{ اللورد }

By oOmamao

1.3M 102K 38K

. . « عندما فرضتُ نفسي في تلك الرحلة لم أكن أعلم شيئًا عن ذلك الماركيز الذي دعى عائلتي لقضاء العطلة في منزل... More

« 1 »
« 2 »
« 3 »
« 4 »
« 5 »
« 6 »
« 7 »
« 8 »
« 9 »
« 10 »
« 11 »
« 13 »
« 14 »
« 15 »
« 16 »
« 17 »
« 18 »
« 19 »
« 20 »
« 21 »
« 22 »
« 23 »
« 24 »
« 25 »
خاتمة

« 12 »

48.9K 3.7K 2.3K
By oOmamao

عاد المنزل اللورد الصيفي إلى هدوئه بعد يوم من ذلك الحفل، قام الخدم في اليوم التالي له بتنفيذ حملة تنظيف كبيرة شملت كل القصر وما حوله من حدائق، بينما إستغل الضيوف المقيمون ذلك اليوم للراحة والإستجمام بعد تعب تلك الليلة.

لم يكن الضيوف هم الوحيدون الذين إستغلوا ذلك اليوم في الراحة فمضيفنا اللورد أغسطس لم يظهر طواله وأخبرنا بيتر خادمه خلال وجبة الإفطار أن اللورد يعتذر عن الخروج لأن متعب بعض الشيء.
تقبل الجميع ذلك وقام السيد ستيفينز بتنفيذ دور المضيف بدلًا عن شقيقه.

قضت الفتيات اليوم التالي للحفل وهن يتحدثن عنه مع بعضهن عنه كأنهن لم يكن معًا فيه وأخبرتنا جورجيا أنها قد وافقت على الإرتباط بهنري أحد القاطنين الشباب، أمر جعل بقية الفتيات يتحمسن وهن يسألنها عن تفاصيل ما حدث فقد كانت جورجيا اجرأهن.

لمحتُ لـلورا عن رقصتها مع أخي فتململت وغيرت الموضوع خجلة مما جعلني أؤكد شكوكي عن مشاعرها، بينما رفضت إليزابيث إخباري عن تفاصيل ما حدث بعد أن تركني هاري وذهب إليها لأنني اخبرتها أنني من شجعه على ذلك.
بدت غاضبة لفعلتي وهذا يعني أن الأمور لم تسر على ما يرام.

لم أسلم أنا من مثل هذه التعليقات فقد لمّحت والدتي بعد وجبة الغداء حينما أخذتني جانبًا عن بقية الضيوف قائلة:
" لم أتوقع ذلك، لكن يبدو أنكِ من لفتي نظر اللورد "

لم تكن الوحيدة التي قالت ذلك لكن هذا لم يجعلني أغير وجهه نظري فتلك الرقصة لم تعني شيئًا كما لا أعني الكثير بالنسبة للورد فأنا مجرد الأخت المطابقة لأحد رفاقه فقط، ولا أظن أن هناك أي فتاة في ذلك الحفل أبعدت تفكيره عن كون أن ذكرى وفاة زوجته قد أقبلت.

في اليوم الثاني بعد الحفل كنتُ قد أنهيت قراءة الكتاب الذي أخذته من مكتبه اللورد فإتخذت طريقي ناحية المكتبة التي حفظت مكانها وأصبحت أرتادها كثيرًا.

تقع المكتبة في الجناح الغربي للمنزل وإكتشفت أن أحد الممرات المؤدية إليها يقود إلى الجناح الذي تقبع فيه غرفة اللورد، لذلك لم يكن أحد من الضيوف المقيمين يرتاد هذا المكان.

عبرتُ غرفة المعيشة ودخلت المكتبة التي لا تزال تبهرني كلما دخلتها، وضعت الكتاب في مكانه ثم أخذتُ جولة لأختار واحدًا أخر بينما اتصفح ما أجده لأختار ما يجذب إهتمامي فاستغرق بحثي مدة أطول.

كنتُ أقف في زاوية عمياء بعيدًا عن الباب الخشبي الكبير الفاصل بين المكتبة وغرفة المعيشة لذلك لم يعرف من دخل غرفة المعيشة أنني كنتُ هناك.

ترامى إلى مسامعي صوت السيد ستيفينز وهو يتحدث بإنزعاج واضح في صوته:
" أغسطس توقف عن ما تفعله فهذا لن يؤدي إلا إلى فناء هذه العائلة "
" تريد مني أن أستسلم لضغوطاته مثلًا؟ الإستماع له هو ما سيؤدي لفناء العائلة "
" مشكلتك أنك لا تزال عالقًا في الماضي علينا إغلاق تلك الصفحة والإنفتاح أكثر فالناس يتغيرون "

" ستيفينز أنت لم تكن موجودًا أصلاً وأنت لا تعلم ما كان عليه أنت لا تعلم أنه لن يتوقف إن سمحنا له بالدخول بيننا هو لا يريد فقط تلك الأملاك السخيفة، هو يريد الإنتقام لشرفه الذي تحطم بعد وقوف الملكة فيكتوريا مع عائلة أمـ ..."
" بل أنت من لا يعلم شيئًا، العصر تغير أخي بينما لم تفعل أنت لأنك لا تزال عالقًا في ذكرى وفاة أبي وأمي وتلك المرأة التي تزوجتها!" 

هنا لم أستطع البقاء ساكنة متظاهرة بعدم وجودي وإستماعي لهذا الجدال بين الأخوين خاصة عندما سمعتُ صوت الأثاث يتحرك بسبب سقوط أحد عليه.
تسارعت نبضات قلبي وأنا أعبر الباب الخشبي الأبيض المفتوح ناحية غرفة المعيشة لأجد السيد ستيفينز على الأرض وبقربه كرسي مقلوب رأسًا على عقب كان قد سقط عليه، بينما كان نَفسه متسارعًا وعيناه جاحظتان كأنه لم يتوقع ما حصل.

على خده أثر لكمه أرسلتها قبضة اللورد المتكورة على يمينه. كان هو أيضًا يتنفس بسرعة والشرر يتطاير من عينيه.

لتتحول نظرات كليهما إليّ بعد أن دخلت فجأة، إرتبكت وخفت كثيرًا وندمت على دخولي فلم أعرف ماذا أفعل.
رأيت ملامح السيد ستيفينز تنعقد أكثر برؤيتي، بينما خفف اللورد قبضته وهدأ الغضب في عينيه ليتحول إلى تساؤل عن سبب وجودي هنا.

أبعدتُ الخوف الذي يغمرني بعد رؤية ملامح اللورد وأخرجت هذه الكلمات بصوت مبحوح وصغير:
" كنتُ .. أبحث عن .. كتاب ـ أسفة "

فجأة هدأت ملامح اللورد كليًا ورفع راحه يده إلى عينيه وهو يهمهم بما لم أسمعه لكن سمعه السيد ستيفينز الذي إزداد غضبه أكثر وأكثر بعد سماعه. جعلني ذلك أجفل. ومع ذلك سألته:
" هل أنت بخير سيد ستيفينز؟ "

إعتدل ستيفينز دون أن يرد علي ودلك خده حيث اللكمة بينما حول اللورد نظره إليه ثم اعاده إلي قائلًا:
" كم سمعتي من حديثـ... تعلمين لا يهم، هو مجرد شجار صغير بين أخوين، لابد أنكِ تتشاجرين مع إرنست أحيانًا أليس كذلك أنسة إزابيل؟ "

محاولته لجعل الموضوع يبدو عاديًا كانت فاشلة فنظرات ستيفينز الحارقة له لم تسمح بذلك، أطبقت على شفتي ولم أرد بينما صدرت ضحكة خالية من الفكاهة من ستيفينز.

كان قد وضع يديه على خاصرتيه وأغمض عينيه مطولًا قبل أن يقول وهو ينظر ناحيتي:
" أنتِ تذكرينني بـإيميليا حقًا "

كان دوري لأعقد حاجبي إستغرابًا مع ذكر إسم الليدي، لم يقل ستيفينز المزيد وهو يتخذ طريقه إلى الخارج.

خروجه جعلني أخرج زفرة مرتاحة، لا أعلم لماذا أجد نفسي في مثل هذه المواقف دائمًا والأن لا أدري ماذا أفعل وقد بقيت وحدي مع اللورد.

ظل اللورد في مكانه يراقب الباب الذي خرج عبره ستيفينز وقد على وجهه حزن عميق ليمرر يده في شعره البني الكثيف قبل أن يقول لي:
" أسف لإضطرارك لسماع هذا، يبدو أنني أجعلك ترين الجانب السيء من هذا المنزل كثيرًا "

أعلم أنه يعني بما حصل من قبل مع بينيبرا، فهززت رأسي نافية فليس هو من يجعلني أراها.. بل ستيفينز.
أخرج اللورد نفسًا أخر وهو ينظر بعيدًا يفكر، ذلك التعب الذي كنتُ أراه في عينيه سابقًا إزداد أكثر رغم غيابه يطوال اليوم بدواعي الراحة.

تحرك وإتجه ناحية تلك الصورة فوق الطاولة ذات الطابع الشرقي حيث تقبع زوجته وهي تنظر للفراغ. لم يكن من الصعب معرفة أنه يتذكرها بعد رؤيته تلك الملامح على وجهه.

ويقولون أنني لفت نظر اللورد؟
بخطوات هادئة خرجتُ من غرفة المعيشة.

" أنا لا أحب هاري ماكينزي هذا "
صرّحت بها إليزابيث المستلقية على سريرها وهي تنظر ناحيتي حيث كنتُ أجلس أمام مرآتي بينما تسرح آنّا في شعري، أخيرًا قررت أن تتحدث عن هاري .

" ولماذا؟ "
" إنه مزعج للغاية، أجده في كل مكان وهو يتظاهر دومًا باللطف والرقي معي بينما من الواضح أنه لا يعرف أسماء بقية الفتيات أصلًا، كما أن ذقنه وشاربه... لا أحبهما "
أضافت بملامح مشمئزة لأبتسم ضاحكة ثم قلت:
" بغض النظر عن الشارب واللحية، ما السيء في أن لا يعرف أسماء الأخريات؟ هذا يعني أنه لا ينظر إلا إليكِ "

" آه نعم صحيح، صدقيني إزابيلا لقد قابلت أمثاله كثيرًا هو مجرد مدعي فقط يريد التقرب من إبنة عائلة نبيلة ليساعده ذلك في الترقي إلى رتبة أعلى في البحرية "

جعلني إتهامها أستدير ناحيتها فتوقفت آنّا من تمسيد شعري المتعرج، قلت بإستنكار:
" قد يكون هاري مزعجًا للغاية لكن بالتأكيد ليس كما تقولين.. إنه صادق في مشاعره لكِ وأنا اعلم ذلك "
" ولم تبدين متأكدة هكذا إزابيل؟ "
" على عكسك لقد تحدثت معه من قبل وأعلم كيف يتصرف، كما أن إرنست ما كان ليدعه يقترب منكِ لو لم يعلم أنه شخص شريف "

" أنتِ وإرنست لا تعلمان شيئًا بعد لا تزالان صغيرين"
" بل أنتِ من تطلقين احكامًا دون أن... "
لم أكمل وقد تذكرت أن هذا بالتحديد ما قاله لي إرنست ليلة الحفل، أغلقت فمي وانا أنظر بعيدًا لتقول إليزابيث:
" ما الأمر؟ "
"لا شيء إليزابيث "

تنهدت بغيظ وقد فهمت أنني لا أريد متابعة التحدث عن الأمر. ساد صمت لم يطل فقد قطعته وهي تقول بدلال حزين:
" ليت السيد ستيفينز يخلي جدوله قليلًا لقد أصبح مشغولًا للغاية ولا يكاد يبقى في مكان واحد. دائمًا برفقه جاك وباتريكا أريده لنفسي بعض الوقت عل هاري يتركني قليلًا حينها "

تذكرت ما دار بين اللورد وأخيه هذا الظهر، لا تبدو العلاقة جيدة بينهما وذلك السير ألكساندر هو السبب. كلا.. بل هو أمر أعمق من هذا فحديث ستيفنز يبين أنه ليس راضيًا تمامًا عن الكثير من إختيارات شقيقه.

" تعلمين.. من بين السيد ستيفينز وهاري، أنا اتمنى أن تختاري هاري "
" ولماذا؟ "
سألت إليزابيث بإهتمام فقد قلت ذلك بنبرة لم تعتدها لدي. أجبتها:
" لأن السيد ستيفينز لا يحبني ولا أستطيع أن أتعايش مع زوج أخت لا يحبني ويجعلني غير مرتاحه إن قمتُ بزيارتك، وقد يمنعني أو يمنعكِ من مقابلتي "

" السيد ستيفينز لا يحبك! لم تقولين هذا؟ "
بدت إليزابيث مستنكرة للغاية فأخذتُ نفسًا وأطلقته ببطء فلم يكن هناك داعٍ أن أقول هذا، حولت بصري إليها وهززت رأسي قائلة:
" أنا أمزح فقط.. يمكنك إختيار من تريدين المهم فقط أن يبادلك المشاعر "

كانت آنّا قد إنتهت من عملها فسمح لي ذلك بالنهوض وبدأت أخلع في الروب إستعدادًا للنوم بينما كانت آنّا ترتب في المكان.

فجأة وجدت إليزابيث قد وقفت أمامي، نظرت إليها بإستغراب ففوجئت أكثر حينما قامت بإحتضاني.

" ما الأمر إليزابيث؟ "
سألت من فوق كتفها، لتجيب وهي تربت على أعلى رأسي:
" لا شيء، فقط أريد التعبير عن حبي لأختي الصغيرة الجميلة "
وسط إستغرابي وآنّا طال حضنها إلى ان إبتعدت وقد كان نظرها ملاصقًا للأرض كأنها خجلة من فعلتها، توجهت عائدة إلى سريرها وتغطت بالكامل حتى لا أرى ملامحها.

رسم ذلك إبتسامة على وجهي وكذلك آنّا.
قلت لها قبل أن تخرج:
" لا تنسي أن تستيقظي مبكرًا غدًا فأنا وإرنست نريد الخروج فور شروق الشمس "
" لا تقلقي أنستي سأكون عندك قبل ساعة من الشروق "

تمنت لي ليلة طيبة ثم خرجت.
إستلقيت متحمسة فغدًا وأخيرًا سأذهب برفقة إرنست في جولة بالأحصنة. شيء سيبعد كل ما حدث عن رأسي قليلًا.

تربيتات لطيفة على كتفي جعلتني أفتح عيني وأنظر لمن أيقظني من نومي لأجد آنّا في زيها الأسود تهمس بـ : "صباح الخير لقد حان موعد الإستيقاظ".

إستغرق مني الأمر بعض ثوانٍ لأفهم ما الذي تقصده فلا تزال السماء مظلمة في الخارج وموعد الإستيقاظ بعيد، لأتذكر فحينها خططي لهذا اليوم وأنهض بأقل ضجة لكي لا أوقظ إليزابيث.

رفعت شعري إلى الخلف بإهمال فتساقطت خصل برتقاليه أمام عيني أبعدتها خلف أذني بينما ساعدتني آنّا في لبس الروب، ثم وبهدوء خرجنا من الغرفة.

كانت هذه أول مرة أخرج من المنزل أثناء نوم قاطنيه، فاجأني كم يمكن لهذا المكان أن يصير هادئًا ومثيراً للوحدة.

همستُ لآنّا بينما إتخذنا طريقنا ناحية الحمام:
" هل تستيقظين في مثل هذا الوقت كثيرًا؟ "
" نعم، فلابد أن تبدأ تحضريات اليوم مبكرًا قبل إستيقاظ الجميع "

همهمت متفهمه ونظرت عبر النوافذ التي نمر عبرها والتي كانت تفتح على الحديقة الشرقية للمنزل.
غطى المكان ضباب خفيف يسبق الاشعة الأولى لشروق الشمس ورغم الضباب وظلمة المكان إستطعت رؤية شبح يتحرك في الخارج.

توقفت عن السير ووضعت قبضتي على زجاج النافذة وقربتي وجهي منها لأتحقق مما أراه، بقربي تسألت آنّا عن سبب توقفي فقلت:
" شيء ما يتحرك في الخارج "

وقفت آنّا بقربي وأمعنا النظر، شبحان أو بالأحرى عبائتان تتحركان خارجًا.
" من هذان وإلى أين يذهبان في مثل هذا الوقت؟ "
تساءلت آنّا لأجيبها وأنا أبتعد عن النافذة وأسير بالإتجاه المعاكس:
" لا أدري لكنني سأعرف "
" مهلاً أنستي إلى أين تذهبين؟ "

تحركت آنّا خلفي وهي تهمس بجزع، لأجيبها:
" سأذهب وراءهم قبل أن يذهبوا بعيدًا "
" أنستي  أنسة إزابيل هذا تصرف أحمق بالتأكيد نحن لا نعلم من هؤلاء ومن الغباء الخروج وحدكِ يجب أن نخبر أحدًاأخر.. "
" وقتها سيكونون قد إختفوا، آنّا إذهبي وأخبري إرنست "

كان ذلك أخر ما قلته لها قبل أن أقوم بفتح البوابة الرئيسية للمنزل وأخرج مغلقة إياها خلفي. لم أنتبه حينها أن البوابة لم تكن مغلقة.

لسعتني البرودة في الخارج وندمت للحظة لخروجي بثياب النوم فقط بل وفطنت إلى كم هي فكرة غبية لحاق شخصين غريبين يسيران خارج المنزل في ساعات الفجر الأولى دون معرفة أحدما.

لكن شيء ما يخبرني أن أذهب فلقد أحسست أن لهذا علاقة باللص الذي دخل منزل اللورد في لندن وقام بسرقة قائمة المدعوين.

من بعيد رأيت الرجلين المتدثرين بمعاطف طويلة يسيران بخطوات سريعة إلى الناحية الشرقية للمنزل، خففت من خطواتي وبدأت بمتابعتهما  بأقل أصوات ممكنة ومحاولة تجاهل البرد الذي كان يلسعني عبر القماش الخفيف لثياب نومي.

بعد السير لوقت بدأت أعرف وجهتهما، لقد كانت البحيرة التي ذهبت إليها في أول يوم لي هنا.
جعلني ذلك أستغرب فلم يكن هنالك أي شيء أخر في ذلك المكان.

وبينما كنت أحاول اللحاق بخطواتهما السريعة تعثرت حينما إنقطع الخف الذي كنت أرتديه وسقطت أرضاً مُحدثة صرخة عالية.
صرخة جعلت من أتبعهما يلتفتان ليجداني في موقف لا أحسد عليه.

كان العشب مبتلًا بسبب تساقط خفيف للأمطار حدث ليلًا، ولذلك إبتللت تمامًا من الأمام وغطى وجهي بعض الطين وتخدشت راحتا يدي، لم اتخيل أن تنتهي لحظاتي الجاسوسية بهذه الطريقة المذلة.

فقط عندها سمعت صوته يقول متفاجئًا:
" أنسة إزابيل.. ما الذي تفعلينه هنا؟ "

رفعت بصري بينما تعدلت لأجلس على ركبتي.
وجدتُ اللورد أغسطس المتدثر بعباءة غطت رأسه وبقربه بيتر مرافقه.

تصاعد الدم إلى وجهي، لقد كان اللورد إذًا!
يا إلهي كم أنا حمقاء، لقد كان باب المنزل مفتوحًا فلابد أنه شخص كان في الداخل وخرج، لابد أنه أحد قاطنيه، فلماذا لم أفكر في هذا!!

" أنا.. أنا.. أسفة؟ "
خرجت مني دون وعي مني وقد كنتُ أتمنى وقتها أن تنشق الأرض وتبتلعني، فبالتأكيد ليس هذا موقفًا أمسك فيه.. مبتلة في بثياب النوم وبشعر منكوش وأمامي الماركيز أغسطس بلاك وود بكامل حُلته.

فجأة أطلقت عطسة جعلت اللورد جفل ثم بدأت بفرك يديّ في ساعدي فقد نهشني البرد وزاد إبتلالي الأمر سوءً، ليغمرني الدفء عندما قام اللورد بإحاطتي بمعطفه.
نظرت إليه بعينين مفتوحتين وقلت:
" أوه كلا... لا تعطني معطفك سيدي "

تدخل بيتر قائلًا وهو يخرج خاصته:
" نعم سيدي سأعطيها معطفي، يجب أن ترتدي خاصتك، لا نريد لصحتك أن تتـ.."
" لا بأس بيتر لن يضرني بعض البرد كما أن الأنسة تحتاجه أكثر "

كان يتحدث بينما يقوم - رغمًا عني – بإدخال يديّ برفق في المعطف ثم إغلاقه بإحكام ليقوم برفع القبعة الملصقة بالمعطف وغطى بها رأسي مدخلًا الخُصيلات الهاربة إلى الداخل.
غمر الدفء وجهي عندما لامست أطراف أصابعه خديّ بعفوية.

وجدت يداه نفسها في ساعدي بعدها وقد أخذ يفركهما ليبعث الدفء فيّ، قبل أن يرفعني بكل خفه ويجعلني أقف.

" سيدي اللورد، انا أسفة .. حقًا "
" لنترك الأسف جانبًا للوقت الحالي فقط أريد أن اعرف لم الأنسة إزابيل تلاحقني، أسف ولكن.. هذه المرة الثانية التي أجدك في مكان ما معي في نفس الوقت. هل... ؟"

لم يكمل وقد غطت نبرة شك كلامه لأنفي بسرعة:
" كلا .. كلا .. البارحة لم أكن أقصد حقًا واليوم .. أنا أسفة ظننت أنكما غريبان، ظننت أن اللص الذي قتل والكر قد جاء وسرق مجددًا.. فوجدتُ نفسي أتبعكما"

رأيت عبر الظلام حاجباه وقد إنعقدا ربما لمعرفتي لأمر اللص لكنه سرعان ما هز رأسه ثم قال بنبره حازمه:
" وإن كان هذا صحيحًا لا يمكنك فقط الخروج وتتبع من تشكين به، ماذا لو كنا لصوصًا بالفعل؟ ما الذي تظنين أن فتاة مثلك قد تفعله وحدها؟ كان من المفترض أن تخبري أحدًا! لقد كان هذا تصرفًا مهملًا قمتِ به "

مرة اخرى إعتذرت وقد شعرت بالدموع تملأ مِحجري خجلًا من فعلتي.
" لم أفكر كثيرًا.. طلبت من آنّا إخبار إرنست وذهبت حتى لا أفقد أثركما، ظننتُ .. إن إنتظرت المساعدة .. سيفوت الأوان .. أنا أسفة حقًا "

تنهد اللورد وقد شعر بإرتجافي بين يديه وبحه صوتي المنذره بالبكاء. قال بيتر متدخلًا:
" سيدي أظن أن علينا العودة "

نظر اللورد إلى بيتر ثم حول بصره إلى الشرق إلى حيث بدأ بعض الضوء يظهر في الأفق. قال:
" كلا سنتابع سيرنا... "
ثم أردف قائلًا لي وقد عادت نبرته لتصبح هادئة:
" بما أنكِ هنا على أي حال لم لا ترافقينني أنسة إزابيل؟ "
" ماذا؟ "

" كنتُ في طريقي إلى البحيرة، أحب رؤية شروق الشمس من هناك لذلك وكل فترة أخرج مبكرًا لرؤيته. فهل تريدين رؤيته معي؟ "
" أوه .. ممم لا .. أعرف .. حقًا"
" لقد قُرر الأمر إذًا  لنسرع قبل أن يفوتنا المنظر"

وقبل أن أنطق بحرف إضافي وجدتُ نفسي فجأة بين يدي اللورد الذي بدأ بالتحرك ناحية البحيرة في صمت ومن خلفه بيتر الذي إضطر لمجاراه طلبات سيده.

إحتجتُ لثوانٍ لأستوعب الموقف الذي أنا فيه الأن، يد اللورد اليسرى خلف ظهري ويده اليمنى تحت ركبتيّ وقد تعلقت رجلاي الممؤتان بالطين في الهواء  كان يحملني كأنني طفلة صغيرة لا تزن شيئًا يذكر.
لو كنتُ في موقف اخر لإمتنعت وتصرفتُ كالفتيات قليلاً لكن لم يكن في يدي أن أعترض فلقد كان موقفي محرجًا بما  يكفي.

وصلنا إلى البحيرة مع بداية ظهور قرص الشمس في الأفق، إنتشر ضوءها في المكان فتلالأت البحيرة من بين الأشجار وإلتمعت قطرات الندى على وريقاتها، بدأ الضباب ينقشع شيئًا فشيئًا ليظهر ذلك المنظر الذي تمنيت من قبل رؤيته.

بين يدي اللورد تابعتُ المشهد بإعجاب كبير إلى أن رأيت بطرف عيني إبتسامة إخترقت وجهه، نظرت إليه فنظر إلي فحولت نظري منه بسرعة وأسرعت بالنزول من بين يديه بعد أن صُدمتُ بمدى قربنا من بعضنا.

" هل أنتِ بخير؟ أنتِ لا ترتدين شيئًا في ساقيك قد تؤذيك الحِجارة من الأفضل أن لا تنزلي "
" لا بأس سيدي اللورد، لن اتحرك من مكاني "

هز رأسه متفاهمًا لكنه لم يبعد يده عن جانبي وكان لا يزال يبتسم. أخيراً قال:
" كم هو عجيب كيف أجدك دائمًا في مثل هذه المواقف أمامي "
" ما الذي تقصده أيها اللورد؟ "

" عندما كنتُ ذاهبًا إلى المدينة، وعندما قابلتك في المكتبة أول مرة والبارحة مع ستيفينز واليوم هنا. حقًا أنتِ موجودة في كل مكان "

لم يبدو منزعجًا عندما قالها بل كان يبتسم ويكاد يضحك، نوعاً ما جعلني كلامه اتذكر ما قالته إليزابيث البارحة عن هاري إحمر وجهي رغم كوني لا أعرف مقصده من ذلك.

" أسفة إن كنتُ ازعجك .."
" لا تعتذري فوجودكِ ساعدني على إبعاد الأفكار السيئة عن رأسي "
" أفكار سيئة؟ "
" ... لنقل فقط أنني لستُ في أفضل أحوالي هذه الفترة، لكن رفقتكِ تخفف عني قليلًا  "

لم أعلق على ما قاله فلم يكن من اللائق سؤاله.
رغم كونه ليس منزعجًا مني على عكس ما توقعت لكنني إلتزمت الصمت، إلى أن قال اللورد بصوت خافت:
" لقد كانت إيميليا تحب هذا المشهد كثيرًا "

قالها بينما تركزت عيناه على قرص الشمس في الأفق وقد غمرتنا أشعته بالدفء، كانت هذه أول مرة أراه يتحدث عن زوجته بإبتسامة واسعة على وجهه. حولت بصري ناحية المشهد وقد إستوعبت كونه يحب المجئ إلى هنا لأنه مكان أحبته زوجته.

" هل حقًا أشبهها؟ أقصد الليدي إيميليا "
سألته ليجيب بعد همهمه وهو ينظر لي:
" كلا.. ليس هنالك أي نقاط مشتركة بينكما "
" إذاً لماذا قال ستيفينز أنني أذكره بها؟ "
" لاأدري حقًا، قد يكون يتذكرها بشكل مختلف عني، لكن أنتِ وإيميليا .. ليس هنالك أي تشابه بينكما، إن شبهتها بأحد في التصرفات فستكون أختكِ إليزابيث"
" الليدي إيميليا تشبه إليزابيث! "

قلتبإستنكار فضحك قائلًا:
" في التصرفات، كلاهما تحبان الإجتماعيات والحفلات الإهتمام بالزينة وغيرها من تلك الأمور بينما أنتِ من النوع الذي يفضل قراءة كتاب على حضور حفل، أليس كذلك؟ "
" آه .. نعم "

عاد اللورد لينظر أمامه ووجدتُ نفسي أطيل النظر إلى وجهه، كان مبتسمًا لكن الإبتسامة لم تخفي ذلك التعب الذي رافق عينيه طويلًا كأنه لم ينم طوال الليل.

" إزابيلا ...!! "
قطع خلوتنا صوت إرنست، إلتفت كِلانا ناحية صوته فرأيناه يتخذ طريقه غاضباً عبر أشجار اللوز ومن خلفه كانت آنّا.
كان القلق على وجهها والغضب على وجهه وقد بدا أنه خرج دون ان يكمل إرتداء ثيابه فقميصه لم يكن مزرراً بالكامل وكان لا يزال بحذائه المنزلي. جفلتُ لذلك وتراجعت خطوة لكن اللورد شد يده على خاصرتي وقربني إليه.

" أوه إزابيلا أيتها الغبية! كيف يمكنكِ فعل أمر كهذا! سيدي اللورد أعتذر حقًا لما فعلته أختي الغبية، يا إلهي لا أعرف ماذا أقول حقًا "

أخذ إرنست يتحدث بسرعة وقد كان منفعلًا، ثم نظر إلي مؤنبًا:
" إزابيلا ألم اخبرك من قبل ان لا تتصرفي وحدك! كيف يمكنك الخروج وفعل أمر غبي كهذا!
يا إلهي ستصيبينني بسكته قلبية يومًا "

لم أستطع الرد عليه فلقد كنت مذنبة هذه المرة، أخفضت بصري وشابكت أصابعي معًا ليتدخل اللورد قائلًا:
" مهلاً إرنست، أعلم كيف تشعر فما فعلته أمر متهور للغاية لكن لا تقلق لقد أنبتها جيدًا ولن تفعلها مجددًا، المهم أن الأمور سارت على ما يرام هذه المرة "
" يال طيبتك سيدي اللورد، لا أعرف ماذا أقول، إزابيلا هل إعتذرتي للورد؟"

أضاف مؤنبًا فقلت متهكمة وقد أدرت عيني له:
" نعم لقد إعتذرت ولا داعي لأن تقلق بشأني أبدًا فأنا بخير ولم أصب بأي أذى "

قلتها وأنا أريه راحتي المخدوشتان وقدماي العاريتين والمملؤتين بالطين، تجاهلني وعاود الإعتذار للورد فأبعدتُ نظري عنه مغتاظة.

يبدو أنه يعلم أن من كنت اتبعه هو اللورد لذلك هو ليس قلقاً بشأني بل بشأن إزعاجي للورد في خلوته. نظرت إلى آنّا فوجدتها تتحدث مع بيتر، بدا وأنه يشرح لها ما حصل فقد بدت مرتاحه بعد قلقها.

" يجب أن نعود سيدي اللورد فالشمس قد أشرقت وسيستيقظ ضيوفك بعد قليل "
قالها بيتر وقد إقترب برفقة آنّا.
" هذا صحيح، يجب أن نعود "

إبتعدتُ عن اللورد بسرعة خشية أن يحملني مجددًا أمام إرنست وآنّا، فدست على على حجر صغير جعلني أجفل ألمًا، إمتدت يد اللورد ويد إرنست إلي وقد قالا معًا:
" هل أنتِ بخير؟ "

هززت رأسي بـنعم مرتبكة ثم امسكت يد إرنست والذي إنحنى معطيًا إياي ظهره لأصعد عليه طواعية ليقول وهو يقف بي وناظرًا إلي من فوق كتفه:
" حتى بعد أن أكملتي العشرين، لا تزالين تسببين لي المتاعب بيلا، متى ستكبرين؟ "

إحمر وجهي فهو لم يكتفي بالذل الذي أشعر به لإضطراره لحملي أمام كل هؤلاء بل زاد عليه بكلامه، همست وقد إتكأت بجبيني على كتفه من الخلف بينما أحطت بيدي عنقه:
" أنا أسفة "
" فقط أرجوكِ.. في المره القادمة أخبريني قبل أن تتخذي أي خطوة، فكما أخبرتك.. لا تصيب إستنتاجاتك دائمًا يا أختي "

تنهدت.. يبدو أنني سأصدق كلامه هذا.
قلتها لنفسي وأنا أنظر للورد.

______________

*الصورة أعلاه هي Fanart للشخصيتين الرئيسيتين في الرواية الرائعة Storm and Silence وهي 'للأمانه' كانت واحدة من الروايات التي حفزتني على كتابة قصة تاريخية، كما كانت بطلتها ليلي هي النموذج الذي بنيت عليه شخصية إزابيل (شخصية فتاة قوية تهتم بحقوقها وما تريد أن تنجزه في حياتها أكثر من الزواج والرجال وغيرهم xD).

وضعت الرسمة أعلاه لأنها تشبه ما أتخيله 'تقريباً' لبطلي قصة 'اللورد' إزابيل وأغسطس.
وإن كانت إزابيل ذات شعر أطول من الفتاة في الرسمة ومتموج كما أن لديها شامه في وجهها، الشاب نوعًا ما يشبه اللود لكن أصغر سنًا بقليل.

أحببت أن أشارككم بها فلقد تحمست عندما رأيتها.
كيف تخيلتم اللورد أغسطس وإزابيل؟*


حقائق فيكتورية:
(۱)لم يكن يسمح للفتاة أن
تخرج وحدها برفقة رجل
أبدًا بل يجب أن يرافقها
شخص كبير في السن.
وكان يجب أن تأخذ إذن
والدتها قبل الخروج إلى أي مكان.

لا يمكن أن تستقبل المرأة
رجلًا في المنزل وحدها بل
يجب أن يكون برفقتها أحد
أفراد العائلة. ▫

⭐& 💬

| اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا
اللهم إحفظنا من بين يدينا ومن خلفنا
وعن أيماننا وعن شمائلنا
ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا |

Continue Reading

You'll Also Like

1.7K 499 12
يتفق سبعة شباب على الذهاب الى احدى البيوت المهجورة والمبيت هناك وهذا البيت في جزيرة نائية لا أثر للحياة فيها وبعد ساعة واحدة لاأكثر يختفي احد منهم وب...
56.1K 3K 23
༺ هم و أنا ༻ حيث كيم تاي الفتي اليافع واللطيف يقذف في حلقة زمنه إلي جسد رجل اخر في الماضي (قبل 600 عام) يدعي تايهيونغ ، كان تايهيونغ قاسي وانا...
2.1M 125K 200
رومانسي حزين إثارة جريمة
363K 19.5K 27
انا السَيدُ جُيون ، السَيد الذي اُئتُمِنَ عَلى حَريمِ مَولاهُ و غَضَّ عَلى بَصرِه عَنهُنَّ سِواك ~ آمنتُ بِمقولَةٍ حَللها عَقليَ قَبل القَلب { مَن خَ...