غابة إيلين

By dee--dee

42.9K 3K 1.4K

حدثتني جدتي يومًا ما، أن كل تلك الغابات المهجورة، و الجبال ذات القمم الخضراء أو القبعات الثلجية ، و الأماكن... More

مقدمة
1- رذاذ مضيء
2- السيد توماس
3- قطار الصحراء السريع
4- كوارتز، العاصمة
5- الغابة الحقيقية
6- الغول
7- جومين و نامين
8- أقزام المدينة
9- السيدة الزرقاء
10- زنبقة سوداء
11- إيليـن
12- جنيات صغيرات
13- السهم الفضي
14- ساحر صغير
16- أحلام و أماني
17- التبر في الأفق
18- فوستر
سنراقب النجوم معا

15- جندي مجهول

1.1K 126 42
By dee--dee

أولئك الأبطال المجهولون الذين يضحون بكل شيء،
بأرواحهم، دمائهم و سعادتهم و يبذلون نفوسهم سخية في سبيل الدفاع عن الأوطان و الذود عن كل ما هو جميل،
قلة من تعرفهم، تقدرهم و تعطيهم حقهم،
عند نهاية المعارك و الحروب، يعود السكان و الحكام بأمان و سعادة لحيواتهم الطبيعية، بينما الجنود الأشاوس يكونون في السماء، أو مصابين بجروح جسدية و نفسية لا تلتئم بسهولة.

كان ذلك الجندي أحد الذين عانوا الكثير،
و لم ينالوا غير النسيان و الآلام.

كان الصغار الثلاثة يتبعون آريون و ديو بصمت و ترقب،
بعد أن توسلت سارة لآريون لمرافقتهم و رؤية الشخص الذي أنقذ ديو،
في قرية صغيرة في مدينة ناتاريس، المقاطعة الغربية.

التفت آريون للصغار الثلاثة ليضيف:
" إنه يعمل في مدرسة قريبة من هنا، سنذهب له بعد نهاية الدوام أنا و ديو،
أنتم يمكنكم التجول في المكان خلال ذلك الوقت قرب المدرسة، لكن لا تبتعدوا لنعود للغابة بسرعة، حسنا؟"

أومأ الصغار ليذهبوا و يجلسوا تحت إحدى الأشجار بينما سحب آريون ديو ليضيف:
" انظر إلى نفسك، تبدو كالمتسول!
ما هذا المعطف الرديء!"

زم ديو شفتيه ليرمق آريون ببرود ليضيف بينما يسحب منه المعطف الكبير:
" هيا، أعطني هذا المعطف، قميصك الأحمر جيد"

نزع ديو المعطف الكبير ليرميه على وجه آريون،
أبعد آريون المعطف عن وجهه ليدخله في حقيبته و يرمق قميص ديو الأحمر الصارخ بلا أكمام ليضحك طويلا بشماتة،
هز ديو رأسه ليضيف:
" توقف عن الضحك كالمجنون أو اعطني معطفي!"

أخذ آريون أنفاسه ليجيبه:
" أعتذر، قميصك جميل.. يجعلك تبدو كالمشر.. الأطفال، الأطفال"

عدل آريون معطفه ليغطي به رأسه جيدا و يسير مع ديو ليدخلا المدرسة،
كانت مبانيها متواضعة أرضية بلا طابق علوي،
يحدها جدار كبير عليه لافتة كبيرة تحمل اسمها،
مدرسة ناتاريس الإبتدائية.
كان الوقت يلوح للظهيرة و الطلاب الصغار يخرجون عبر البوابة المعدنية بسعادة و بعضهم يركض،
تنهدت سارة و هي ترمقهم لتقول:
" أنا لا أصدق هذا لكنني اشتقت للمدرسة،
تبقى وقت قليل و تفتح مدارسنا نحن أيضا"

أومأ سوير و أضاف:
" أنا كذلك، اشتقت للحصص و الواجبات و المذاكرة و أستاذ جيمس و الآنسة زونا"

نهضت لينيريا لتضيف:
" أليست هذه هي موطن آدم و مونيك؟ "

أومأ سوير و هو يتأمل المدينة الخضراء لتضيف سارة:
" بلى، إنها جميلة حقا، تذكرني بقريتنا"

ركضت لينيريا نحو المدرسة ليلحق بها سوير و سارة بينما يخاطبها سوير:
" لينيريا! أخبرنا السيد آريون بأننا سنمكث هنا و لن نتحرك!"

ركضت لينيريا للفسحة لتشير لشجرة كبيرة و تضيف:
" تلك الشجرة مثل الشجرة قرب نافذة غرفتنا"

اقترب سوير و سارة للشجرة ليتفحصاها،
التفتت سارة لتشاهد آريون يتحدث مع أحد المعلمين.

أشارت سارة نحوه لتلفت سوير و تقول:
" أنظر، إلى ذلك المعلم الذي يتحدثون معه،
يبدو كالقراصنة!"

ضحكت سارة بخفوت ليلتفت سوير و يحدق نحو الرجل الطويل الذي ينصت لآريون باهتمام،
مرتديا طقما بني اللون مع قميص مقلم، شعر أسود حالك و حذاء بنفس اللون و قبعة سوداء،
انتبه سوير لعصابة العين السوداء التي يضعها على عينه اليسرى،
له لحية وافرة و شارب خفيف.

تنهد سوير بأسى ليضرب سارة على رأسها و يخاطبها:
" لا يجب عليك أن تحكمي على الناس من شكلهم يا سارة، و لا أن تسخري منهم، هو بالتأكيد لا يريد أن يفقد عينه "

ركضت لينيريا خلف فراشة ملونة لتراقبها و هي تبتعد، ثم ذهبت لتمسك فتاة لتتحدث معها،
بينما أصغت سارة سمعها لما يقوله الرجل.

أضاف آريون بينما ربت على كتف ديو:
" هذا الصغير يريد مقابلتك منذ وقت طويل.
في وقت الحرب، أخبرني بأنك قد أنقذته من الموت،
لكنك تأذيت بسببه، هو يريد أن يعتذر"

هز الرجل رأسه بتفهم ليجيب آريون بهدوء:
" أنت مصيب في حديثك،
قبل خمس سنوات كنت جنديا، و قاتلت في الحرب.
لكن أعتذر منك يا سيدي، أنا لا أتذكر أي شيء،
ذهني خال تماما من أي شيء بسبب إصابة تعرضت لها،
لكن، سأكون ممتنا لسماع القصة كاملة من الفتى نفسه"

أومأ آريون ليشير الرجل لديو ليسير بقربه و يجلسا على مقعد خشبي قريب،
أخذ ديو نفسا عميقا ليقبض يديه بتوتر، ابتسم الرجل ليربت على كتف الفتى و يخاطبه:
" لا بأس يا صغيري، ما كان قد كان و أنا بالتأكيد لن أكون غاضبا منك أو ما شابه، كل ذلك الخراب قد انتهى"

أومأ ديو ليتشجع و يقول:
" قبل خمس سنوات، لقد تدمر منزلي في قصف خلال الحرب،
أنا... مستخدم سحر، منذ صغري كنت أجيد إلقاء التعويذات و استخدامها، لكن في ذلك الوقت خرجت قواي عن السيطرة لسبب ما، كنت خائفا جدا لأن الجميع قد ماتوا...
كل من اقترب مني قد مات، لذلك اجتمع الجنود حولي لقتلي، نظرا لكوني تهديدا، عدوا و ساحرا شريرا.

ابتسم الصغير ليضيف:
" لكن.. أنت وقفت أمامهم و أبعدتهم عني، أذكر أنك ضمدت جروحي، و أخبرتني أنني سأكون بخير.
و بأن أبي رجل عظيم، و قد بذل ما بوسعه لحماية الجميع.
في ذلك الوقت أطلق أحدهم النار نحوي، لكنك قمت بحمايتي، و تلقيت الرصاصة القاتلة بدلا عني."

شد ديو قبضته على المقعد ليخفي ارتجاف يديه و أكمل:
" لقد تأذيت بشدة، الرصاصة تشظت لتنتشر أجزاؤها فيك،
كنت تنزف من كل مكان، و كنت خائفا و مرعوبا،
كنت أريد إنقاذك و إلقاء تعويذة الشفاء عليك،
لكن يدك اليسرى تفحمت،
ثم اختفيت "

صمت ديو بخوف و ترقب ليفكر الرجل طويلا قبل سؤاله:
" و من يكون والدك؟"

" دريموند ألابايوس، حارس النجوم"

رفع الرجل حاجبيه عجبا ليضيف:
" لقد سمعت به، و ببطولاته و مجهوداته للملكة،
متأكد جدا من كونه رجلا عظيما"

ثم وضع كفيه على كتفي الفتى ليخاطبه:
" مهما يكن من شيء، كنت أؤدي عملي وواجبي نحو وطني، و ما يمليه علي ضميري بإنقاذ طفل بريء.
أما عن الحوادث فهي أقدار من الله، لا اعتراض لنا فيها.
بحسب ما أخبرني به ذلك الرجل، أنت قمت بنقلي لهذه المنطقة التي كانت آمنة في ذلك الوقت،
و بفضل ذلك أنا حي الآن،
لا شيء تعتذر منه يا ولدي، بل أنا من أشكرك"

رفع ديو رأسه بدهشة ليقول بتعلثم:
" لكن... لكن أنت لا تذكر شيئا الآن ،
و فقدت عينك، و تأذيت بسببي..
و لست غاضبا، أو حزينا؟"

تنهد الرجل لينظر للأعلى و يضيف:
" اسمعني جيدا، أنا رجل مؤمن،
و أعرف أن كل ما يحدث معنا هو من أقدار الله،
و أنه يجب أن نرضى بها و نصبر.
كل شيء لحكمة يعلمها القدير، و حزني أو غضبي لن يغير أي شيء و لن يعيد لي شيئا، و أنا على قيد الحياة، بينما آلاف الجنود ماتوا،
لذا لما أحمل الضغينة؟"

ترقرقت عينا ديو بالدموع ليربت له الجندي على كتفه و يضيف:
" أنا أسامحك، أنت لم تكن تقصد، و ذلك ليس ذنبك.
أقدر بحثك عني لطلب الصفح،
أنت ولد طيب، يمكنك الذهاب"

نهض ديو ليشد على يد الجندي بامتنان ليسأله:
" أعدك بأن أكون شخصا جيدا و قويا، مثل أبي.
اسمي هو سورانديو، هل لي معرفة اسمك سيدي؟"

ابتسم الرجل ليجيب:
" ادعى راي، راي كارتر"

عاد ديو لآريون ليبتسم و يمسح دموعه قائلا:
" شكرا لك آريون"

هز آريون رأسه ليضيف:
" لنذهب"

سار آريون لينهض الصغار من تحت الشجرة و يتبعوه،
ودعت لينيريا صديقتها الجديدة لتهرع لهم و تضيف بسعادة:
" أريد إلقاء التحية على الأستاذ راي!
أخبرتني آميلا أنه طيب و ذكي و يحبونه كثيرا!"

ركضت لينيريا عائدة للداخل ليتبعها الجميع،
توقفت لينيريا لتمسك ببنطال الرجل و تخاطبه بابتسامة:
" أنت الأستاذ راي؟ أنا لينيريا!
أخبرتني آميلا أنك تدرس مادة التاريخ، أنا أحب التاريخ!
جدتي دائما تحكي لي حكايات عن تاريخ الأشياء القديمة و تاريخ قريتنا و مقاطعتنا، و تاريخ الغابة،
و قصصها ممتعة! عندما أكبر أريد أن أصبح معلمة تاريخ أيضا!
هل يمكنني المجيء هنا برفقة جدتي لكي نحضر معا بعض الدروس معك؟"

اقترب آريون معتذرا بينما كتمت سارة ضحكتها و جذب سوير الصغيرة لتوبيخها،
ضحك المعلم ليجثو على الأرض ليربت على رأس الصغيرة و يجيب:
" بلى، أنا المعلم راي.
تحبين التاريخ إذا! إنها مادة ممتعة حقا، و مليئة بالقصص و العبر و المعلومات القيمة.
يسعدني جدا استضافتك مع جدتك، لينيريا"

صمت الرجل لوهلة لتتغير ملامحه و ينقبض وجهه بألم، لينهض معتذرا ليعود للداخل،
اقتربت سارة من سوير لتهمس بتوتر:
" سوير، ملامحه..الملابس و القبعة... ألا تذكرك بشخص ما؟"

أومأ سوير ليسأل آريون:
" ما هو اسم المعلم؟"

" راي كارتر"

اتسعت أعين التوأم لينظرا للجني بعدم تصديق،
رفع آريون حاجبيه ليسألهما باستغراب:
" ماذا هناك؟ و كأنني صرت شبح الموت"

هز سوير رأسه بعدم تصديق ليتمتم:
" راي كارتر... إنه اسم أبينا المفقود منذ خمس سنوات"

"هل أنت جاد؟!" 
أضاف آريون بتعجب لتلتفت سارة له و تضيف برجاء:
" إنه هو! نحن نتذكره، نفس الملامح، و الصوت، الطول و ذوق الملابس، و القبعة!
إنها مثل قبعة سوير التي كانت لأبي!"

أمسكت سارة بيد الجني لتترجاه:
" آريون، أنت جني قوي.
أرجوك أشف أبي، اجعل ذاكرته تعود و يتذكرنا،
أرجوك!"

اقترب سوير كذلك ليمسك بديو من قميصه بعنف و يخاطبه بحقد:
" أنت... كل هذا بسببك!
لقد آذيت أبي! انظر إليه الآن، لولا أنه ساعدك لما تعرض لكل هذا و لكنا نعيش معه الآن،
بدلا من أن نكون بلا أب لخمس سنوات..
أنت شرير! أتمنى لو أنك مت في ذلك الوقت! "

خفض الفتى الأكبر بصره ليشيح وجهه بأسى ليخفي عبراته، بينما اقتربت لينيريا لتشد قميص سوير و تخاطبه:
" سوير، الولد يبكي، لا تكن شريرا!"

التفت سوير للصغيرة بوجه جامد ليضيف:
" ألم تكن أمي تبكي كذلك عندما لم يعد أبي؟
ألم نبكي لأن أصدقائنا لديهم آباء و نحن ليس لدينا؟"

أومأ ديو ليخاطب سوير بصوت متهدج:
" صدقني..
أنا أيضا تمنيت الموت عدة مرات.
لقد أردت أن أكفر عن خطئي، أنا لم أكن أقصد، صدقا.
هل تعتقد أنني كنت سعيدا برؤية الناس يموتون بسببي؟
قطعا لا! كنت خائفا و مرعوبا، بسبب كارلوس فقط ما زلت حيا اليوم و لم أفقد عقلي.

أنا ... آسف، ماذا أفعل أكثر لكي أكفر عن خطئي؟
هل تود قتلي؟ يمكنك ذلك! لو كان ذلك يشفي غليلك، سأكون سعيدا و مرتاحا حينها، أرجوك اقتلني!"

علت الدهشة ملامح سوير عندما شاهد الدموع تتساقط من عيني الفتى الأكبر، ليفلته بسرعة و يتراجع للوراء،
بينما يراقبه يسير بصمت ليجلس تحت الشجرة و يخفي وجهه بين ركبتيه،
اقترب آريون ليربت على كتف سوير و يخاطبه:
" خلال الحرب، ديو أيضا فقد والده العزيز،
لكنه لن يعود أبدا.
كان له أختان صغيرتان، توفيتا كذلك عندما انفجر منزلهم،
توفيت والدته في العام الذي يسبقه، كانت مريضة.
هو أيضا عاش بلا والد لخمس سنوات،
و بلا منزل كذلك، لم يبحث عنه أحد أو ساعده،
بل بالعكس كان يعتبر من الذين يجب قتلهم.
و اضطر للعيش كلص في الشوارع لكسب لقمته، ترك الدراسة، و كل شيء.

سوير، الغفران هو أعظم هدية من الرب.
و قليلون من يطلبونه و يسعون له، وسع قلبك"

أومأ سوير بينما زم شفتيه بندم ليسير ببطء ناحية الفتى الأكبر و يربت له على رأسه،
رفع ديو رأسه ليجلس سوير و يعانقه قائلا:
" أنا آسف، أنت أيضا عانيت مثلنا، و أكثر.
و أنت أيضا لم تقصد، أنا آسف جدا "

ابتسم الفتى بأسى ليخاطب سوير:
" كم صرت مثيرا للشفقة! 
ابتعد يا سوير، ابتعد فقط، لا تشفق علي و لا تعتذر"

تهند سوير ليخطو للخلف و يقترب من سارة،

اقترب آريون ليضيف:
" لنعد للغابة، يجب أن نخبر إيلين، لا بد أن يكون لديها ترياق أو دواء أو شيء من هذا القبيل.
أنا لن أستطيع فعل شيء له"

أومأ الصغار بحزن ليتبعوا آريون في الطريق نحو حدود الغابة.
توقف سوير ليضيف:
" آريون... هل يمكنك الذهاب و العودة وحدك؟"

التفت آريون باستغراب ليضيف سوير بينما يشير لسارة و لينيريا:
" نحن لدينا فريق تحري، سوف نجمع المعلومات عنه أولا و نعرف متى أتى و من ساعده،
و نتحدث معه، إلى أن تحضر الترياق"

عقد آريون ذراعيه ليجيبه بشك:
" و كيف لي أن أطمئن و أذهب وحدي و أنتم وحدكم في مكان غريب؟ ماذا لو تعرض لكم شيء أو أصابكم مكروه؟ ماذا سأقول لإيلين؟"

اقتربت لينيريا لتمسك بيد ديو و تضيف:
" ديو ولد لطيف و قوي، سوف يحمينا.
أليس كذلك؟"

حدقت لينيريا نحو الفتى بعينين مترجيتين ليتنهد و يوميء لآريون،
ابتسم الجني ليضيف:
" حسنا، سأحاول الذهاب و القدوم بسرعة"

توارى آريون خلف شجرة ليفرقع أصبعه و يختفي،
بينما ذهب ديو ليتسلق الشجرة العالية يخفة ليجلس على أعلى فرع و يراقب الصغار الثلاثة بينما يفكر بعمق فيم سيفعله.

سار الإخوة الثلاثة لصاحب متجر الطعام لتقترب سارة و تخاطبه بابتسامة:
" مرحبا أيها العم! كنا نريد سؤالك عن المعلم راي،
متى أتى لهذا المكان؟ "

و اقتربت لينيريا لتضيف:
" لأننا نرى أنه يشبه أبي كثيرا، و أبي ليس معنا،
ربما يكون هو" 

التفت التوأم نحو لينيريا ليضحك المسن و يقول:
" إذا تسألون عن راي؟ لا أدري لو كان له عائلة أم لا، لكن سأخبركم بما أعرفه"

أومأ صاحب المحل العجوز بابتسامة ليجيب الصغار:
" راي... أعتقد أنه جاء للمنطقة قبل خمس سنوات،
أذكر ذلك اليوم كما لو كان الأمس...
بعد انتهاء الحرب التي عانينا ويلاتها كتب الله لنا النجاة،
رممنا منازلنا و عدنا للحياة،
في ذلك الوقت و في ذات مساء، وجدنا ذلك الجندي المصاب بشدة على قارعة الطريق أمام منزل السيدة ياسمينة،
لقد كان ممزقا، فحسبه الجميع ميتا.
لحسن حظه أن السيدة ياسمينة رفضت ذلك و بادرت لمداواته،
استمرت بمداواته لأسابيع طويلة إلى أن تحسن،
بعد استفاقته اجتمعنا حوله، كان لا يذكر شيئا و لا حتى اسمه..
عرفنا اسمه من منديل مطرز كان في جيب قميصه من الداخل، لم نعرف أصله و من أين أتى،
لكن أشفقنا على حاله كونه فقد عينه اليسرى و ذراعه اليسرى كذلك فقررنا إبقاءه معنا.
الغريب في الأمر أنه يتذكر الكثير من المعلومات، خطه جميل و يكتب بسهولة و يجيد عدة لغات،
فقررت السيدة ياسمين أن تعرض عليه العمل في مدرسة القرية لخمس سنوات،
ووافق هو بكل سرور ليجزي السيدة ياسمينة على إنقاذها له"

خرج الصغار ملوحين للبائع ليقول سوير:
" لدي فكرة، لماذا لا نذهب و نخبره أننا أبناؤه؟
و نريه دفتري من العام السابق الذي يحمل اسمي الكامل ليصدق؟"

أومأت سارة لتقول لينيريا:
" سأذهب أولا!"

ركضت لينيريا ليتبعها أخواها لساحة المدرسة الواسعة لتلاحظ المعلم جالسا على المقعد الخشبي في الحديقة مسندا رأسه لكفه مفكرا،
ركضت لينيريا لتقفز قربه و تصرخ:
" أبي!"

التفت راي متفاجئا ليصل سوير و سارة و هما يلهثان،
التفت راي نحو التوأم ليضيف سوير يصوت متقطع:
" ألا تتذكرنا.. يا.. أبي؟"

اتسعت عينا راي عجبا ليسأل سوير باستنكار:
" أبي؟! أنا لست والدكم أيها الولد!
ما الذي تقولونه؟ "

هزت سارة رأسها لتضيف:
" أبونا اسمه راي ماكوي كارتر، كان يعيش معنا في المقاطعة الجنوبية في مدينة آركس، كان يعمل معلما في المدرسة، و يمتلك مطعما مشتركا مع صديقه توماس.
لكنه ذهب للحرب قبل خمس سنوات و لم يعد"

خلع سوير قبعته السوداء ليقربها من الرجل و يقول مشيرا لباطنها:
" انظر، والدتي طرزت لي اسمي في طرف القبعة،
هذه القبعة كانت لك"

لاحظ راي تطريزا باسم سوير راي كارتر،
كان اسم سوير بلون مختلف و بقية الاسم بلون موحد، بيد أن اسم سوير كان يبدو أحدث خياطة من الأخير،
بحث راي في جيب قميصه بيد مرتعشة ليخرج منديلا قماشيا مهترئا مطرزا فيه اسمه، ليقربه من قبعة سوير و يقارن الخط، كان نفس الخط و نفس الخيط.

رمش راي بذهول ليتأمل الصغاى الثلاثة و يتمتم باندهاش:
" أنتم... أبنائي؟! لكن.. لماذا لا أتذكركم؟!"

وضع راي يده على رأسه لتجيبه لينيريا:
" أنا لم أراك إلا في الصورة المعلقة في الحائط،
أمي أخبرتني أنني كنت لم أولد بعد عندما ذهبت أنت،
أنا سعيدة برؤيتك! هل يمكنني معانقتك؟"

رفع راي رأسه لتلتصق الصغيرة به كالعلقة و هي تضحك بخفوت و حماس، ليربت على شعرها الذهبي بصمت و يلتفت مخاطبا سوير:
" ما أسماؤكم؟"

Continue Reading

You'll Also Like

22.8K 1.3K 19
تذكرت أكوا اليزابيث قول الساحرة: " سيهب نحوك حب عاصف، لا تعرفين طعمه ، ستذوبين في جحيمه، سيحرك ألامواج الهادئة في نفسك، سيجعلك مقيدة، أسيرة، ستتشقق ذ...
7.1K 315 40
أنا ملكة ولكنهم لا يعرفون ... هذه هي الحقيقة المخفية ولكن لا يوجد حقيقة تظل مخفية ... يجب على كل الحقائق المخفية أن تظهر تظهر بظهور الشرير...
8.8K 375 20
بمملكه ما حيث يبيع الناس ابناءهم مقابل المال . . وتتخلى النساء عن انوثتهم لتلتحق بالجيش لتحارب . . طفله عانت مراره الوحده . . قادها مصيرها للموت المح...
16.9K 605 7
لكل عشاق الخيال والفنتازيا ..اطلق عنان خيالك وتأمل معي هذه القصة التي صنعت خصيصا لك ...* * لتجربة افضل يفضل استماع الموسيقة فقط^-^\ ... وبدوري سأدعم...