ذات الوجهَين - The Two-Faced ✔

By Minar_bg

258K 20.4K 4.3K

رحلة صغيرة كانت كفيلة بتغيير حياة دايانا بعد عودتها منها لتعثر على الجحيم. الميتم، أصدقائها، حياتها و أختها ج... More

الفاتحة
Part 1
Part 2
Part 3
Part 4
Part 5
Part 6
Part 7
Part 8
Part 9
Part 10
Part 11
Part 12
Part 13
Part 14
Part 15
Part 16
Part 17
Part 18
Part 19
Part 20
Part 21
Part 22
Part 23
Part 24
Part 26
Part 27
Part 28
Part 29
Part 30
Part 31
Part 32
Part 33
Part 34
Part 35
Part 36
Part 37
Part 38
Part 39
Part 40
Part 41
Part 42
Part 43
Part 44
The End

Part 25

3.4K 384 113
By Minar_bg

حدق فان بها بِصمت تام لا يتحرك ساكِناً و هي لاحظت انه يأخذ انفاسه بِهدوء يتفادى اصدار صوت.

مِن الجهة الأخرى، دايانا ابقت عينيها على قناني الماء لا تدري ماذا تفعل بهم، هل تُلقي بهم في سلة المهملات بعدما اصبحوا دافئين ام تُفرِغهم فوق النيران المُحترقة بِصدرها.

هذا غريب، الغيرة ليست مِن عادتها لكنها و لسببٍ ما لا تقدر على التحكم بِذلك الشعور المَجهول بِداخلها كُـلما نظرت له.

" إذااااااً هل سوفـ--"

" يجب علينا العودة فان، فَلدينا عمل. " قاطعته هي بِنبرة صارمة بعض الشيء تجعله يرمِش عِدة مرات بِتعجب منها.

تنهدت دايانا تُمسك اعصابها لتُخَفِف مِن تعابير وجهها المضطربة، تُعيد و تُكَرِر في عقلها انه:

لا شأن لي به.

لا شأن لي به.

اننا اصدقاء فقط لا أكثر.

" دايانا اسمعيني قليلاً. " قال هو يتقدم خطوة نحوها لتَلتَفِت دايانا بِسرعة و تبدأ بالمشي مُبتعدة عنه.

تريد بعضاً مِن الهواء النقي فَتوجد أيادي لعينة حول رقبتها تَخنقها كُـلما اخذت نفساً.

" انتَ اذهب و اكمل عملك فأنا اريد استعمال الحمام. " اخبرته هي قبل أن تختفي خلف الجدار مُتخِذة مُنعطفاً يصِل ليس لِلحمامات بَل لِلخارج.

عندما عبرت ابواب البناء و غادرته لتَقف على الدرج القصير امسكت بِخُصلات شعرها لتَشُدها بِقوة تلعن نفسها مليون مرة و تلعن سخافتها و تصرُفها الطفولي.

" هل بأمكاني احراج نفسي امامه أكثر؟ " تَمتَمت هي لنفسها تزفر الهواء من أنفها و هي مُغلقة العينين.

بعد دقيقة سكينة و تَجَمُع افكار، فتحت عنينيها و ابعدت يدها عن شعرها كي لا تقلعه من جذوره و تندم على شيء اخر.

رفعت رأسها نحوى السماء، ترى بدلاً من الشمس، قمراً أبيض كبير و نجوم مُضيئة جميلة من حوله، تُزين السماء كالألماسات.

" هل لي سرقتكِ و وضعكِ في غُرفتي؟ " سألت دايانا النجوم و بما انها لن ترد عليها، اخرجت هي قَهقَهة ساخِرة من حلقها.

التَفَتَت بِمطرحها لكي تعود لِلداخل ليبدأ فجأة هاتفها بالارتِجاج في جيبها لتتوقف و تُخرجه منه ترى اسم المتصل على الشاشة.

انه دانييل.

" نعم؟ " ردت على الهاتف بِاختصار بما انه يوجد بعض العُملاء و الشرطة قريبون قد يسمعوها.

" دايانا، لقد وردنا خبر قبل دقائق. "

" و ما هو؟ "

" أنَ رئيس الشرطة أدم و مساعدته ماري، عرفوا عن مواقع ديميتري إيفانوف و نشاطاته في المدينة. "

" اكمل فأنا مُستمعة. "

سمعت هي من الخَط الأخر صوت أوراق تتحرك ثم دانييل و هو يتنهد و هي انتظرت بِصبر لكي يُجيبها. يبدو انه يجمع ما يريد اخبارها به.

" مهمتكِ دايانا. يجب عليكِ البدأ بها و انهاء ما تَم ارسالكِ من اجله. "

" متى ابدأ؟ "

" بعد يومين. "

" في العُطلة؟ "

" تماماً، و في تمام الساعة الثانية مساءً. لديكِ أربعون دقيقة، لكي تدخُلي، تُدَمري الأدِلة و كل ما يتعلق بالمافيا و تُحضري ما هو مهم ثم تغادري. "

" أربعون دقيقة. عُلِم. هل من امر اخر؟ "

" لا، هذا كل شيء و انا اتوقع منكِ اكمال المهمة في الوقت من دون اية تأخير أو ترك أثَر خلفكِ. "

اومأت هي بِرأسها مرة لتتذكر انه لن يراها تفعل ذلك لهذا قالت

" عُلِم. "

و بذلك اغلق دانييل الاتصال لتُعيد هي هاتفها الى جيبها تنظُر بِعينيها الحادة كَحَد السكين على البناء، تعلم أنَ وقتها هُنا كَعميلة مخابرات فدرالية على وشك الانتهاء غداً.

مع انها لا تهتم لِلبشر بِشكل عام و كل الذي قضته في هذا البناء مع العُملاء الأخرين مدة شهرين فقط، إلا أنَ جزء منها ضئيل جداً كَحبة الذُرة سوف يشتاق لِلفريق الذي كوَنوه و لِكُل مَن عاملها بِلطافة و احترام و خاصةً لِفان بما انها كانت تقضي كل يوم تقريباً بِرفقته.

" لا شيء يبقى للأبد هاه؟ " هَمست دايانا لِنفسها لِتَذهب الى داخل المبنى متجهة لِلمكتب المشترك.


اليوم السبت، الساعة الواحدة و النِصف و دايانا في بذلتها السوداء الضَيّقة على جسدها كأنها طبقة جِلد اخرى و اسلحتها على ظهرها و سكاكينها مُلتصقة بِفخودِها.

فوق المباني اخذت دايانا تقفز من سطح لأخر و ضوء القمر الساطِع ينعكِس عليها و يُنير لها طريقها نحوى هدفها.

لقد مَرت فترة منذُ اخر مرة ارتد فيها بذلتها الرائعة. و لأنها عادت لترتديها شعرت بِأنها على قيد الحياة مجدداً و كما لو أنَ البذلة تُخبرها عن شخصيتها و كل ما تحب فعله لِسنين و ربما الشيء الوحيد الذي يَضُخ الأدرينالين في دمائها و يجعلها متعطشة لِلكثير مِن الحركة و الإثارة.

" اخر عميل قد غادر المبنى، لهذا خُذي وقتك. " اخبرها كاي عبر السماعة التي في أذُنها بينما تركض هي فوق سطح ما.

" فهمت. لكن هل لكَ أن تُعيد شرح لي الخطة؟ "

" بالطبع. امممم، يجب عليكِ التذكر أنَ في داخل المبنى حُراس في كل طابق و عند المَداخل و المخارج. طريقة دخولك هي من السطح طبعاً، "

توقف كاي لِلحظة تسمع هي ضغطه على الأزرار ليُكمل لها

" و كل ما يجدر بكِ تدميره موجود في الطابق الذي كنتِ تعملين به و خاصةً في مكتب الرئيس أدم. "

" لديكِ أربعون دقيقة دي سيفين، و رجاءً لا تتركِ اية شيء خلفك. " اضافَت تمارة ايضاً لتُشَقلب دايانا مُقلتيها على اخر جملة.

" هذه ليست أول مهمة لي، تي. "

" و مع ذلك انتِ مُهمِلة، هل انا مُحقة كاي؟ "

قَهقَه كاي بِخِفة من دون أن يتفوه بِحرف لكنها عرفت انه يوافق مَن سألته.

امسكت دايانا بِمُسدس الحبل لِتُصَوِب على عامود إضاءة صغير فوق سطح اخر و تُطلِق الحبل، تعلق هو حول العامود ثم تشبثت به بعدها قفزت في الهواء بين سطحين و اسفلها الشارع من على بُعد خطير و مرعب.

وصلت هي فوق السطح لِتتدحرج مرة قبل أن تقف على ركبة بِسرعة و احترافية.

سحبت الحبل لِمكانه في المسدس، وضعته على ظهرها بعدها اكملت ركضها بِخِفة بِلا اصدار صوت كالقِطة بِسبعة ارواح الى أن رأت مبنى المُخابرات امام نظرها أو بالأحرى جانِب المبنى.

اشاحَت دايانا بِعينيها على ساعة معصمها الإلكترونية ترى أنَ الساعة اصبحت الثانية بالضبط.

" لقد وصلت. " قالت لِلباقي و هي تضغط على سماعتها بأذنها اليمنى.

" ممتاز. و الأن، سوف يتم تَعطيل كاميرات المراقبة فور دخولك لكن لن نقدر على أن نُبقيها لفترة طويلة لهذا حاولي قدر الأمكان البقاء خارج نطاق جميع الكاميرات. " اخبرها كاي.

" عُلِم. "

سحبت دايانا مسدس الحبل مرة اخرى من ظهرها لتُطلِقه على السطح الذي امامها. تُعلق الحبل بِحافة السطح لتبدأ بالتسلق بِسرعة عليه.

في اللحظة التي وضعت قدميها على الأرض ابتسمت بسمة انتصار بعدها اكملت طريقها الى باب السطح تَعثُر عليه مغلق.

بالطبع هو كذلك.

" تباً. " هَمست هي تُخرِج دَبوس من إحِدى الجيوب على بذلتها لكي تضعه في المِقبض حتى تفتح القفل.

من المُحاولة الثانية سمعت دايانا صوت "كليك" لكون القفل فُتِح. امسكت هي بِالمقبض ثم ادارته حتى فُتِح لها الباب يُصدِر صريراً خفيفاً غير مزعج و مسموع.

نزلت على الدرج للأسفل و ضوء قُفازها يُنير المكان بما انه عتم. كادت أن تتعثر على الدرج لولا انها قفزت اخر ثلاثة لِتهبط على ساقيها بِثبات.

" هل كل شيء على ما يرام؟ " سألتها تمارة عبر السماعة لتتنهد بِهدوء تشعُر بالعَرق يَسيل من على جبينها و هي لم تبدأ بالعمل الجاد بعد.

" نعم.......فقط تعثرت. "

" كوني حذرة. "

اكملت دايانا طريقها بِخطوة وراء الأخرى مُلتصقة بالجدار و عينيها تحوم من حولها لِتتأكد مِن عدم وجود اية حُراس في هذا الطابق الذي يكون الخامس و الأخير.

نظرت للأعلى قليلاً لكونها لاحَظت وجود اضواء حمراء تَظهر و تختفي كُل ثانية.

" يوجد على يمينك و يسار كاميرتين. " قال كاي لها لتأخذ نفساً عميقاً تملئ فيه صدرها.

رأت أنَ لا طريق تستطيع فيه تفادي الكاميرات مِما يجعل الوضع مُعقد. فجأة تذكرت دايانا انه توجد غُرفة قريبة خاصة بالعُمال، لهذا التَفَتَت و ذهبت مِن جهة اخرى.

اخذت مُنعطف على جهة اليمين لتُصبح في مَمَر اخر على كِـلتا الجدارين المَكاتب المُغلقة ذات الجُدران الزُجاجية.

بعد خطوات سريعة و ثابتة في المَمَر، رأت باب غُرفة العُمال بعيد قليلاً عن المكاتب. دخلت الغُرفة الغير مُغلقة بما انها ليست مهمة لِتلكَ الدرجة لتَعثُر على نفسها بين كمية كبيرة من المَناشف، أدوات التنظيف، و بالطبع ملابس عُمال النظافة.

اخذت هي ملابس مِن قياسها و المُتَكَوِنة مِن قميص أبيض مائِل للأزرق الفاتِح و بنطال كحلي عريض لترتديهم فوق بذلتها و بالإضافة لِقبعة سوداء معهم حتى تُخفي وجهها مِن الكاميرات.

نظرت دايانا مرة اخرى لِلساعة على معصمها تراها تحولت لِلثانية و العشرة دقائق.

لديها وَقت.

قبل خروجها من الغُرفة اخذت معها عربة التنظيف لكي لا تبدو غريبة الأطوار مِن دونها. عادت دايانا لِلمَمَر الذي كانت به و هي تَجُر معها العربة لتتخطى الكاميرات مُنحنية الرأس وجهها لا يظهر و الشُكر لِلقبعة.

أول وِجهة لها هي المكتب الذي تعمل هي فيه و لِحُسن حظها لا تزال تعمل فيه لأسبوع اخر لهذا معها بطاقة الدخول الآلية.

اخرجتها من جيبها ثم وضعتها على الماسِح لكي يسمح لها بالدخول لِلمكتب.

لا وجود لِلكاميرات في هنا، يجعل من عملها أكثر سهولة الأن. تركت دايانا العربة ثم ذهبت بسرعة الى خزانة الملفات لتُخرجها كُـلها و ترميها على الأرض فوق بعضها.

اخذت من جيبها الصغير عند كتفها الأيسر قنينة شفافة بِحجم الخُنصر فيها مادة خضراء لتبلع ريقها و هي تنظُر لها.

إنَ هذه المادة خطيرة جداً و اسوأ مِن الأسيد، بالثانية التي تتلامس مع اية سطح من اية نوع، تحرقه أو إن اصح التعبير، تتأكَـلُه و تُخفيه عن الوجود.

" امممم يا رفاق، هل انتم متأكدون أن المادة لن تخترق الأرض؟ " سألت دايانا لا احَد بالتحديد، تُحدق بالمادة تخاف لو انها ابعدت نظرها عنها سَتقع من يدها و يذهب كل العمل الشاق سدى.

" المادة لا تبقى لفترة طويلة لأنها سَتتعرض للأوكسجين، لكنها سوف تبقى لفترة مُناسبة لكي تحرق تلكَ الملفات. " اجابتها تمارة و في صوتها التأكُد.

" حسناً. "

" لا تَسكُبِ كُل المادة و ابقي القليل لِباقي الملفات. "

" فهمت. "

و بذلك فتحت القنينة ثم رفعت يدها فوق الملفات و بِحذر شديد، سَكبت القليل من المادة فوق الملفات لتبدأ المادة بأخراج صوت هَسهَسة تأكُـل الملفات و ما بِداخلها مِن أوراق مهمة و بنفس الوقت تنتشِر على الباقي كما تنتشِر المياه على قطعة المِنديل عندما يتبلل.

مَرَت ثوانيٍ سريعة تُراقب دايانا فيها المادة و الملفات الى أن اختفت جميعها كأن لا وجود لها اساساً عدا الرماد الذي تركتهُ خلقها.

اخذت دايانا أدوات التنظيف من العربة لكي تجمع الرماد و تُلقيه في سلة المهملات. رفعت معصمها لِلمرة الثالثة، لترى أنَ الساعة اصبحت الثانية و النِصف.

" اللعنة إن الوقت يَجري بسرعة. " تَمتَمت هي مع نفسها لتَستدير، تُمسك بِالعربة ثم غادرت الغُرفة.

" كوني اسرع دي. " قال كاي لتَعَض هي على اسنانها بِقسوة تكره ما تسمعه.

فَهي تُدرِك انها يجب أن تكون اسرع و تَذكرَهُم لها بالأمر لا يجعلها تتحول الى "ذا فلاش"

و هي تمشي في المَمَر تتوجه الى مكتب الرئيس أدم سمعت اصوات اقدام عندَ التقاطُع لتتوقف في مكانها متوسعة العينين لم تكُن تتوقع ظهور احدهم هنا أو الأن على الأقل.

ظهر الحارس مع مِصباحه اليدوي يُنير به المَمر الذي هي فيه، ليَجد عربة التنظيف فقط.

رفع الحارس حواجبه بِتعجب، تقدم نحوى العربة لكي يتفحصها بعدها نظَر من حوله قبل أن يزيح بالعربة عن الطريق مُمسِكاً باللاسلكي المُعلق على كتفه لِيقول

" المكان خالي. "

" جيد و هنا الطابق الرابع خالي. " رد عليه شخص اخر.

" عُلِم. " اكمل الحارس طريقه الى أن اختفى في مَمر غيره.

فتحت دايانا باب احد المكاتب لتَخرُج منه و تنفُسها غير منتظم كادت أن تموت مِن أزمة قلبية لولا انها استطاعت فتح باب المكتب بالدبوس نفسه بسرعة قبل وصوله لأن كان سيراها و تَعُم الفوضى.

" يا اللهي كان ذلك وشيكاً. " هَمست هي تعض على شفتيها و فوق العُلية قطرات عرق مِن توترها.

لكنها على الأقل استطاعت الاختِباء بِمهارة لأن لديها سرعة بَديهة و ذكاء عالي و ذلك الحارس احمق. تأكدت دايانا من أنَ المَمر فارغ من اية حارس لتُمسِك بالعربة مجدداً و تتجه الى باب الرئيس أدم.

هذه المرة الباب يُفتَح بِماسِح بِصمة أو بطاقة شخصية و هي مع الأسف لا تملك اصبع أدم أو بطاقته.

لهذا لم يكُن لها خيار سوى استخدام آلة اختراق متصلة بِبذلتها. سحبت هي شريطين مِن البذلة باللون الأخضر و الأزرق لتوصلهم بِآلة الماسِح و تبدأ اختراقه.

بذلتها هذه مُعَدل عليها و الشُكر طبعاً لِتمارة و دماغها الذي لا مثيل له.

مَرت دقيقة تقريباً من العمل و الصبر الطويل لتَسمع الصوت المألوف و المُريح للأعصاب "كليك" حتى تَفتَح الباب و تَدخُل و معها العربة.

" في غُرفة أدم توجد كاميرة مُراقبة على حاسوبه، تعمل في الثانية التي يتم فتحه لهذا انتبهي. " اخبرتها تمارة بِتحذير لتُكَوِر يديها على شكل قبضات تنسى تماماً بِشأن الكاميرة.

" شكراً على التذكير. "

" لا شكر على واجب. "

شقلبت دايانا مُقلتيها لا تصدق ما تسمع، فَعادتهم أن يتركوها تكتشف الأمور لِوَحدها لكن يبدو أنَ دانييل أثَّر عليهم هذه المرة.

وقفت هي مواجهة لِحاسوبه تحدق بانعكاسها على الشاشة السوداء ترى تلكَ الملامح الباردة و العيون الناعِسة لكن العرق الذي يسبح في شعرها يجعله يلتصق بِجلدها ليس بالمَنظر الجميل ابداً.

متى كانت اخر مرة توترت فيها لتلك الدرجة؟

لأنها لا تذكُر.

وضعت هي لاصِق داكِن قد وجدته على مكتب أدم لتُغطي فيه الكاميرة ثم ضغطت على زِر التشغيل و انتظرته الى أن ظهرت ستة فراغات مِن اجل وضع كلمة المرور.

من جديد اوصلت دايانا شرائط الاختراق الموصولة بِبذلتها بالحاسوب.

ابقت عينيها بِلا تحريك جُفن على الشاشة تنتظرها لكي تفتح لكن الأمر اخذ وقتاً اطول من ما توقعته و هذا يحدث كثيراً لِلأجهزة الأمنية عالية الجودة أو لِلحواسيب المُعقدة و الخاصة بالحكومة.

" لديكِ عشرون دقيقة دي. " ذَكرها كاي لتنقُر بِأظافرها على الطاولة و صبرها على حافة الجُرف.

و مِن دون سابق انذار فُتِحَت الشاشة الرئيسية تُظهِر مجموعة مُجلدات بأسماء مُختلفة عن قضايا مختلفة لكن ما جذب انتباهها هو مُجلد يُسمى "ام-أر"

و هذا المَطلوب.

اوصلت هي قِطعة فلاشة (يو أس بي) بالحاسوب لكي تبدأ بِنقل المعلومات لها بعدها مَسَحَت ما يوجد في الحاسوب و اعادت الفلاشة لِجيبها الأمِن.

جلست على الكرسي تقترب أكثر من الحاسوب لأن عملها الأخر و الصعب يحتاج التركيز و السُرعة. مهمتها الأن، أن تخترق جميع حواسيب المكاتب في المبنى لكي تمسح الأدلة منها.

و بما أن هذا الحاسوب هو الأساسي هنا، يجعل من عملها اقل تعقيداً فَلا وقت لديها لاختراق حاسوب حاسوب حتى تنتهي لأنه قد يأخذ منها يوماً كاملاً و هي لديها عشرون دقيقة.

أو تصحيح........ثمانية عشر دقيقة.

" بعد أن تتخلصي من كل شيء، عليكِ بالمرور على غُرفة قريبة من مكتب ماري. فيها ملفات قضايا القتل، يجب أن تتخلصي منها ايضاً. " قالت تمارة عبر السماعة لتنتفِض دايانا بِكُرسيها بِسبب ظهور صوتها فجأة و هي متعمقة بِعملها.

" هل هذا مهم جداً؟ اعني لا فائدة منها، الملفات فقط تجلس كالزينة على الرفوف لا أكثر. "

" انها مهمة دي، حتى لو كانت زينة فَالرئيس اخبرنا أن تَدميرها اجباري. "

" اخبري الرئيس أن يضع ذلك الأمر في مؤخرته. "

سمعت هي كاي و هو يضحك بِصوت مُنخفض كأنه يضع يده على فمه لكي لا يُخرج صوتً و الأخُرى تتنهد بِخيبة ظَن.

" ايتها العميلة دي سيفين، افعلي ما يتم امرك به و انتهي من الموضوع لكي نعود الى منازلنا. "

" اعلم اعلم. "

فَقعت رسالة بيضاء بِكتابة سوداء على الشاشة تخبرها أنَ عملية المَسح تَمَت بِنجاح لتبتسم دايانا بِرضى قبل أن تُغلق الحاسوب و تنهض عن الكرسي كي تُغادر و تذهب مع عربتها العزيزة لِلغرفة الغير مهمة.

كالعادة اضطُرت أن تخترقها لأنها غُرفة يَعِجُها ملفات ذات قضايا محلولة أو قديمة قد تأكـلَتها الغُبار.

دخلت هي بِهدوء و حذر كبير ثم فتحت مصباح قفازها لأنَ الإنارة مطفأة لا تستطيع رؤية اية شيء. 

اخذت خطواتها كالريشة في الداخل بين رفوف و رفوف كبيرة من الملفات تبحث عن الذي يجب عليها تدميره لتعثر عليه.

اخرجت أربعة ملفات بألوان مُختلفة عن غيرها لتُلقي نظرة خاطِفة على ما في داخلها.

ترى صور الجُثَث، معلومات عنها و اشياء اخرى متعلقة بها لكنها توقفت عن صفحة واحدة و بالأخص عندَ صورة لِتلكَ الرسمة المُخيفة على الجدار تُحدق بالكلمة المكتوبة بالدماء الجاف.

"وِحدة"

" سوف احرقهم كما سأحرق هذه الملفات...." تَمتَمت هي كَوَعد لترمي بما تُمسك به على الأرض حتى تَسكُب المادة الحارقة عليها.

نَظَفت هي الرماد المُتبقي تتخلص من الأدِلة على وجودها لترمي بها في سلة المهملات بعدها ضغطت على سماعتها بأصبعها لتقول

" لقد انتهيتُ من كل شيء. "

" عُلِم، الأن لديكِ تِسعة دقائق لِلمغادرة. " رَد عليها كاي لتومئ هي لنفسها، تُغادر الغُرفة لكي تُعيد عربة التنظيف الى مكانها مع الملابس.

حسناً يبدو أنَ مهمة اليوم افضل من غيرها و سَلِسة مع انها غرقت بِتوترها إلا أنَ لا احد استطاع إيقافها أو منعها من اكمال ما أُمِرَت به.

عادت دايانا أدراجها لِلسطح لتَضربها نسمة هواء الشتاء الباردة تجعل مِن جسدها يقشَعِر مع أنَ البذلة مُناسبة لِجميع الفصول و مع ذلك، لكون جسدها حامي و تتعرق بِكثرة خروجها لِلبرد فكرة سيئة من دون مِعطف.

" احسنتِ دي سيفين، الأن بأمكانكِ العودة و احضار الفلاشة التي فيها ما نحتاجه. " قالت تمارة لها لِتَتَخيلها دايانا تبتسم بِسعادة.

هَزت رأسها تتقدم نحوى حافة السطح ترى الشارع فارغ و لا وجود لأية كائن على الرصيف.

" انا في طريقي. "

" جيد، سوف نتقابل في المنظمة. "

اخرجت السماعة من أذُنها وضعتها في جيبها تُمسك بِمسدس الحبل حتى تتسلق سطح بناء ثاني.

ابتعدت هي عن مبنى المُخابرات لتَهبِط في رواق صغير بين بنائين، عَتم ليس فيه اية ضوء لكي تُبَدِل ملابسها لِلعادية و تضعهم في الحقيبة التي خبأتها بين أكياس النُفايات.

عَلّقَت الحقيبة على كتف واحد ثم ذهبت لِلشارع العام تمشي على الرصيف لوحدها. وضعت دايانا يداً فوق جيب بنطالها الجينز الأيمن تتأكد من أنَ الفلاشة أمِنة هُناك.

فجأة امسكت يداً كبيرة بِذراعها العُلية مِنَ الخلف لتُخرِج هي صرخة لكن منعتها مِن الأكمال يد اخرى على فمها.

لم تأخذ وقتاً لِلتفكير لتُحَرك رأسها لِلوراء بِقوة كبيرة تضرب فيه ذَقن الرجل ليُخرِج أنيناً من حلقه يفلتها من قبضته.

التَفَتَت هي ترفع ساقاً في الهواء لكي تركله و إذ بها تُجَمِد ساقها امام وَجهِه.

ترمش مِراراً و تِكراراً عليه بِصدمة كالتي تَلقت لكمة على وجهها.

" فان؟ " اعادت ساقها على الأرض لا تزال في حالة صدمة من رؤيته هنا.

في العادة في حالات كَهذه، عقلها يبدأ بِرمي اعصار اسئلة لكن هذه المرة و لسببٍ مجهول عقلها فارغ. كَعُلبة معدنية لا يوجد فيها غير الهواء.

" آوه يا للهول، رأسكِ كالحجرة. " تَمتَم فان يَفرُك ذقنه بألم مُنحني الرأس.

" ما الذي........ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت؟ " سألته هي و اخيراً تجِد أنَ بأمكانها تَحريك فمها.

" السؤال موَجَه لكِ دايانا. "

" ما الذي يَعينه هذا بِحق السماء؟ "

لم يجبها بَل امسك بِها من ذراعها ثم سحبها معه غصباً عنها. لتتبحلَق عينيها بِدهشة مِن فعلته. بدأت هي بالتراجُع و مُحاولة افلات قبضته عنها، لكنه كالصخرة لا يتزحزح و لا يؤثر به شيء مهما حاولت دفعه أو لكمه على ظهره.

" فان توقف! لماذا تفعل هذا؟! " صاحَت هي عليه، لكن مِن جديد لم يَجبها و ظَل يَسحبها معه لِسيارته بِجانب الرصيف.

" فان هذا يؤلم توقف! " صاحَت مرة اخرى عندما اقتربا من السيارة.

فتح هو الباب ثم دفعها لِلداخل و اغلقه. راقبته هي فاقِدة لِلكلام الى أن ركِب السيارة ايضاً، وضع المفاتيح فيها و شغل المحرك، عينيها لم تتحرك عنه لأنها لا تُصدق ما جرى و ماذا فعله لها.

فان لا يتصرف بِتلكَ الطريقة الوحشية مع اية شخص، فان لا يفعل شيء كَهذا ابداً.

" فان ما الذي يحدُث لك؟ " سألته هي بِصوت متقطع و قَلب ينبض بِسرعة هائِلة تشعُر بِدقاته في جُمجُمتِها.

لِلمرة الثالثة لم يَجبها على الفور، فَتحت هي فمها لكي تَصيح بوجهه بما انها لن تستخدم طُرُق القتال معه لكي لا تؤذيه لكنه سبقها و قال بِنبرة مرتفعة قد رَنَّت بأذانِها و وَصلت لِعظامها

" ما الذي تَظُنين نفسكِ انتِ فاعِلة؟! كيف تجرئين على خِداعِنا؟! "

نسيت هي كيف تُحرك جسدها أو انها يجب أن ترمِش لكي لا تَحرقها عينيها و بالنسبة لها حالياً لا شيء منطقي كأنه خيال أو كابوس سيء.

" مـ-ماذا قلت؟ "

القى فان نظرة خاطِفة عليها ليُعيد انتباهه على الطريق، لاحظت وجود وَحشية بِتلك العيون التي تُحبها و تراها تَحمل الطَف ما في الكون كأنه رجل اخر بِداخله يتحكم به.

" تظُنين انني لا اعرف؟ تظُنين انني لم اكتشِف خِداعك؟ "

" عن ماذا تتحدث!! "

" لقد سمعتُكِ! " عَم الصمت في السيارة، لا احد يجرئ على اصدار صوت غير مُحرك السيارة و العَجلات على الشارع.

اضواء إنارة و إشارات مُرور خضراء و حمراء انعكست على بشرتهما لِلَحظات كُـلما مَرو مِن جانِب ضوء.

هل سمعَت هي صحيح؟ ام أنَ سمعها يلعب لُعبة معها؟

" لقد سمعتُ محادثتكِ قبل يومين. محادثتك مع شخص ما عبر الهاتف، عندما زارتني برووك في القسم هل تذكُرين؟ " اكمل فان و نبرته هذه المرة اهدئ، فيها انكِسار ما قد جعلها تَشهَق.

" كيف؟ "

تنهد هو يَعصِر مِقبض القيادة بِشدة الى أن تحولت مفاصله لِلبيضاء قبل أن يُجيبها

" عندما تفرقنا بعدما غادرت برووك، لم اعُد لِغُرفة المكاتب. بل عُدتُ لألحق بكِ و اخبركِ عن امر ما و قبل وصولي لكِ سمعتكِ تتحدثين بالهاتف بِطريقة غريبة. "

يبدو انها ليست الوحيدة التي تتنصَت على الأخرين و تُبقي فضولها لِنفسها.

" ماذا؟ لقد كنتُ تتنصَت عَليّ لأنكَ اعتقدت أنَ طريقة مُحادثتي غريبة؟ " حان دورها أن تكون فائِرة غضباً كالبُركان.

" هذا ليس ما يَهُم دايانا، ما يهم انكِ دخلتِ المبنى بِوقت متأخر في يوم عطلة و دمرتِ الأدِلة المتعلقة بالمافيا. "

و هذا ما ينقُص.

مشكلة أكبر من المهمة نفسها لتتعامل معها.......لكن كيف يجب عليها شرح ما فعلته هناك؟ كيف لها أن تكذب عليه أكثر لأنها تعلم جيداً انهُ يدري بِكذباتِها و لن يُصدقها مهما حاولت تبرير افعالها اليوم.

و كيف رأها تُدَمِر الأدِلة؟ هل هو شبح يَعبُر من خِلال الجُدران ام ماذا؟

" اللعنة عليك! اوقف السيارة حالاً! " صَرخت هي عليه لا إرادياً تشعُر بأن دمائها تَغلي في عروقِها.

لم يُنصِت لها طبعاً و ظَل يقود على الطريق و بل زاد من السرعة لتتمسك هي بِحزام الأمان بِقسوة تتمنى لو أن تُمسك بِرقبته بدلاً منه.

" فان إن لم توقِف السيارة الأن فَسوف اقفز لوحدي! "

" حاولي. "

عَضَت على شفتيها لدرجة تَذَوق الدماء. هي ضائعة و لا تدري ماذا يجب عليها فعله، هذه أول مرة لا تعلم كيف تتصرف في موقف كَهذا.

و ليس بأمكانها التواصُل مع كاي و تمارة لأنها سوف تكشِف عن نفسها أكثر امامه و هي بالطبع تريد تَفادي حدوث ذلك فَأدخال فان بِشؤونها و شؤون عملها السري خَط أحمر حتى لو كان الرجل الذي تمتلك مشاعر اتجاهه و الذي يُعتبر من أهم الناس على قلبها إلا انها لن تُفَكِر مرتين بإيذائِه لكي تَحمي سرها.

" فان لقد قلتـ--"

" سمعتُكِ، لكني لن انُصِت لكِ. "

" هل تُمازحني الأن؟ اوقِف السيارة لأنني سوف اتصرف بِطريقة لن تُعجبك. "

" افعلي ما يحلوا لكِ لكن اعرفي انني لن اؤذيكِ. "

اهدئي دايانا.....اهدئي لأنكِ إن انفجرتِ فَسوف تندمين
كثيراً لهذا كوني صبورة و تصرفي كالناضِجين معه.

اخبرها صوت صغير بِرأسها لتزفر كَمية عملاقة من الهواء تُعيد ظهرها على الكرسي تتشبث بالحزام و تُبقي نظرها على الطريق.

" على الأقل اخبرني الى اين نحنُ ذاهبون؟ " دايانا سألته بعد صَمت دام طويلاً لتُلقي نظرة عليه بِطرف عينها تنتبه لارتِخاء عضلاته و أكتافه المُنكَمِشة.

" الى مكان بأمكاننا التحدث فيه بِهدوء. "

" و اين يكون هذا الضبط؟ "

" في شقتي. "

~ ~

قاد فان لِخمسة عشر دقيقة تقريباً و طوال الطريق، لم يفتح احدهما فمه و إنما اختاروا الصمت و التكلم في وقت اخر.

مع أنَ قلبها لم يأخُذ راحة من النبض كالمجنون في صدرها و خاصةً بعدما قال انه سوف يأخذها الى شقته إلا انها ابقت سَكينَتها و برودتها في مكانها.

تَدع مِن تعابيرها الحادة كَإحدى العلامات التي تُخبر الأخر كم انها غاضِبة و ليست معجبة بِتعامله معها.

رَكَن فان سيارته في مرآب بناء يبدو قديم و بِطريقةٍ ما مُتماسِك لم يقع الى هذه اللحظة. مع انها تعلم جيداً اين يسكُن فان و رأت البناء في الصور ولكن رؤيته في الحقيقة اسوأ مِما جعلها تتساءل عن سبب سكنه في بناء اقدم مِن جدها الذي لا تعرفه.

فَهو رجل لديه المال و عائلته غنية، ربما ليست الأغنى في المدينة لكنها تمتلك المال الكافي لِشراء منزل اخر كالذي يمتلكونه.

اغلق فان مُحرك السيارة و سَحَب المفاتيح ليَجلس كِلاهُما من دون اقتراح التَرَجُل منها.

" لقد وصلنا. " قال فان لتُشَقلب مُقلتيها عليه لا تريد اية شيء في هذه اللحظة غير صفعه على وجنته التي تريد بِشدة تقبيلها.

انتظروا لحظة ماذا الأن؟

" نعم بأمكاني رؤية هذا. " ردت هي عليه.

فتح هو فمه لكي يتكلم لكنها ترجَلَت من السيارة و تركته وحده في الداخل.

توجهت نحوى المصعد لتَضغط على الزر تنتظُره حتى يصل، احسَت بِه خلفها قبل وصوله المصعد. اصدر المصعد صوتً ثم فُتِحَت ابوابه لهم.

دخل كِلاهُما بعدها تقدم فان لكي يضغط على زر الطابق الذي يسكُن فيه لتَسبِقَه هي و تضغط على زر رقم خمسة.

" كيف عرفتِ رقم الطابق؟ " تسائل فان يرمش عليها بِدهشة لتُشابك ذراعيها امام صدرها تواجِه ابواب المصعد و ترفض النظَر اليه.

" كيف عرفت انني اليوم سأكون في مبنى المُخابرات و كيف عرفت عَن تدمير معلومات المافيا؟ "

" لقد سمعتكِ ذلك اليوم تسألين مَن تتحدثين معه عن موعِد مهمتك على ما اعتقد. و كلمة "عطلة" هي ما تفوهتِ بها. "

اللعنة!

عُطلة.......هذا منطقي.

كلمة واحِدة القَت بِمهمتها في اعماق البئر.

احسنتِ دايانا.

بعدما تنتهي مِن هذه المشكلة التي تُسمى فان، عليكِ
رسم خطة و تبرير لِدانييل عن سبب اختفائك.

قال ذات الصوت يستهزأ بها لتُكَوِر قبضات يديها حتى غَرَزت اظافرها بِجلد كَفها.

فُتِحَت ابواب المصعد عند الطابق الموعود، ليَخرجوا و يمشوا في البهو ذو الحوائِط البيضاء، طِلائها قديم و فيهم حُفَر صغيرة و وبعض الصور و اعلانات لِمطاعم.

الأرض مُمَددة بِبساط أصفر فاتح جداً بدا سُكري. زاد لِلوضع غرابة لكون البساط نظيف و الجدران مُتسخة.

هل يمشي مَن يسكُن هنا على الجُدران بدلاً مِن الأرض؟

ظلوا يمشوا في البهو الى أن وصلوا لِلشقة رقم خمسون.

كما توقعت أو بالأحرى هي تعلم انه يسُكن في هذه الشقة. فتح فان بابه على مصراعيه ليُشير بِيد من اجلها حتى تدخل قبله، رمقته دايانا بِنظرات كالليزر الحارق بعدها دخلت لتَقِف في مُنتصف غرفة الجلوس.

انها ظلمة لكنها استطاعَت رؤية تفاصيلها بسبب اضواء الشارع التي تُنير المكان لكون الشقة تمتلك نافذة واحدة كبيرة و هي تقف مواجِهاً لها. حركت رأسها على يسارها لتَجِد المطبخ الأمريكي الصغير كذلك و مَمَر يبدو انه يقود لِلحمام و غُرفته بما انها شقة لِشخصين.

لا يوجد الكثير مِن الأثاث لكن لديه كَنبة واحدة تسع لِخمسة اشخاص باللون البيج مُلتصِقة بالجِدار على جِهتها اليمنى و مِنضدة امامها و تلفاز بلازما يجلس على طاولة قصيرة و طويلة عليها صور له و لِعائلته و اصدقائه منذ أن كانَ مراهقاً.


و صور له يحمل شهادة تَخرُجِه من جامعة إدارة الأعمال و أكاديمية الشُرطة.

رفعت دايانا نظرها قليلاً لِفوق التلفاز لِتَحُط عينيها على أكبر لوحة موجودة في الغُرفة. لوحة أو صورة لِفان يبدو في سِن التاسعة عشر و ذراعه حول خصر فتاة اصغر منه تضحك و شعرها يتطاير يُغطي جزء من وجهها لكنه واضِح كِفاية لتعرف أنَ تلكَ الفتاة هي دايانا نفسها.

تخطى قلبها نبضة مؤلِمة جعلتها تضع يداً فوق صدرها لتَفرُكُه تشعُر بِرغبة في البكاء.

" انا اسف. " انتفَضَت دايانا لتَلتَفِت لِلصوت تَجِد فان لا يزال يقف عند المَدخل بِحواجب مُعقدة. هي من يجب أن تكون غاضبة.

" اسف على ماذا؟ "

" على اخذك ضِد إرادتك. "

" لم يَعُد لاعتذارِك اهمية. "

مَرَر فان اصابعه النحيلة بين خُصلات شعره ليتقدم نحوها خطوة كبيرة بينما هي تراجعت لِلخلف تريد بعض المساحة بينهما.

" دايانا، ما فعلتيه اليوم قد اصابني........بالجنون و الحيرة. لم أكُن اتوقع انكِ......"

" اكمل. "

دخل فان لِغرفة الجلوس يَمُر من جنبها لكي يَجلس على الكنبة يُرَكي اكواعه فوق ركبتيه و مُشابك لِأصابعه.

" انكِ سَتقلُبين ضِدنا و انكِ جاسوسة. "

حدقت دايانا بهِ فاقدة لِلكمات لا تدري كيف تُجيب. 

لعقت هي شفتيها تشعُر بِجفاف في حلقها كأنها بلعت رمالاً قبل أن تُبادر محاولاً لِكَبت ضيقها تعلم الى اين سوف يتجه مجرى الحديث.

" انا لستُ ضد احدٍ منكم. "

" إذاً كيف تُبَريرين فعلتكِ اليوم؟ لقد رأيتُ كل شيء دايانا. لهذا لا تُحاولي الكذب بِوجهي. "

" انا لستُ اكذب! "

" إذاً قولي!.....تحدثِ و كُفِ عن التَهرب ! "

لم تَعُد تَحِس بِالدماء في الجزء العلوي من جسدها لتذهب هي الى طاولة التلفاز و تجلس على طرفها كي لا توقِع الصور.

اخذت نفساً عميقاً تجمع فيه افكارها و تدعو الله أن يُنقذها و يُنهي هذه الليلة بأسرع وقت لأن دانييل بكل تأكيد سوف يتصل بها لكي يسأل عنها.

و وضعها الأن مع فان لن يسمح لها بالرد على اية مكالمة.

" لن اقدر على اخبارك بكل شيء، لكن يجب أن تعلم انني لن اؤذي احد مِن العُملاء بَل كانَ لدي مهمة عَليّ انهائها فقط. "

" مَن امركِ بالمهمة؟ "

" فان، قلتُ لكَ انني لن اقدر علىـ--"

" هل هي المافيا؟ لأنكِ دمرت الأدِلة التي توصلنا لها. "

اخرجت هي ضِحكة خَفيفة من حلقها لتَهُز رأسها و ترُد

" لا.......لستُ من المافيا و صدقني انا لا اريد أن اكون منها بل العكس تماماً. "

" إذاً ماذا تكونين؟ ارجوكِ اخبريني لأنني اريد تصديقك لكن كلامك غير منطقي يمنعني مِن فهم حرف. "

" انا لا شيء فان. و اريدك أن تعرف انني لستُ مِن الناس السيئين و إنما شخص يريد السلام لِمدينتا لا أكثر أو اقل. "

" تعملين لدى الحكومة؟ فَلقد كنتِ حاضِرة في يوم احتفال الوزير. لقد رأيتكِ مع رجل اشقر. "

آوه اللعنة لا يزال يتذكر؟

بلعت دايانا ريقها مرة اخرى تَحِس بِأشواك تنغزها في حلقها لكونه جافاً جداً. وضعت يداً على رقبتها تُلاحظ برودتها الشديدة.

" هل لي بِبعض المياه؟ فأنا عطشة. " طلبت هي منه ليُحدق بها لِلحظة طويلة قبل أن يومئ و يذهب الى مطبخه.

في نفس الوقت، اخرجت هي هاتفها، ارسلت رسالة سريعة لِتمارة ثم اعادته الى جيبها بالثانية التي عاد فان و معه كأس ماء كبير.

شكرتهُ و هي تأخُذ الكأس منه ثم شربته بِرشفة واحدة تُحِب شعور المياه الباردة في حلقها كأنها اعادت الحياة له.

" استطيع القول انني اعمل لدى الحكومة لكن ليسَ حقاً. " بَرَرت هي له تضع الكأس الفارغ بِجانبها بالقُرب من صورة له يجلس على اكتاف والده يَحمل بيده كُرة القدم الأمريكي و بسمة عريضة تعلوا كِلا شفتيهُما.

والده في تلكَ الصورة كان رجلاً يمشي على ساقيها القوية أما الأن فَهو لا يمكنه التنقل لأية مكان من دون كرسيه المتحرك.

" تعملين لديهم لكن ليس حقاً......انا ضائِع. "

" فان ارجوكَ تفهم انني افعل هذا لِسلامتكم فَتدخلكم بِقضية المافيا عائق لنا و تدمير لكم. "

" عائق لنا؟ مَن هُم الذين ذكرتيهم؟ "

" لا احد و ليس مِن شأن احد. "

نهضت هي عن الطاولة لتَعثُر على نفسها تَهبط على الارض. وقعت من دون إدراك على جنبها تشعُر بِدوار فظيع يجعل من نظرها ضبابي.

سمعت هي اسمها من مكانٍ ما ثم احَست بِيدين مُمسِكة بها لترفعها عن الأرض و تضعها بِلطف و رِقة فوق الكنبة.

" دايانا هل انتِ بخير؟ " سألها فان يمسح شعرها عن جبينها و وجهها بِقلق.

" يبدو انني متعبة. " تَمتَمت هي مبتسمة تعلم أنَ شكلها كالحمقى لكن صداع بدأ في النمو في رأسها و ألم طفيف شارك كِـليَتها.

لديها الدواء في حقيبتها إن وصلت لها في الوقت المناسب قبل أن يَكبُر الألم في خصرها و يقتُلها هُنا امام هذا الرجل العنيد الذي يُحِب التدخُل بِشأن غيره.

" قولي لي ما الذي بأمكاني فعله من اجلك؟ " سألها هو يضع وسادة اسفل رأسها ليُقَرفِص حتى يصِل مستواه الى مستواها.

اغلقت هي عينيها قليلاً تستَمتِع بالظلام و الهدوء قبل أن تُجيبه

" ماء........الكثير و الكثير من الماء. "

" هذا كل شيء؟ "

اومأت له مرة واحدة ليَمسح على شعرها لِلحظة بعدها نهض و ذهب لكي يُحضر لها ما طلبته.

" تفضلي. " عاد هو و معه أبريق ماء كبير لِتَجلس قليلاً لا يزال الدوار مُرافِقاً لها ثم شربت ثلاث كؤوس مياه بِلا توقف كأنها لم تشرب شيئاً كَهذا في حياتها.

" على مَهل، قد تَختنقي. " اخبرها هو يُساعدها بِالشرب يجلس جنبها و يدعها تستند عليه.

" انا على ما يرام. اعتقد انني كنتُ جافة كَتلك النبتة المسكينة لهذا فقدتُ وعي أو شبه فقدتُ وعي. "

حرك فان عينيه البنية على النبتة فوق المنضدة الخشبية ليبتسم يبدو انه تذكر واخيراً أنَ في شقته نبتة تحتاج الماء بين حين و اخر.

" سوف اتأكد مِن سقيها الماء لاحقاً. "

قَهقَهت هي بِلا إرادة لتُعطيه كأس الماء و تُشير له بيد لكي يُسقيها الأن.

انصَت اليها و نهض حتى يسقيها ما تبقى في الكأس بعدها عاد و جلس مجدداً جنبها يُلقي نظرة على وجهها يراهُ شاحِباً و متعرق يُبَلِل شعرها الجميل.

مَدة هو يده ليَضعها على جبينها و بعد قياس حرارتها توسعت عينيه و تعقدت حواجبه بِصُعق ليقول

" دايانا حرارتكِ مرتفعة. "

كالمجنونة ابتسمت هي كالتي سمعت نُكتة ثم اسندت رأسها على صدره تَلُف ذراعيها حول خصره لا تدري ماذا تفعله لكنها تُحِب الشعور بِدفئه و جسده القاسي اسفل لمساتها.

ارتفاع حرارتها شائِع، و خاصةً في الشتاء لكونها تمرض كثيراً في هذا الفصل البارد و نيويورك إحِدى الولايات التي تُغطيها الثلوج كل سنة و مدينة، فصل الشتاء فيها قاسي.

مِما يزيد من مرضها قوة و سوء، عادةً في كُل فصل بارد تقضيه في المنظمة في غُرفتها لكي تكون قريبة مِن المستشفى الصغيرة الخاصة بالبناء لكن هذه السنة مختلفة و كل شيء تغير.

" اعلم ايها العبقري، انا فقط احتاج بعض الراحة و ربما غطاء حريري. "

" غطاء حريري؟ اسف لكني امتلك هذا حالياً. " امسك فان بِغطاء رمادي مِن الصوف كانَ موجوداً بِجانبه فوق الكنبة.

وضع الغطاء على جسدها كُـله عدا وجهها يعود ليَمُسُه بِمنديل ناعم على جبينها و وجهها يمسحهما مِن العرق لا يدري أنَ حالتها ليست الحرارة بل اسوأ بِكثير.

" ما زلتَ تحتفظ بِتلكَ الصورة. " هَمست دايانا على صدره تنظُر بِعيون ناعِسة على اللوحة فوق التلفاز.

لم يجبها أو يُصدر صوتً فقط نبضات قلبه المنتظمة اسفل أذُنها كل ما تسمعه و صعود و هبوط صدره كل ما يُحرِكُه.

" لم اقدر يوماً على الألقاء بها بعيداً، لأنها تمتلك مكانة خاصة في قلبي. فَلقد احببتُ تلكَ الفتاة المُشاكسة حُباً جماً. "

" و هل ما زلت تُحب تلكَ الفتاة المُشاكسة؟ "

سؤالها لم يكُن عن قصد بل ذَلَت لسان ظنت انها سألته في عقلها بِسر ولكن حدث ما حدث و سمع هو السؤال ليُبقي فمه مختوماً لدقائق قد ظنت دايانا انها ساعات و أيام حتى.

" تلكَ الفتاة ماتَت و اخذتني معها........لكنني احِب ما هي عليه الأن و اتمنى لو تُبادلني نفس الحب. "

" انتَ محق، لد ماتت. بالإضافة هي غبية إن لم تُبادلك الحُب لأنكَ رجل رائع لا مثيل لك. "

" حقاً؟ "

" حقاً. "

" انا سعيد بِمعرفة هذا. "

" جيد. "

عَم صمت اخر فيه أصوات السيارات في الخارج، دقات الساعة الخَفيفة و انفاسُهُم المُشتركة هي كُل ما تملئ الشقة.

" دايانا؟ "

" نعم؟ "

" دايانا أدريان، لا تزال موجودة و لو قليلاً؟ و لو جزء صغير جداً منها؟ "

لم تجبه هي لأنها تُفَكِر بِكلامه. هل هي موجودة هل تركت ذلك الجزء الذي لم تقتدر على الاستغناء عنه معها الى الأن؟

في الحقيقة من المستحيل أن ينسى الأنسان نفسه تماماً أو يفقد ما تربى عليه و ما خُلِق مُمتلكاً له إن كانَ قلبه، عقله و شخصيته بشكل عام.

و مهما مَر من صعاب و مشاكل حتى عقبات تجعله ينسى نفسه لفترة إلا أنَ الأنسان إثر ذكريات مُعينة أو مواقف تَحدث له في حياته تُعيده لِلخلف و تجلب له القطع التي فقدها من نفسه. و هي هكذا...

حاولت كثيراً أن تبقي شخصيتها القديمة في صندوق مقفل نادراً ما تفتحه و لا تريد فتحه كلما نظرت اليه. لكن وجود من تعرفهم و تهربت منهم في ماضيها سيبقي ذلك الصندوق ذا قفل مكسور و مفتاح ضائع.

" ربما.......لا تزال مختبئة في مكانٍ ما. " اجابته هي بِتعب يغطيها من الداخل.

" انا اشتاق لها بعض الأحيان. "

" و انا كذلك. "

" هل تريدين النوم؟ تبدين ناعسة. "

ابتسمت هي تُمسكِ بِقميصه بِشدة ليَتجعد بين اصابعها الطويلة.

جفونها اصبحت ثقيلة على عينيها، تُغلق و تنفَتِح كُـلما حاولت مُقاومتها. وضع فان ذراعيه مِن حول جسدها الضَئيل مُقارنتاً بِجسده ليُقربها منه أكثر و هي لم تُمانع بل تركته كما يحلو له فالقليل مِن الدفء ليس بالخطير.

" نامي دايانا...." هَمس هو في أذُنها لتومئ له بِخِفة قبل أن تستسلم لِلنوم تنسى ألمها و كُل ما جرى.


استيقظت دايانا و هي مُستلقية على الكنبة لوحدها، الوسادة في وضعية مُزعجة اسفل رأسها و الغِطاء على الأرض.

نهضت لتَجلس و هي تَفرُك عينيها بِأرهاق لا تزال تريد النوم لكنها تذكرت انها ليست في شقتها بل شقت شخص اخر.

حركت رأسها لورائها لكي ترى عبر النافذة أنَ السماء تتحول من الظلمة لِلزرقاء. نظرت لِلساعة المعلقة فوق الثلاجة في المطبخ تجدها الخامسة فَجراً هذا يعني انها نامَت ما يُقارِب الساعتين.

" تباً......يجب أن اغادر. " تمَتَمت هي بِنبرتها الناعِسة لتُرَتِب شعرها الذي يبدو كَعُش الطائر بعدها وقفت على ساقيها.

" لقد استيقظتِ. " ارعبها دخول فان لِلغرفة لِتَضع يدها على صدرها كأنها سوف تهُدئ من قلبها الذي سَيَكسر قفصه.

" ما مشكلة الجميع و ظهورهم المفاجئ كُـلما كنتُ موجودة؟ "

ابتسم فان بِمَرح على كلامها ليَتقدم اليها حتى يَمُد لها ذراعه المُعلق عليها منشفة.

" خذي هذه. "

رفعت هي حاجباً بِحيرة

" لماذا تُعطيني إياها؟ هل تُخَطِط بأعطائي منشفة كاعتِذار؟ "

ضَحِك هو هذه المرة ليَهُز رأسه بِكِـلتا الجهتين مُجيب
" بالطبع لا. اعتذاري له طريقة مُميزة مِن اجلك لكن الأن اذهبِ و خُذي حماماً دافئاً لأنكِ لَزجة بِعرقك. "

" إذاً انتَ تقول انني نتنة بِطريقة غير مُباشرة. "

ضَحِك مجدداً يُعطيها المنشفة مُشيراً بيده لِلمَمَر الضَيّق.

" الحمام في المَمَر على اليمين. توجد مياه ساخنة كما تشائين و كل ما تحتاجين له عدا الملابس طبعاً، اسف لا امتلك ملابس نسائية في منزلي المتواضع إلا إذا كنتُ لا تمانعين ارتداء ملابسي. "

هَمهَمت هي تتمعن بالمنشفة البيضاء الكبيرة لتومئ له بِشُكر ثم توجهت الى الحمام لِتَدخُله مُغلقتاً الباب خلفها.

اتكأت بِظهرها عليه تَدَع من عينيها تحوم في الحمام. انه صغير ايضاً لكنه........متواضع كما وَصف منزله، لا شيء مميز فيه.

فأنه بأرضية بيضاء و جُدران سيراميكية باللون الأزرق. دُش الاستحمام بِداخل صندوق زجاجي كأية دُش في اية حمام على اليمين، و قريب منه المرحاض، على اليسار توجد المَغسلة و فوقها مِرآة بأضواء بيضاء من حولها.

تنهدت هي لا تصدق انها على وَشك اخذ حمام في منزل حبيبها السابق لتُلقي نظرة سريعة على شكلها و تلعن تحت انفاسها.

انها حقاً تبدو كالمُتشردين بِملابس مُجعدة و شعر مُلتصِق بِأنحاء وجهها و عندما لمسته، اصبحت اصابعها لزجة. انكمش وجهها على الشعور المُقرف لتبدأ بِخلع ملابسها و اخذ اسرع حمام في حياتها.

~ ~

غادرت الحمام و هي تُنَشِف شعرها بِقدر الأمكان فَوَجَدَت فان يجلس على الكنبة و امامه حاسوبه يعمل على امر ما لتتكئ هي على جدار المَمَر مُمسِكة بالمنشفة بين يديها، تُراقب بِصمت كيف تتحرك اصابعه على أزرار الحاسوب، كيف عضلات ذراعيه مَرِنة، تنشَد و ترتخي إثر الحركة.

عادت مجدداً تنظُر لِلنافذة تجد أنَ السماء لا تزال ظلمة لكن يوجد ضوء الشمس البَعيد يُحَوِلها لِلوحة ذات طبقات مِن الألوان الجميلة كالأزرق، الأسود و الأصفر.

" هل بقيت يَقِظاً طوال الوقت؟ " سألته هي كي تجذب انتباهه ليتوقف عن العمل و يَلتَفِت لها.

" هذا كان سريعاً......امممم و نعم بإجابة عل سؤالك، لم اقدر على النوم. "

" لما؟ "

" لقد ظللتِ تُهَلوِسي في نومك و حرارتك لم تنخفض لكن قبل استيقاظك بِقليل اختفت كما أتت. "

رمشت هي عليه عِدة مرات كأنها فقدت حاسة سمعها.

لقد ظَل طوال الليل يهتم بها؟ و أهَم من ذلك، لقد كانت تُهَلوِس؟

و بالحديث عن الحرارة، هي الأن لا تشعُر بأي مرض أو الصداع القاتل الذي اشتاح رأسها.

كيف يكون هذا مُمكِن؟ مرضها النادر لا يوقفه شيء إلا ذلك الدواء في حقيبتها و هي لم تأخذُه حتى.

" هل تفوهتُ بِهراء و امور جنونية في نومي؟ " اخذت بضع خطوات نحوه لكي تجلس على طرف الكنبة.

ابتسم لها فان يَهُز رأسه مِن اليمين لِليسار ليرد مازِحاً

" فقط انكِ تعشقين الحليب و السكاكين الحادة، اعني هذا منطقي بعض الشيء. انتِ لطيفة مِن الداخل لكنكِ حادة مِن الخارج. "

شقلبت هي مُقلتيها تعلم أنَ تلكَ الكلمات البسيطة لها تأثير قوي عليها.

" آوه دايانا هل انتِ بخير؟ " جلس فان جنبها أكثر يضع يداً على جبينها و رقبتها يَقيس الحرارة.

" انا بخير، ماذا تقصد؟ " وضعت هي يديها على جبينها و رقبتها لكنها لم تَجِد اية حرارة مرتفعة غير الاعتيادية.

" لستُ ادري، لكن وجنتيكِ حمراء. "

آوه......هذا لأن كلامك قبل لحظات جعلني اخجل ايها
المتواضع كَمنزلك.

قالت هي مِن دون التفوه بالكلام بِصوت مسموع كي لا تُحرِج نفسها أكثر.

" لقد اخذتُ حماماً ساخِناً ربما هذا السبب. " كذبت دايانا لتنهض و تضع المَنشفة المُرتبة مكانها.

" شكراً لِسماحك لي بأخذ حماماً مُنعِشاً، لقد احتجتُه كثيراً. "

" لا داعي لِشُكري. "

اومأت له ترفع زاوية شفتها للأعلى بابتسامة تُدخِل يديها بِجيوب بِنطالها الخَلفية ليَعُم الصمت بينهما.

" اممم دايانا هل لكِ أن تجلسي لِثانية؟ " كسر فان الصمت يُرَبِت بيده على الكنبة جنبه.

" أوَد ذلك، لكن الوقت متأخر جداً و يَجب عَليّ العودة الى شقتي و--"

" لن اطيل عليكِ انا اعدك. "

تنهدت دايانا لا تُحِب من الأن الحديث الذي سوف تخوضه لكنها جلست على الكنبة بِجانبه تترُك مسافة صغيرة بينهما و تنتظِر منه أن يتكلم أولاً.

فَرَك يديه بِبعضها بدا متوتر ثم استدار قليلاً باتجاهها قبل أن يقول

" انا اسف على اختطافي لكِ البارحة لم اقصد أن افعل ما فعلته لكن غضبي تحكم بي في تلكَ اللحظة التي رأيتكِ فيها في المبنى و بعدما غادرتِ. "

" ما هذا؟ لقد ظننتُ أنَ اعتذارك سوف يكون مُمَيز. "

ضحك فان لا يُصدق انها تُلقي بالنكات في وقت الجدية لكنها شاركته بِقَهقَهة بسيطة.

" اعتذارك مَقبول لكن اتمنى أن لا تُعيد الكَرّى مرة اخرى لأن المرة المُقبلة لن استخدم رأسي كَدِفاع بَل خبرتي في القتال انا واثقة انكَ تعرفي عن تدريباتي في أستوديو الكاراتيه، لا؟ "

" نعم اعرف. و انا اسف مرة اخرى لن اجرئ على فعلها مجدداً لكن سأطلُب منكِ امر واحِد فقط. "

" سأحاول أن احققه لك. "

" اخبريني شيء واحِد قد يجعلني اطمئِن انكِ لستِ مِن المجرمين أو الجواسيس أو انكِ تعملين مع المافيا. "

" ما زلتَ لا تُصدقني هاه؟ "

" اريد أن اتأكد دايانا، لن اؤذيكِ و لن افعل اية شيء لكِ إن لم تكوني أي واحد مِن الثلاثة. "

رفعت هي حاجِباً بِتعجُب على ما سمعته لِتسأله مُشابكة ذراعيها امام صدرها

" و ماذا لو كنتُ جميعها فَماذا سَتفعل؟ "

لم يرُد عليها على الفور بل ظَل صامِت يُحدق بها بِصدمة كأنها صفعته على وجهه أو اخبرته انها كائِن فضائي مِن المريخ.

" هل هذا حقيقي؟ "

اخرجت هي ضِحكة مِن حلقها بِفَم مُغلق لتُبعِد نظرها عنه تُعيد ظهرها على الكنبة، تنظُر لِلصورة الكبيرة التي تجمعها بِه قبل ستة سنوات أو سبعة......السنة على وشك الانتهاء.

" نعم و لا......لكن يجب عليكَ أن تعلم أنَ عملي لِصالح الدولة و ليس لِضدها و هُم على عِلم بالأمر لكنهم غير مسؤولين عني و عن غيري. "

" يوجد الكثير منكم؟ "

اومأت بالموافقة ليُشيح بِنظره على يديه فوق ساقيه يبدو ضائع و فضولي عن الكثير ربما يوجد بَحر عميق في داخله فيه الملايين من الأسئلة و التساؤلات عن ما تعنيه هي.

 لكن فاجأها عندما اومئ لها بالتفهم من دون القاء المزيد من الأسئلة.

حتى انها لاحظت ارتخاء ملامح وجهه و جَسده.

" هل بأمكانك ابقاء الأمر سِر بيننا؟ " سألته هي لكي تتأكد، لأنه إن لم يفعل.....

فَعليها التصرف معه على طريقتها و هذا اخر ما تتمناه في حياتها. لكن عملها مِن أولوياتها قبل نفسها و قبل كل شيء في العالم فَهي اقسمت على السِر و الاحتِفاظ به ليوم موتها و اليوم كَسرت هذا القسم بأخباره.

تعلم انها سوف تندم على التفوه بالموضوع لكنها سوف تضع ثقتها بِفان و ترى ما سَيحدث.

مُخاطرة و هي تعلم، ومع ذلك سوف تجرب فَهو أول شخص و اخر شخص.

" بالطبع دايانا، كيف لي أن اخون ثقتك بي بعدما اكتسبتُها مجدداً؟ صحيح انكِ تكذبين و تُخفين الكثير إلا انني اخاف عليك لا أكثر. "

" لماذا تخاف عَليّ؟ لقد نجوتُ و بقيتُ على قيد الحياة لِمدة ستة سنين لوحدي لهذا بأمكاني البقاء لفترة اطول من ذلك إن كُتِبَ لي. "

" اعرف و انا اثق بأنكِ قوية و ذكية، لكني اقلق فأنتِ البارحة اخترقتِ مبنى و دَمرتِ أدِلة قد يتم سجنك عليها للأبد. "

وضعت هي يداً لا إرادية على كتفه لتُرَبِت عليها تتبسم بِثقة

" لا تقلق فان، فأنتَ لا تعرفني جيداً بعد. "

" انتِ تُخيفينَني. "

ضَحِكَت هي لتُقَبِلُه على وجنته بِسرعة قبل أن تنهض الى حقيبتها على الأرض تطمئِن عن الفلاشة لتُغلقها بِأحكام.

" هل سوف تتوقفين عن العمل معنا؟ "

تَجمدت اصابعها على سَحاب حقيبتها و هي مقرفِصة لتَلتَفِت له قليلاً.

" امممم مَع الأسف نعم. "

" متى؟ "

" فان لا تفاصيل باستطاعتي اخبارك بها لأنني اعطيتُك معلومات ممنوع عَليّ التفوه بها امام اية احد لهذا ارجوك توقف و لا مزيد. "

" حسناً حسناً انا اعتذر لن افتح فَمي أو احضِر الموضوع مرة اخرى الى أن تكوني مُستعدة لِلتكلم. "

ارسلت له بسمة عريضة تجعله يُماثلها بها و في عينيه الجميلة بريق لم تراهُ منذُ فترة. عَلّقت الحقيبة على كتف من دون اتخاذ اية حركة لِلمغادرة و هو نهض ليَذهب اليها و من دون سابق انذار رماها بِعناق كبير و رقيق. تصرفه تحدث بدلاً من شفتيه.

وصلتها مشاعره بأكملها و هي لم تستطيع منع نفسها من لَف ذراعيها حول خصره و غَمر وجهها بِصدره، تشتم رائحته ما بعد الحِلاقة.

" شكراً لكِ على صراحتك و اسف لِلمرة الأخيرة على اختطافك فَذلك كانَ تصرُفاً غبياً. " تَمتَم هو على شعرها الشِبه مُبتَل لتُبعِد وجهها عن صدره و ترفعه للأعلى لكي تُحدق بِتلك الملامح الوسيمة التي تَعصِر من قلبها كُـلما نظرت اليها.

" توقف عن الاعتذار، لأنَ المُختطِف لا يدع مِن رهينته تأخُذ حماماً و لا يهتم بها إن مَرِضَت و بكل تأكيد لا يُعانقها و يَشكُرها على شيء. "

كَبُرَت بسمته على نبرتها المازِحة ليَعود و يُعانقها مُمسِكاً بِرقبتها من الخلف لكي يَغمِر وجهها في صدره تَشعُر بِحرارة جسده تَلُفُها كالغِطاء و نبضات قلبه كالموسيقى العذبة لِسمعها.

لو باستطاعتها البقاء في هذه الوضعية للأبد لَفَعَلت من دون التفكير مرتين.

ابتعد كِلاهُما عن العناق ليَظل فان مُمسِكاً بِرقبتها ينظُران بِبعضهما لِثواني طويلة و وجوههم قريبة، المسافة بينها لا تتعدى الإنش.

حرك فان عينيه لِشَفتيها ثم لها لاحَظ فجأة تغير الأجواء من حولهم كَسِرت هي الذي كانا يتشاركِانه مُتجِهة الى الباب ليَلحقها فان ينظُر لها و هي ترتدي حذائها.

مع انها تَمَنَت لو تركته يُقَبِلها بما أنَ رغبتهُما واضِحة على ملامحهم إلا انها لم تقدِر لأن شيء واحِد قد يؤدي الى اخر و هي غير مستعدة بعد.

" هل سَنبقى على تواصل على الأقل؟ " سألها هو بعدما انتهت من ارتداء حذائِها.

" بالطبع، لما لا. سأراكَ في مبنى المُخابرات لفترة على اية حال. "

" هل سوف تكونين على ما يرام؟ اعني ألن يحدث أية شيء؟ "

" لا تقلق عليّ انا بل على ما سيحدث من فوضى فور اكتشافهم ما تم اخذه. "

امسكت بِمقبض الباب لكي تفتح لكنها تجمدت لتَستدير اليه اخر مرة و الجدية مَرسومة على ملامحها

" عدني انكَ لن تُخبر احداً عن الذي ناقشناه اليوم و عن كُل ما رأيته البارحة. "

تنهد هو بِصوت عالي ليومئ لها و يقول
" اعدكِ بأنني لن اخبر احد و سأنسى ما رأيته طالما سَيُبقيكِ كَتماني لِلسر أمِنة. "

" شكراً لك فان. "

و بذلك لم تٌضَيّع الوقت لِتُلَوِح له بيدها كَتوديع ثم التَفَتَت و غادرت شقته و البناء لتأخُذ سيارة اجرة الى المُنظمة مباشرةً. 

مرحباً يا افضل داعمين و قارئين في العالم! 

لقد نشرتُ هذا البارت ابكر بِقليل من يوم السبت لأنني في الحقيقة مشغولة منذ بداية هذا الأسبوع بأعداد الطعام و الزينة من اجل حفلة عيد ميلاد اختي الثامن عشر الذي سوف يتم في يوم السبت (غداً)

انا اعتذر عن اية اخطاء املائية، لأنني كتبت البارت بِسرعة  و بِعقل مشوش و لا يوجد الكثير في هذا البارت لكوني لم اجلس اصلاً على اللابتوب كثيراً (بسبب تحضيرات الحفلة و ربما بعد السبت سوف افاجئكم بِبارت اضافي) 😏

+ + و لكن اتمنى ان البارت اعجبكم و كالعادة اكتبوا لي رأيكم فيه و كل ما اعجبكم و ما لم يعجبكم لأنني اقرأها كلها و اجيب عليها بِقدر الأمكان. + + 💬🌸

لا تنسوا التصويت لأنه يدعمني انا و يدعم روايتي كثييييييراً!! 💫💫

و اخيراً تابعوا صفحتي حتى يصلكم كل جديد! 😉🌷❤

Continue Reading

You'll Also Like

31.4K 2.3K 27
تتراءى لي تلك الذكريات البشعة نُصب عيناي وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هناك أين يُمنح قلبي صبغةً سوداء جرّاء لون دُخان...
7.8K 1.2K 39
{اكاسيا} (رواية مطبوعة) لا أحد يعلم مقدار الحقد و الكره الذي احمله لهذه المدينة ، كانت سبب ضياعي ، سبب وحدتي الموحشة ، غريب أن تحب مدينة كانت لي كزنز...
10.1K 684 17
"- بعض الناس، يا أنسة، يرون ما يرغبون في رؤيته فقط .. وأنت حاولت تقليد الرجال لكنك تحولت إلى فتاة أنانية سيئة الطباع، لن تجد من يتزوجها بسبب لسانها ا...
468K 25.1K 65
'احياناً الحياة تفاجئك بشخص يكون لك حياةً الثانيه ' هاري . لاڤيندر.