حب .. وخط أحمر! " جاكلين بير...

By amira_iq

40.1K 864 126

- أريدكِ ان تكوني زوجتي. قال هذا ببساطة كما لو انه يسألها عن الوقت . ونظرت إليه ذاهلة :" انت تمزح او ربما جن... More

1- ظل من الماضي
2-عندما يطبق الفخ
3-ملاك ، ونظرات شيطانية
4-النصف الآخر
5-عرفتكِ ، منذ البداية
7-سيد العالم
8- وهل أملك الخيار ؟
9- حب .. وخط أحمر
10-ليلة فوق الغمام
11-أريدكِ ، فهل تصفحين؟

6- سجن من ذهب

3.2K 77 15
By amira_iq

-ولكن لماذا انا بالذات؟
تساءلت روز بصمت تقريباً وعقلها الذكي يعمل بسرعة قائلة . لم تجد الأمر مفهوماً ذلك ان خافيار يمكنه ان يحصل على اي امرأة يريدها ، فهو إذن ليس بحاجة الى ان يبتز امرأة لكي تتزوجه :" لقد قلت بنفسك إنك رجل تقليدي فلماذا اذاً لا تتزوج من فتاة إسبانية شابة؟ انا واثقة ان هناك عشرات النساء اللواتي يتلهفن الى الحصول على حظ الزواج منك ".

-لقد جربت ذلك مرة. هذه المرة أريد امرأة ناضجة لها اهتماماتها الخاصة ، وهكذا لن تصطدم اهتماماتها باهتماماتي. امرأة لديها أهدافها الخاصة . اريد ترتيباً يخدم المصلحة المشتركة بدون ارتباط عاطفي . امرأة تدفئ فراشي من دون ان تدعي بأنها تدفئ قلبي ولأنني اعرفك جيداً هذا يجعلك في نظري اصلح النساء لذلك .
انه لم يعرفها على الأطلاق ، فهما لم يلتقيا سوى مرة واحدة وكانت فتاة فتاة بريئة ساذجة . ومع ذلك لم يمنعه ضميره من ان يصفها بأنها أمرأة منحلة خلقياً . لقد قال ذلك عدة مرات اما لماذا فعل ذلك فهذا ما لم تعرفه بعد! لقد جرحها في العمق وقد أغضبها تجريحه لها ، أغضبها من نفسها بالدرجة الاولى كما جعلها تتميز غيظاً منه. ونظرت الى وجهه بعنف.
تصريحه الوقح هذا وغطرسته غذيا عنف غضبها :" إذهب إلى جهنم وخذ معك عرض الزواج الأبله هذا".
لن تتكرم عليه بجواب. ولكن تحت غضبها هذا تحرك إحساس بالخوف . ضحك خافيار بخشونة :" قد اذهب الى جهنم كما قلت لي بلباقة . ولكن صدقيني أيتها السيدة سوف آخذك معي . انت مدينة لي وأنا استرد دوماً ديوني".
كان قريباً منها ... أقرب مما يجب ...
-أنا مدينة لك؟
هتفت بذلك غير مصدقة . هذا الرجل الذي سبب لها من الألم وتحطم القلب اكثر مما كانت تتصوره ، لديه الوقاحة لأن يقول إنها مدينة له ؟ لا بد أنه مجنون ..
التوى فمه بابتسامة جمدت الدم في عروقها ، وقال ببطئ بلهجة الوعيد :
- الأفضل ان تصدقي ذلك . لقد حدثني سبستيان بكل شيء عن لقائكما وكيف انك ارتميت بين ذراعيه بعد ان تركتك مباشرة . وفري على نفسك تمثيل دور البرائة ، فهذا الأمر لا ينجح مرتين .
-حاول سبستيان ان يخفف عني.
لم تدرك روز انها بقولها هذا قد اعترفت ومن دون وعي منها بأنها كانت بين ذراعي سبستيان ، لم تدرك ذلك لشدة غضبها :" كان سبستيان صادقاً معي على الاقل . أخبرني بالحقيقة التي هي اقل ما يمكن ان يقال عنك . وهي انك ضيق الأفق بالتزامك بالاعراف والتقاليد واخلاق قطط الازقة . فليساعد الله زوجتك المسكينة ، لا بد انها كانت تعيش في جهنم".
وسرعان ما ادركت انها تجاوزت الحد، فقد امتلأت عيناه بغضب بارد كالثلج :" ليس لك شأن بزوجتي الراحلة . ولكن بصفتك زوجتي المستقبلية ، الأفضل لك ان تتعلمي شيئا من حسن السلوك ".
-في أحلامك!
قذفته بهذا الجواب ثم ارتجفت وهي ترى ملامحه الكئيبة الحاقدة :
-فكري في الأمر، يا روزالين .
وضغط كتفيها بيديه بقوة آلمتها :" وأنا واثق من أنك ستوافقين ".
أخذت تنظر إليه وهو يزداد اقترابا منها ، وقد سمرتها الصدمة وانتابها شعور بدائي غادر . جاء عناقه متملكاً وعنيفاً تقريباً ... بعنف النار التي اشتعلت في حواسها .
حاولت ان تبقى سلبية إزاء هذا الهجوم الضاري . لكنها وشعرت بنفسها كمن يعود الى بيته بعد غياب عشر سنوات طوال ومال الى جسدها عليه وبأنين اجش ، احاطت رقبته بذراعيها .
رفع خافيار رأسه ، فانزلت روز ذراعيها عن رقبته ، فانكمشت خزياً لضعف إرادتها الذي جعلها تستسلم . وضع يديه على كتفيها وأبعدها عنه برفق وهو ينظر بعينين ضيقتين الى احمرار الخجل في وجهها :" كما ظننت تماماً . بعض الأشياء لا تتغير ابدا . سأعود إليك عند السابعة مساءً لأخذ الجواب ولأرافقك الى العشاء ".
وابتسم ابتسامة ذات معنى :" ربما كنت تحبين ان تتحدثي قليلاً مع آن اولاً . ليس لدي شك في انها ستحبذ ارتباطنا ".
شحب وجهها ، وشعرت بالمذلة . إنه على صواب من الناحيتين ، بعناق واحد سقطت ضحية رجولته الفائفة . وآن مصممة على الزواج من جيمي ...
نظرت روزالين إليه بعينين متسعتين عنيفتين مليئتين بالإحباط وهو يتوجه إلى الباب .
التفت يواجهها وقد سقط عن وجهه القناع الساخر النائي ليكشف عن غضب عنيف :" ولا تقترفي خطأ التبخيس من شأني هذه المرة يا روزالين. أنا أعني كل كلمة اقولها . لم أكن جاداً في حياتي قط أكثر مما أنا الآن".
ثم غادر الغرفة بعد ان اغلق الباب خلفه بهدوء .
لم تعرف روز كم مضى من الوقت وهي تنظر الى الباب .
لم يساورها الشك ابداً في أنه ينوي تنفيذ تهديده بتدمير خطبة جيمي وآن . لكن الأسوأ هو معرفتها ان بإمكانه ان يفعل ذلك. إنها تحب جيمي وتعلم انه مغرم بآن. لكنه صغير السن ، فهو لا يزال في الرابعة والعشرين من عمره ، ولن يتمكن من مقاومة الإغراءات التي بإمكان رجل محنك مثل خاله خافيار ان يوفرها له. التفريق بين الحبيبين لن يأخذ من خافيار وقتاً طويلاً فالتهديد بقطع التمويل عنه جعل ميزان القوة في يده .
نظرت في انحاء الغرفة ، ثم ارادت ان تبكي وفي الواقع ، اغرورقت عيناها بالدموع ، لكنها مسحتها بيدها بعنف . ذات يوم كان الزواج من خافيار أغلى احلامها . لكنه لم يعد كذلك الآن ...
لقد سارت في ذلك الطريق مرة من قبل فبعد عودتها الى انكلترا منذ عشر سنوات شعرت بالشوق إليه . كانت صورته تملأ أحلامها كل ليلة ، وظهر الشحوب على وجهها . وفي قنوط الوحدة فكرت بأن تتصل به وذلك بعد ثلاثة أشهر تقريباً من عودتها . ابتلعت كبرياءها ثم اتصلت بالشقة في برشلونه فرد عليها سبستيان ، ووعدها بأن يخبر خافيار انها تريد ان تتحدث إليه.
لكن سبستيان عاد للأتصال بها بعد نصف ساعة ليخبرها بأن خافيار سيتزوج بعد اسبوع ، وليس لديه ما يقوله لها. وكانت لدى سبستيان أوامر مباشرة بألا يعطيها عنوان خافيار أو رقم هاتفه.
شعرت بالصدمة وخيبة الأمل ، وظل الألم يتملكها بسبب ذلك طوال تلك السنوات العشر ...
بدا الحزم في عينيها تذكرها الماضي لن يحل مشكلتها . دخلت الحمام ومن نظرة سريعة الى غرفة الملابس أدركت ان هناك من أخرج امتعتها من الحقيبة . دخلت الحمام وفتحت الصنبور على الحوض ثم خلعت ملابسها وعقدت شعرها بالدبابيس عند قمة رأسها ، ثم خطت الى الحوض الممتلئ بالماء وما لبثت ان اسندت رأسها الى الخلف .
تذكرت مشاجرتها مع خافيار في الطائرة وتذكرت اعترافه (نهم للسيطرة والتسلط) لم يكن يمزح إذاً! عادت بذاكرتها الى الأربع والعشرين ساعة الماضية ، ولم تصدق كيفية احتياله عليها لتجد نفسها أخيراً في هذا الوضع.
إنه رجل حقير مخادع، لكن اطلاق النعوت عليه لن يحل المشكلة.
وببطئ وقفت وخرجت من الحوض ، ثم تناولت منشفة لفّت بها جسدها وهي ترتجف . تراءى لها وجه آن وهي تتوسل إليها لتبقى لطيفة مع هذا الرجل .
لن تستطيع أن تجد مخرجاً لمشكلتها إلا اذا جارته في لعبته وتصرفت معه بمثل القسوة التي يتصرف هو بها!
زمت شفتيها بصلابة ، ثم أخذت تجفف نفسها . ومن غرفة الملابس اختارت ملابس داخلية سوداء وثوباً اسود . وابتسمت بجفاء . ومن مجموعة الملابس التي احضرتها معها ، بدا اللون الأسود اكثرها ملائمة .
بعد عشر دقائق ، عادت الى غرفة النوم . ما ان دخلت حتى جمدت مكانها ، كان خافيار واقفاٌ عند النافذة ، مرتدياً سترة عشاء بيضاء وبنطلوناً أسود وقميصاً أبيض وربطة عنق حمراء على شكل فراشة.
بدا وسيماً للغاية ، لكنها حدقت في جانب وجهه الخشن باشمئزاز ظاهر :" في العادة يقرع الناس الباب قبل الدخول الى غرف الآخرين ".
-فعلت ذلك.
قال ذلك وهو يستدير ليواجهها . شملها بنظراته الغامضة . لقد تركت شعرها منسدلاً على شكل خصلات كثيفة حمراء ، أما قبة ثوبها الحريري فكانت عبارة عن ربطة مطرزة بالخرز الأسود تشكل عصابة حول عنقها . كما كانت التنورة متسعة قليلاً وتنتهي فوق ركبتيها بعدة إنشات ، وقد طلت أصابع يديها باللون نفسه وكذلك شفتيها الممتلئتين.
لقد استخدمت كل مهارتها لقديمة في الماكياج ، التي اكتسبتها من عرض الأزياء . فوضعت كريما مرطباً ملونا على بشرتها فهي تحتاج الى بعض العون لكي تبدو متوهجة بالصحة . كما وضعت شيئاً من الكحل يزيد من جمال عينيها واتساعهما. بالاضافة الى ماسكارا لأهدابها. وهكذا اصبحت جاهزة للمواجهة .
همت بالسير امامه الى الباب ، لكنه وضع يده على ذراعها يوقفها :" لا تسرعي . اريد جواباً اولاً . هل ستتزوجينني؟".
لكم توسلت الله ان تحدث معجزة تجعله يعتبر حديثهما السابق لم يكن سوى رؤيا او تخيلات ، لكن توسلاتها لن تنفع .
-إسمع خافيار .
حاولت ان تتكلم معه بينما لم تكن تتمنى في الحقيقة سوى البصق في وجهه :" يمكنني ان افهم انك تريد ان تجعل اباك سعيداً لكنني لا اريد ان اتزوج . انا طبيبة ، ولدي مهنة".
-طبيبة من دون عمل ، حالياً . آسف روزالين لكن اعتراضاتك تافهة . انت ما زلت ترغبين بي . لقد عرفت ذلك في اللحظة التي تحدثت فيها إليك في منزل تيريزا. نظرت إليّ بعينين متسعتين والنبض في عنقك يخفق .
ووضع يده على ذلك النبض :" نعم ، هذا ما كان يخفق كما يخفق الآن. كما انني اريد زوجة . و (نعم) هو الجواب الوحيد الذي اريده".
توهج الغضب والألم في عينيها وهما تستقران على وجهه الأسمر ، لكنها جاهدت للسيطرة على مشاعرها.
-دعني افهم جيدا ما تقوله، هل تعني أن عليّ أن امثل دور زوجتك لكي يكون ابوك سعيداً ، ولا شيء اكثر من ذلك ، بينما تتكفل صديقتك برغباتك الأخرى؟
ونظرت إليه لكن عينيه لم تفصحا عن شيء .
أنزل يده عن ذراعها . فحدقت فيه بصلابة مدة طويلة :" ولماذا لا تتزوجها هي؟"
رفع حاجبه ساخراً :" أنتِ لست ساذجة الى هذا الحد يا روزالين . تعلمين أن ذلك لا يتوافق مع تقاليدنا ".
لم تعرف روزالين لماذا تشعر بالدهشة لقسوته هذه وعدم مراعاته للمشاعر . لقد عانقها ليخضعها له فقط ليثبت تفوق رجولته عليها ، بينما كانت هي تضلل نفسها بأنه يريدها حقاً ، فيا لحماقتها!
إنه لم يرغب فيها وهي في التاسعة عشر ، فكيف يرغب فيها بعد عشر سنوات؟ ربما صديقته امرأة شابة مذهلة الجمال ومستعدة تماماً لتلبية رغباته من دون اعتراض .
-هل وافقتِ؟
قطع عليها افكارها بصوته العميق فنظرت إليه وكان هو ينظر إلى ساعته بشيء من فروغ الصبر . فسألته وما زالت غير مقتنعة :" متى سيكون العرس؟".
لم تستطع ان تفكر في حل بديل لا يترك آن محطمة القلب.
-بعد اسبوعين أو ثلاثة . فليكن تصرفك هذه الليلة نحوي ودياً تماماً كما هو نحو جيمي وآن . وبعد أيام سنبدأ بإيهام الآخرين ان بيننا علاقة بتبادل العناق أحياناً او بعض الملامسات . وسيرى أبي ذلك حتماً وفي آخر الأسبوع سأعلن عن زفافنا . يمكنك ان تتركي لي بقية التفاصيل .
فسألته بجفاء :" هل لدي خيار آخر؟"
تأملها بعينيه الفولاذيتين من دون رحمة :" لا، إذا كانت سعادة آن تهمك كما تريدينني ان اعتقد فأنت ماهرة في التظاهر بمشاعر أنت لا تشعرين بها حقاً"
لوت شفتيها بابتسامة مرة. ان تتزوج رجلاً مثل خافيار ، يشك في إخلاصها ، في عقيدتها، ومشاعرها هو شيء يدعو الى السخرية حقاً.
وقالت بفتور :" لا بأس، انا موافقة".
وضع يده العريضة على ظهرها :" سيدة عاقلة ".
قال هذا بنبرة واضحة من الاعتزاز والرضى ، وهو يستعجلها للخروج الى الطابق الاسفل. وعندما اقتربا من باب الصالون ابتعدت روز عنه . لقد وافقت على ابتزازه لها ، لكنها لم تصبح جاهزة بعد لتمثيل دور الأنثى المغرمة المتألقة العينين . إنها غاضبة للغاية!
دخلت الى الصالون الفسيح أمام خافيار رافعة الرأس ثم أومأت تحيي الخطيبين الشابين السعيدين اللذين يجلسان بجانب بعضهما البعض على الاريكة . ثم تحول نظرها الى رجل وقف لرؤيتها ، وقد كان جالساً على كرسي عالي الظهر . أمسك الرجل بعصا من الخيزران ذات مقبض من العاج ثم تقدم نحوها . كان طويل القامة لكن كبر السن والمرض احنى كتفيه اللتين كانتا يوماً ما مزهوتين . كان يرتدي بذلة عشاء سوداء تبدو متهدلة على جسمه النحيل ، نظرة واحدة إليه انبأت روز هذا الرجل مريض جداً، وأن تهذيباً فائقاً فقط هو الذي جعله يقف على قدميه ساعة دخولهما . وعلى الفور سارت نحوه وهي تمد له يداً نحيفة انيقة :" لا بد أنك الدون بابلو ڤالدزلينو".
الحمدلله أنها تذكرت اسمه. هنأت نفسها لذلك :" أنت جد جيمي . أنا الدكتورة روزالين ماي ، ابنة عمة آن ورفيقتها الحارسة لمدة اسبوع".
تألقت فجأة العينان البنيتان الكئيبتان في ذلك الوجه الذي غضنه الألم :
-المعذرة يا عزيزتي ، لكنك اصغر واجمل من ان تكوني مرافقة حارسة. وفي الواقع على الأمهات ان يخفن من ان تخطفي انت الخطيب . أليس كذلك يا ولدي؟
وضحك بصوت خافت ، وانتبهت روز فجأة الى ان خافيار كان قد تقدم ووقف بجانبها . نظرت إليه ، فإذا به يبتسم لأبيه بحنان لم يدع لديها شكاً في مدى حبه له. رغم نفورها من فكرة إرغامها على هذا الزواج ، تفهمت فجأة اسباب خافيار . لقد احبت هذا الرجل العجوز .
فأجاب خافيار :" ربما انت على صواب يا ابي . ولكن إجلس من فضلك ودعني أحضر الشراب لضيوفنا".
واتجه الى الجهة الأخرى من الغرفة وسأل روز عما تريد ان تشرب .
فأجابت بنعومة ولكن من دون ان تحول عينيها عن الرجل العجوز :
-عصير الأناناس من فضلك.
عاد الدون بابلو ليجلس في كرسيه ثم نظر الى روز :" أنت طبيبة ولكنك لا تشبهين اياٌ من الاطباء الذين عرفتهم . صدقيني لقد عرفت العشرات منهم على مر السنين ، وأنا واثق انني لو رأيت طبيبة مثلك لكنت سأشفى على الفور" .
فقالت باسمة :" أنت يا سيدي ، متملق للغاية".
-هذا كل ما استطيع عمله الآن.
ردّ عليها الرجل العجوز بغمزة من عينيه انفجرت لها روز ضاحكة.
فقال خافيار وهو يناولها كأسها :" إنه مغازل رهيب . لا تشجعيه".
تناولت منه الكأس ، واحتكت أصابعها بأصابعه بشكل خفيف ، ما أرسل في كيانها كله شوقاً غير مرغوب به عليها ان تتغلب على هذا الشعور الذي يتملكها لأقل لمسة من خافيار . حدثت بهذا نفسها بحزم ، فقد قال لها بوضوح انه يريدها فقط زوجة ليسر والده. وهكذا عادت تشارك بالحديث العام، وهذه الفكرة في رأسها.

أعلن رئيس الخدم ابتداء العشاء فانتقلوا جميعاً الى غرفة الطعام .
نظرت روز حولها وقد تملكها شيء من الرهبة للترف والأناقة اللذين يحيطان بها . بدت الستائر واللوحات المعلقة على الجدران كأنها تنتمي الى عصر آخر ، أما المائدة فمن الاتساع بحيث تكفي لعشرين شخصاً ، وقد وضع فوقها أوان من الخزف الصيني الى جانب أدوات المائدة الفضية.
احتل الدون بابلو كرسيه عند رأس المائدة وأشار الى آن تجلس الى يمينه وروز الى يساره وجيمي بجانب آن ، ما ابقى لخافيار المقعد الى جانب روز.
مرّ العشاء على ما يرام. ساعدت خادمة فتية ماكس في تقديم الطعام. سلطة طازجة مع المكسرات ، تبعها لحم عجل مطبوخ على الطريقة الاندلسية مع زيت الزيتون والبندورة والبهارات والثوم والبصل.
كان الدون بابلو رجلا ذكياً سريع البديهة ذا معلومات واسعة عن التاريخ المحلي ، ومضيفاً ممتازاً . لم يتوقف الحديث بينهم حتى دخل ماكس فيما هم ينهون تناول الحلوى ، فأخبر خافيار بأن هناك مكالمة هاتفية له. وقف خافيار وقبل ان يخرج من الغرفة اوقفه أبوه بكلمة واحدة. تحدث الأب والإبن بأسبانية سريعة أخذت تزداد حرارة ثانية بعد الأخرى.
-أعتذر لسوء تصرف ابني.
قال الدون بابلو هذا بكبرياء هادئة . مخترقاً الصمت السائد وقد تخضب وجهه الشاحب بالاحمرار .
فاندفعت روز تقول وقد ساءها ان يتكدر الرجل العجوز :" لا تقلق ، إنه مجرد اتصال هاتفي . ان لديك بيتاً رائع الجمال يا دون بابلو ، ولا بد ان له تاريخاً مجيداً ".
لقد تعمدت تغيير الموضوع ، لكن ذلك كان اسوأ ما كان يمكن ان تقوله .
-نعم . أسرة ڤالدزبينو أمضت في هذه البقعة خمسمئة سنة . لقد تغير المنزل ولكنه ظل دوماٌ ملكاً للأسرة. والآن لسوء الحظ يبدو وكأن اسم ڤالدزبينو سيموت.
عاد خافيار في الوقت الذي كان فيه ابوه يتكلم ، فألقى على العجوز نظرة كريهة . ثم قال:" ارجو المعذرة لأن عليّ ، مع الأسف ان اخرج لفترة قصيرة".
وجه كلماته هذه الى جيمي وآن ، ولم يكد يلقي نظرة على روز ، ثم قال لأبيه شيئاً بعنف وغادر المكان.
فقال الأب وهو يشير براسه نخو الباب الذي خرج ابنه منه: " أترون ما كنت اعنيه؟ يتضح لي اكثر فأكثر ان ابني لا يريد ان ينجب لي وريثاً . في أول ليلة له في البيت ، يترك ضيوفه ... ".
وسكت فجأة وكأنه أدرك أنه قال اكثر مما يجب ، ثم قرع الجرس لماكس. وعندما جاء رئيس الخدم قال العجوز فيما كان ماكس يساعده على الوقوف :" آسف لاضطراري الى ان اترككم الآن . أنا متعب جداً، ولكنني أرجوكم ان تستمعوا بسهرتكم ".
بعد خروجه قالت آن وهي تضحك بصوت خافت :" أوه ... يا لها من مأساة! ".
فقال جيمي :" إنسي ذلك. طالما رأيت هذا من قبل . جدي وخالي دوماً يتجادلان . إنهما متشابهان إلى حد لا يمكنهما معه ان يتعايشا".
أما روز فقد تساءلت عما إذا كان بإمكان أي شخص على الكرة الأرضية ان يعيش مع خافيار ... وسألت جيمي وقد تملكها الفضول لمعرفة ماحدث :" أنت تتحدث الإسبانية يا جيمي . لماذا كانا يتجادلان؟".
فقال جيمي ضاحكاً :" غضب جدي لأن خالي ذهب ليقابل صديقته ، فهي التي اتصلت به ".
قرصت آن جيمي وهي تقول مازحة :" الأفضل لك ألا تتشبه بخالك وإلا خنقتك".
كانت روز تدرك شعورها هذا ، وقد تمنت في تلك اللحظة لو ان بإمكانها ان تخنق خافيار .
راحت تتأمل الخطيبين وأدركت أنها اصابت في قرارها قبول الزواج من الرجل . ذلك أن جيمي يحب آن وهي لن تحتمل رؤية حيوان زاحف مثل خافيار يدمر الخطيبين الشابين .
بعد تناول القهوة ، حيت روز الشابين تحية المساء وصعدت إلى غرفتها بحجة إصابتها بالصداع . لقد كان يوماً جهنمياً . لا شك ان خافيار يستلقي الآن بارتياح بين ذراعي صديقته .
أما هي فلم تجد سبيلها الى الراحة وهي تستعد للنوم بعد ان رأت الدون بابلو أدركت جيداً لماذا يريد خافيار هذا الزواج . ولكن، فليساعدها الله! كيف يمكنها ان تعيش مع رجل لا يرغب بإقامة علاقة معها بينما مجرد لمسة منه كفيلة بإشعالها؟
ارتدت بيجاما قصيرة بيضاء اللون ، وأخذت تدور في أنحاء الغرفة الفسيحة بقلق، فقد منعتها شدة التوتر من النوم . شعرت بأنها أشبه بطير في قفص من ذهب . كان عليها ان تبقى في الطابق الأسفل مع الخطيبين ، وهي على كل حال ، مرافقتهما الحارسة. ويا لها من مزحة! فقد اوهمها خافيار بذلك ليحضرها الى اسبانيا.
وقفت بالقرب من النافذة ونظرت الى الاسفل نحو الفناء ، فإذا بها ترى سيارة خافيار تدخل من خلال المدخل. لقد عاد باكراً من موعده مع صديقته .
نزل من السيارة ورأسه مرفوع الى النافذة التي كانت تقف خلفها وكأنه أحس بوجودها . تراجعت روز بسرعة ، ولكن ليس قبل ان ترى أنه كان من دون سترة ولا ربطة عنق.
لم تكن عودته مبكرة في الحقيقة . لقد خرج منذ ساعتين وحدثت روز نفسها أن وجود صديقته في حياته قد أراحها، متجاهلة الشعور بالفراغ الذي تملكها . فذلك يؤكد ما قاله لها خافيار . إنه يريد زوجة لا تتدخل في حياته. زوجة لديها اهتماماتها الخاصة وهي ستعود الى مهنتها مرة أخرى في الوقت المناسب . بعد ان رأت الدون بابلو احزنها ان تعترف بأن الرجل لن يتمكن من العيش مدة الثلاثة اشهر أي حتى تنتهي إجازتها . حاولت ان تحمل نفسها على التفكير بشكل ايجابي . فالزواج من خافيار سيجعل ثلاثة أشخاص على الأقل سعداء، آن وجيمي والدون بابلو . فكيف يكون هذا امراً سيئاً؟ كما أنها ستمضي عطلة طويلة في إسبانيا ، ولن تكون مضطرة إلى النوم مع خافيار ... اغمضت عينيها وحاولت ان تنام.
تململت في فراشها وهي تحاول ان تسترخي ، لكن عضلاتها ظلت متوترة ، ولم تفهم سبب هذا التوتر . وأخيراً دفنت رأسها في الوسادة داعية الله ان يساعدها على النوم.
في الصباح التالي قادتها الأصوات الى غرفة الافطار . بدا خافيار فياض الرجولة ، وابتسم لروز عندما دخلت :" صباح الخير ، روزالين. تبدين رائعة الجمال".
وأخذت نظراته تجري بسرعة فوق جسدها المتناسب بإعجاب الرجل الجريء . وكانت تلبس ثوباً من القطن منقوشاً بألوان زاهية .
يبدو ان الغزل المكشوف قد بدأ الآن، كما أخذت روز تفكر ساخرة، ولكن بما ان ذهنها كان مليئاً بوعدها ، ردت :" شكراً ، خافيار".
رغم انها كادت تختنق لنطقها بأسمه.
-بكل سرور ، لكنني آسف لعدم إمكاني قضاء الصباح معك .
ثم التفتت إلى جيمي وآن اللذين كانا قد جلسا إلى المائدة :" ومعكما أنتما الأثنين طبعاً ".
أنبأتها النبرة الساخرة في صوته بأنه يشعر بغضبها الكامن :" يمكنكم ان تمضوا الصباح انتم الثلاثة ، في التفرج على معالم المدينة، ولكن أحرصوا على العودة في الواحدة ، لأننا سنذهب الى المزرعة بعد الغداء"

كان هذا هو السبب الذي جعل روز الآن تذوب تحت شمس الظهيرة. هي ضائعة تماماً .
بدت سيفيل مدينة خلابة . القسم القديم منها مؤلف من خليط فوضوي من الشوراع الضيقة . وفيما هم يجوبون تلك الشوارع اختفى جيمي وآن فجأة ، تاركين روز واقفة في شارع تحفه أشجار البرتقال وهي تتساءل أين هي ، وأين ذهبا . بقيت تبحث عنهما لأكثر من ساعة ، إلى ان شعرت بالعطش وقد اشتد عليها الحر وتملكها الضجر . سارت في شارع ضيق آخر حتى رأت أخيرا امرأة تجلس بمفردها خارج احد المقاهي . وقررت روز أن تفعل مثلها فجلست على كرسي أبيض من البلاستيك غير نظيف تماماً . خرج من المقهى رجل خشن نوعاً ، فطلبت قهوة وكأس ماء.
بعد قليل ، جاء رجل غريب وأخذ يتحدث إليها . ابتسمت له بسخافة من دون ان تكون لديها فكرة عما يتحدث عنه. ولكن عندما أمسك بذراعها ، قفزت واقفة ونفضت يده عنها . ولم تنتظر النادل ، بل اندفعت الى داخل المقهى المعتم ثم وقفت أمام مكتب الدفع وفتحت حقيبة يدها.
كيف امكنها ان تكون بهذا الغباء؟ وجدت في حقيبتها عدة جنيهات إنكليزية ، ولكن لا نقود إسبانية. حاولت ان تعطي المحاسب شيكاً لكنه رفض ذلك. حاولت ان تفهمه أن ينتظر حتى تجد صرافاً يبدل نقودها بنقود إسبانية ، لكنه لم يدعها تخرج من المقهى . أخذ يصيح بها غاضباً بلغته، ولم تستطع ان تميز من كلامه سوى كلمة (بوليسيا) فأدركت أنها تعني الشرطة . لقد أصبح الوضع مهدداً.
وعندما شعرت باليأس ، ذكرت اسم خافيار ڤالدزبينو، والدون بابلو ، وطلبت من الرجل بالأشارة يتصل بهما هاتفياً، رمقها صاحب المقهى بنظرة ارتياب من أعلى الى اسفل ، وكرر متسائلا ً :" خافيار ڤالدزبينو؟"
ثم أشار يطلب أسمها .
-الدكتورة روزالين ماي.
تنهدت بارتياح وهي تراه يرفع سماعة الهاتف . تبع ذلك حديث سريع بالإسبانية ، وبعد دقائق تغير الوضع بشكل أثار حيرتها . ابتسم الرجل وناولها السماعة .
-ما الذي تفعلينه روزالين؟ وأين جيمي وآن؟
قال خافيار هذا هادراً ، فأجابت بحدة وقد كرهت ان يصيح بها :" لقد فقدتهما".
-يا إلهي! لا يؤتمن عليكِ في الخروج ، انتظريني حيث انتِ لا تتحركي ولا تتحدثي مع أي انسان آخر. سيمدك صاحب المقهى بما تريدين . أفهمت ِ ؟ ...
-نعم
قالت هذا بوداعة إذ لم يكن لديها خيار آخر.
-والآن دعي ثاحب المقهى يكلمني من جديد .
ما ان انتهت المكالمة الهاتفية ، حتى دفعها صاحب المقهى إلى العودة الى الخارج ، حيث مسح لها المقعد وأشار إليها بالجلوس عليه.
ثم تملكها الهلع وهي ترى صاحب المقهى يجلس على كرسي بقربها ، فشعرت كأنها تحت المراقبة.
تنفست الصعداء عندما اندفعت الى الشارع بعد عشر دقائق سيارة فيراري حمراء ، ثم توقفت خارج المقهى وصرير عجلاتها يرتفع عالياً ، وقد سدّت الطريق الضيق . ابتسمت روز عندما انفتح باب السيارة بعنف ونزل منها خافيار.
إلا ان ابتسامتها سرعان ما تلاشت عندما رأت التعبير المتصلب الذي ظهر على وجهه ، فأخفضت بصرها. كان يرتدي بنطلوناً تبني اللون وقميصاً اخضر قصير الكمين.
-روزالين .
صرخ باسمها فرفعت بصرها إليه كارهة ، فارتجفت لرؤية التعبير الذي بدا في عينيه . كلمة "غضب عنيف" ليست كافية لوصفه ....








آسفة على التأخير 😁 كتبت البارت ع السريع لذلك غلسوا ع السحگات وصوتوا 😍😘

Continue Reading

You'll Also Like

1M 31.2K 64
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...
2.9M 150K 40
لكلّ شيء ثمن، وكلما عزّ المراد ارتفع ثمنه. كأن همًّا واحدًا لا يكفي، أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض، فلا تنزل على الناس إلا معًا. العمر حين يطول يق...
14.5M 1M 71
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
1.3M 66.1K 22
كون هاي الدنيا تصغر حيل تصغر وتلتقي الوادم باهلها اي باهلها يعني انا وانتَ هيجي نلزم الدنيا ونذلها......