ذات الوجهَين - The Two-Faced ✔

By Minar_bg

255K 20.3K 4.3K

رحلة صغيرة كانت كفيلة بتغيير حياة دايانا بعد عودتها منها لتعثر على الجحيم. الميتم، أصدقائها، حياتها و أختها ج... More

الفاتحة
Part 1
Part 2
Part 3
Part 4
Part 5
Part 6
Part 7
Part 8
Part 9
Part 11
Part 12
Part 13
Part 14
Part 15
Part 16
Part 17
Part 18
Part 19
Part 20
Part 21
Part 22
Part 23
Part 24
Part 25
Part 26
Part 27
Part 28
Part 29
Part 30
Part 31
Part 32
Part 33
Part 34
Part 35
Part 36
Part 37
Part 38
Part 39
Part 40
Part 41
Part 42
Part 43
Part 44
The End

Part 10

6K 443 80
By Minar_bg

" ماذا سَنتناول على العشاء صديقي؟ " سأله هانسيل يَلُف ذراعه حول اكتاف فان و هم يدخلون مخفر الشرطة مع باقي وِحدَتهُم التي فشلت بالقبض على احد افراد العصابة و كل مَن كان معهم أو بالأحرى ضدهم.

 فهم لم يكتشفوا شيئاً و لم يَعثرو على دليل عنهم و بعد هروب العصابتين من موقع البناء اخذت الشرطة تفتش المنطقة بأكملها لكي يعرفوا على الأقل سبب وجودهم و ما كان يحدث قبل وصولهم.

 صحيح انهم تأخرو لكن كان ذنب مَن اخبرهم عن مكان مُقابلة العصابتين فَذلك الشخص مجهول لم يعرفوا مَن هو و ما سبب مساعدته لهم في المقام الأول مِما ادخل فان بِحالة تشويش لا نهاية لها منذُ أن غادر موقع البناء الى أن وصل لِلمخفر.

المخفر يَعجه ضباط الشرطة و المحققين على مكاتبهم أو يقفون يتحدثون مع المواطنين و غيرهم من الضباط يحجزون المجرمين و السارقين في زنزاناتهم. المخفر هذا بالتحديد في منتصف مانهاتن في مدينة نيويورك لا يخلوا مِن الضوضاء و الزحام.

فان جوشوا لويس ضابط شرطة مشهور بين الشرطة بِكونه قوي، ذكي و شجاع و لقد تخرج من اكادمية الشرطة و مكتب التحقيقات الفدرالية بِعمر مبَكر لكونه ماهر و قد تخطى جميع التدريبات بِسهولة و الأختبارات الكتابية و الشفهية بنفس المستوى، لهذا لم يفشل ابداً.

البعض يقول لأنه وَلِد بعقل خارق و الأغلبية يقول بسبب أنَ والده كان ضابطاً شهيراً و مثله تماماً بارع بعمله منذ أن كان شاباً.

بالإضافة عن كل الذي سبق، فان درس الأقتصاد و تخرج ليُكمل كما كان دوماً يحلم منذ الصغر بأن يُصبح شرطياً. هو اختار أن يعمل كَشرطي لأسباب كثيرة جداً و اهمها العثور على سبب الحادث في الميتم قبل ستة سنوات.

جلس فان على مكتبه بين باقي المكاتب ليَسحب صديقه هانسيل كرسيه من مكتبه و يجلس بِجانبه يكمل ازعاجه المستمر للأخر.
" الن تُجيب؟ ما خطبك يا رجل، منذ أن غادرنا الموقع و انت شارد في عالمك الغريب. "


مسح فان بيده على وجهه يزفر الهواء لا يعلم هو بنفسه ما خطبه.
" انا لستُ جائعاً و انا لا اكل في هذا الوقت اصلاً لهذا كُف عن التكلم لِثانية واحدة هانس! "


نبرته المرتفعة جعلت من هانسيل يرتعش بِمكانه و يحدق به بِعيون متبحلقة، انه يعرف أنَ فان لديه مزاج متقلب كثيراً لكنه الأن بالذات لا يعجبه حتى لو انه غاضب من دون سبب فأنه يقرأه بِسهولة لكونهم اصدقاء من ايام جامعة الأقتصاد و الى كلية الشرطة هذا يعني أنَ صداقتهم عمرها ثمانية سنين.
" اعتذر فان. "


رفع فان رأسه لكي ينظر الى صديقه مَختوم الفم ينظر ليديه على حضنه. أبتسم فان نصف أبتسامة ثم ربت على كتف صديقه ليقول
" لا تعتذر.......انا فقط.....اشعر بِبعض الضيق من الذي حدث اليوم و عاجز عن فهم شيء. "


" اتفهمك و اوافقك الكلام، كيف لهم أن يهربوا بِتلكَ السرعة من دون ترك اثر خلفهم؟ "


" في الحقيقة لقد تركوا اثار بسيطة كالرصاص من اسلحتهم و دمائهم إثر القتال الذي حَل بينهم، هذا كافيٍ لِنعرف معلومات اساسية للأن. "


اومئ هانسيل يُدخِل شفتيه لِفمه ليأتي اليهم ضابط شاب مبتدأ تحت تدريب هانسيل و على وجهه علامات الفضول.
" سيدي، ماذا جرى في مهمة اليوم؟ "


قَهقَه فان قليلاً يُريح ظهره على كرسيه المتحرك يشابك ذراعيه امام صدره و ينظر الى هانسيل حتى يشرح كل شيء لِلشاب الصغير.


هَمهَم هانسيل كأنه يُعيد رؤية ما حدث لهم مع كل تفصيل ثم أجاب الشاب الفضولي
" الذي حدث هو، انه يجب أن تذهب لكي تُعِد بعض القهوة لأسيادك حتى يستعيدو نشاطهم بِما انها الساعة الثالثة فجراً و تباً لهذا العمل. "


حدق به الشاب منصدم كالذي صفعه احدهم على وجهه ليضحك فان على ردة فعله و ينهض من على كرسيه يضع يداً على رأس الشاب ليَعبث بِشعره المرتب.
" لا تنصت اليه بوبي، اذهب و اكمل عملك و دراستك سوف اخبرك انا بكل شيء لاحقاً. "


اومئ له بوبي يبتسم على لطافته معه و يرمق هانسيل بِطرف عينه بِفظاظة ليُشير هانسيل بيده على الشاب مندهش بِنظراته له قبل مغادرة بوبي لِمكتبه في زاوية المخفر.

" هذا الطفل الوقح يجب عَليّ تلقينه درساً......اعني لماذا يكرهني و يُحبك انت؟ مع انني انا من ادربه و اتعب معه. "


" هل حقاً تدربه هانس، ام انكَ تعذبه؟ احياناً اراكَ تعامله على انه خادم لك و تريد رأيي؟........من الصعب الأعجابك بك. "


رفع هانسيل اصبع يده الوسطى على فان كَرد على كلامه ليضحك فان أكثر و يبتعد عن المكتب يهز رأسه بِخبية امل منه.


" هييي! الى اين انتَ ذاهب؟ مازال لدينا اعمال الى أن تظهر نتيجة اليوم! " صاح هانسيل من مقعده يجعل فان يقف بِمكانه ليستدير له.


" سوف اقابل الرئيس أدم، لدي ما اخبره به من ثم سأخذ أذن لكي اعود لِلمنزل فأنا مرهق جداً لا اعتقد انه بأمكاني البقاء هنا. "


" لو جميعنا قلنا ما تقوله لأصبحوا جميع الشرطة في منازلهم، فان. "


" دعه و شأنه هانس، انه يستحق بعض الراحة و لو ليوم على الأقل. " قال ضابط اخر من مكتبه في تسلية.


" هل سمعت هذا هانس.......انظر، بدلاً من أن تدعمني كَالصديق الوفي، غيرك يفعل ذلك. " اخبره فان يرفع شفته السفلية و يهز رأسه.


شقلب هانسيل عينيه على كِلاهُما يحرك يده في الهواء بلا اكتراث.
" لا يهم، حظاً موقفاً و اراكَ غداً ايها الرجل اللعين. "


اخرج فان ضحكة اجشة من حلقة ليَستدير مجدداً و يكمل طريقه يُعيد الأبتسامة لمن يبتسم له و يومئ لمن يرحب به من رفاقه الضباط.
اخذ هو ردهة بِجدران بيضاء و ابواب لِغُرَف، حمامات و مكاتب على كِـلا الجدارين يبحث عن مكتب رئيس المحققين الذي يدعى أدم باورز. 

رأى باب مكتبه بني اللون ليَدق عليه ثلاث مرات بعدها سمع صوت المحقق من الداخل يسمح له بالدخول.

فتح الباب، دخل المكتب ثم اغلقه ورائه من دون إحداث ضجيج.


رفع رئيس الشرطة أدم رأسه من الأوراق الذي يحملها بيديه ليرسم على شفتيه النحيلة بسمة رقيقة لتصبح عينيه اصغر
" اها ضابط لويس! ما الذي احضرك الى اهنا؟ "


احنى فان رأسه للأسفل بأحترام ثم اعاده ليُجيب ممسكاً بيديه امامه
" سيدي الرئيس، هل لديكَ الوقت لِلتحدث قليلاً؟ "

" بالطبع، بالطبع، تفضل. "

اخذ يمشي الى مكتب الرئيس ثم وقف بأستقامة كالعسكري يحدق بالمحقق من دون رشفة جفن.


" ماذا هناك فان؟ " سأله الرئيس يضع ورقة بيضاء لا يعلم ما يوجد عليها خلف باقي الأوراق بيديه.

صفَّ فان حلقه ثم بِتوتر
" انا.........سيدي اريد أولاً الأعتذار عن ما حدث اليوم في المهمة التي تم ارسالنا اليها. "

لم يتفوه الرئيس بِحرف و جلس يراقب الضابط ليُكمل فان بِنبرته الأجشة
" و اريد الأعتذار على--"

" فان ادخل بالموضوع و قبل ذلك، ارجوك اجلس. "


اومئ فان له بعدها اخذ يجلس على إحدى الكراسي بِجانب المكتب ليُدير وجهه لِلرئيس و يستمر
" سيدي انا حقاً ضائع و كنتُ اعيد و اكرر ما جرى اليوم بِرأسي مراراً و تكراراً الى أن وجدتُ منطق لستُ متأكِد منه لكن صوت بِداخلي يقول لي انه صحيح. "


هَمهَم الرئيس يضع الأوراق من يده على الطاولة ليُشابك اصابعه بِبعضها و يتقدم بِجسده للأمام.
" انتَ تعلم انه لا يجب علينا اتباع احاسيسنا في عملنا ايها الضابط لويس، لكن تابع كلامك، لعلي اتفهمك أكثر. "


بلع فان ريقه لِلمرة الثانية ليبدأ التبرير بِشكل افضل يجمع شتات ما رأه و الأدلة لديه
" ذلك الشخص المجهول الذي تكـلم معنا و اعطانا الأرشادات و المعلومات عن المقابلة بين تلكَ العصابتين، غريب بعض الشيء. و خاصةً انه لم يخبرنا بالمزيد عندما طلبنا منه و لم يقُل ابداً انه توجد عصابة ثانية و إنما اشار لها على انهم مجموعة لا أكثر مِما ادخلني بِحيرة من طريقة وصفه لهم. "

" هل عرفتم من هو المُخبِر؟ "

هزة فان مجيباً بِـ "لا" ليشرح له
" مع الأسف، لكننا عرفنا مكان اتصاله بِنا بسرعة. لقد استعمل هاتف عمومي قد رصدنا مكانه على الفور بعدما انتهى من اخبارنا بكل شيء. "

" و؟......"

ضغطت فان شفتيه معاً قبل أن يرد
" و لم نستطع معرفة من هو أو نلحق به، منطقة الهاتف العمومي فيها كاميرتين مراقبة في الشارع فقط و كِلاهُما لم تلتقط اية شريط له لكونهما في موضع بالكاد يصل لِصندوق الهاتف كما لو انه كان يعلم اماكنهم جيداً قبل الأتصال بنا سيدي. "


" و ماذا تستنتج من كل هذا؟ "


لم يجبه بسرعة بَل اخذ يفكر ملياً قبل فتح فمه للإجابة كي لا يبدو كالمتحزِر و يُظهِر لِلرئيس انه احمق و حديثه بِلا طعم.
" حاولنا البحث في المنطقة بأكملها و خاصة في كاميرات المراقبة و قد عثرنا على رجل مشبوه به يتجول الشوارع بِغرابة ثم اختفى في زقاق من بعدها لا اثر له لكن........كلامه هو كل ما افكر به سيدي، كان يُعطينا المعلومات كما لو انه يعرفها بالتفصيل المُمِل و مع ذلك رفض اعطائنا المزيد كالخائف أو كأن احداً ما كانَ يمنعه من فعل ذلك. "


عقد الرئيس حواجبه ينتظر شرح مفصل لكي يُدخِل كلام فان بِعقله.

" لا اعتقد كما يعتقد الجميع على انه مجرد شخص عادي قد اكتشف تلكَ المعلومات لوحده بل اعتقد أنَ معلوماته داخلية سيدي....."


" تعني.......انه منهم؟ انه يعمل بأحدى العصابتين؟ "


اومئ فان مرتين يوافقه ليكمل مجدداً يضع ذراعاً على طاولة المكتب و يتقدم بِجسده.
" يبدو انه منشق عنهم لكن يُخفي ذلك لسببٍ ما لهذا هو كان خائفاً من اخبارنا المزيد عندما سألناه حتى طريقة مشيته في الكاميرات التي التقطته كانت مشبوهة، كما لو أنه خائف من وجود احدٍ ما يلحق به. "


" كلامك منطقي ايها الضابط. "

" و شيء اخر سيدي. "

اشار له الرئيس لكي يستمر بِحديثه يُريح ظهره على كرسيه و ينظر لِفان بِفضول. احنى فان نظره على الأرض تظهر ذكراها في عقله كالفيلم عندما رأها لأول مرة، ترتدي ملابس موحدة، اسلحة في كل مكان على جسدها و تلكَ العينين التي تلاحقه في كل مكان، حادة، باردة و خالية من المشاعر كأنها لعبة صُمِمَت لتبدو بِذلك المظهر.


رفع نظره مجدداً على الرئيس الذي لم يُبعِد عينيه عنه ثم اخبره
" العصابة الجديدة التي رأوها الضباط........"

" ماذا بِشأنهم؟ بدو انهم مشكلة اخرى نُضيفها على قائمتنا. "

ارتعش فان على كلام الرئيس، فَخوفٌ و قلق اكتسح بِداخله كأنها مخالب تمزقه بِمجرد التفكير أنَ تلك المرأة منهم لأن كلمة عصابة لا تُناسبها. كل الذكريات التي لديه عنها، دافئة و مليئة بِضحكاتها كالموسيقى العذبة لأذنيه و بسماتها الرقيقة كالورورد في فصل الربيع.

 لا يريد تصديق انها منهم، انها شخص ضد القانون أو مجرم ولكن الدماء التي كانت عليها لها أو لِغيرها دَمَر الصورة بأكملها و فان لا يزال متأكد انها دايانا نفسها.......دايانا التي يعرفها و ليست امرأة تُشبهها فتَلك العيون الخضراء الكبيرة لا وجود لمثلها.


" اقصد......انني اشُك انهم عصابة، ملابسهم، اسلحتهم و كل شيء قد رأوه الشرطة لم يروه من قبل. لقد بدو كأنهم...."

" كأنهم ماذا ايها الضابط؟ "

" كأنهم مجموعة مختلفة عن المعتاد. فَكِر بالمنطق سيدي، لم نسمع عنهم و لم نرى مثلهم يوماً حتى انني اشُك انهم يخرجون لِلعامة. "


رفع الرئيس أدم حاجِباً بِتساؤول يُدير ما اخبره به بِعقله كالعجلات.

 رفع يده ثم وضعها على ذقنه يَفرُكه. تنهد هو بِخفة ينظر الى فان بالعينين كأنه يرى شيئاً لكنه يُبقيه لِنفسه.

" ربما انتَ محق لكن دعنا لا نقفز لأستنتاجات من دون دليل. "


اومئ له فان ينهض على ساقيه يستعد لِلمغادرة لكن توقف لِيُعيد جذب انتباه الرئيس بأخباره
" سيدي اريد أن تسمح لي بالعودة لِمنزلي اليوم و انا اعدك أن ابقى ساعات إضافية غداً بدلاً من اية ضابط لديه نوبة ليلية. "

" بالتأكيد مسموح لك، هذا اقل ما يُمكنني فعله من اجلك لكونك ضابط منتظم و ماهر. انت تذكرني بِوالدك جوشوا، كان عظيماً و الجميع يحترمه حتى الى الأن اكمن انا له كامل احترامي، لقد تمت تربيتك بِحسنة. "

أبتسم فان بِشكر لِلرئيس ثم احنى رأسه بعدها التفت و غادر المكتب و ذلك الشعور لديه لم يهدئ و افكاره لم تتوقف عن الحوم في عقله. لديه مئات الأسئلة تتكوم كل ثانية.
خَمَن فان على انه لن يقدر على النوم اليوم أو في الأيام المقبلة إلا في استثناء......احضار الأجوبة، لكن كيف؟ 

و من اين؟ 

فَهو ليس لديه طرف الخيط بعد لكي يكمل، لهذا مهمته شبه مستحيلة و مع ذلك هو شخص لا يستسلم بِسهولة.

توجه بِسيارته في شوارع مانهاتن المفعمة بالنشاط و لو في ساعة الثالثة و النصف فجراً الى شقته في بناء متواضع، قديم لكن ليس سيء، مع أنَ والده يمتلك المال و عرض عليه أن يساعده لكي يشتري شقة افضل لأبنه إلا أنَ فان رفض اخذ منه سنتاً و عمل بِنفسه حتى جمع المال الكافي لأستأجار شقة صغيرة يستعملها فقط لِلنوم أو العمل في مكتبه لوحده.

رَكَن سيارته الخاصة بالشرطة عند بناء شقته بعدها خرج منها و ذهب يَجُر ساقيه الى البناء و المصعد لِلطابق الخامس. 

توجه الى باب شقته رقم 50 ثم اخذ المفاتيح من جيبه الأيسر و فتح بابه لِتقع اوراق لم ينتبه انها معلقة بين الجدار و بابه.
حمل الأوراق ليرى انها رسائل من البريد، انها سنة 2040 و مازالو يتعاملون بالبريد.

في يديه اربع ظروف و ورقة عروض لِمطعم جديد قد افُتِتح البارحة. دخل فان شقته العتمة يزفر الهواء ليَخلع حذائه و يرمي مفاتيحه مع قبعته الخاصة بزيه على المنضدة قريبة من النافذة.

إنَ شقته لا بأس بها، متوسطة الحجم هندستها على النمط الكوري، جدرانه الأربعة باللون الأبيض، الأرضية خشبية، غرفة الجلوس فيها المطبخ الأمريكي باللون البني الفاتح جداً، نافذة واحدة مواجهة لِباب الشقة، على اليسار اريكة و اليمين تلفاز و في الدرهة قريبة من الأريكة باب غرفة نومه و الحمام.

جلس فان على اريكته من دون فتح اية إضاءة، فَأنوار المدينة و القمر تكفيه و مع ذلك فتح مصباح واحد على الطاولة الخشبية الصغيرة بِجانب اريكته. 

القى بورقة العروض على المنضدة لا يهتم لها ليبدأ بالنظر لِلظروف، و يرى أول ظرف فاتورة مياه.

القاها على المنضدة.

ثاني ظرف، فاتورة كهرباء.

القاها على المنضدة يتنهد من جديد.

ثالث ظرف رسالة من شركة امازون تخبره أنَ طرده قد وصل و لأنه لم يكن موجوداً في شقته ليومين ارسلوا طرده لِشركة البريد لكي يذهب و يأخذه بِنفسه.

القى بأخر ظرف مع الظروف الأخرى يرمي ظهره على الأريكة يسند رأسه لِلخلف يضع ذراعه على عينيه يحاول أن يغفوا لكن كما يحدث مع الكثير من البشر، العقل يقرر أن يعمل بِحدة و نشاط فائِق في الليل عندما يقرر الشخص أن ينام لكي يرتاح.


" سُحقاً. " تَمتَم فان الكلمة يَفرُك عينيه بِقوة ليبدأ بِرؤية نقاط سوداء تُحلِق في نظره لِشدة فركه لِمقلتيه الحساسة.


اعاد رأسه للأمام ينظر لِلصور التي على المنضدة على كِـلتا الجهتين لِلتلفاز. الصورة على اليمين له مع والديه في سِن الثانية عشر و الصورة الثانية على اليسار صوره مع والده و زوجة والده و هو في سِن السادسة عشر في يوم تخرجه من جامعته و كُـلية الشرطة.

حرك عينيه للأعلى أكثر لِفوق تلفازه المسطح ليرى صورة معلقة له يضع ذراعه حول خصر فتاة بِضحكة بَشوشة و يدها حول خصره كذلك و الأخرى على شعرها لِكون في ذلك اليوم كانت نسمة الهواء قوية تجعل من شعرها الحريري يطير على وجهها الجميل.

كانَ في الصورة بِعمر التاسعة عشر و قد اخذو تلكَ الصورة في حديقة عثرو عليها لوحدهم و طلبوا من غريب التقاطها.


تمعن فان بِعيون الفتاة الشابة الخضراء تملع لأنعكاس اشعة الشمس عليهم ليَظهر الشريط نفسه عن اليوم في دماغه بالحركة البطيئة يتذكرها تقف بِبذلتها السوداء، بِشعر مُبعثر يلتسق بها دماء جاف و تلكَ العينين التي كانت تسكُنها الروح و الحياة فيها، بدت له الأن بِفارغ عميق، تسبح بالظلام و الحزن لم يعرف كيف يُعبر عن ما كانت تشعر به بِرؤيتها له قبل ساعات قليلة شعر كأنها دقائق.

" ماذا حدث لكِ؟ و اين انتِ؟ " تسائل هو يُغطي عينيه بيديه كما لو انه إذا فعل ذلك، سَيختفي العالم و ما يؤلمه ليبقى وحيداً أكثر كما يتصرف الطفل في لعبة المُطارة و الأختباء، يُغطي عينيه لكي يُخفي نفسه و في حالة فان، يتمنى من العالم الأختفاء لبعض الوقت كي يعثر على نفسه حتى لا يفقدها.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

في مساء اليوم التالي في منزل عائلة فان جلس هو و والده جوشوا على طاولة الطعام ينتظرون زوجة والده التي يعتبرها كوالدته لكي تأتي و معها صينية المعكرونة بالجبن و بعض الخُضار.

" كيف عملكَ فان؟ " سأله جوشوا يبتسم لِزوجته عندما وصلت و معها الطعام تنظم الأواني و تسكب المياه في كوؤس الجميع.

" كَعادته لا جديد. "


هَمهَم جوشوا يُقَبِل زوجته على وجنتها بعد أن جلست على يسار جوشوا الذي يجلس في مقدمة الطاولة و على يمينه فان، هذه اماكنهم على الطاولة منذُ زمن.
" هل تعتني بالرئيس أدم؟ انه محقق مُحترم و يقدره الجميع كما تعرف. "


" ألا يجب أن تقول العكس عزيزي؟........أن تقلق على ابنك و ليس رئيسه؟ " قالت زوجته تملئ طبق فان بالمعكرونة الشهية و الخُضار.

" كُل يا طفلي، فأنظر الى نفسك تبدو نحيلاً، ألا تأكل في عملك؟ "


حدق بها جوشوا بِفَم مفتوح مندهش ليُشابك ذراعيه امام صدر و يتذمر قائلاً
" إن كان يتمنى أن يُبقي عمله فَيجب عليه الأهتمام بِرئيسه، هذه قاعدة اساسية في العمل اياً كان و اراكِ تهتمين بِطفلك أكثر من زوجك، اين العدل نيكول؟ "


رمقته نيكول بِطرف عينيها ليَضحك فان بِصوت منخفض يضع يده على فمه يَفشل بأخفائها.
" انتَ رجل بالغ و لديكَ شاباً مُطيعاً و الأوسم على الأطلاق لهذا بأمكانك ملئ طبقك بِنفسك عزيزي لديكَ يدين سالمة. "


ارسل فان بسمة عريضة على شفتيه تظهر اسنانه المثالية لوالدته لِتغمز هي له و تبدأ بِملئ طبقها.

اخذ فان الملعقة الكبيرة من الصينية ثم طبق والده الطفولي ليملئ طبقه يُغيظه أكثر من ما فعلته نيكول به.
" تفضل ابي، بالصحة و العافية. "


هزة جوشوا رأسه بِخيبة امل يُقَرب طبقه ممسكاً بالشوكة ليأخذ قضمة من المعكرونة اللذيذة بالجبنة الساخنة و الذائبة تَمُط كالعلكة.

" تُعامليه على انه مِن لَحمك و دمك اتسائل كيف سَتتصرفين معه إن كان ابنك حقاً. " قال جوشوا يرفض الأستسلام بالنقاش.


صفعته نيكول على ذراعه لِيُخرج صوتً يتظاهر بالألم يَفرُك المنطقة.
" صحيح انه ليس من لحمي و دمي، لكنه ابني مهما كان. والدته كانت ام رائعة انجبته طفلاً جميلاً ثم تركته كَهدية لي و انا سأحبه الى موتي. "


مَدَ فان يده لأمامه على الطاولة لكي يصل ليدها و يُمسك بها يضغط عليها بِرقة على ما قالته من حُب و حنان و هي بالمقابل وضعت يدها الثانية فوقها تربت عليها و في عينيها لمعة.

والدة فان الحقيقية، "تيفاني" كانت صديقة نيكول العزيزة و المُقربة حتى أنَ كل مَن كانوا يروهم سوياً كانوا يخطئون على انهم اخوات.
عندما تزوجت تيفاني و انجبت فان طفلها الأول و الأخير ربته بِحُب عظيم لا مَثيل له الى سِن الثانية عشر و لِسوء الحظ مَرضت تيفاني بِسرطان الدم لِتودع عائلتها الصغيرة و تتوفى.

بعد تعاسة و حزن كبير لِلزوج و الأبن لِمدة سنتين و نِصف تزوج والده من نيكول و اكملت تربية فان الى الأن.

في البداية فان كانَ معارضاً على زواج والده من صديقة زوجته و لم يُحِب نيكول على الفور لكنها اَحبَته حُباً جماً حتى عندما كان يعاملها بِوقاحة و يرمي لها كلام جارح بين حين و اخر ليتعلم أن يُحبها ايضاً كوالده و يتعايش معها الى أن اصبحت كالأم له.


تقبلها بِقلب صافي و احترام الى أن اصبح يُناديها أمي بدلاً من اسمها. من المستحيل أن يتم استبدال والدته الحقيقة مهما احَب نيكول لكنه مُمتن كثيراً على وجودها في حياته و حياة والده لأنه منذُ دخولها لها و العيش معهم تحولت ايامهم السوداء و التعيسة لأيام جميلة و سعيدة.

" انتم مزعجون. " قال الوالد المتذمر يتناول لُقمة ثانية من المعكرونة الخاصة به يجعل كُـلاً مِن نيكول و فان يضحكون عليه.


" احياناً اخطئ بينكَ و بين طفل صغير.......هل هذا حقاً والدك فان؟ " سألته هي تَهز رأسها مبتسمة بِلطافة عينيها العسلية مُشرقة و وجنتيها منتفخة إثر البسمة.


" لستُ ادري امي، انتِ من قَبلتِ الزواج به. "


" انا مازلتُ اجلس هُنا كما ترون. " تدخل جوشوا يُشير على نفسه بأصبعه مُضَيّق عيونه الزرقاء التي بِعكس ابنه.

فان لديه عينين بنية فاتحة مثل عيون والدته المتوفية كَـلون العسل.

عَم الصمت بينهم يتناولون طعامهم بِهدوء، اصوات الأواني تطرق بِبعضها و دقات عقارب الساعة تشارك في الأجواء الساكِنة.

رفع جوشوا رأسه من طبقه يضع شوكته بِجانبه لينظر الى ابنه يأخذ كأس ماء يَشرب نصفه مرة واحدة.

 انتهز والده الفرصة لكي يَفتح موضوع كانَ يخطر على ذهنه في بداية قدوم فان و حتى قبل ايام عديدة.

" فان. "

اعاد كأسه على الطاولة ثم امسك منديله ليَمسح به فمه بِخفة ثم ينظر الى والده ينتظر ما يريد قوله.
" هل اخبركَ المحقق أدم--"


" لِما لا نَكُف بالتكلم عن العمل في هذا المنزل و نتحدث عن امور اهَم و افضل؟ " قاطعته نيكول تُمسك يَد زوجها فوق الطاولة كإشارة للأنصات تغير الموضوع.


ليحرك جوشوا عينيه عليها يُحدق بها لِلحظة كأنهم يتكملون بِسرية بينهم كما لو انه يوجد انبوب متصل من رأس والده و الى رأس والدته.

اعادت نيكول عينيها على ابنها الذي يُراقبهم ثم فتحت فمها لتسأله سؤالاً اية والدة قد تسأله إن كان لديها ابن كبير و بالغ.
" هل وردكَ اتصال مِن برووك؟ كيف هي علاقتكما مؤخراً؟ "

" امممم، جيدة امي لقد تكـلمنا الأسبوع الماضي. "


شَهِقت نيكول بِطريقة درامية متوسعة العينين تضع يداً على قلبها.
" الأسبوع الماضي؟! أوه يا للهول فان. لماذا تتحدثون مع بعضكم كما لو انكم .........كما لو انكم--"


" اصدقاء؟ " قالها جوشوا يُنهي الجملة عن زوجته بِإغاظة لِتصفعه نيكول مجدداً هذه المرة اقوى من قبل تكتسب منه صرخة صغيرة جداً من حلقه.


شَقلب فان مقلتيه عليهما ليَضع شوكته على جانب طبقه، يتنهد يشعر أنَ هذا العشاء سَيتحول لِجدال طويل لا مَفر منه.
" امي ارجوكِ لا تنفعلي هكذا. برووك فتاة رائعة و جميلة لكنني--"


" لا اريد سماع ذلك فان.......على الأقل حاول، انها تُحبك جداً لقد رأيتُ ذلك في عينيها، حتى انها فتاة متعلمة و متفوقة و ناجحة في حياتها لديها وظيفة محترمة و الناس تحترمها و عائلتها معروفة، مازلتُ لا افهم لماذا لا تحاول معها...."


" عزيزتي، لا تضغطي عليه، انه بالغ كفاية ليعلم ما يفعله و كيف يتصرف. " اخبرها جوشوا يُحاول تخفيف من الأجواء التي تحولت لِلثقيلة بين الأم و ابنها.


بِلحظة كانت العصافير تزقزق و اقواس قزح في كل مكان لتتبدل بِعواء الذئاب و تحوم حولهم غيوم سوداء.

" لم اقُل انها ناقصة أو يوجد ما لا يعجبني بها انا فقط....." برر لها فان بِنبرة منخفضة يهبط من نظره ليديه على حضنه لا يريد النظر لها.


" إذاً لماذا تبعدها عنك؟ لماذا تتجاهلها كما لو انكَ لا تطيقها. لقد قلتَ الأن انه لا يوجد شيء بها لا يعجبك إذاً ما الخطب؟ انا حائرة. "


لم يُجبها بل قرر أن يختم فمه و لا يناقشها بالأمر لأنه يعرف انها ستفوز و ترمي عليه واقع هو يهرب منه. انها محقة بعض الشيء، برووك شابة رائعة من الصعب مقابلة احد مثلها هذه الأيام إلا انه عالق بِرفض مُساعدة نفسه بِسبب احدٍ ما.

عَمَ صمت اخر بينهم جميعاً لكن هذا الصمت كأنه جدران ضَيّقة عليهم كُـلما كَبُر الصمت كُـلما اقتربت الجدران.


" هل هي السبب؟ " فجأة كَسرت نيكول الصمت بالسؤال ليرفع فان رأسه اليها و يحدق بها لا يفهم.


بلع جوشوا ريقه بِتوتر لا يعجبه اين يأخذ النقاش مجراه لكنه يعلم أنَ القرار الحكيم هو أن لا يتدخل بين الأم الغاضبة و ابنها.

" اجبني فان جوشوا لويس! هل تلكَ الفتاة هي السبب؟ "

" عن من تتحدثين؟ "

" انتَ تعلم جيداً عن من اتحدث! "

" عزيزتي ارجوكِ توقفي. "

" لم تعُد موجودة فان، لستُ اعلم لما مازلت في الماضي تفكر بها و تدمر مستقبل بِلا وعي بِسببها، متعلق بِفتاة لم يعد لها وجود. "


حاول جوشوا إيقافها قبل أن تخطئ بالكلام لكنها ابعدت يدها من يده و اندفعت على ابنها قائلة
" الم تستوعب ذلك بعد؟ الم تُدخِل بعقلك انه لم يعد لها وجود؟! "


" امي توقفي. " همس فان يحني رأسه يمسك اعصابه و يمنع كُـلِمات والدته الجارحة من الوصول له.


" لا لن اتوقف! في كل مرة تدخل فتاة حياتك تبعدها عنك من دون سبب مقنع، هذه علاقتكَ الخامسة فان، الخامسة! و بِسبب تلكَ الفتاة تدفعهم جميعهم بعيداً عنك لكونك تعيش بأوهام شبحها. "


" لديها اسم امي.......اسمها دايانا! "


" لا يهم اسمها لأنها لم تعد موجودة! لقد ماتت و لن تعو--"


" لا احد يعرف! " صرخ فان بوجه والدته ينهض من كرسيه ليقع على الأرض مصدراً صوتً عاليٍ في الصمت المفاجئ في غرفة الطعام يصدم نيكول بِردت فعله.


" فان ولدي--"


" لا احد يعلم إن ما كانت حقاً ميتة أو حية لهذا كفوا عن التكلم عنها فأنا لم اعد اريد هذا النقاش. "


و بذلك التفتَ فان بِمكانها ثم ذهب خارج المنزل مغلقاً الباب خلفه بِقوة شديدة لِتهتز الثُريا فوق الطاولة في الغرفة و تدوم السكينة كأنه لا احد في المنزل.
تنهد جوشوا يُدَلِك جبينه ليَنظر بِطرف عينه على زوجته تجلس بلا حراك عينيها متوسعة تحدق بِمكان جلوس فان قبل مغادرته.


" الحُب ليس حُباً بِلا شجار لا؟ " قال جوشوا يُلطف الجو ليُجيبه الصمت بدلاً من زوجته.


" عزيزتي، لم يكن عليكِ التحدث عن تلكَ الفتاة المسكينة بلا مبالاة لقد كان فان يُحبها كثيراً و لم يُحب احداً مثلها بِشدة من قبل. "


اغلقت نيكول عيونها تضع اصابعها عليهم ثم اخرجت كمية كبيرة من الهواء من فمها تُعيد ظهرها بأرهاق على الكرسي.
" هذا ما كنتُ اعنيه، لم يفتح قلبه لِغيرها منذُ موتها لهذا انا غضبت. لم اعني التحدث بتلكَ الطريقة القاسية لقد اخطأت لكنني ايضاً محقة، لا اريده عالق بين الماضي و المستقبل جوش، انا قلقة عليه. "

أبتسم زوجها بِحُب واضح لها يتفهمها جيداً و يشعر بالذي تشعر به تماماً ليمسك بِيدها و يرفعها على فمه حتى يُقبلِها بِرقة.
" اعلم حبيبتي، لكن لا يزال جرحه لم يلتأم يجب علينا اعطائه الكثير من الوقت و هو شاباً يافعاً لديه سنين طويلة امامه دعيه و شأنه للأن و انا سأتكلم معه. "


اومأت هي توافقه لِتحرك نظرها الى مكان وجود ابنها من جديد تندم على كل حرف قالته.

~ ~

ليالي الخريف الباردة تكون المفضلة لِفان كل سنة. مع انه من محبين الفصول الدافئة و بالأخص الصيف إلا أنَ الخريف فريد و مختلف.

روعته و سحره لا يوجد مثله في اية فصل حتى لو كان بارداً إلا أنَ برودته مقبولة تشعر الجسد بكل نسمة هواء انه حي، لياليه بالذات، هادئة و لطيفة على الجلد و الروح، تُصَفي الذهن و القلب.

فان لم يعود الى شقته بعد شجاره مع والدته بَل غادر منزلهم لكي يجلس على سلالم الشرفة الخشبية المُطِلة على حديقتهم الأمامية في حَيهم الكبير، يوجد منازل على كل رصيف كما تُعرف اميريكا بِها.

الحي هادئ هنالك بعض السيارات تعبر الطريق و هنالك جيران يتمشون مع كلابهم يتمتعون بهواء هذا الليل الجميل.

لقد غادر المنزل لأنه انفجر على والدته لكونها ترمي حقائق بوجهه لا يريد تصديقها و جعلها جزءاً من حياته. اراد بعضاً من الوقت لوحده لكي يفكر و يُعيد عقله لِمطرحه، فَهو نادراً ما يغضب على احد والديه أو يتشاجرو معهم.

فُتِح باب المنزل خلفه ليَنغلق و يسمع صوت عجلات كرسي والده المتحرك تتوقف بِجانبه لكن بعيدة عن السلالم. حرك فان رأسه لِجانبه حتى يرى والده ينظر لِسماء الليل يتنشق هوائها ينفخ صدره يملئه بالأوكسجين.


اعاد فان انتباهه على الشارع لا يلفظ كلمة كما يفعل والده، يُفضِل عدم التحدث الى أن قال جوشوا يقطع شريط الصمت
" كيف تشعر؟ "


تأفأف فان لا يُجيبه على الفور يضع اكواعه على ركبيته ثم شابك اصابعه بِبعضها.
" لستُ ادري ابي. "


هَمهَم جوشوا يُعدِل البطانية على ساقيه يدفئها من البرد.
" عندما فقدتُ تيفاني، احسستُ بأن حفرة حفرت نفسها في صدري. فقداني لها كانت أكبر صدمة في حياتي كلها، لم اتألم يوماً كما تألمت برؤيتها في سرير المشفى كل يوم تُعاني لوحدها و تبتسم كُـلما رأتني معها. كانت تُخفي اوجاعها لِنفسها و لا تشاركها مهما كانت مؤلمة. كَرهتُ هذا الجزء في والدتك، لكونها لا تُشارك احزانها و الامِها مع زوجها الذي يُحبها بِشدة، فأنا لم احُب احداً كما احببتها ابداً، سحقاً بل لم احب والِداي كما احببتها هي. "

اخرج فان ضحكة صغيرة من حلقه و الهواء من انفه على طريقة تعبيره لكنه لم يتفوه بِحرف فقط يسمع والده يتحدث عن والدته المتوفية يُعيد ذكرايات جميلة و قبيحة له.

" كانت عالمي كله، ماضي، حاضر و مستقبل و لقد احببتها و تعلقت بها أكثر بعدما اخبرتني انها حامِل بك. بأول طفل لنا على الأطلاق. لهذا في يوم موتها، تكسرت كما يتكسر الزجاج لقطع و اجزاء مستحيل إعادتها لوضعها السابق. صحيح أنَ وجود نيكول الأن في حياتي ملئ الحفرة في صدري، لكنها لم تقدر على ملئها بأكملها فَمازال هناك فراغ يؤلمني كُـلما اتذكرها. "

" لدي نفس الحفرة ابي.......لهما كِلاهُما. " رَد فان يضع يده على صدره كأنه يشعر بالحفرة كما وصفها بِداخله.


نظر جوشوا لأبنه لِلحظة ثم اكمل كلامه يضع يداً على كتف فان يضغط عليه بِخفة لكي يُخبره انه متفهم و يعرف أن ما قصده بِـ "كلاهما" يعني والدته تيفاني و حبيبته السابقة دايانا.

" اعلم، لكن بعض الأحيان على الأنسان نسيان الماضي و عدم التعلق به، لأنه إن فعل فَلن يستطيع على التعايش مع من حوله، سَيعلق في الماضي للأبد و يُبعِد مَن يحبوه بأنانية. ليس سيء أن يفكر الأنسان بِماضيه بين حين و اخر لكن عليه أن يتعلم على قبول ما يحدث معه الأن، في حاضر و أن يمضي قدماً و يعيش حياته طبيعية لأن الماضي لن يعود. "

" لكن لا اثبات على موت دايانا. " قال فان يُدير رأسه بأتجاه والده في عينيه حزن عميق قد جرح من قلب جوشوا.


رسم جوشوا بسمة دافئة و حنونة على شفتيه.
" و لا اثبات على انها على قيد الحياة ايضاً. "


هُنا فان اغلق فمه و لم يُبادر بالمزيد فَهو بنفسه غير متأكد مِن ما رأه و ما يظنه. انه كما قالت والدته، عالق بين الماضي و الحاضر رُبما تخيل تلكَ المرأة المجهولة على انها دايانا لكونها تشبهها كثيراً و ربما هو محق، انها لم تَمُت و مازالت في مدينة نيويورك في مكانٍ ما مَخفي عن هذا العالم الكبير.

لهذا قرر أن لا يناقش أكثر و أن يصمت يتمعن بِجمال هذه الليلة برفقة والده لعله يستيقظ غداً في يوم جديد و ينسى كل شيء حتى يكمل حياته كما كانت..........من دونها.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

هنالك مَن يُداعب شعره بِرقة و نعومة و انامل تمسح على وجهه كَقبلة الريش على جلده، ضوء دافئ على عينينه المغمضة و صوت نسمة الهواء كالتنهيدة لأذنيه، الشعور لا يوصف كما لو انه في جنة، رائحة الخريف و الورود في أنفه كالدواء لِلنفس و الروح. تعجب من اختلاط الورود بهواء الخريف لكنه لم يكترث بل اخذ يتأمل يعيش كل ثانية.

حاول أكس أن يحرك جسده لكن ألم فظيع حارق في معدته رد عليه كالصاعقة توقظه من جَنَتِه ليفتح عينيه بِبطء شديد و يغمضهم عدة مرات لأن ضوء الشمس قوي على مقلتيه.

عندما تأقلمت عينيه على الضوء الدافئ تحرك مرة اخرى يُعدِل وضعيته ليَعلم انه مستلقي على اريكة مريحة.

حرك رأسه على يساره على الوسادة ليرى جدار ليس من الحجر بَل زجاجي تغطيه الستائر البيضاء لكن بأمكانه رؤية ضوء النهار من اسفلها.

ابواب الشرفة بِجانب تلفاز كبير مسطح مفتوحة تسمح بالنسمة التي تداعب شعره و جلده تدخل تبرده و تجعل من شعر جسده يقف بِقشعريرة.

اعاد يحرك رأسه من حوله من دون النهوض ليرى انه في غرفة جلوس كبيرة و واسعة بيضاء و أثاثها أسود عصري و فخم جداً. رمش أكثر مِن مرة يُحاول استوعاب و تذكُر اين هو و ماذا حدث بعدما هربوا من الشرطة في مهمتهم الأخيرة.

 انه لا يذكر شيء، كل الذي يذكره هو بعد اصابته بالرصاصة في معدته قبل أن تصيب دايانا وبعد ركوبه بالسيارة و ترك دايانا تقودها اغمية عليه و لم يفق.

حاول أكس النهوض ليَمنعه ألم معدته الحاد حتى يعود و يستلقي مجدداً على الأريكة يلعن تحت انفاسه.


" لقد استيقظت. " قال صوت انثوي قوي و حاد كَحَد ألمه لكنه رقيق كاللمسة الناعمة على القلب.


قبل أن يسأل مَن هي صاحبة الصوت المألوف ظهر وجهها الجميل امام نظره من خلف الأريكة و شعرها الكستنائي كَتلك الستائر حول وجهها، انها تحمل بيدها فنجان كبير لا يعلم ماذا فيه.


" اين انا؟ " هَمس أكس لِلمرأة الجميلة لتذهب من حول الأريكة و تقترب منه تجلس على المنضدة على يساره تحجب نور الشمس.


" انتَ في مكان أمِن لا تقلق......كيف تشعر أكس؟ "


فتح عينيه أكثر لكي يذكر من هي تماماً لأنه من المستحيل أن يخطئ بِمعرفتها حتى لو كانت بين حشد من المئات و هي بينهم.


" دايانا....ماذا حدث؟ " صوته الضعيف اخبرها انه بِحالة افضل لكنه يحتاج المزيد من الراحة.


" هل مازلت تتألم؟ لقد اخرجتُ الرصاصة من معدتك بعدها نظفت جرحك و ضمدته جيداً كي لا يلتهب ولكن خسرت الكثير من الدماء، يجب أن تتعالج عند طبيب مختص. "


نظر أكس الى صدره و معدته لينتبه انه لا يرتدي شيئاً غير بنطال فَضفاض كحلي اللون و حريري يعود لِملابس نوم.

إنَ صدره و معدته مضمدين بِشاشة معقمة.ابعد عينيه عن جسده ليُعيدها لِلتي تراقبه بِصمت.


رفعت دايانا حاجباً تتسائل ليمسح وجهه بِيديه الأثنتين و يُجيب على سؤالها.
" لدي بعض الألم في منطقة الرصاصة لكنني على ما يرام و الشكر لكِ. "

" جيد. "

ابعد يديه عن وجهه ثم نظر اليها تأخذ رشفة من كأسها.

" ماذا؟ " سألته هي.

" هل........هل انتَ من خلع ثيابي و البسني البنطال؟ "


لِثانية طويلة بدت كالساعة لم ترد عليه و لم تتحرك حتى و هو بدا بالشعور بِأحراج يزحف صعوداً لوجهه ليحمر خجلاً، انتبهت هي له لترتفع زاوية من شفتيها للأعلى تُخفي بسمتها بالشرب من الفنجان مجدداً.
" فعلت، لكنني كنـتُ مضطرة، لقد سبق و اخبرتك انكَ خسرت الكثير من الدماء و كانت جميعها على ملابسك لهذا بدلتها لكي لا تتسخ اريكتي و نظفتُ الدماء عليك لهذا لا داعي لِلخجل أكس لأنكَ لا تملك اشياء مختلفة عن غيرك من الرجال. "

تنهد هو يضع ذراعه على عينيه يرفض النظر لها الى أن يهدئ خجله و احراجه لأنها شبه محقة (بِغنا عن الذي قالته في اخر جملتها)، لولاها لكان الأن ميتاً فَهي انقذته كما انقذها لهذا اغلق فمه و لم يبادر بالمزيد.

" اين انا؟ " تسائل هو مرة اخرى يُغير الموضوع لتقف دايانا على ساقيها و تذهب الى المطبخ الأسود الفاخر.

" في شقتي. "

الإجابة نفسها جعلته ينهض بسرعة فائقة و ينظر من فوق الأريكة على دايانا بِعيون متبلحقة التي تعطيه ظهرها، تبدو انها تُقطع شيء ما الأن.

لاحظ ملابسها على الفور، انها ترتدي بنطالاً فَضفاض ايضاً أسود اللون عريض و كنزة بيضاء قصيرة بِلا اكمام، انها غير متأنقة و لا ترتدي بذلتها السوداء كَكُل مرة بل تبدو........مرتاحة مثل كل فتاة في منزلها.
" شقتكِ؟ لما-لماذا انا في شقتك؟ "


استدارت هي بِمكانها ليرى انها تحمل سكينة بيدها و طماطم بالأخرى تسند مؤخرتها على طاولة المطبخ السيراميكية.

" لم استطع اخذك لِمستشفى كي لا تكتشفنا الشرطة و تعلم اين نحن. لم استطع اخذك لِمنظمتي و لا منظمتك لهذا اخذتك الى شقتي لأنها الأامن للأن. "


" أوه. " كان كل الذي قاله هو و جزء منه كبير فضولي منذ اليوم الأول لِمعرفة اين تسكن تلكَ الامرأة الغامضة و كيف هي حياتها لينظر من حوله يتمعن بِشكل الشقة الفاخرة و يعلم انها من الأغنياء فَهذه الشقة على الأقل ثمنها لا يقل عن اثنان مليون دولار أو ربما أكثر.

انها فاخرة جداً و خاطفة للأنفاس لا يمتلك احدٌ شقة كهذه إلا الذين يسبحون في المال.اركة ذراعيه على ظهر الأريكة ليَسند رأسه فوق ذراعيه و يراقب دايانا تعمل، أو بالأحرى يراقب ظهرها المثير و خصلات شعرها المموجة تهتز كالأمواج كُـلما تحركت هي.

لم يكن يوماً ليَتخيل نفسه في شقتها يجلس على اريكتها يراها تعمل بِكل هدوء في صباح منعش و سماء صافية.لم يكن يوماً ليَشعر بِشيء مثل.........بأنه في المنزل غير منزله.

" ايعرفون انني هنا؟ و لِكَم من الوقت بقيتُ فاقداً لِلوعي؟ " كسر أكس الصمت بينهما بِسؤاله.


لم تلتفت اليه لكنها اجابته تُخرج قنينة زيت مِن خزانة فوق المنضدة الطويلة
" لا يعرفون لكنني اخبرتهم اننا في مكان لن يصل الينا احد فيه و هُم لم يسألوا اين و بالنسبة لِسؤالك الثاني....."


هنا استدارت هي تنظر اليه لِلحظات طويلة لِتُعيد تركيزها في تقطيع الخضار لكي تُضيفهم في الوعاء الكبير
" يومين، لقد فقدت وعيك ليومين و لم اكن اظن انكَ سَتستيقظ قريباً لهذا ذهبت و احضرت اكياس دماء و سوائل تغذية من منظمتي لكي ادخلها بِجسدك. انظر الى معصم يدك كانت توجد ابرة المحلول و الدماء موصولة بك. "


انصت اليها هو يرفع معصم يديه الأثنتين ليرى وخزات ابرة كانت موصولة به.
" ذهبتِ الى منظمتك من اجلي؟ "


اخرجت هي ضحكة صامتة ساخرة من حلقها لتُجيبه
" لا تشعر بالسعادة لتلكَ الدرجة أكس، فعلتُ ذلك لأنني ادين لك بِحياتي و لكي لا تموت في شقتي فأنا اخطط لأبقائه نظيفة. "


قَهقَه هو على كلامها المُتكَبِر لكنه و مع ذلك مُمتن لها لأخر يوم في حياته، يبدو أنَ الأمر يتكرر معهم، هي تنقذ حياته لينقذ هو حياتها و العكس ايضاً.
" لكن، ألا تخافين كَشف موقع سكنك لي و لِمنظمتي؟ "


وضعت دايانا جميع الخضار في الوعاء ثم سكبت الزيت فوقهم بعدها الملح و بعض الليمون و اخذت ملعقتين كبيرتين لتقلبهم سوياً.
" هل سوف تُخبر منظمتك عن هذا المكان الأمن الوحيد لديّ فقط لأنهم يريدون معرفة ذلك؟ "


حدق بها لفترة زمنية طويلة ينظر لِذراعيها النحيلة و القوية تُقلِب السلطة تنتظر بِصبر رده. 

زفر هو الهواء من فمه ثم اعاد وضع رأسه فوق ذراعيه

" لا........لن افعل لأنهم لا يملكون الحق بالمعرفة، فَهذا لن يفيدهم بِشيء و انتِ ذكية حتى لو حاولوا معرفة موقع منظمتكِ لن يجرؤ على الدخول لها و انتِ لن تسمحي لهم. "

توقفت دايانا عن تقليب السلطة لكي تنظر اليه بِطرف عينها من فوق كتفها الأيسر كأنها لا تصدق لكنها عادت لعملها تتجاهله.

انها تصدقه، لكنها فقط تَشُك به، مهما كان رجلاً جيداً معها فَهو في الأخر عميل سري تحت حكم منظمته، جزء من عمله كالجزء نفسه في عملها يفكرو بكل شيء على انه مهمة و كشف الأسرار قطعة من شخصيتهم لكنها تركت هذا الموضوع و قررت تصديقه لترى إن ما سَيُنفِذ ما اخبرها به أو يستخدم سكنها و خصوصيتها ضدها في المستقبل.


سكبت القليل من السلطة بوعاء صغير ثم وضعت شوكة بداخلها بعدها اخذت كـأس شفاف تملئه بالمياه الباردة، لِتتوجه هي الى أكس و تضع الوعاء مع الكأس على المنضدة بِجانبه.
" تناول الطعام و اشرب الماء فَجسدك يحتاج هذه الأشياء الأن أكثر من اي شيء ثاني. "


حدق بالسلطة و كأس الماء الذي يبدو شهياً و منعشاً ثم رفع نظره اليها ينتبه انها تُراقبه من جديد كما كانت تفعل باللحظة التي فتح عينيه فيها.
اومئ هو من دون مُعارضة ليَجلس بوضعية يتجنب بها الضغط أو الأنحناء على معدته ثم امسك بالوعاء و بدأ بتناول السلطة التي اعدتها هي.

عندما تأكدت انه يتناول و يشرب المياه لكي يُرطب جسده، توجهت هي تعود لِلمطبخ حتى تنظف و تغسل الأواني. و هو يتناول طعامه اللذيذ و الطازج فَقَعت ذكرة بِدماغه على ما حدث قبل يومين امام عينيه بين دايانا و ذلك الرجل الغريب في موقع البناء. 

ما جرى بينهما و الكلام الذي تبادلاه عجيب كما لو انهما حقاً يعرفان بعضهما لكن لماذا لم يُحاول ذلك الرجل
إيقافها إذا كان يعرفها؟

هل فاتني شيء؟ 
تسائل أكس مع نفسه يَخطف نظرات سريعة على وجه دايانا وهي تغسل الأطباق.


" ماذا جرى لِلوزير بعدما انقذناه؟ و الأسلحة مع الملفات هل اخذوها المافيا؟ " سألها أولاً قبل أن يدخل لِصُلب الموضوع كَبداية فقط.

" لا شيء، عاد الوزير بِسلامة لِلبيت الأبيض و الأسلحة مع الملفات لأماكنهم في منظمتنا. "


رفع هو حواجبه بِدهشة يمضغ خضاره بِبطء.
" هل اعدتم صندوق الأسلحة الثاني........لنا؟ "


" لا لم نفعل........و سميث ليس سعيداً بذلك لكنه لم يحاول اخذه منا. "


هَمهَم هو يتخيل وجه رئيس منظمته سميث عندما وصله خبر أنَ الصندوق لم يعد لهم و لن يأخذوه بأي وقتٍ كان. 

لكنه يعرف أنَ يسميث لن يصمت للأبد لأنه رجلٌ لا يرضى بالفشل.

" دايانا...."

" ماذا؟ "

" من هو ذلك الشرطي الذي ظهر في موقع البناء؟ "


فجأة تجمدت دايانا تُمسك طبقاً بيد و اسفنجة مليئة بالصابون بيد اخرى تحدق بالمياه الجارية من دون رمش أو التحرك ساكنة.


" دايانا؟ " ناداها أكس لكي يُعيدها من شرودها ختى تحدق به هو بدلاً من المياه بِلا تعابير واضحة على ملامحها.


فتح فمه لكي يسأل المزيد لكنها سبقته هي و ردت عليه تكمل غسيل اطباقها بِسرعة أكبر
" هذا ليس من شأنك. "

" إذاً ماذا عن تلكَ الفتاة التي--"

" هذا ايضاً ليس من شأنك أكس، ارجوك تناول طعامك بِصمت. "

صُدِم من ردة فعلها الغاضبة ليعلم أنَ كِـلا الشخصيتين موضوع حساس جداً و إن حفر ليَكتشف لماذا هما سر بالنسبة لها، سوف يقع بِمشكلة معها و هو حالياً لا يريد الوصول لذلك الحد، خصوصيتها لها وحدها و معها حق بعدم الإجابة فَهو ليس مُحققاً أو والدها لكي يتدخل لهذا ختم فمه، ادار وجهه لأمامه و اكمل طعامه.

لاحقاً.......كل شيء سَيتضح لاحقاً.

سمع أكس صوت يشهق و ينشُق من خلفه لِيَضع الوعاء على حضنه ثم التفت قليلاً يرى ظهر دايانا من جديد لكن مُنحنية الظهر تسند يداً على الطاولة امامها اسفل الخزائن و اكتافها ترتجف.


انها تبكي؟
تسائل هو عاقد حواجبه ليَنهض ممسكاً بالوعاء ثم توجه نحوى المطبخ ليَضعها على الطاولة الأخرى يأخذ خطواته بِبطء و حذر اليها.


عندما اصبح قريباً منها شهقاتها اصبحت أكثر وضوحاً ليعلم انها تبكي، تُخفي وجهها بِكتفها و تضع يدها من الخلف على عينيها. لم يكن يعرف انه قد يتأثر يوماً بِبكاء احدهم لأنه هو في الحقيقة سيء بالمواساة و ليس حساساً.

اقترب هو منها أكثر من قبل، يَمُد يده نحوها لكن توقف ثابت عندما سمعها تهمس
" لقد.......لقد كانت امامي. لقد كانت هناك قريبة جداً مني و لم-لم استطع الوصول اليها. "


في البداية لم يفهم هو عن من تتحدث و ما سبب بكائها لكنها اكملت كلامها تشعر بِوجوده خلفها و لا تهتم
" عينيها كانت خائفة.......كانت تُناديني بها و لم اقدر، لم اقدر على اخذها اليّ لم استطع اخذها منهم اليّ. لقد كانت قريبة، قريبة جداً و انا خذلتُها و لم استطع انقاذها....."


" دايانا...."


بُكائها اصبح اقوى، صوتها اعلى، حركت يدها أكثر لِتُغطي عينيها و فمها بِذراعها تبدو كالطفلة المكسورة لأجزاء و خائفة، منظرها كافيٍ ليَجعل من قلبه هو يتألم كأن سكاكين تغرز فيه لِكونها بهذه الحالة، ضعيفة، صغيرة و متألمة ليس شيء يراه كل يوم، بل نادر جداً و لا يُريد رؤيته مجدداً فَهذه المرأة امام العالم، قوية، عظيمة لا يقدر احد الأقتراب منها أو ايقافها لكن الأن، هي العكس تماماً، هي شخص اخر بالكامل و يكره ذلك.

لم يعد يكترث و القى بِخوفه جانباً ليلف يديه حول خصرها و يعانقها من الخلف يضع ذقنه على كتفها الناعم يشعر بهزات اكتافها بروحه و كُل دمعة تنزلق على وجنتها و الى يديه.


" انا اسف دايانا......انا حقاً اسف على كل شيء. " همس هو لها يُغمض عينيه و يدعها تبكي بِحرقة.


" ابكي......فلا بأس بالبكاء. "


ابعدته هي عنها بلطف ظنناً انها لا تريد المواساة و الراحة منه، لتفاجئه هي تستدير اليه مازالت تخفي وجهها بِيديها قبل أن تُلسق جسدها بِجسده تَغمر وجهها بِصدره و تبكي أكثر.

ليتنهد هو مغمضاً عينيه يلف ذراعيه مرة اخرى حولها، يسند رأسه فوق رأسها يتمنى لو بأمكانه ملئها بالدفئ الأبدي.

قد حاولاً مرات عديدة أن لا يتقرب منها و يدعها و شأنها لكي لا تصبح جزءاً من حياته و يتعلق بها لكن هذه اللحظة مختلفة هذه اللحظة ادخلت خُططاً جديدة في حياته خُططاً لم يرسمها منذُ سنين لم يعد يذكرها.

لديه تلكَ الشخصية بداخله التي تريد حمايتها و تريد اسعادها، التي تريد ازعاجها و رؤية عينيها الباردة ترمقه كُـلما تحدث معها و حاول إغاظتها.


" لا بأس دايانا......لا بأس، انا هنا، هنا معكِ. " قال هو يمسح على شعرها الكثيف و الطويل و هي ظلت تبكي و تبكي و تبكي الى أن نشفت دموعها و لم يبقى شيء في قلبها لتبكي عليه.


~ ~


حدق أكس بِعمق على اللوحة المُعلقة على إحدى جدران شقة دايانا مشابك ذراعيه امام صدره. إنَ اللوحة مرسومة بالألوان الزيتية بِطريقة بسيطة و معقدة بنفس الوقت، توجد فتاة في منتصف البحر تُعطي ظهرها له، عارية و تحدق بالأفق البعيد كما لو انها تنتظر شيء أو احداً ما.

هذه اللوحة التي اعجبته بالذات أكثر من باقي اللوحات في شقة دايانا. 

لقد اختفت هي بعد بكاء طويل عائدة الى غرفتها لتتركه وحده في غرفة المعيشة يمشي في الأرجاء. اراد أن يعثر على صور لها أو لأحدٍ اخر لا يهم من هو ليَعثر على لوحات معلقة فقط و لا غيرها.


" الحمام جاهز، يمكنكَ اخذ دوشاً دافئ إن اردت. " اعاده صوتها من شُرده في اللوحة ليلتفت لِلوراء و يراها تقف و على ملامحها الثلجية لا وجود لذلك الحزن أو الغضب و إنما حجري و عيونها ناعسة على ذراعها تُعلق منشفة سوداء و بالأخرى بِنطالاً شبيه لِلذي يرتديه لكنه أسود ايضاً.


يبدو انها تعشق الأسود.... قال أكس في ذهنه.


" هل رائحتي كريهة لِتلكَ الدرجة؟ " سأل هو بِمزاح لِترمش عليه من دون رد لبعض الوقت.

" لا، لكن الدماء على جسدك مازال موجوداً و جاف. "

اومئ هو بِتفهم ينظر من حوله ثم يُعيد نظره اليها.
" لديكِ لوحات جميلة، هل تُحبين الفن؟ "

مرة اخرى، لم ترد عليه على الفور بل اخذت وقتها
" نعم، و ماذا عنك؟ "

هَمهَم هو قليلاً ليأخذ خطوة نحوها و يتقف يُحرك رأسه لِجانبه لكي ينظر لِلوحة نفسها
" في الحقيقة انا احب الرسم. لهذا اعجبتني لوحاتك كثيراً. "

رفعت حواجبها دايانا بِتفاجئ تحرك عينيها على الوحة خلفه ترى ما جذب انتباهه
" حقاً؟ انتَ فنان؟ "

هزة رأسها مرتين لتهتز خصلات شعره على جبينه ثم اجابها
" كنتُ اريد أن ادرس الفن و خاصةً الرسم بأشكاله إلا أنَ الحظ لم يحالفني بِسبب عملي، لكنني ارسم عندما اكون وحيداً أو عندما املك الوقت الكافي. "


" لماذا اخترت أن تصبح عميلاً إذا كان حلمك أن تصبح فناناً؟ "

أبتسم هو على الفكرة و كُـلمة حُلم ليَطرق بِلسانه على اسنانه و يرد بِصراحة
" والدي كان عميلاً مثلي قبل موته و انا اردتُ أن اصبح مثله لأنه كان قدوة لي لهذا لحقت حلمي الأول قبل الثاني. "


" والدك متوفي؟ " سألته هي بِتعجب ليومئ لها يُخفي بسمته الحزينة عن وجهه.


" لقد مات عندما كنتُ في الثامنة عشر من عمري بِسبب حادث و والدتي لا اعرف عنها شيء. لقد تركتنا بعد أن عرفت بِسر ابي عندما كنتُ في التاسعة، ليُربيني هو وحده. "

" الم تحاول العثور عليها؟ "


عض هو على شفته بِمجرد التفكير بها و بأنانيتها مع أن والده و هو احبوها كثيراً إلا انها كانت جبانة تفكر بنفسها فقط.
" لا.......و لن افعل في اية يوم، هي لا تستحق رؤية ابنها و انا لا اريدها في حياتي. "


حدقت دايانا به قليلاً لا يمكنه معرفة بِماذا تُفكر هي ثم حركت يديها تخبره أن يأخذ الأغراض منها. انصت اليها و تقدم يأخذ منها المنشفة و البنطال.


" ما هو اسمك الحقيقي؟ " سؤالها اوقفه بِمطرحه لكونه لم يكن مستعداً له.


عادت البسمة العريضة على شفتيه ليَضع المنشفة اسفل ابطه ثم يده على خصره يُضَيّق عينيه عليها.
" همممم محاولة جيدة دي، لكنني لن اخبرك. "

" لماذا تخفيه عني؟ من ماذا انتَ خائف؟ "

" لستُ خائفاً لكنني احب استفزازك و لا تقلقي سأخبركِ عنه يوماً ما........فقط اصبري. "


شقلبت هي مقلتيها لِتُشير بيدها اليمنى على الدرج الزجاجي الذي يقود للطابق الثاني بعدها قالت
" الحمام في الطابق الثاني على جهة اليسار، تركت الباب مفتوح حتى تعلم اين هو. خُذ وقتك و افعل ما تشاء. "


و بذلك استدارت هي و دخلت غرفتها من دون أن تترك فرصة له لكي يشكُرها مع أنَ شكرها اقل ما بأمكانه فعله لها و لِكَرمها و استقبالها الرائع ليذكر انها لا تحب أن يشكرها احد. 

 لا يزال السبب مجهول لهذا هَز اكتافه و توجه يصعد على الدرج و الى الحمام دخل ليستحم.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

" و كيف حاله هو؟ " تمارة سألت عبر الهاتف.

اخذت دايانا نفساً عميقاً تدخل الأوكسجين المنعش و هي تقف في شرفتها مغلقة العينين تدع من قُبُلات نور الشمس على بِشرتها تدفئها.

انها تتكئ على حافة الشرفة الحديدة تتحدث مع تمارة منذ أن دخل أكس لِلحمام ليستحم. كانت تخبرها عن الوضع و كل ما حدث معها لتترك الجزء الذي بكت فيه بين ذراعيه لنفسها فَهي لا تصدق ما جرى و كيف دخلت بِتلكَ الحالة المثيرة لِلشفقة امامه لكن ما ادخلها بِوضعية التعجب انه لم يسألها المزيد من الأسئلة، لم يضغط عليها و لم ينظر اليها كما لو انها سخيفة و بائسة بل لم ينظر اليها ابداً لكي لا تشعر بالأحراج منه و تصبح الأجواء بينهما ثقيلة.

" انه يتحسن و حالياً يأخذ حماماً. " اجابتها دايانا تضغط على جسر أنفها لكون صداع خفيف بدأ بالنمو في جانب رأسها و سببه ذلك البكاء اللعين.


" هل تثقين به جداً لتتركيه يأخذ حماماً في شقتكِ دي؟ انا حقاً لا افهمكِ. "

" لا اثق به لكن لا خيار لدي. "


سمِعتها تضحك من الخط الأخر ساخرة على كلامها لتقول تمارة مازالت تضحك
" لا خيار لديكِ؟ أوه دي أوه يا طفلتي العزيزة، لو لم يكن لديكِ خياراً اعلم أنَه بأمكانك خلق قائمة خيارات لِلعُذر ذاك.......لهذا ارمي ما قلتيه لي الأن في القمامة. "


شقلبت دايانا مقلتيها تتمنى لو انها امامها لكانت لكمتها على فمها تقلع اسنانه و بعدها ترى ما ستقول، لكنها اخفضت من غليانها و اخبرتها بِنبرة هادئة غير مُبالية
" لا تقلقي انه تحت مراقبتي و الم تقولي لي ذلك اليوم انه يبدو رجلاً لطيف، هل غيرتِ رأيكِ؟ "


لم تُجبها تمارة و عَمَ الصمت، ظنت دايانا انها اغلقت بوجهها لولا انها عادت لتُخبرها
" صحيح، لكنه ايضاً مُثير و انتِ تعلمين أنَ الرجال المثيرين و الغامضين خطراً كبير يجب ابعادهم على الفور. "

" بدأتُ امَل مِن هذا النقاش تي...." قالت دايانا تتنهد لم تعد تستمتع بالهواء النقي و مزاجها تقلب بِسبب الشقراء.


" حسناً، حسناً، اعتذر على ازعاجك ايتها الأميرة......المهم، اردتُ اخبارك أنَ الوضع في المنظمة على ما يرام و تحت السيطرة لكن دانييل قلق يريد رؤيتكِ قريباً و قال إن لم تأتي غداً الى مكتبه، سيأتي هو بنفسه لِشقتك. "


وقفت دايانا مستقيمة على ما سمعته لتبلع ريقها تنظر خلفها كأنها سترى أكس يقف هناك ثم امسكت بالهاتف بيديها الأثنتين لتخبر الأخرى بِصوت هامس
" لا، اخبريه انني سأراه غداً صباحاً. "

" عُلِم.....هل من مطالب اخرى؟ "


قبل أن تجيبها، سمعت صوت باب ينغلق من الداخل لِتَستدير لأبواب الشرفة و تقول لِصديقتها
" لا، يجب أن اغلق الخط لِنتحدث لاحقاً. "


اغلقت الخط قبل رد تمارة عليها ثم وضعت الهاتف الخلوي في جيبها الخلفي بعدها دخلت غرفة المعيشة تغلق ابواب الشرفة بِهدوء.

رأت أكس ينزل من على الدرج يُنَشِف شعره بِمنشفته، يرتدي البنطال الذي اعطته إياه لكنه عاري الصدر، المياه تنزلق من رقبته، صدره و الى ما اسفل لِتحدق هي بِعضلات بطنه البارزة تبلع ريقها مرة اخرى ثم ترفع نظرها على صدره مجدداً تُلاحظ وجود وشم يبدأ من صدره الأيمن و كتفه يصل عند عضلة ذراعه.

انها ليست مِن معجبي الوشوم على الجسد و لم تفهم معناه لكن شيء ما بهذا الوشم جعل من مظهر أكس أكثر رجولية و مُثير كما وصفته تمارة قبل لحظات و قطرات المياه على معدته لم تُخَفِف من الحرارة التي ارتفعت بِجسدها هي ابداً.

نزل أكس اخر درجات ليرفع رأسه و يُقابل عينيها، ينتبه انها تحدق به. رُسِمَت بسمة صغيرة على شفتيه ليكمل طريقه نحوها و هي تبعد نظرها عنه لكي تركز على التلفاز امامها مع أنَ شاشته سوداء و لا يوجد ما تُشاهده.


" مع مَن كنتِ تتحدثين؟ " سألها هو يقف بِمكانه لكن قريب كفاية لِتشتم رائحة غسول الجسد عليه.

" مع صديقتي. " اجابته بِبساطة ترفض النظر له لأنها تعرف انه يدري بِنظراته عندما ظَهر.

" فهمت........امممم هل لكِ مساعدتي بِشيء مهم؟ "

حركت رأسها بأتجاهه ترفع حواجبها ليُجب على سؤاله بِنفسه مُشيراً لِمعدته مكان وجود إصابته
" لم اقدر على لَف جرحي كما فعلتِ. هل لكِ أن تلفيه بالشاش؟ "


اومأت هي توافق لِتَسدير من دون لفظ كلمة و تذهب الى غرفتها حتى تحضر المَرهم و الشاش المُعقم تشعر بِعينيه كالليزر عليها و لكن تجاهلته تغلق الباب خلفها تتجه لِخزانتها حتى تأخذ صندوق الأسعافات الأولية و تعود.

بِنظرة خاطفة و سريعة في مرآتها الطويلة بِجانب التسريحة لاحظت أنَ أذنيها حمراء جداً لتمسك أذنها بأصابعها محاولتاً تخفيف الأحمرار ثم اكملت طريقها خارج الغرفة اليه ترى انه ينتظرها متكئ على الأريكة.


" الحقني. " اخبرته و هي تلف حول الأريكة لتَجلس عليها تضع الصندوق على المنضدة تربت على جانبها لكي يجلس هو.


اومئ أكس ثم ذهب و جلس يُعيطها انتباهه الكامل لترى أنَ الماء على جسده لم يعد موجوداً. تنهدت بِصوت منخفض بأرتياح. فتحت الصندوق و اخرجت المرهم تَعصِر القليل على اصبعها السبابة بعدها انحنت بِظهرها لِتصل عينيها على مستوى معدته ثم تدهن المنطقة بِرقة خوفاً من أن يتألم.

احست بِجسده يرتعش على لمستها لكنها تجاهلت ذلك و اكملت عملها بأخذ الشاش المعقم و لفه حول خصره و جزء من صدره الذي لا يوجد عليه الوشم.

" لم اكن اعلم أنَ لديكَ وشم......هل له معنى؟ " سألت هي لا تُحِب الصمت بينهما و لكي تُشَتِت نفسها من كونها قريبة منه تصل اليها حرارة جسده.

" لا ليس له معنى، لكن له قصة. "

رفعت هي رأسه قليلاً تراه يحدق بها من الأعلى في عينيه شيء ما لم تستطع وضع اصبعها عليه لتعرفه لكنها اعاد انحناء رأسها تكمل العمل تنتظر بِصبر لكي يخبرها بالقصة.
" لقد حصلت على هذا الوشم منذُ سنتين تقريباً عندما كنتُ ثمِلاً احتفل مع اصدقائي. و لكوننا ثملين جداً قررنا أن نحصل على وشوم يختارها كل صديق للأخر لهذا احد اصدقائي اختار هذا الوشم من اجلي و عندما سألته عن السبب، قال انه ذا معنى جميل لكنه لم يُكمل الشرح لأنه وقع على الأرض فاقِداً لوعه لأنه ليسَ مِن مَن يتحملون الكحول مطولاً. "


قَهقَه أكس وهو يتذكر كل ثانية من ذلك اليوم لتبتسم دايانا مع نفسها تتخيل ما جرى لهم و على أن أكس ثمل يستمتع بوقته و حياته كما لو انه لا غد.

انتهت هي من تضميد إصابته ثم اعادت الأغراض لِلصندوق لكن لم تنهض أو تتحرك.
" يبدو انكَ شخص تُحِب الأحتفالات هاه؟ "

" ليس صحيح لكنني لا احب أن اجعل مِن مَن دعاني حزين و هُم اصدقاء قريبين مني، اسعد عندما اكون معهم. "


حركت رأسها نحوه فجأة تشعر به قريباً جداً منها و رائحة الشامبو من الليمون و التفاح الأخضر اقوى تعلق في مجرى تنفسها.

" جيد....." همست هي بِقلب نبضاته في معدتها.

هو نظر بِعينيها تلمع تحت الإضاءة توضح لونهم الساحر الذي يجذبه كالمغناطيس ثم هبط نظره لِشفتيها الوردية ممتلئة و ناعمة. لم يَعلم من اين اتَت الشجاعة و الجرئة ليقترب منها مرة اخرى يختبرها إن ما سَتصفعه أو تدفعه لكنها لم تتحرك تَظل تحدق به ساكنة ليقترب أكثر ينتظر ردة فعل شرسة ضده لكن و من جديد، لم تتحرك كأنها تِمثال.


رفع يده امام وجهها ينتبه على شامة (خُلد) صغيرة فوق عينها اليمنى و اسفل حاجبها ليَلمسها بِرقة و لطافة أول مرة يرى شامتها.
" لديكِ شامة جميلة اسفل حاجبك......لماذا تُخفيها بِمستحضرات التجميل؟ "

تركته يلمس الشامة لتُضيع هي بعينيه البراقة
" لا احبها. "

توقف عن لمس الشامة تتجمد يده على حاجبها ليتسائل بِفضول
" لماذا تكرهيها، انها جذابة تليق بكِ. "

لم تجبه و تركت سؤاله يحلق بالهواء بعيداً حتى ينساه. السبب تعرفه جيداً لكنها لا تحب مشاركته مع غيرها. كانت هذه الشامة أكثر ما تحبه بِنفسها لأنها كانت المفضلة لإيميلي و دايانا كانت تحب الشامة على رقبت اختها و عندما اختفت من حياتها و كُـلما كانت تنظر الى شامتها تتذكرها لتعود لعالم الألم و التعاسة لهذا تُخفيها و لا تنظر اليها في المرآة.


عاد أكس يقترب منها ليُصبح بين وجهه و وجهها فراغ صغير جداً يسمع أنفاسها السريعة و قلبها كَنغمة سحرية لأذنيه. رأى أكس اللحظة التي لعقت هي شفتيها ترطبهم ليأخذ الإشارة الخضراء و يضع شفتيه على شفتيها و تنفجر مالفرقعات بينهما.
شفتيه تحركت مع شفتيها بِتناغم، يُقبلتها بِشغف مُمسِكاً بوجهها بين يديه الكبيرة يُعَمِق من قُبلته يتذوق شفتيها كالفراولة لتِعض هي شفته السفلية بالمقابل.


هي ليست احدٌ يذوب بِسهولة عندما تُقَبِل رجل، لأن شفتيها تلامست مع شفتاه رجال كثير بالكاد تذكرهم اما الأن مع أكس فَهي مختلفة، انه رقيق يعرف كيف يُقبل كما لو انه محترف، في كل مرة يلعق شفتها يرسل شرارات نار بداخلها تجعلها تنقض عليه بِخاصتها لا تشبع منه كأنه حلوة نادرة و صعبة الطبخ.


امسك أكس بِوركها يتقدم لِجسدها لكي تستند على ظهر الأريكة و يأخذ شفتها السفلية بين اسنانه و هي امسكت بِشعره من الخلف تقربه منها أكثر.ل
ا تعلم ماذا تفعله و لماذا تفعل هذا، لكنها تريد التَشتيت، تريد أن تنسى و تضيع بأي شيء يُبعد تفكيرها عن ما يؤلمها من الداخل و أكس......يُعطيها هذه الفرصة، هنا و الأن.

فجأة ظهرت صورة وجه فان في عقل دايانا تصعقها كالبرق لتمسك بأكتاف اكس و تدفعه بِبطء و لُطف عنها ترى تعابير وجهه حائرة. قبل لحظة كانوا كالثلوج يذوبون بِقُبلات بعضهم و بِلحظة اخرى وجهها مشتعل تُخَمِن انه من لون الدماء.

كما لو أنَ ما تفكر فيه مرسوم على ملامحها ابتعد عنها لا تَكُف عينيه بالبحث عن ما تُخفيه بِخاصتها تتفادى مقابلت خاصته الأن و تنظر الى اية مكان ترمش مرات و مرات عديدة بِسرعة كبيرة.


" يجب......يجب عَليّ الذهاب. " تَمتَمت هي قبل أن تنهض و تتوجه الى باب غرفتها لكنها توقفت بِسرعة لتستدير اليه تُشير بعينيها على باب من الجهة الأخرى خلف الدرج الزجاجي الكبير ثم اخبرته
" تلكَ الغرفة هناك من اجلك، استخدمها كما يحلو لك و تصبح على خير. "

اومئ أكس لها لتكمل طريقها الى غرفتها و تختفي تتركه يجلس كالأحمق يُحدق بالباب.وقفت دايانا تستند على بابها لِتُمَرِر اناملها بين خصلات شعرها تتنهد بأستياء تلعن نفسها الف مرة على فعلتها به. شعرت بِذنب عظيم على رفضه و التفكير بِرجل اخر في لحظة كَتلك.

 هي لا تفهم ما سبب ظهور فان في عقلها المفاجئ، عادتاً عندما تكون مع رجل في السرير لا تفكر بأي احد غير نفسها لهذا هي تقف مَصعوقة تُكَوِر يديها على شكل قبضات و تعض على شفتها تريد الصراخ و تكسير ما يوجد امامها.

لكنها امسكت نفسها و هدئت من روعها تعلم انه مازال في الخارج لهذا زفرت كمية كبيرة من الهواء تفرغ رئتيها لِتملئها بأوكسجبن جديد صافي ثم انحنت ترى انه لا جدوى لِتعصر جُمجُمتها بين يديها تغمض عينيها تحاول نسيان وجه أكس الحزين و خيبة الأمل على ملامحه الوسيمة.

بأستسلام و ارهاق ابتعدت عن الباب ثم القت بنفسها على بطنها فوق السرير تَسحب وسادة لِتضع رأسها عليها و ترتاح لكن على مَن تُكذب، مازال الوقت باكر لِلنوم و دماغها مشوش توجد مليون فكرة تَحوم و تطفوا سوف تمنعها من اغلاق عينيها لِفترة طويلة اصلاً.


" سُحقاً لكِ دايانا. " هَمست تغمر وجهها بالوسادة تتمنى لو تختفي للأبد و لا تعود.

~ ~

غادرت دايانا حمامها و حول جسدها منشفة و على شعرها واحدة لتتوجه الى خزانتها و تبدأ بأختيار ملابسها لكي تذهب الى المنظمة و تقابل دانييل.

 لقد وصلتها رسالة منه في الصباح الباكر يُخبرها انه ينتظرها على الفطور و هي بالطبع وافقت و ها هي تستعد لِلذهاب.

ماحدث البارحة معها و أكس شيء لم يدعها تنام جيداً في الأمس، في كل مرة تغفو في ايادي النوم العميق تستيقظ بِهلع على صورة أكس في ذاكرتها.

لم تخرج لِغرفة المعيشة منذُ أن دخلت غرفتها لِتترك أكس وحده لأفكاره ليس لأنها لا تريد بل لأنها لا تقدر على مواجهته و ارادت الكثير من الوقت لنفسها حتى تُعيد شتات عقلها و شخصيتها التي لا تهزها ريح.

بالأخر سوف تواجهه اليوم قبل غيره و الأن هي مستعدة لذلك جزء منها صغير متوتر للأمر و الثاني لا يكترث.

اعني انها مجرد قبلة......... حميمة، لكن ما المشكلة
  بذلك؟
فأنا قبلت رجالاً افضل لماذا اتوتر؟
 تسائلت هي تُنَشِف شعرها بالمنشفة ثم جلست على تسريحتها لكي تضع مستحضرات التجميل قبل ارتداء ملابسها.

قررت اليوم أن تكون بزي يومي أو إن اصح التعبير عادي لكنه أنيق كالعادة، بنطال أخضر داكن فَضفاض و مريح جداً فوقه كنزة سوداء قصيرة تُظهر معدتها المسطحة وفوقها جاكيت قماش أسود مع حقيبة بيضاء و حذاء مناسب. رفعت شعرها على شكل كعكة لأنها لا تريد تَصفيفه فَهي تشعر بالكسل المفاجئ ثم اخذت نظاراتها و غادرت غرفتها.

كما توقعت عثرت على أكس مرتدي ملابسه التي تركتها له في غرفته قبل كل الذي حدث بينهما في الأمس، يجلس على مقعد في المطبخ و يَشرب كأس ماء. 

يبدو شارداً في افكاره لهذا لم ينتبه لوجودها تحدق على جانب وجهه المثالي، فَلديه فَك حاد، أنف مستقيم صغير و رموش طويلة و كثيفة تحسده عليها.


هزت رأسها تُعيد لعابه الذي يَسيل لِفمها لتأخذ خطواتها نحوه لكن تُبقي مسافة كبيرة بينهما.
" احم احم.......أكس؟ "

لم يجبها أو يتحرك ساكناً بل ابقى انتباهه على كأسه، عينيه لا ترمش.
" احم! أكس! "

على نبرتها المرتفعة حرك هو رأسه لِجنبه ليراها تقف واضعة يداً على خصرها و الأخرى تحمل حقيبتها.
" دايانا! اسف لم اسمعكِ. "

هَمَهمت هي تنظر لأي شيء غير عينيه الفارغة لتخبره تُصَفي حلقها
" انا.......اعني كيف تشعر؟ هل جرحك مازال يؤلمك؟ "

هزة رأسه مرة ليَهتز شعره الأجعد كالمعكرونة قبل أن يُجيبها يبتسم أبتسامة لا تصل لِلعينين
" على ما يرام و الشكر لكِ. "


عَمَ الصمت بينهما لا يجرؤ احدهم على فعل شيء أو التفوه بِكـلمة لِيَكسر هو الصمت أولاً و يسألها ينهض من على المقعد يضع يديه بِجيوب بنطاله الخلفية يبدو مرتخياً بِعكسها هي يوجد ما يَعصِر روحها على رؤيته
" إذاً........هل سَتغادرين؟ "

" لدي عمل مهم. "

" أوه فهمت. "

صمت اخر مُحرِج تكرهه جداً فَهي ليست من النوع الذي يسكُت أو يشعر بالأحراج و التوتر امام رجل إن كان أو امرأة.

" انا سأغادر لقد اردتُ اخباركِ قبل ساعتين لكنكِ لم تخرجي من غرفتك و خفتُ أن اوقظك و ازعجك لهذا انتظرت. " قال أكس.


اومأت بِتفهم لِتُشير لِلباب و تتجه اليه حتى يخرج كِلاهُما لكنه لم يلحقها بل اخذ طريقه نحوى الشرفة يفتح ابوابها يجعلها تدخل بِدهشة لا تستوعب ما يجري.


" ما الذي تظُن نفسك فاعلاً؟ الباب من هنا. " اخبرته هي تلحق به لِلشرفة.

استدار اليها و على شفتيه بسمة عريضة تسبح بالتسلية تجعلها تتنهد بِأطمأنان على الأقل هو ليسَ غاضب منها أو يكرهها لِرفضها له في الليلة الماضية.

" لن استعمل الباب لا اريد مِن احد رؤيتكِ تُغادرين شقتك برفقتي و انا لا اريد وجهي على كاميرات المراقبة. "


خيبة امل رسمت على ملامحها لكن قبل أن ينتبه لها تغيرت لِتعود لِلثلجية مستحيل معرفة ما يجول في بالها.
" هل تمزح؟ سوف تقفز من على الشرفة؟ كيف هذا حلاً ايها العبقري؟ "


ضحك أكس صوته عذب يُرسل قشعريرة لِجسدها بأكمله ليتوقف هو يُجيبها يأخذ مسدساً معلقاً على خصره لم تنتبه له لِيُحركه بالهواء
" لن اقفز، فأنا لستُ انتحارياً بَل سأصعد لِلسطح أولاً بعدها اجد طريقاً اخراً لِلعودة الى منظمتي، فأنا مـتأكد انهم ينتظروني. "

" هل هكذا تُغادر منزل امرأة بعد قضاء ليلة عندها؟ " السؤال لم يكن بِمعنى منحرف أو مُهين لكن ملامح وجهه فهمت الطريقة التي لم تكن تريده أن يفهمها و مع ذلك هو لم يرد أو يُريها انه مُستاء مِن كلامها و إنما أبتسم بِجاذبية ثم رفع مسدسه للأعلى فوق رأسه ليُطلق حبلاً و يتعلق بِحافة السطح الحديدية لكنه لم يتحرك بَل اعاد نظره اليها يحدق بها لثانية بطيئة ليرُد و اخيراً بِإغاظة
" احب أن اكون فريد عن غيري، انا عميل ألا يسمح لي بالتفاخُر؟ "


" يا لكَ مِن متفاخر. " تَمتَمت هي ليَضحك أكس مرة اخرى و يمسك بالحبل مستعد لِلصعود.

صعد أكس على حافة شرفتها يجعل من قلبها يخفق خوفاً على منظره و نسيم الهواء قوي بعض الشيء، تخاف أن يقع لِحتفه امام عينيها. احنى رأسه هو للأسفل لكي ينظر اليها و أبتسامته تَخِف تصبح أصغر و هي اعادت النظر مثله يبدو انه يريد اخبارها بِشيء ما لكنه مُتردد.

" هل مِن خطب؟ " سألته هي معقدة حواجبها.

هزة رأسه مجيباً بِـ "لا" لكن لم يختفي أو يتحرك من فوق حافة الشرفة التي يقف هو عليها.
" اعلم انكِ تكرهين الشُكر و امتنان الأخرين، لكني حقاً مُمتن لكل شيء فعلتيه لي، لِهذا ارجوكِ اقبلي شُكري. "


عضت على شفتها بِقوة و شابكت ذراعيها لكنها استسلمت و اومأت تخبره بالذي يريد سماعه
" شُكرك مقبول و انت على الرحب و السعة. "


كَبُرت بسمته تُظهر اسنانه الؤلؤية لِيُبعد عينيه عنها و ينظر للأعلى يضغط على زر اخر حتى يبدأ بالصعود و الأختفاء على السطح. تنهدت هي لا تعلم ماذا كان عليها فعله قبل ذهابه، فَهو مَن انقذ حياتها و تلقى رصاصة بدلاً عنها، لكن لماذا؟ 

لماذا ينقذها في كل مرة هي في خطر؟

هو لا يدين لها بأي شيء و هي ايضاً، لكن تصرفاته معها تَرميها بِبحر حيرة و رِماله الأسئلة. في كل مرة تعتقد انها تلقت الإجابة على سؤال تغرق بِسؤال اخر أكثر عُمقاً صعب النجاة منه.

انه ليس غامضاً فَحسب، بل غريب الأطوار لا تفهم كيف يعمل عقله و ما يدور في خاطره كُـلما كانَ معها. فجأة و كالفقاعة انفجرت ذكرة البارحة عن القبلة بينهما. هو من بادر أولاً بها و كانت ذا تأثير كأنها ثملة تريد المزيد منه و هو كان يُقبلها كما لو انه لم يُقبل امرأة في حياته مِما جعلها حائرة أكثر من الموضوع.

صفعت رأسها بِراحة يدها تلعن نفسها ثم دخلت لِغرفة المعيشة تُغلق الشرفة لِتتردد اصابعها على قفل الشرفة. تنهدت هي تترك ابواب الشرفة غير مقفلة، لا تعلم لماذا لكنها تركتها ثم اغلقت الستائر و توجهة نحوى باب الشقة حتى تُغادر و تذهب الى عملها فَهي تأخرت على مَن ينتظرها و تعلم انه سوف يكون خائِب الظن بها.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرحباً احبائي منكم الجديد و منكم القديم و الرائع 🌷❤

حسناً بما ان هذا البارت طويل بعض الشيء، اخبروني عن رأيكم في الشخصيات الجديدة و خاصةً فان هيهيهي 🙈

انا استمتع كثيراً في كتابة احداث هذه الرواية مع انها بسيطة للأن إلا انني احبها جداً و ليس لدي شخصية مفضلة.

و ما رأيكم بِأكس و دايانا؟......ما حدث بينهم اليوم مفاجئ؟ او توقعتموه بسرعة؟ 😅🦋

> لا تنسوا التصويت لأنه مهم جداً و يدعم الرواية بشكل كبير!!!!!

و اكتبوا ما تشائون في خانة التعليقات لأنني سأرد على جميعها!! < 💫💖

و اخيراً تابعوا صفحتي حتى يصلكم كل جديد و الأشعارات فور نشري لبارت جديد! 💌

Continue Reading

You'll Also Like

30.4K 2K 30
" هل أنتِ مستعدة ؟ " " لماذا ؟ " " لعالم لن يكون فيه إلا أنا و أنتِ " " و إن لم أكن ؟ " " لا يوجد وقت كافٍ ،، إما أنا و إما الموت وحيدةً على طريق لا...
353K 23.3K 39
( منتهية ) كُل أحلامها تجلَّت في عائلة سعيدة , لكن كُلُّ ما عثرت عليه بين جدران ذلك القصر كان الشَّقاء و الضياع لسبب جهلته و لم تكن تملك الرَّغبة لمع...
55.3K 4.5K 24
الجزء الثاني من سلسلة ما وراء الأكاذيب. ........ الى الأكاذيب نعود مجددا.. ظنت انها كانت النهاية.. لتدرك انما كانت البداية.. البداية لما هو ابشع.. لق...
183K 10.5K 37
(مكتملة) لم تكمل كالا فليتشر الثانية من عمرها عندما أخذتها والدتها وهربت من الحياة البرية في ألاسكا ، غير قادرة على التعامل مع عزلة نمط الحياة الريفي...