .

انهت حديثها مغلقة الباب خلفها بينما تنزل درجات الدرچ بتهور طفولي محبب لها.. وكأنها ليست فتاة قد اتمت الثامنة عشر...
خرجت لحيها الصغير لتستقبلها نسماته الدافئة والتي ستتحول لحارة بعد سعاتٍ قِلة... ظلت تعرج لعدة احياءٍ صغيرة حتى وصلت لبداية حي كبير نسبيًا ممتلئ بالمتاجر المشتهرة ببيع العبائات الشرقية والتحف القديمة....

وصالك سهديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن