لآبرازو ؛ الحُضنُ المفتوحُ

By niveous_moon

69.5K 4.9K 5.9K

L'ABRAZO ; THE OPEN EMBRACE. First Book {Anniversary ; 22 July 2016} Characters ; BYUN BAEKHYUN KIM TAEYEO... More

The Start.
Author note.
1. يومٌ أسودُ
2. زهرةُ بنفسجَ ذابلةْ
3. سمٌّ و تِرياقٌ
4. فراشةٌ سوداء
5. جرعةُ حبّ و سعادةٍ
6. سَأَبْقَى
7. دُوبَامِينْ
8. كِذبةُ نيسانْ.
9. فهد وردي
10. التنورة القصيرة
11. المُعجَبُ السريّ
12. مَامَا
13. بِلْ بِيزْ
14. عَاصِفةٌ قَلبِيّةٌ
15. هدوءٌ وَ تنهّد
16. بين المشفى و المقبرة
17. الفراشة تانغو
18. Qué Serà ;Serà
19. التوأم الحنون
20. أسفل تعويذتها
21. شقائق النعمان
23. قلادة ضائعةُ و سرّ العائلة
24. Atràs -Backward-
25. إنتحارُ دموعٍ
26. ما بعدَ العاصفة

22. بين ذراعيها

1.1K 71 134
By niveous_moon

- Gift 🎁 -


-

السّاعة الخامسة عصراً.

فتحَ بيكهيون بابَ المنزل، و دخل البهوَ حاملاً الأغراض بكلتا يديه ليضعها بالمطبخ. لاحظ أنّ المكان هادئ، و هذا مثيرٌ للرّيبةِ بالفعلِ.

- بيون بالبيت.

صمتٌ.

- جوهيون ؟

رددّ نداءه لأكثر من مرتين اِثنتين لكنّهُ لم يلقى ردّاً.

- مونغي ؟

لم ينتظر أكثر و صعدَ لأعلى، حينها رأى الجروَ يغادر من غرفة أيرين و يقصده ليحتك برجليه بينما ينبحُ بتتالٍ ثم يباشر بالقفز و التّأشير على غرفة أخته، و كأنه يدعوه للذهاب إلى هناك. من دونِ إطالةٍ، رمى بيكهيون حقيبة ظهره أرضا و هرول لأختهِ، كما كانَ متوقعاً، لقد كانت مريضةً.

مستلقيةً بفراشها، فكيها و طوق الأسنان الذي يحملانه يصطكّان،  قوائمها ترتجف، قطرات العرق تتراقص بجبينها، بباقي حدود وجهها، رقبتها، و على الأرجح بكافة جسدها. وجنتاها كانتا حمراوتين، بمجرّد أن تلمستهما كفُّ بيكهيون أشعرتهُ بأنهما تحترقانِ. حرارتها مرتفعة و باتت الآن تؤثر على نومها الشاق هذا لدرجة أنها صارت تهذي و تتمتم بكلمات غير مفهومة و بأنين متواصلٍ.

أنزل بيكهيون الغطاء لحد  بلوغ منتصف  بطنها و راحَ يهزّ كتفيهاَ برفق لتستفيق في حين علامات القلق بادية على وجهه:

- جوُ! أختي !

ما لبثت هنيهة حتى تفتحت أجفانها الثقيلة بمشقة كبيرة :

- أ..أشعـ...رُ بالصّقيـ..ـعِ يسري بدمي أ..أخي..

ما جعلها تحسّ بهذا ؟

هرع لدرج الطاولة الخشبية الجانبية المجاورة للسرير و أخرج المحرار، بعد وضعه أسفل إبطها و انتظاره لثوانٍ حصل على الدرجة:

- حرارتك تتجاوز الأربعين !

كانت قوائمها متألمة، بمجرد أن يلمس جزء من جسمها تتأوه، قلبها ينبض بحرارةٍ ما جعل بيكهيون يقف و يسير بضع خطوات مبعثرة بالغرفة لا يدري أي شيء يفعل بالضبط. نزل بعدها بسرعة البرق للمطبخ، أحضر وعاء و سكب فيه قليلا من الخل الممزوج بالماء، أخرج من علبة الإسعافاتِ الأولية المتواجدة بالحمام كمّادات و عاد أدراجه لغرفة أخته: وضع الكمّاداتِ المبللة بالماء و الخل على جبينها و أخرى فوق بطنها . الحمّى سوف تؤثر عليها إن واصلت بهذا الشكل:

- هذا لن يكفي.. مطلقا لن يكفي !

فكر قليلا، تذكر كيف كانت والدته تعالج الحمى التي كانت تصيبه، توجه لخزانة ثياب أخته، و بحث عن جوارب قديمة الاستعمال ثم بللها كذلك و البسها قدمي أخته. سيفي هذا بالغرض ريثما ينادي جارهما الطبيب.

- سأعودُ بسرعةٍ، همم؟

نزل من جديد. ارتدى حذاءه بطريقة غير مرتبة البتّة ثمّ فتح الباب و سار ناحية المنزل المجاور لخاصتهم من دون أن يغلق الباب خلفه حتى. كانت الشمس تتوارى خلف البنايات الشاهقة لمدينة سوتشو، و السماء قد ارتدت  تدرجات اللونين الأحمر و الأزرق الباهتين مع  اقتراب موعد الغروب.

طرق بيكهيون باب السيد هان الطبيب، بمرور دقيقة كاملة  من الطرق المتواصل، و من غياب أيّ إجابة تكهن بأنه غائبٌ عن المنزل، و حينها فقط تذكر أنه رآه أمس يحملُ حقيبة ملابس كبيرة يحشرها بسيارته:

- لا يعقل، هل سافر للصين؟

#Byun Baek Hyun

الطبيب هان من أصولٍ صينية، و هو معتادٌ على السفر لبلده الأم كل نهاية شهر، تماما كما فعل بالأمس. كما يقال، المتاعب غالبا ما تحلّ دفعة واحدة من دون رأفة بالشخص الذي تقع عليه. و لم قد تكترثُ مُصيبةٌ إن كنتَ وحيدا من دون عونٍ، يتيماً، أو أيا يكن. مهمتها الوقوعُ فحسب.

من الغباء أن نتوقع من شيء صُنعَ ليسقط، أن يرتفعَ.
كلنا أغبياء.

لم أكن أعلم ما قد أفعله بالضبط بينما خطاي تقودني مجددا ناحية المنزل. ها أنا أحس نفسي مكبلا من جديد. كنتُ أنوي إيقاف سيارة أجرة لكي أقل أختي للمستشفى و إذا بي ألمح جسد سيهون يقترب ناحيتي.

كان آخر من قد أريد التناقش معه أو أفتح حوارا بشأن أي شيء و بالأخص أختي. بدوتُ مستعجلا، و برؤية تقاسيم وجهي القلقة و التي لم أجتهد بإخفائها سأل على عجالة بنفس كمية القلق التي أدسها:

- هل بيون جُو بخير؟

لقد قفز للنتيجة بسرعة متكهناً حال توأمي، كنتُ أريد أن أصرخ بوجهه ليذهبَ بعيداً، أن لا شأن له بما يحصل معي و مع أسرتنا الصغيرة، لكنني لم أستطع. ربما لأن هذا قد يؤذي أيرين إن علمت، أو ربما بسبب بقايا حطام صداقتي القديمة معه:

- ليست كذلك، و عليّ نقلها للمشفى.

وكأنني قلتُ بأنّ والدته توفت، رأيت وجهه يتجهم و حدقتا عينيه تتوسعان. لوهلة هالة البرود التي تحفه اختفت و عوضت بكمّ هائل من التخوّف.

- كنتَ تبحث عن الطبيب هان، صحيح؟

سيهون يعلمُ أن جارنا الطبيب هو من ألجأ إليه عادةً عندما نحتاجُ للعون، و برؤيته لي مغادرا منزل الطبيب قبل دقائق تأكد من فرضيته:

- ليس بالمنزل.

أجبتُ باختصار و توجهتُ ناحية مدخل المنزل فيلحقني هو:

- لقد زرتها قبل ثلاث ساعاتٍ و كانت جيدة، لا يمكن بين ساعة و الثانية أن يتدهور حالها هكذا !

استدرتُ ناحيته بينما أعاير ما قاله للتوّ: زارها ؟

- فعلتَ ماذا؟

اقتربت خطوة منهُ.

- بأيّ حقّ تزورها و أنت تعلم أن رؤيتها لك قد ترديها مريضة؟

- إلى متى ؟

دنا هو.

- إلى متى يجب عليّ أن أتجاهل ماضيَّ مع أختك؟ أريد تجاوز ما حدث، أن أعود لما كنا عليه لكن بشكل أفضل بكثير.

- إذا توقعاتي في محلها! أنت من جعلها تمرض اليوم إذا؟ من جعلها تمرض آخر مرة، و في كلّ مرة ربما. أنتَ داؤها، و أنا أسعى لكي أخلصها منك لهذا فقط افهم هذا و ابتعد.

دفعته عني بعصبية، متناسيا كل الكلام الإيجابي الذي قلته لأختي بشأن إعادة النظر في علاقتها معه. أنا تجاهلتُ مكانته بقلبها لأنه باختصارٍ هو أذاها اليومَ.

- أنتَ لن تفهم مطلقا هذا، أنت تملك أما، تملك أبا، يدللانك لأنك طفلهما الوحيد، لن تنضج و لن تصبح مسؤولا البتة، سيهون لستَ نحنُ، لست بيون سيهون لهذا لن تفهم، يكفي، ابتعد عن أختي.

عاد للاقتراب مني و دفعني للخلف بدوره:

- لا تكن أنانيا، كلانا يحب بيون أيرين، لكن كلّ بطريقته الخاصة، أنتَ كأخ و أنا كنصف ثاني يكملها.

- كُنتَ، و لم تعد.

بنوع  من التمرد، رأيت قبضته تحلق ناحيتي ثم بعد ذلك. شعرت بالألم الذي اعترى وجهي بعد لكمة منه. كنتُ مهتاجاً غضباً الآن، لدرجة أنني نسيتُ حال أختي المتدهورة بالأعلى و انقضّ جسدي على سيهون لندخل بحرب ملاكمة. سبق و أن فعلنا ذلك مرارا بسبب خلافاتنا منذ أيام طفولتنا، لكن لم يصل بنا الأمر أبدا أن نتقاتل من أجل أختي.

لم نكن نخطط للتوقف رغم أننا جبنا مساحة المدخل و مررنا بوحل الحديقة، و دام تقلبنا مدة طويلة ، و لو لم يتدخل أحدٌ ما حينها لفعلنا ذلك لغاية الفجر. لم نعتد، لا أنا و لا، هو أن نوقف شجاراتنا السابقة إلا بتدخل طرف ثالث يملك سلطةً علينا نحن الاثنين، إنها القاعدة رقم واحد التي فرضها الواحد منا على الثاني قبل أن نصير أصدقاء.

ربما كنتُ أقصد قول أخوة.

كان ذهني شبه غائب عن الوعي و لم أكن أستطيع سماعَ أيّ صوت ثان، سوى صوت اللكمات المتبادلة.

- يكفي !

سمعتُ حينها فقط صوت الصراخ الأنثوي ذاك، ما جعل عقلي يسترجع حواسه بسرعة. كان جسد أيرين الهزيل يستند على الإطار الخشبي لباب المدخل. بجوارب ندية تعانق قدميها، شعر مبعثر شبه مبلل بسبب الكمادات التي وضعتها عليها. كنتُ خائر القوى لأتحرّك إنشا واحدا، كذلك كان حال سيهون. وددتُ لو أنها لم ترنا بذاك الحال.

- يكفي ! أتوسل إليكما!  تدعيان أن صحتي الأهم لكنكما تفعلان كلّ شيء، تنتهجان أيّ سبيل لتحطيمها! توقفا !

هي تبكي و قلبي عاد للتحطم من جديد:

- لم تصعبان الأمر عليّ؟ لم تعذبانني؟  سئمتُ الوضعَ..

جثت ركبتاها أرضا و بدأت تنتحب لكن بصراخٍ. جمعتُ شتات قوتي المبعثر و حاولتُ أن أقوم إليها. بمعاناة و مشقة بلغتُ جسدها، لم تملك الطاقة لتبعدني عنها، لازالت الحمى تأكل جسدها الذي يرتعش بنفس الوقت برداً.

لا نمتلك الكثير من الجيران الفضوليين. على العكس، محيطنا غير مبال إن صرخ أحدهم حد تمزق حباله الصوتية. لذلك، لم تفتح نافذة، و لا باب لتفقدنا إن كنا قد تعرضنا لمكروه.

تذكرون المتاعب؟
أجل، هي تقع، تتجمعُ، و تجعلكَ تتخبط فيها لوحدكَ.

حملت شقيقتي إليّ، رغما عن الألم الذي ينهشني ببطء، و قدتها لداخل المنزل، تاركاً سيهون ملقيا أرضا، رأيتُ الدموع متراكمة بعينيه، ثم تسير عبر خديه. لم يتحرك قيد أنملة، سوى لحمل هاتفه و إجراء اتصال.

لا أعلم لمَ، لكن خلال شجارنا مشاعري تجاهه شقت الماضي و عبرته لتتسلل إلى فؤادي. اعتقدتُ أنني لن أعتبره أخي مجددا، بعد أن طردتُ من الثانوية بسببه من دون أن يتكبد عناء تقاسم العقاب معي، أو أن يتظاهر بالاعتذار حتى، لكنني لن استطيع، و إن بدوتُ ساخطا عليه مؤخرا.

وضعتُ أختي على الأريكة، جلستُ بقربها، تركت أصابعي تجوب وجهها الشاحب، سحبت منديلا ورقيا من العلبة الموضوعة على الطاولة بجانبي و رحت أجفف دموعها.

- فيوليتْ كل ذاك من أجلك أقسم، لكن كيف تتركينه يأتي هنا؟ حسنا أخبرتك أن تفتحي قلبك، لكن لا أن تؤذي نفسك، افتحيه بروية، فيُو أنا..

- يكفي أخي، أشعر بالاختناق  و الغثيانِ.

- آخذكِ للمشفى؟

- بل إلى غرفتي..

- تذكرين ما قاله الطبيب بشأن تنازل صحة قلبك بأي شيء عابرٍ..

- لا تضيع أنفاسي.. قلتُ.. غرفتي..

ما نفعُ أن يبني الأخرقُ شيئا؟
إنهُ سيهدمهُ بكلتا يديه لاحقًا.

- حسنا.

مختنقةً و هادئةً، غادرت حنجرتي تلك الحسناً.

قامت من مكانها، لكن لم تكن تقوى على التقدم، ما جعلني أقف و أحملها لغرفتها. أعدت ترتيب كماداتها ثم تركتها ترتاح. نزلتُ لأسفل سمعتُ جرس المنزل يدقّ، لم أكن أملك وقتا للحديث معه مجددا لهذا لم افتح الباب و نزعت معطف زيي المدرسي الملطخ بالوحل الذي لم أغيره بعد، لكن القرع استمر و تواصل، كاد فمي ينطق بشتيمة مزمجرة أو كلمة بذيئة ، و لحسن الحظّ لم افعل لأنّ صوتاً أنثويا آخر سمعته يصدح خلف الباب:

- هل أنتما طفلين لتفعلا هذا؟

ماذا تفعله الآنسة كيم هنا؟
و لم بهذه اللحظة بالذات؟

لقد ودعتها بوجه بشوش و سليم قبل سويعات بالحديقة المدرسية، و الآن.. الآن وجهي مهشم إن صحّ القول.

قبل أن أقدم على  فتح الباب عاينت مظهري بعد إلقاء نظرة سريعة على صورة وجهي بالمرآة المعلقة قربه: كدمتين داكنتي اللون تغطيان مساحة واسعة من وجهي الأبيض البشرة، الأولى بركن شفتي الأيسر و الثانية فوق عيني اليمنى، ناهيك عن خط الدم الذي يسري عبر أنفي نزولا للاختلاط بالجرح الذي شق بشفتي السفلية.

أغمضتُ عينيّ، أشعر بالألم يسكنهما. احتدّ القرع و لم أجد نفسي سوى أفتح الباب بهدوء.

كانت الآنسة كيم واقفة، سرعان ما سبقت يدها كلماتها لتغطي ثغرها بصدمة بعد رؤية منظري، في حين كان سيهون جالسا على أول درجة من درج مدخل منزلنا، ظهره مقابل لي بينما يحدق بالأمام، ربما بالحديقة، لا أعلم. كان هادئاً، كالهدوء الذي حلّ قبل أن تنطق الآنسة كيم:

- ما الذي بحقّ السماء فعلتماه بنفسيكما أيها الطفلين !؟

طأطأتُ رأسي و أزحتُ جسدي جانبا لأفسح لها الطريق لتدخل، لكنها صارت تعاتبنا:

- تخططان لتشويه بعضيكما سيد بيون و سيد أوه؟

- لسنا بالصفّ، لهذا لا أعتقد أن شجارا مع صديقي قد يعنيكِ آنسة كيم.

قال سيهون ببرود ينمّ عن عدم ارتياحه للآنسة كيم و هذا فقط أزعجني.

- و لستَ بمدخل منزلك أنت الثاني لذلك انصرف.

نقلت الآنسة كيم نظرها بيني و بين صديقي المتمرد بصمت، فغر فاها لقول شيء ربّما، لكن سيهون قاطعها بعدما استقامَ واقفاً و استدار جذع جسده ليقابلنا:

- لا تتظاهر بالقوة، قلبُكَ يعاني أيضا، تماما كما يفعلُ خاصتي.

رأيتُ نوراً يشعّ خلف كتف سيهون لسيارة توقفت محاذاة الرصيف الممتد على طول منزلنا، ثم سمعتُ صوت فتح باب السيارة الفخمة تلك، استدار سيهون و نزل الدرج بينما يتم ما بدأ:

- كلاناَ لا يحصل على الفرصة التي يريد.

سادَ الصمتُ أثناء مغادرة سيهون و وقوفي أنا و الآنسة كيم نحدق بالشخص الذي نزل من السيارة: كان طويل القامةِ عريض الكتفينِ، بتصفيفة شعر تسدل بعضا من خصلاتهِ على جبينه. الطبيبُ أوه ميونغدو،طبيب أيرين الخاصّ الذي تتابعُ لديه فحوصاتها و مراجعاتها الطبية مؤخراً. لم أتساءل حول سبب قدومه، لأنه من أجل مداواتها، لا حول كيفية معرفتهِ بأمر مرضها المفاجئ، لأن سيهون حتما من اتصل به، كونه ابن عمه الأكبر.

-

خائر القوى كنتُ بالفعل، و لم تتركني الآنسة كيم على أيّ حال أن أبرح الأريكة السوداء بغرفة الجلوس. لم أعارض و تركتها ترافق الطبيب لغرفة أختي.

بقيتُ مطأطأ الرأس، لا أعلم حتّى لِمَ لَمْ أقم بشيء أعالج به جراحي بعدَ غسلها. نزل الطبيب ميونغدو سلم المنزل بمحاذاة الآنسة سامعاً إيّاهُ  يقول:

- كالعادة، مريضتي تعرضت لتأزم قلبيّ خفيف على إثره ضخّ قلبها الكثير من الدم، ما جعل حرارتها الداخلية ترتفع في حين الحرارة التي تدفئ جسدها تنخفض.

وقف نهاية الدرج و شرح:

- بفعل اختلال الحرارة قد يختل نظام عمل ذهنها جزئيّاً، و هذا ما يفسر الهذيان المستمر، حقنتها بمصل سيعالجها و أرجو أن تأخذ بعناية الأدوية التي سجلتها لها.

قدم الوصفة للآنسة كيم التي شكرته، ثم رأيته يحدق بي بعدَ أن اقترب منّي:

- أعلم أنه ليس سهلا بيون بيكهيون لكن اهتم بأختكَ أكثر. أذكر أن والدتك هذا ما تلفظت به قبل لفظ أنفاسها الأخيرة.

لم ينتظر ردّي، بل غادر بعدها. لم أكن أملك شيئا لأجيبَ به غير إيماءة رأسٍ، تغطي شعوري بالخزي من نفسي للمرة التي لا أعلمُ ترتيبها.

لقد حضر هو لحظة وفاة أمّي، إنه طبيب العائلة بدءً بأمّي، ثم أختي..

قلبي اشتدّ، أحسست بألم يعتصر أوردتي و شراييني. أحسست أن روحي تريد مغادرتي، أن خلايا جسدي باتت تئنّ.

هذا مضنٍ. كنتُ أصارع نفسي لتصارعني داخليا، و رغم ذلك بدوتُ هادئا كلّ الهدوء خارجيا.

أغلقت الأستاذة الباب خلف الطبيب لكنها لم تغادر و لكم وددت لو فعلت.

- أين تضعون علبة الإسعافات الأولية ؟

سألت و هي تجولُ بعينيها حول ما يجاورها.
قبل أن أجيب، و لم أكن لأفعل لأن فمي يرفض أن يفصح شيئا سوى الآهات، لفتت انتباهها العلبة و هي موضوعة فوق الطاولة الرخامية للمطبخ. قصدتها و أتت بها قبل أن تجلس بجانبي. كانت ترتدي زيا رياضيا، سروال أديداس أسود اللون و قميص ابيض، شعرها كان مربوطا لأعلى، و فقط غرتها السوداء تنزل بهدوء عبر جبينها.

- بيون اعتدل بجلوسك دعني أعقم لك جرحك.

كنت جدّ خجل من نفسي حينها، انقدت لأوامرها من دون أن أنظر إليها حتى: أولا لكي لا أربكها بأن تفصح عيناي عما يجوب بداخلي، و ثانيا أجفاني كانت منتفخة و ثقيلة للغاية لكي أرفعها.

كان ملمس الكحول باردا على بشرتي الدافئة، رائحته تسللت لأنفي. و بعثت ذاكرتي من جديد، عندما كانت أمّي هي من تعقم جراحي بعد كلّ شجار أخوضه خارجاً.

أما الآن فالآنسة كيم من كانت تمسك بأصابعها البيضاء قطعة القطن المبللة بالكحول الطبي و تمررها على الكدمات بحذر بالغ مخافة أن تؤذيني أكثر. رغم أنها من دون قصد ضغطت عليها بشدة ما جعل تقاسيم وجهي تشتد بينما أغلق عينيّ بقوة، فرقتُ شفتيّ و غادرهما أنين شبه مسموع.

- آسفة، لكن كلّ هذا بسببكَ، فقط للتذكيرِ.

قالت هي بينما تواصل تجفيفها للدم الذي ينزل عبر أنفي بوتيرة أبطأ من الهواء الذي يحفنا، و الذي رفض أن يتحرّك و يُحرّكَ معه إحراجي و كذا رغبتي بالانفجار. حتى و بغيمة عطر الكحول التي تلفني إلا أنني أستطيع تمييز عطرها المركز الذي تستعمله، و الذي ساق نفسه مباشرة لقلبي من دون مشقة و عناء و جعلني أسير أولى خطواتي ناحية الثمالةِ.

استعادت ملامح وجهي وضعها الطبيعي، و راحت الآنسة تمرر قطعة القطن على شفتي السفلية، توقف النزيف الضعيف بها. بنفس الأنامل التي أريد أن تسير كخطوات الأطفال على بشرتي كانت تطبق لاصق الجراح، بنفس نظرة القلق التي أريدها أن تحتضنني كانت تنظر إليّ.

فقط لو بإمكان فمي أن ينقل الصراخ الذي يصدح به قلبي!

حينها لم أكن أدري أ أنا أفكرُ بمقدار غبائي لأنني لا  أزال لم أبلغ مرتبة الفتى الناضج بعد لأتشاجر مع صديق لي، أم أفكر بمدى العمق الذي أنا به في بحر إعجابي بآنستي.

شيء واحدٌ كنتُ متأكداً منه، هو أن كل حروف الأبجدية، و إن اجتهدتُ بترتيبها فلن استطيع البوح بما أشعر به من هوجاء المشاعر التي تجتاحني الآن.

- كيف تؤذي نفسك؟ هاه؟ كيف تفسد بياض وجهك؟ أ لستَ القمر الأبيض وسط الليلة حالكة السواد؟

هذا ما أخبرته بها صدقا، البدر المكتمل الذي ولد بالليلة الحالكة الظلام. كان تعليقها ساخرا، و لم تتوقف عند ذلك الحدّ.

- هل رأيتَ يوما القمر يشوبه السواد؟ أم رأيت الدم يجري كالنهر عبره؟

صريحةٌ هي في كلّ ما تقوله، حتى تعابير وجهها كانت صادقة و هي تلقي بكلمات العتاب عبر فمها لتبلغ مسامعي.

- بيكهيون أنتَ كيف تهدرُ قوّتك على أمور كهذه؟

بمجرّد أن نادت باسمي مجددا نبض قلبي نبضة عنيفة ما جعل عينيّ ترتفعان لتقابلا خاصتيها قسرا.

- إن وضعتها بشجارٍ و أمر لا يستحقها، كيف ستستمد شقيقتك القوة من شيءٍ فارغٍ منها؟

ألمُ قلبي صار لا يطاقُ.

نبض قلبها قريبٌ للغاية من قلبي. ُ ببؤبؤي عينيها لمعة الصدق التي لطالما ميزتها. سواءً كانت تعلمُ بأمر مشاعري أم لا، ستبادلني المشاعر أم لا، الآنسة كيم نوعا ما مهتمة بغيرها بصدقٍ، هذا ما يجذبني رغما عني ناحيتها.

- بيكهيون أنتَ تسيء لنفسك أيضاً. عهدتكَ أكثر رزانةً من هذا، لا تجعل الحياةَ تستفزّك.

كلماتها أعمق مما قد تصل إليه سكّينٌ، بدا و كأنها مزقت أكياس الدموع التي تخزنها عيناي، و اندفعت هذه الأخيرة تفيض، تتمرد ثم تنزل دافئة لتلتقي عند حد ذقني رغم أنني حاولت أن أمنعها، أن لا أبكي أمامها، أن أتشبث بقواي.

بينغُو.
فشلتُ.

طأطأتُ رأسي و أمسكته براحة كفّيّ. فجأة اندفعت عبر فمي كلماتٌ لم أعهدني أخرجها بل أحفظها لنفسي. لم أعهدني بهذا الضعف لأنكسر و أفصح عنها:

- حسنًا.. أنا مُرهقٌ.

سكونٌ، ثمّ بعد أن أخرجت الكلمَ من عمقِي أخيرا، همستْ:

- أوه، بيكهيونْ..

- أنا جدُّ مرهق و صرتُ لا أجدي نفعا سوى في إفساد الأمورِ..

سجلتُ توقفاً، دموعي تمنعني من قولِ ذلك، أنا أعلمُ أن شهقاتي ستزيد، هذا سخيفٌ.

بيكهيون أنتَ كبيرٌ على هذا.. أنتَ رجل..

شعرتُ بذراعين تحيطانِ كتفي و تقربانني بلطف ناحيتها، إلى حضنها، إلى قلبها.

عظيمٌ، ها أنا ذا غدوتُ كالرضيع أبكي، لم أبكِ كذلكَ منذ وفاةِ أمّي، منذُ أن غادرت روحها و استلقيتُ بحضنها الفارغ من الدفء ، حاولتُ أن أحيط بذراعيها حولي حينها لكن الحضن لم يشتدّ  و لم يضمني، بل تلاشى.

- لا شيء يعالج اشتياقي لها و إن شغلت نفسي بكل مهامِ العالمِ. و جوهيونْ تتداعى لكل سبب صغير أو كبيرٍ.. و أشعر بالعجز معظم الأحيانِ. أنا..  أنا مرهقٌ.

قلتُ ذلك بينما أتمسك بحضن الآنسة بشكلٍ أكبر و هي مسحت على رأسي، هناك بعض من دموعها يتساقط عند كتفي.

- آسفٌ..

- شششْ، بيكهيونِي. عند الشعور بالإرهاقِ أنتَ يجبُ أن ترتاحَ لا أن تتأسَّفَ. لذلك ارتكز عليّ هذه المرة، و في كل مرة تشعر بالإرهاقِ فيها أنا بالجوارِ، همم؟   أ ليسَ هذا ما نفعلهُ؟ نتناوب في الاتكاء على بعضينا؟

أنا تراخيتُ، و لم يكن ما فعلتهُ مجرد الارتكازِ.

-

هدأتُ و تجاوزتُ نوبة الضعف تلك التي انزلقت رجلي و وقعتُ بها فجأة. كنتُ أعتقد أن التواجد بحضن الآنسة كيم سيقتلني لأن نبض قلبي سيجنّ، لكن على خلاف ما اعتقدتُ، فإن نبض قلبي بقي هادئا.

بآخر رقصة تانغو أديتها معها الأسبوع الفارط كنا كلما اقترب جسدانا في رقصة مغلقة قلبي كان يسجل توقفا عن النبض، أو أنه ينبض بهدوءٍ، لأنني نوعاً ما أنشغل بالوقوعِ بحبها بدلَ أن أولي قلبي الوقت ليفكر بالنبض. و بمجرد أن يفترق جسدانا ليعودا إلى رقصة مفتوحة ينتقمُ قلبي و يبدأ بالقرع بقوة و بسرعة و كأنه نعامة تعدو في مضمار الشغف. نعامةٌ لأنه جبانٌ.

و هذا تماما ما يحدث لي الآن بعد أن ما عاد لي سبب يجعلها تبقيني بحضنها، ابتعدتُ و مسحتُ بكم قميصي دموعي، كان وجهي إضافة إلى الكدمات التي تزينه أحمر اللون.

رنّ هاتفها فاستدارت لتفتح الحقيبة السوداء خاصتها التي أحضرتها. قالت بعدَ أن أنهتِ الاتصالَ:

- أحتاجُ الذهاب الآن بيون بيكهيون، كنتُ أريدُ أن آخذ مونغ ريونغ بجولة ركض لكي أخفف عنك مهامك لكن انتهى بنا الأمر لهذا.

- آسفٌ، ضيعتُ برنامجك، تعلمين كان بإمكانكِ المغادرة و لم يكن هناكَ داعٍ للبقاءِ..

قمتُ من مكاني:

- أنا شخصٌ سيء لم أضيفك حتى، دعيني أحضر كوب عصير و بعدها.

هممتُ بالتوجه للمطبخ و أنا أعلمُ أنني بتّ أثرثر كثيراً  لأنني شعرتُ بالحرج مما كنا نفعله للتو، و إن كان مجرد احتضانٍ، على الأقل هذا ما قد تفكر فيه هي، لا أنا.

- أبداً لا ترهق نفسك بيون، رجاءً. سأغادر الآن و أنت اهتم بأختك و بنفسك. سأراكَ قريباً ، و احرص على أن تكونَ جيداً حينها، حسنا؟

قالت ذلك و هي تسير ناحية الباب:

- يبدو أن مونغ ريونغ لن ينزل لمرافقتي، إنه مستلق بجانب أيرين فوق سريها.

وقفت مرتكزا على الباب و ابتسمتُ:

- إنه يحبها، كما تحبينه أنتِ.

و لكن ليسَ كما أحبّكِ أنا..

ودعتني ثم غادرت بينما تجري اتصالا بهاتفها.
عيناي لم تبرحاها سوى بعدَ أن اختفت عن ناظريّ. أغلقتُ الباب ثم سرتُ بينما أعيدُ عرض ما حدث قبل بضع دقائق قليلة مضت، بذهني.

أخذتُ نفسا عميقا ثم أرخيتُ جسدي على الكنبة.
لا تزال المناطق التي لمستها دافئة.
احتضنت جسدي علني أحافظ على هذا الدفء.

#Kim Tae Yeon

رنّ هاتفي الموضوع على الطاولة بجانب سريري. كانت الساعة تقاربُ منتصف الليلِ، أبعدتُ قناع النوم الأسود عن عينيّ  ثم الغطاءَ و أمسكت الهاتف لأجيب بصوت نعسٍ بحٍّ:

- مرحباً.. أجل كنتُ على وشكِ النّومِ.. بهذهِ السرعة ستعودُ؟.. ماذا عن تحضيراتنا؟ قلتَ بأنكَ ستبقى في سوتشو لغاية حلول الصيف..

أبعدتُ الهاتف قليلا عن أذني، كان ينطق بكلامٍ و لم أستطع أذية أذني بالإنصاتِ إليه، لأنني بطريقة أو بأخرى أعلمُ أنها مجرد كذبات ملفقة جديدة يتلوها على مسامعي.

- لنلتقي بعد  غد و نحصل على غذاءٍ سويّاً، هناك سنضع النقاط على الحروف فيما يخصّ التحضيرات.

أعدتُ تقريب الهاتف لأذني و لم أجب سوى بِـ:
- كماَ تشاء. عمتَ مساءً.

تفقدت المنبه و تركتُ الهاتف على الطاولة من جديد. لم أعد وضع قناع النوم لأنه مهما حاولت و مهما فعلتُ لن أستطيع إغماض عينيّ أو طمس الصور العالقة بذهني.

ما الذي أنا بصدد فعلهِ؟

مسحت وجهي و تنهدت بصوت مرتفعٍ للغايةِ:

- أبي ما هذا الذي وضعتني بهِ !

أصدّق أن خطط الآباء و نظرتهم المستقبلية للأمور لا تخيب. أبي فقط لن يأخذ قرارا مصيريا خاطئا لأجل ابنته الوحيدة، و مع ذلك قدمني لكانغ ريول و أشرف على يبلغ تطور علاقتنا تدحرجا مثاليا ناحية الخطوبةِ.

كان الورقة الرابحةَ لسعادتي.

و كمحاولة لصنع علاقة جديّة، قدّمتُ جلّ ما أملكُ من شغفٍ، و أستطيع أن أقسم بشأن مجهوداتي إذ كانت تحت إشراف والدتي، غير أنني قُوبِلتُ بالقليلِ. اعتقدتُه سرّ الجاذبية ربما، إن كان كل شيء سلسا، فإنهُ لن يكون للموضوع متعة على الإطلاق. الرجل الذي يبقي بعضا من المساحة بينكما هو من سيوقد جنونكِ للتعلق به أكثر.

اعتقادي مخطئ إذا، لأن القصة بيننا احتفظت بوتيرة هادئة. إنها لا تنخفض لا ترتفعُ.. ثمّ قصة عارضة الأزياء التي أخبرتني عنها تيفاني، و التي لم أنسها بعدُ، و لم آت على ذكرها لأحد آخر غيري.

من دون نسيان حصة الشغف القليلة التي أحاول تجميعها لأجل التقدم بالحياةِ. لن أستمر إفراغها بدلو مثقوبٍ !  إما أن يضرب سطح الأمور نيزكا فينقلب و يصبح أفضل، و إلا..

- و إلا ماذا كيمْ تايون؟ ما الذي ستفعلينهُ؟

سأشكّ بخطط أبي، كلها..

- و فقط؟

سأعاير أين يصب شغفِي و أتجهُ إليهِ.

شغفٌ يهدمُ،
و شغفٌ يبنى..

أرمم الأول و أسقط الثاني؟
أم
أتجاهل الأول و أنمي الثاني؟

لم يتوقف الحديث الداخلي ذلك هناك، تمدد، تشعّبَ، لحين الساعة الثانية صباحا.

- اللعنة عليك كانغ ريولْ.

و لن أدخل حياة شخص ملعونٍ.
عمقي يعلم هذا و يصدّق هذا.

_
انتهى 🌺،

تشوُاه ؟ 🎼


Continue Reading

You'll Also Like

117K 6.6K 59
ترجمة للكاتبة : _microcosmo_ كيم جونغكوك صغير عائلة كيم، والذي يكبره ستة إخوة يفرطون في حمايته ويكونون صارمين في بعض الأوقات. كيف ستكون في حياته معهم...
1.9M 24.1K 9
أن تُسَجن في عُمرِ الزُهور وِسط أسوارٍ كوَّنها حُبّ مُتمّلك مَنع عَنها الحَياة ..! صَبيَّة في مُقتبلِ العُمر تُطارَد مِن قِبل أقرَبُ الناس اليها أن ت...
20.3K 1.4K 7
السائرون بعيداً عن أوميلاس (مترجمة ومرفقة بدراسة تحليلية) Eng. ver. + نسخة عربية ترجمة : ريا هشام مرفقة بالشرح و بدراسة أدبية و آراء النقاد. The Ones...
14K 767 15
كل شيء رائع و مثالي في حياة أزميرالدا الهادئة،من إستيقاضها في الصباح حتى قضاء الليل مع اصدقائها في النادي الليلي.تنقلب حياة أزميرالدا بعد مشاهدتها لج...