-2-

99 7 0
                                    





"الفصل الثاني"

بعنوان: "الذكريات الضائعة"

.
.

داخل أسوار مدينة باركون الغامضة والمظلمة, تحديداً بذلك القصر العتيق ذو التصميم الهندسي الراقي, حيث كان يبعد مسافة كافية عن مرأى الناس
كأنه بذلك يعلن انطوائيته الشخصية عن أعين المتطفلين والذين يرغبون بالنبش حول سكانها المثيرين للاهتمام
وقف خلف زجاج النافذة القابعة بمكتبه الداخلي الذي غلب عليه الطابع السوداوي الباهت والفاخر, كان يرتدي هنداماً أسود متماشياً مع محيطه فيما أخذ يرتشف من كأس الشراب
يتذكر ما حصل حيث تصادم في لقاء غير متوقع مع فولغين بعد كل تلك السنوات الخارسة بل قد تجدد معه كل شيء حاول طمسه بكل جوارحه
بقي يردد كلماته داخل رأسه مراراً وتكراراً كأنها العلقم المُر قابعة وسط الحنجرة
بات الأمر ممتعاً أكثر حين علمتُ بأنك مازلت على قيد الحياة يا ديابلو, هذا النبأ سيجعل الزعيم سعيداً للغاية
اجتاحته موجة غضب عارمة, وهو يفكر أن زودياك قد علم بأمر عودته وأنه لازال على قيد الحياة ولم تتوفاه المنية كما كان الجميع يظن خلال السنين المنصرمة
اشتد ضغطه على الكأس المرتكز بين أنامله ثم ما لبث أن تهشم لشظايا متناثرة وانسكب المشروب على السجاد أسفل قدمه
بقيت عيناه تراقب المطر المشتد مع صوت الرعد الحازم ولمعان البرق خارج القصر بكل صمت وسكون, لم ينبس ببنت شفة
سمع طرقاً على الباب ثم تلاها انفتاحه بهدوء لبق أما هو فلقد تحرك عائداً ناحية الأريكة القابعة بمنتصف المكتب واضطجع عليها بأريحية تامة
اقترب منه مساعده ويده اليمنى بشعره البني القصير وزوج عينيه العسلية الصافية, بدا أنه لازال يافع المطلع
تحدث ديابلو بهدوء شديد فيما أخذ يسكب لنفسه مشروب أخر
"هل استفاقت تلك الفتاة يا أليستر؟"
حملق الأخر ناحية سيده ليجيب بصوت خفيض
"ليس بعد يا سيدي, أن الطبيب لازال قابعاً عندها كي يراقب حالتها الصحية"
اكتفى بأن أومأ برأسه متفهماً ثم بات يتجرع شاربه بشراهة يخفي تعابير الغضب التي أخذت تقدح بعروق جسده
تمعن أليستر بدوره إليه ليقول بثبات
"إذن لقد عاد الماضي يا سيدي؟ , يبدو أن كل شيء بات مَكْشُوفًا لزودياك سوف يسعى خلف رأسك منذ الآن فصاعداً, هذا رهيب"
إلتفت الأخر محدقاً به بزوج عينيه المغايرة في اللون, ظهر وجهه المشبع بالندوب جلياً بشكل مخيف وميزته عن أي رجل
قال بحزم بينما يرتشف بضع رشفات طويلة حتى أخر قطرة منها
"كان هذا اليوم ليأتِ يا أليستر, أنا أريد بكل ذرة حقيد فيني بأن أقتلع قلب ذاك الخائن الغدار, لقد إعتبرته بلمرحلة ما أخاً لم تلده أمي, لكن كما يُقال إحذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة, أنا نسيتُ تلك المعتقدات ونلت خنجراً بظهري, إن هاته العين. ."
أشار لعينه الحمراء المتوهجة ليكمل بحرقة يتشدق بها
"هي من تجعل نيران ثأري لا تخمد أبداً, إنها هدية من رفيقي لجعلي أنتقم لنفسي وله, إنه شيء لن أنساه البتة يا أليستر, ولن أغفر لزودياك ما اقترفه بنا مطلقاً"
كان أليستر الواقف يفهم كل حرف ينطق به ديابلو, الألم الذي يخبئه بداخله حتى هذا اليوم, قد فُتحت أبوابه الموصدة أخيراً ليلعن العالم الذي كان السبب بمعاناته ووحدته
فبقي بقربه صامتاً والأخر جالساً يستمتع بشرابه وقلبه في موجة مد وجزر عنيفين.

روايـة "القلبُ الحديدي لمدينة الشيطان باركون" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن