" الروح || Soul "

By Nadeen_Elf

5.4K 458 1.3K

اعلم انني احبك حد الاحتياج ؛ احبك حد التعلق حد التملك ، احبك بأسمى انواع المشاعر وأكبرها قدراً وأعظمها معنى ... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الرابع
الفصل الخامس والأخير

الفصل الثالث

483 65 260
By Nadeen_Elf

صحت بكل قوتي استنجد بأي احد لينقذني ؛ ارجوكم ابعدوه عني .. ارجوك تعال وانقذني ..
سالت دموعي على جانب وجنتي وانا اصيح بقوة استنجد به هو الوحيد القادر على انقاذي ..
احتاجك الان فأين انت ، تعال الي وانقذني .. تعال وانتشلني من بين انيابه القذرة التي تنغرس في جسدي الهزيل
تعال الي يا من لا اعلم ما هو اسمك او هدفك .. تعال الي وحررني ...

فجأة من حيث لا أدري هبت رياحٌ قوية هزت كل شيء في المكان ؛ تلاطم زجاج النافذة المفتوح لتنغلق بقوة
تطايرت كتبي واوراقي كما لو ان زوبعة تحل في المكان ؛ أثاثي القليل بدأ يتبعثر كالريش حتى هو ابتعد عني بقوة ليصتدم بالجدار مذهولاً فجلست في مكاني بسرعة ألملم نفسي خوفاً

حدق هونغ جي في الفراغ هلعاً بينما لم تتوقف تلك الزوبعة من تحريك كل شيء في الغرفة
هو لا يعلم ما هو سبب هذه الرياح او مصدرها ؛ لكنني بوضوح ارى ذلك الرجل بملامحه الغاضبة يتقدم منه محركاً يديه في الهواء ليولد تلك الرياح القوية ويرهبه
وبما ان هونغ جي لم يتمكن من النهوض عن الأرض حيث التصق بالجدار خائفاً اقترب منه ليجلس القرفصاء امامه ونفخ بوجهه لترتعش ملامحه اكثر هلعاً
وليزيد من رهبته وخوفه كتب كلمة " الموت " امامه باستخدام اوراقي المبعثرة ليصيح هونغ جي بخوف ويهرع نحو باب الغرفة يطرقه بقوة طلباً للنجدة مردداً كلمة واحدة : شبح ..!

فتحت له هي جين الباب ليخرج هلعاً كما لو انه رأى شبحاً بالفعل فهدأت الرياح وركن كل شيء في مكانه دونما حراك
نظرت نحوه هو الذي أقفل باب الغرفة بقوة بفعل رياحه الغريبة تلك ثم التفت ناحيتي ليقترب مني متسائلاً بقلق : هل انتِ بخير ؟

لم تتوقف دموعي عن الانهمار على وجنتي وانا اتأمل نظرات الاهتمام التي عانقت ملامحي من طرفه
وفي حين اقترب هو ليجثو أرضاً قرب السرير متفحصاً ملامحي الجزعة انكبيت عليه لأضمه حتى أرمي بثقل قلبي عليه لانه منقذي
لكنني لم أشعر سوى بالفراغ ؛ لم يعانقني سوى الهواء البارد المنبعث منه فارتبكت ملامحي في حين تجلى البؤس في نظراته

ابتسم بانكسار وبنبرة غشاها الحزن أمطرت ناراً كالسجيل على قلبي تكلم : اعذريني فلا يمكنني ان امنحكِ هذا العناق ولا استطيع حتى ان اعطيكِ كتفي لتستندي عليه ..
لست سوى شبح لا جسد له ؛ لست سوى صورة شفافة تعبرها لمساتك حارقة موجعة بقدر ما ارغب بالشعرر فيها ....!

قضمت شفتي وشعور بالذنب يتخللني افقدني لوهلة شعوري بالحزن على حالي ، للتو ذكرته بكونه مجرد روح تائهة لا يمكن الشعور بها او لمسها
لا اعلم لماذا نسيت ذلك واندفعت اليه بجنون هكذا ، ربما لانني كنت بحاجة ماسة للشعور به حقاً ..
ربما لانني احتجت منه ان يحتوي بعثرتي ويغمرني بأمانه ، لانه الوحيد الذي يقف بجواري ويحميني ..!

أعدت خصلات شعري خلف أذني بارتباك بينما توردت ملامحي بخجل : اعتذر ، اندفعت نحوك دون تفكير ..

ضحكة خافتة عبرت شفتيه قبل ان يتكلم مازحاً : من الجيد انكِ لم تتمكني من معانقتي والا لكنتُ ضاعفت من شعوركِ بالبرد
انا بارد اكثر مما تتصورين ؛ بل ان الشعور بالبرد يزداد يوماً عن الاخر حولي حتى لأشعر انني سأتجمد فما كنت لأرغب بنقل هذا الشعور القارص لك

ضحكت بخفة موارية ارتباكي : لحسن الحظ انني لم المسك اذاً ..

برقت عينيه بنور لامع امام نظراتي فدوى صوت رعده بقلبي ؛ جرف مشاعري للتوغل اكثر في سنا عينيه المريحتين
تاهت حروفي امام عظمة شعور جميل نقلته عينيه الحزينتين الى صدري قبل ان ألمح ارتباك نظراته
ران على ملامحه الشاحبة شيء من الاحمرار الطفيف وهو يذود بنظراته بعيداً عني في حين تعجبت ملامحي فعله

اعدت نظري الى نفسي لأنتبه لأزرار قميصي التي فتحها هونغ جي فعصف الخجل حرارته بوجهي وانا اعقد ازراري بسرعة في حين اعتدل هو بجسده مبتعداً عني
نظرت اليه بطرفي اواري شعوري بالحرج لألمحه يحك مؤخرة رأسه بارتباك وينفخ خديه بهدوء ليزفر انفاسه طارداً ذلك التوتر من داخله ..
لوهلة بدا عادياً جداً ؛ وكأنه انسان حقيقي وليس مجرد روح لا تشعر ، لوهلة بدا جذاباً مغرياً للامعان بتفاصيله اكثر حد الافتتان ..!

ثم سرعان ما تعجبت ملامحي مستذكرة كلماته الآنفة ؛ ان كان روحٍ لا تشعر فكيف يدعي شعوره بالبرد !
لماذا يسيطر عليه ذلك الشعور بالبرد القارص في حين انني لم اشعر بشيء من هذه البرودة عندما يحتل جسدي وتطرد روحي منه ؟

تكلمت متسائلة لأعيد نظره الي : كيف تشعر بالبرودة وانت خارج جسدك ؛ عندما تحتل جسدي وتطرد روحي منه لا أشعر بالبرد كما تفعل انت !

فكر قليلاً قبل ان يجبني بتمهل : عندما احتل جسدكِ يغمرني دفئ شهي ؛ انتِ تطردين عني الشعور بالبرد فلماذا لا تبردين عندما تكونين خارج جسدك ؟

تعجبت ملامحي امام سكون نظراته قبل ان يتعجل بحروفه : علينا ان نقرأ ذلك الكتاب جيداً لعلنا نفهم ما يحدث معي اكثر

حركت رأسي موافقة له : سأبدل ثيابي أولاً

ولاني ظهره ليمنحني المساحة لتبديل ثيابي بينما لم يجرؤ على المغادرة وتركي بمفردي مجدداً
ولن أخفي هذا الشعور بداخلي اكثر ، وجوده حولي يمنحني الأمان في ظل الخوف الذي زرعته هذه العائلة بداخلي !
بدلت ثيابي على عجل وخرجت برفقته نحو المكتبة لاخذ الكتاب المقصود من الرف العلوي واختبأت بين الرفوف خشية ان يعثر علي أهل المنزل ويحاولوا مضايقتي

أسندت جسدي على رفوف الكتب المزدحمة وانا اجلس أرضاً فأخذ مكانه بجواري بينما فتحت صفحات الكتاب أقلب بينها بحثاً عما يفيدنا في شعور الارواح العالقة
وبينما كنت أقرأ بنهم بينما افتح الكتاب على وسعه ليتمكن من القراءة معي ؛ انزعجت من خصلات شعري الطويلة التي كانت تنحدر بنعومة على عيناي تصعب علي الرؤية
ابعدتها بأناملي وانا احاول الإمعان اكثر بما اقرأه لكنها أصرت على ازعاجي أكثر لتتمرد مرة أخرى امام انظاري

زفرت انفاسي بحنق وكدت ابعدها بعنف لولا شعوري بانفاسه الناعمة تعبث بخصلاتي تلك لتتراقص بنعومة على جبيني مبتعدة عن عيني
رفعت بصري اليه ببطء لأجده قريباً للحد الذي يجعلني ارى كل تفاصيل ملامحه الدقيقة
لمحت اخاديد وجهه ؛ خط فكه الحاد ، شفتيه الرقيقتين وعينيه الحزينتين عالمين متوازيين من الجمال والحزن ، من البهجة والبؤس
في عينيه بحر عميق الأسرار ، فيهما وحشة عجيبة كفضاء دري أقام فيه نبضي وتغنى بأهازيج الحب الذي لم اعلم كيف تسلل الي بهذه السرعة او متى تمكن مني ..!

تاهت نظراته في ملامحي ولازالت انفاسه تنفخ بود على خصلاتي يحاول ابعادها ، ما عدت اعلم ان كان هو قوتي ام نقطة ضعفي ..
ما عدت أدري اذا كنت اساعده انا ام هو من يساعدني ، لا اعلم لماذا هو قريب مني بهذا القدر الذي يجعلني أستطعم انفاسه الشذية وأستطيب ببرودته الخفيفة التي تعانق جسدي في حين يصعب علي ملامسة جسده ...

تعالت صيحات قلبي بقوة ؛ اذا بقيت على حالي هكذا وقتاً أطول سأفقد نفسي له تماماً ، اذا لم  أهرب من مدار عينيه فقد لا اعثر على طريقي مرة أخرى ابداً ..!
تنحنحت بخجل وانا احتبس انفاسي ، اعدت نظراتي الى الكتاب احاول قراءة ما فيه فأتاني صوته هادئاً كحفيف الأشجار دافئاً كصيف بلا امطار وهو يهمس : كيف تكونين قريبة بهذا القدر من القلب ، كيف تكونين مألوفة غريبة في الوقت ذاته ؟!

رفعت حاجبي بتعجب فتنهد بهدوء متسائلاً : هل انتِ واثقة انك لا تعرفينني ؛ ألم تري وجهي من قبل ، ألا تعلمين من اكون ؟!

حركت رأسي نافية بشيء من الحزن : لا أذكر انني رأيتك من قبل أبداً !

زفر انفاسه بقلة حيلة فأعدت نظري الى الكتاب وسرعان ما اتسعت عيناي لأشير الى احد السطور بانفعال متكلمة : هنا !!

اقترب من جديد لينظر الى صفحة الكتاب حيث أشير فحاولت مراوغة ضجيج قلبي بصوتي وانا اضيف : انظر الى ما كتب هنا ؛ الروح تعكس ما يشعر به الجسد .. ذلك يعني ان جسدك يشعر بالبرودة لهذا انت تشعر بالبرد

قطب حاجبيه مفكراً : هذا سينفعنا كثيراً في العثور على جسدي ولكن ما هو هذا البرد القارص الذي يضربني بقوة !

فكرت قليلاً بصمت قبل ان اهمس بتمهل مداراة لشعوره : ربما .. ثلاجات الموتى ..!

نظر الي بهدوء قبل ان يعتدل امامي واقفاً ومد يده لي يدعوني لمنحه جسدي وهو يتمتم : لنبدأ بالبحث اذاً

حركت رأسي موافقة واعطيته يدي لامنحه جسدي ؛ اخذ يمشي بخطوات متسارعة وانا اتبعه بعقل غائب وذهن شارد
هناك العديد من المشافي في هذه المدينة وسيتوجب علينا البحث فيها جميعاً حتى نعثر عليه
ثم ماذا لو عثرنا على جسده باحدى ثلاجات الموتى كما استنتجنا الان ؛ أيعني ذلك انه توفي بالفعل !
لماذا أشعر برغبة عارمة في البكاء ، شخص مثله لا يجب ان يموت بهذه البساطة ، رجل رائع مثله يستحق العيش طويلاً حياة سعيدة طيبة مثله ..!

لماذا دائماً يأخذ الموت الأشخاص الطيبين أولاً ، لماذا يتعمد الموت ترك النفوس المتعفنة تثير في الأرض الفساد وينتشل الجيدين بسرعة حتى قبل ان ندرك مدى روعتهم ..!
شيء بداخلي كان يرجو ان لا نعثر عليه ، شعور بداخلي كان يتمنى ان لا يكون في ذلك المكان الموحش وحيداً .

وصلنا لأول مشفى قريبٍ من منزلنا واتجهنا الى غرفة الموتى لنسأل عن شخص مجهول الهوية متواجد في ثلاجات الموتى
بالفعل رأينا كل الموتى في الثلاجات لكنه لم يكن من بينهم ؛ فانطلقنا الى المشفى تلو الاخر دون جدوى فلم نعثر عليه في أي مشفى في المدينة
وعندما غادرنا اخر مشفى جلس على احد المقاعد الخشبية المتناثرة في الشوارع بعشوائية وتنهد بقلة حيلة

انقضى اليوم بطوله دون ان نعثر على شيء فبدا اليأس جلياً على ملامحه في حين اقتربت انا لأجلس بجواره وتمتمت بهدوء لأجذب نظره : لحسن الحظ لم نعثر على جسدك في ثلاجات الموتى .

قطب حاجبيه باستنكار متسائلاً : أيسعدك ذلك !!

حركت رأسي موافقة وابتسمت باتساع : ما كنت لأتمنى العثور على جسدك في مكان مريع موحش كذلك المكان ، ذلك يعني انك لست ميتاً على الأقل وهذا الخبر يجب ان يسعدك

حرك رأسه نافياً وهو يمسك بكفي ليعدني الى جسدي ؛ حدقت به متعجبة لانه اعادني الان بينما قضى نهاره محتلاً جسدي
اعاد رأسه الى الخلف كما لو انه يحدق في نجوم السماء المتلألئة فوقنا بعينين غائبتين فوجدت بصري يتعلق بتفاحة ادم التي تتأرجح في عنقه مع انفاسه العابرة

ارتبك نبضي متسائلاً ؛ اذا كان وسيماً بذلك القدر وهو مجرد روح تائهة ؛ اذا كان مثيراً وخطيراً على مشاعري هكذا وهو مجرد صورة شفافة لا يمكنني استشعار دفئها او رائحتها فما الذي سيفعله بي لو كان حقيقياً !
ألن أموت عشقاً اذا ما رأيته بهيأته الحقيقية ، هل سأتمكن حتى من الحفاظ على وعيي اذا ما اقترب مني بجسده وروحه معاً وتلاقت نظراتنا عن قرب كما حدث اليوم ام سأهلك عشقاً به !!

تكلم بصوت هادئ حزين ليعيد الي ادراكي : عدم وجود جسدي في ثلاجات الموتى لا يعني انني لم امت بالضرورة ؛ بكل الأحوال فقد غادرت روحي جسدي ولا اعلم ان كان باستطاعتي العودة اليه ام لا !
لازلت أشعر بالبرد يغزو اطرافي وذلك يعني ان جسدي يشعر بالبرد أيضاً ؛ ربما سقطت في مكان ما ولم يعثر علي أحد
ربما يكون جسدي محتجزاً في في مكان مهجور بارد ولا احد حولي ليسعفني وينقلني الى المشفى
قد لا اكون حظيت بفرصة الوصول الى المشفى حتى !!!

اي نوع من العذاب هذا الذي تقاسيه ؛ كيف يكون كل مما مررت به حتى الان مجرد نقطة في بحر معاناتك !
انت لا تعرف من تكون ، لا تعلم حتى كيف تبدو هيأتك ، ممزق انت في خيارات غير محصورة لمصير مجهول ..
كيف اعثر عليك ؛ اين يمكنني ان اجدك !!

تنهدت بهدوء قبل ان ادقق في تفاصيله اكثر لأبتسم بانفعال متكلمة : لكنك لا تعاني من اي جروح !

رفع حاجباً دون الاخر مستفهماً فأضفت : اذا كنت قد سقطت في مكان ما وتأذيت لكنت تعاني من الاصابات او الجروح
لكنني لا ارى اي اثار للجروح او الخدوش على ملامحك او جسدك ؛ وذلك ينفي امكانية تعرضك للاصابات !

ابتسم في المقابل مهللاً : هذا تقدم كبير ؛ شيئاً فشيئاً نحن نقوم بحصر الاحتمالات وتضييقها ، ماذا ترين ايضاً ، اي شيء مميز يمكنه مساعدتنا ؟

امعنت النظر اليه بتفكير متكلمة : تبدو في نهاية العشرينات من عمرك او ربما في اول الثلاثين وعلى يديك ارى اثاراً لحروق طفيفة متفرقة !

حدق بكفيه متسائلاً : ما سبب هذه الحروق السطحية يا ترى !

حدقت أكثر بيديه قبل ان أتذكر ان اثار هذه الحروق الخفيفة تشبه الى حد كبير الحروق التي كانت تشوه يدي والدي على الرغم من ان حروق ابي كانت اكثر من هذه بكثير !
كيف يمكن لكليهما ان يعانيا من هذا الشيء المتقارب الى حد كبير ؛ أيعني ذلك ان له صلة بأبي ؟
ربما ذلك يفسر سبب مكوثه في منزلنا وشعوره الغريب نحو عمي الذي يؤكد صلته بأبي ..!

اعتدلت بجسدي والكثير من الأفكار تتزاحم في عقلي فوقف هو بدوره متسائلاً عن سبب شرودي : ما بك ؟

نظرت اليه بريبة لأرد على تساؤله بسؤال اخر : هل تعرف ابي ؛ هل سبق وشعرت انك رأيته من قبل ؟

تعكر حاجبيه وهو يحرك رأسه نافياً : لم يسبق لي رؤية والدك ؛ عندما وجدت نفسي حبيس منزلكم كان والدك متوفياً منذ وقت طويل حسبما اعتقد لذلك لا اعلم كيف يبدو

يون آي : أظن انك ستتعرف عليه اذا أريتك صورة له الان .

قلت كلماتي تلك وانا اجري مسرعة عائدة الى المنزل فتبعني ؛ يجب ان يرى والدي ، اعتقد انه كان على معرفه به من قبل
وبما ان عمي كان يعمل في مختبر ابي فذلك يفسر سبب شعوره بالألفة اتجاه عمي ، ربما يكون احد العاملين معهم او احد تلامذة ابي
أذكر ذات مرة في صغري عندما سألت والدي عن سبب الحروق في يده اخبرني انه نتاج تجاربه واعماله
وانه كلما زادت هذه الحروق الناجمة عن استعمال المواد الكيماوية تعني زيادة خبرته وسعة علمه لذلك كان يفتخر بها !

وصلت المنزل لأهرع نحو غرفتي لكن صوت عمي الذي زمجر في المكان أوقفني ، بعينين مرتعدتين وانفاس لاهثة لسرعة جريي حدقت فيه وجلة متسائلة عما يريده

اقترب مني بخطوات واسعة غضباً وزجرني بنظراته المستعرة وصوته الغليط متكلماً : اين كنتِ حتى الان ؟

ابتلعت خوفي وتكلمت بثقة : خرجت للتنزه قليلاً ولا تملك الحق بمنعي من ذلك ، احتاج التنفيس عن مشاعري في مساحة واسعة بعيداً عن الجدران التي تصر على احتجازي بها

بنقم رد على جرأتي : يبدو ان تأديب الأمس لم يكن كافياً باعادتك الى صوابك !

سحبتي بقوة من معصمي وبدأ يجرني في اروقة المنزل الواسعة رغم تعثر خطواتي المتألمة
حاولت معاندته والخلاص من قبضته فتلقيت صفعة قوية على وجهي لم أشعر حتى بحرارتها
للمرة الأولى لم يعد ضربه المبرح يؤلمني ؛ الان ما عاد شيء يؤثر علي او يؤلمني
لم اعد تلك الفتاة الضعيفة التي اعتادوا استعبادها والتحكم بها كيفما يشاؤون ؛ لذلك رمقته بنظرات قوية غاضبة دون ان ابدي اي تأثر بضربته تلك مما زاد من حنقه وانفعاله

رفع كفه مرة أخرى يحاول ضربي لكنني شعرت بشيء قوي يخترق جسدي كما لو انني وقعت وسط الماء البارد ثم وجدتني خارج جسدي ليتلقى هو تلك الضربة من عمي
لكنه هذه المرة اعتدل بجسده بسرعة وحاول الدفاع عن نفسه امام قبضة عمي المستبدة التي حاول فيها ضربه
وكلما تجنب ضرباته اكثر ازداد سخط عمي فرد عليه هذه المرة بركلة قوية على ساقه ليصيح عمي مزمجراً بغضب في حين وقف هو بثبات وتحدٍ

وبصوت متهكم جريء تكلم : لا تجرؤ على رفع يدك القذرة علي مجدداً والا ابلغت الشرطة عن محاولاتك لتعنيفي وعندها ستتعفن في السجن حيث تنتمي ايها الوحش الدميم ..

رمى بقبضته بعيداً وتقدم نحو غرفتي بهدوء متخطياً عمي الذي وقف واجم الملامح مذهولاً من شجاعتي وقوتي المفاجئين
ابتسمت بسعادة لانه تمكن من ايقافه عند حده وتبعه بخطواتي مرحاً ؛ فخورة انا به وبقوته ، راضية انا بدفاعه عني وحمايته لي
لا اعلم ما سأفعله لاحقاً اذا رحلت وتركتني ، لا اعلم كيف سأتغلب على اعتيادي عليك وحاجتي لوجودك بجانبي ..!

هل ستغفر لي انانيتي ان اخبرتك انني اتمنى ان تبقى عالقاً معي الى الأبد ؟
هل تصدق مدى انانيتي بك ورغبتي في الاحتفاظ بك الى جانبي !
ليس فقط بسبب مساعدتك لي ؛ وانما لمشاعر اكبر من ذلك بكثير استوطنت دواخلي بهذه المدة القياسية بمجرد اقتحامك لعالمي ...!

ربما لا يحتاج الحب للوقت او الجهد ؛ قد يأتي الحب زائراً من النظرة الأولى او من الموقف الأول
هو مجرد شعور جارف سحبني من ناصية قلبي اليك ..
انتشلتني من وحدتي وضياعي ؛ انقذتني من بؤسي وانهزامي ، اخرجتني من ضعفي وقلة حيلتي فكيف لا اهواك ؟
ما الذي سأنتظره بعد حتى أقع بحبك واعترف به !

لكنني اعلم انني لا يجب ان احتوي هذه المشاعر بداخلي ؛ اعلم انك مجرد شبح قد يتلاشى من حياتي في أي لحظة ..
اخشى ان افقدك بقدر رغبتي بمساعدتك ؛ فكيف اواصل هذا الطريق الذي قد يوصلني الى نهاية مشواري معك ؟
ما الذي سأفعله اذا ما عثرت على جسدك وتخليت عني ؟
أين اذهب بقلبي الذي أبصر اول علامات الحب على يديك ، كيف اهون عليه لوعة خسارتك وهو الذي اغرم بك دون ان يلمسك او يعرف حتى لحن اسمك !

أغلق باب الغرفة بينما كنت أنظر اليه بعقل مغيب في سطوة مشاعري المتناقضة ، بينما عشت عمراً من الفراغ وفقدت كل انواع الشعور وجدتني في ليلة وضحاها أقع في حب روح تائهة !!
حتى الحب عندما قرر ان يزورني أتاني متلفحاً بثوب الحرمان ، حتى الحب اتاني زائراً ظالماً زاد من اوجاعي ....

اقترب مني ليسلمني جسدي فوضعت يدي بكفه لأعود الى مكاني ؛ واللعنة على جسد البشر الضعيف اذ بمجرد ان استقريت في جسدي حتى تصاعدت مشاعري التي كنت اكتمها منذ لحظات على هيئة دموعٍ بللت مقلتي ..

وعندما لاحظ أشباه الدموع المتجمعة بعيني هرع الي بقلق متسائلاً : هل انت بخير ؛ اتتألمين ؟؟

كيف اشرح له ان ما يؤلمني هو قلبي لا جسدي ؟
كيف اخبره انني وقعت له بهذه السهولة وان مشاعري نحوه هي ما تعذب روحي الان !

حركت رأسي نافية قبل ان أشير الى صندوق كنت أخفيه في احد الرفوف العليا لخزانتي متكلمة : لدي القليل من الصور لوالدي ربما لو رأيتها ستتمكن من التعرف عليه

قبل ان اتجه الى حيث صندوق الصور سمعت صوت عمي الهادر ساخراً لالتفت اليه متعجبة دخوله الى غرفتي بشكل مفاجئ : ما هذا ؛ يبدو انكِ فقدتِ عقلكِ وبتِ تحدثين نفسك !

ظهر ابنه هونغ كي من خلفه بينما بعينيه الخائفتين كان يتلفت في المكان متكلماً : لابد انها تكلم الأشباح التي تسكن غرفتها ، هناك شبح ما هنا انا واثق من ذلك

تكلمت بهدوء مخفية ارتباكي : ما الذي تفعلانه بدخول غرفتي دون إذن ؟

ضيق عمي عينيه منزعجاً من كلماتي قبل ان يبتسم بلؤم وهو ينسحب للخارج مستطرداً : لا بأس سأترك لك خصوصياتك فأنتِ اصبتِ بالجنون حتماً ويجب حبسك بعيداً حتى لا تقومي بإيذاء احد

قبل ان استوعب كلماته اغلق الباب بقوة واحكم اغلاقه بالمفتاح فهرعت نحو الباب احاول فتحه دون جدوى
صرخت وانا اطرق الباب بقوة أطلب منه ان يفتحه لكنني لم اجد رداً فقد غادرا بعد ان حبساني في غرفتي

قلبت نظري في المكان ابحث عنه لكنه لم يكن هنا مما زاد من خوفي ؛ استمريت على محاولاتي لفتح الباب بلا فائدة فلا احد يصغي الي ويسعفني
وعنما فترت قوتي وازداد وهن صوتي سمعت صوته من خلفي لالتفت اليه بغضب متسائلة : اين اختفيت هكذا ؟؟

بهدوء امام انفعالي تكلم : لقد علق المفتاح في الخارج مع بقية المفاتيح ؛ لكنني لا استطيع الامساك به لاحضاره

قطبت حاجبي لاهمس بصوت مختنق تحشرجت فيه الدموع : ما العمل الان ، كيف سأخرج من هنا ؟

اشار نحو الصندوق الذي تحدثت عنه من قبل متكلماً : سنعثر على وسيلة للخروج فلا حاجة للقلق ؛ اما الان دعيني ألقي نظرة على صور والدك

استسلمت لاقتراحه بقلة حيلة فليس بيدي ما افعله الان سوى الاصغاء له ؛ تناولت الصندوق من أعلى الرف وعدت ادراجي نحو سريري لأجلس عليه ففعل المثل وهو يقترب مني
بدأت في البحث بين الصور حتى عثرت على صورة لي ولوالدي هي الوحيدة التي املكها له التقطناها عندما كنت في المرحلة الثانوية

في الواقع انا ووالدي لم نكن مقربين لذلك الحد ؛ ليس بسبب اي خلاف بيننا بل بسبب انشغاله الدائم عني
في حين ان امي توفيت في سن مبكرة بقيت وحيدة والدي الذي كان مهووساً بعمله لدرجه اهمال كل شيء عداه
وانا كنت احدى تلك الأشياء التي تم اهمالها في سبيل انجاز عمله ..!

كان والدي يعمل استاذاً في الجامعة بما انه بروفيسور في علم الجينات ؛ لكنه لم يكتفي بدلك العمل بل قام بافتتاح مختبر خاصٍ به لاجراء تجاربه العلمية محاولاً احداث ثورة في علم الأحياء والجينات .
لا اعلم الكثير عن اعماله حيث انه كان يقضي اغلب اوقاته بين الجامعة والمختبر خاصته ولذلك لا املك له سوى هذه الصورة التي التقطناها في حفل تخرجي من المرحلة الثانوية ..!

أريتها له ليحدق فيها بهدوء للحظات دون ان ينطق بحرف ؛ بدا غائباً عن هذا العالم منفصلاً في كونٍ اخر لم اتمكن من الوصول اليه
كما لو ان ابواب ذاكرته طرقت واهتزت بعنف لرؤية هذه الصورة فلم أعلم كيف او لماذا اعتدل في مكانه مغلقاً عينيه باحكام مردداً : ستقع في حبها لا محالة ..!!

رفعت حاجبي باستنكار متسائلة : ما الذي تعنيه ؟

رمقني بنظرات هادئة كالموت ؛ بدا في ضلال بعيد قبل ان يرد باقتضاب : اعرفكما كلاكما ....

لم افهم كلماته وقبل ان اكرر سؤالي عليه مستفهمة عما يعنيه اقترب مني ليجثو على ركبتيه امامي وامتدت كفه الى وجهي
لا يمكنني الشعور بلمساته ؛ لكنني في الوقت ذاته ما كنت اشعر بشيء سواء وهو يرسم بسبابته على ملامحي كأنه يتعرف عليها للمرة الأولى مكرراً جملته ذاتها : ستقع في حبها لا محالة ...!

لم اتمكن من النطق بأي حرف ؛ فقدت كل كلماتي وحتى نبضاتي ، ملامحه القريبة مني وعينيه اللتين تتفحصان ملامحي بامعان
بينما لا يمكنني الشعور بلمساتك لماذا تثير كل هذا الصخب في قلبي ؟
ما الذي تحاول فعله بقلبي الضعيف باقترابك مني دون حدود هكذا ، كيف تتوقع مني ان لا انهار عشقاً امام نظراتك الثاقبة هذه التي تغتال قلبي قبل ملامحي !
وماذا عن سبابتك التي استقرت فوق شفتاي لأشعر ببرودتك تقبل ثغري بنشوة حب استعمرت روحي لك ..!

أسدلت عيناي بأنفاس متلاحقة وقلب مرهف ضعيف لان لعذوبة نظراته ولمساته التي لم اشعر بها على جسدي لكنها قبضت على قلبي
ولم اشعر سوى بهواء خفيف ناعم يضرب ملامحي قبل ان افتح عيناي لأجد فراغاً قاحلاً امامي وسكوناً يعانق نشوزي ...
بحثت عنه حولي لكنني لم اجده ؛ اين اختفى ولماذا ؟
كيف استطاع الهروب هكذا بعد ان اثار تلك العاصفة بصدري واحل الخراب بعالمي المنهار بالفعل !

اين ذهبت عني ..؟

#انتهى
اتمنى يكون عجبكم
اول ما يوصل الفصل ٣٠ فوت رح ينزل الفصل يلي بعده
الى اللقاء في الفصل القادم ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

233K 21.7K 34
حادث بشع بحق الشعب الكثير من الناس ماتو في يو سعيد اصبحنا حتا في ايامنا السعيده لن نفرح هاذا عراقنا العضيم فتاه صغيره تذهب مع اهلها برحله للموصل ماذ...
81.6K 4.3K 18
" لن نهتم بلعنة ابنتك، تكفينا حياتنا نحن.. " • تم التخلي عنها من قبل والــدتهــا، و اصبح ملجأها الوحيد * اخوتها *
1.2K 85 9
" أنا لست ضريرة أنا أرى الناس من حولي منهم المستغلين و المنافقين لقد قابلت العديد منهم لكن أتعرف من هو أكثرهم سوءا ؟ إنه أنت إنك مجرد مخادع و كاذب...