عادت إلى المنزل و قد سرق التفكيرُ عقلها ، لم تنتبه لأخيها الذي كان يحدّثها إلا عندما تناءت عنه ، سار خلفها و جرَّها من ذراعها ..
- أفلِتْني !
صاحت متألِّمة ، فركت ذراعها بألم ، عيناها تُرسِلان شرارات حقدٍ نحوه
- بِمَ شاردة ؟
- ما شأنك !
- أنتِ لم تستمعي لما أقول
- ولا أريد أن أستمع
رفعت حواجبها بأسلوبٍ مُغِيض
صرفت نظرها عنه و لم تهتم ، تقدَّمت لغرفتها فأتى خلفها و مدَّ قدمهُ لتتعرقل و تقع ، فـ خبَطَ رأسها بباب غرفتها.
صدرت منها آهـة قوية ، دخل غرفته و قهقهتهُ العالية وصلت مسامعها
- جـاد !!
صرخت بغضب و نزعت أحذيتها و قذفتها على باب غرفته.
- كم أكرهه.
تمتمت و دخلت غرفتها ، مسدت رأسها و جبينها لِتُبْعِد الألم
فجأة في غمرةِ هدوئها طرَأَ عليها ذلك الحُلْم.
" لماذا أفكّر به ، ربما يكون حُلْماً عابراً، لا داعٍ لكلّ هذا القلق "
ظلَّت بضع دقائق تتأمَّل السقف ، حاولت بعدها النوم لكن لم تستطع
إستغربت من نفسها ! ، لأول مرة تحاول النوم ولا تقدرُ على ذلك
" ما بي !؟ .. أنا معتادة على النوم مباشرةً بعد المدرسة ، ما الذي تغيّر اﻵن ؟ .. لابد أنه الأرق ".
بدَّلت الزي المدرسي و خرجت من غرفتها
شاهدت والدتها و أخاها يتناولان الغداء فقرَّرت
مشاركتهما ، فهي لم تفعل ذلك منذ فترة طويلة
جلست على المائدة و لاحظت نظرات الصدمة باديةٌ عليهما ، لم تُعِر ذلك اهتماماً و حتى تعليقاتهما تجاهلتها ..
لكنها في ذات الوقت سعيدة بهذه اللحظات ،
أن تكون أسرتها مجتمعة معاً .. هذا يكفيها.
¡¡¡¡¡¡¡¡¡
مرَّت عدةُ أيام و هي تتجنَّب رؤيته ، أو اﻹحتكاك به ،
و هو كذلك يتجنَّبها ، و هذا أثار استغرابها ..
و شعرت أنه نَدِمَ و لا يريد مصادقتها ، لكنها
لم تهتم .. فهو شخصٌ عادي و لا شيء بالنسبةِ لها ...
في إحدى حصص النشاط المدرسي ، حيث الهدوء سائدٌ في الصفوف و المراكز التعليمية ، الفناء و الساحات خالية من الطلاب و المعلِّمين
عدا هِيَ تسير وحدها بتذمُّر في أحد الممرّات و بين يديها أوراقٌ كثيرة طُلِبَ منها إحضارها ﻹكمالِ النشاط ..
" لمَ عليَّ الذهاب بنفسي ؟ أكره تلك الأنشطة ،
لا فائدة تُرجَى منها "
قابلت في طريقها إحدى زميلاتها في الصف ، تجاوزتها بصمت و الضجر واضحٌ عليها.
شهقت الفتاة بخفة و لحقت بها
- هي ريتا ! ما كلُّ هذه الأوراق !؟
أجابت باختصار : إنها للنشاط
ظهر الفضول في صوتها : ما هو النشاط الذي انضممتِ له ؟
: اﻹعلام
: حقاً ؟ .. هذه الأوراقُ كثيرة ، لابد أنها ثقيلةُ عليك ِ،
هل أساعدكِ ؟
لم تَعْتَد على طلب المساعدة ، أو يأتي شخصٌ
و يعرض عليها أن يساعدها
تلك المرةُ الأولى ، و من فتاةٍ ذات معرفةٍ سطحيةٍ بها
أجابت بتردُّد :... لا ، شكراً ، سأتدبَّر أمري
- كيف ذلك ! .. لا أعتقد أنكِ قادرة على حملها ،
ألا ترين ؟ كأنها أكثر من مئةِ ورقة
" معها حق ، ربما تنزلق من يدي في لحظة "
- لا بأس ، يمكنني التحمُّل ، عليّ إيصالها بنفسي
رسمت ابتسامةً مزيَّفة و أكملت سيرها
" تأخَّرتُ بسببها ، مُزْعِجَة "
رأت أمامها مجموعة فتياتٍ معاً ، يتهامسن و يُقَهْقِهنَ بصوتٍ خافت
إنقلب مزاجها تماماً عندما رأوها
" أينما أكون يظهرن أمامي ، هؤلاء السيئات "
- إضبطِ أعصابكِ و تنفَّسِ بهدوء.
تمتمت واقتربت منهن
- أوه ما هذه الأوراق الكثيرة ؟!
- هل جُنِنْت ِ لِتُحضري هذا الكم من المنزل
- ربما هي للأنشطة
- هل تريدين مساعدة ؟
يسخرن منها ، لم تُبَالي بهن ، كادت تذهب لكنّ إحداهن قطعت طريقها و تعمَّدت أن تصطدم بكتفها.
إختلَّ توازنها و سقطت الأوراقُ منها ، تناثرت على الأرض وسط صدمتها ، شهقن بخوف و حينها رَمَتْهنّ بنظرة ساخطة مُسْتَحْقِرة
جثَتْ لتجمع الأوراق التي سقطت منها ، أمَّا الفتيات قد سخرن منها وابتعدن بلا مبالاة بها
مسحت دمعة تحرَّرت من طرف عينها ، لِتٌفَاجأ بشخصٍ يجمع الأوراق معها
رفعت رأسها لِتَلْتقي عيناهما.
" عينانِ حزينة و أخرى بريئة "
أتى ليساعدها قبل أن تطلب ، إبتسمت بامتنانٍ له
- الأوراقُ كثيرة.
- من الجيد أنها كمية قليلة التي سقطت و ليست كلها
" أنا مُمْتَنَّة ، حتى و أنه لم يَعُد بحاجةٍ لصداقتي لكنه أتى و ساعدني ، ليته كان صديقي فعلاً ، وقتها لن أكون بحاجةٍ إلى أصدقاء غيره ، يكفي هو من أحتاج إليه .. "
أعادها للواقع سؤاله : من أولئك الفتيات !؟
- إنهم من أسوأ طلاب المدرسة ، يكرهونني بسبب هدوئي .. و يحاولون استفزازي دائماً
- ربما يغارون منكِ ، لأنكِ أفضل منهن
- لستُ مهتمَّة
" لماذا أتحدَّث معه ؟ .. و كأنكِ تعرفينه يا فتاة ..
هيا لا تدَعِيهِ يُلهيكِ عن حصةِ النشاط .. و إلا سَتُعاقَبِين لتأخُّرِك "
جمعت الأوراق بسرعة واستقامت لتذهب
- تفضلي
أعطاها بقيَّة الأوراق التي جمعها ، تمتمت شاكرة له
وامتدّت يدها لأخذها
تجمدت عندما لمست يده دون قصد ، تركت الأوراق بسرعة لتتناثر على الأرض مرةً أخرى
شعرت بالغضب يفور داخلها
- لا ، يا إلهي
صاحت بنبرة أشبه بالبكاء ، عادت تجمعها من جديد
فيما أدار وجهه عنها لِيُخفي احمراره و خجله
رحلت من فَوْرِها فالتفت براحة ، عبَثَ بشعره
و حينئذٍ وقعت عيناهُ على عدة أوراقٍ مُلْقاة
" نسيت أخذها !! "
- لابد أنها لم تنتبه لها
لَمْلَمَها بيديه و عزم أن يعطيها لها
" إنتهى "