- سقوط -

134 22 18
                                    

آخر شيء أتذكره أنّي هويتُ على رأسي، كنت وحدي في غرفتي، أتمشّى على الجدار وما إن أقف على أحد الأضلاع حتى يصير هذا الضلع أرضًا، وبعد عدّة دورات، لم أستطع أن أتحكم بقدميَّ، كانا لا يزالان يركضان وفشلت كُل محاولاتي في أن أوقفهما، فقررت أن أغيّر وجهتي،...

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.


آخر شيء أتذكره أنّي هويتُ على رأسي، كنت وحدي في غرفتي، أتمشّى على الجدار وما إن أقف على أحد الأضلاع حتى يصير هذا الضلع أرضًا، وبعد عدّة دورات، لم أستطع أن أتحكم بقدميَّ، كانا لا يزالان يركضان وفشلت كُل محاولاتي في أن أوقفهما، فقررت أن أغيّر وجهتي، وأقف على السقف!

-

عندما أفقتُ، كان الصباح غائمًا، أنا متسطحة على الأرض وكان يحطُّ على صدري طيرًا جريحًا، يداي أثقل من أنّي أقوم بتحريكهما، وصوتي فارٌّ من حلقي! بدا كُل شيء مشوّش للغاية، إلا أنّي أرى بوضوح "هذا ليس حلمًا" قلتُ في نفسي، أحلامي ضبابية جدًا ومشوّهة، "ها أنا ذا، أستطيع أن أسيطر على جسدي، ها أنا ذا، سأقف.." رددتُ.

شعرتُ بمسحة حزنٍ غريبة، كأنّي فارقتُ قطعةً منّي، كان قلبي يئِنُّ، وأثناء ذلك راقبتُ قلبي، لم أستطع أن أحسّ نبضي، كان هناك وجعٌ غريب، كأن قلبي يُقتلع، لكن بلا صوت. حرّكت رأسي يمينًا ويسارًا، حتّى أستفيق من شرودي، أريد أن أعود إلى أمّي، أريد أن أسمع صوت أبي، أن أدور في مساحات منزلنا الفارغة، أريد أن أقف على أعلى قمة وأصرخ أنّي هُنا، وأنّي أشعر بالأشياء فيَّ، أين الجميع إذًا؟ لم لا أحد بقربي؟

حرّكت رأسي يمينًا ويسارًا مجددًا، "كفاني تفكيرًا!" قلتُ بصوتٍ عالٍ، ها هو ذا صوتي، لقد عاد.. أغمضتُ عينيَّ بقوة لثانيتين وأعدتُ فتحهما بغتةً، شهقتُ، رأيتُ أناسًا يتقدمون نحوي، كانت ملامحهم شاخصة، بدوا كما لو أنهم يعزّوني، تسائلتُ، من مات؟
حركت عينيَّ بينهم محاولةً إيجاد شخص أعرفه، أمي؟ أبي؟ لم لا يوجد بينكم أحد أعرفه! قلتُ.

في السابق، كُنت إذا أريد أن أُهدِّئ من قلقي، آخذُ نفسًا عميقًا، وأذكّر نفسي بأن كل ذلك محض تهيؤات، الآن يدخل الهواء إلى رئتيَّ ولا يخرج، أستمر بالشهيق لكن بلا زفير، وأخيرًا.. عرفتُ أنه حلم، ناقضتُ نفسي قبل دقائق ورددت: لا بأس، سينتهي هذا الكابوس الآن.

اقتربت منّي امرأة، ليست كبيرةً جدًا ولا صغيرة، تحيطها هالة من الراحة، ارتسمت على شفاهها ابتسامةً تشي بالاطمئنان، هدأتُ، تذكرتُ وجه أمي.
مدّت يدها نحوي، نظرتُ إلى كل شيء حولي، لا وجود للطير الميّت على صدري، كل شيء يصبح أكثر تعقيدًا، ترددتُ في البداية لكنّي رفعتُ يدي، امسكت بي تلك المرأة نهاية الأمر وشدّتني نحوها.

جسدي هشٌّ للغاية، يفتقدُ عنصر ما، أم أنّي أفتقد جسدي كله؟ صرت أخطو معها خطوات ثابتة وبطيئة، أعرف هذه الطرق، لكن لا أذكرها، تبدو مهجورةً ومُتربة، جفناي الثقيلان ينزلان على عينيَّ وعبثًا أحاول رفعهما فتتشوش رؤيتي أكثر.. بدأت أفقدُ احساسي بالأشياء، أين أنا؟ أين ذاكرتي؟

-

في وقتٍ ما، وبينما كان ذلك العالم يتلاشى، شعرتُ بضروري المشي، كآخر شيءٍ أتذكره، أن أمشي على الجدار، وهذا ما عزمتُ عليه، أغمضتُ عينيَّ وصرت أمشي، أتحسس الجاذبية وأزيد من سرعتي مرّةً بعد مرّة، كنت أشعر بالمكان وهو يتوسع، لم أكن ألهث ولا أتعب من سرعتي في الركض، لكنّي كنت أتذكر..

مرّةً قالت لي أمي أن الحالمين لا يعرفون أنهم في حلم، لكن جميع من في الحلم غيرهم يعلم! وكذلك الأموات. على المرء أن يعلم أنّه حيّ حتى يستطيع أن يعيش، وعليه أن يعرف أنه نائم حتّى يستطيع أن يحلم بما يريد، وأن يعرف أنه ميّت حتّى يميّز الأرض من الجدار.

الجدار؟ صعقتني هذه الفكرة، صرت أسمع بكاء أمي، وصوت أبي المبحوح في غير أوانه، أصوات تدور في عقلي! فتحتُ عينيَّ بغتةً محاولةً أن أتدارك الأمر، لكنّي كنت أسقط! لا شيء تحتي كُل شيء حولي أبيضًا، متى سأصطدم بالأرض؟ قلتُ: متى سأعانق جسدي المدفون في الأرض!

-النهاية-

-

اليوم أستيقظت من النوم واكتشفت أني قرأت رواية بالحلم، بس بنفس الوقت كنت أنا الشخصية الرئيسية بالرواية، بمعنى آخر كنت أقرأ الرواية وأمثّل دور البطلة.. حاولت أتذكر تفاصيل عن الرواية بس ما تذكرت شيء غير أنه البطلة بالنهاية كانت ميتة، وأدركت كل الأشياء اللي صارتلها لما اكتشفت أنها ميتة وبعدها انتهى الحلم وفزيت من النوم..

لذا، الفكرة لأحلامي لكن بانتاجي واخراجي وتدقيقي 😈💛.

كونوا بخير.

٢٠فبراير ٢٠٢١م.

المشي في العدم Where stories live. Discover now