خرجت من البوابةِ الكبيرة ذات اللون الأخضرِ الباهت برفقة العديد من الطلاب
و لأنه نهاية الدوامِ المدرسي فقد تلقَّت صعوبةً في الوصول إلى الحافلة بسبب اﻹزدحام.
إستقلّت الحافلة و جلست في مقعدها المعتاد ،
تنفّست براحة و ألقت حقيبتها في المقعد المجاور لها والتفتت ناحية النافذة بشرود.
بانتظار العودة للمنزل بأسرع ما يمكن حتى تنام.
كاد النعاس يغشاها و إذا بشخصٍ يقف بجوارها يحدّثها
أمالت طَرْفَها له فقَطَع كلماته عندما رأى وجهها.
حالَ لونهُ و تلعثم مما أثار دهشتها.
أشارت له بيدها بمعنى " ماذا تريد "
_: هل .. يمكنني الجلوس ؟ .. من فضلِك !
أمعنت في الحافلة فكانت مزدحمة ، عاودت له
وأخذت حقيبتها من المقعد و تركتها في كَنَفِها.
تمتم شاكراً و جلس بجوارها.
إنطلقت الحافلة مُبتَعِدة عن المدرسة ، نظرت في ساعة يدها و زفرت بضيق ، ستتأخر عن منزلها كما هو الحال دائماً بسبب العدد الهائل من الطلاب الذين يوصَلُون قبلها.
تنبّهت لِوُجوم الطالب الذي بجانبها ، ألقت نظرةً خاطفة عليه و لاحظت ارتباكه و كيفيّة فركهُ ليديه
" ما باله !! "
حرّكت حاجبيها باستعجاب و لم تهتم لتصرّفه.
بعد انتظار طويل و عناء وصلت الحافلة أخيراً إلى الحي الذي تمكثُ فيه
نهضت على عَجَل لتذهب ، و بما أنها كانت تجلس بجوار النافذة و بجانبها اﻵخر يجلس الفتى ،
فاضطُرّت للخروج من أمامه دون أن تطلب منه اﻹبتعاد ﻹفساح الطريق.
لضيق المكان بسبب المقعد الذي أمامهم احتكَّت حقيبتها فيه و سقطت الميداليّة المعلّقة على الطّرَف.
إِلتَقطها الفتى و نظراته ترسل علامات
اﻹستغراب منها !!
" كانت ميداليّةً خشبية بلون الخشب الفاتح،
محفورٌ عليها إسمٌ باللونِ الأحمر القاتم "
توقَّع أن يكون اسمها لذا تقدَّم بسرعة نحو باب الحافلة و نادى الفتاة به.
:" ريتا ! "
إستدارت له المعنيّة و التي لم تبتعد عن الحافلة سوى عدة خطوات.
رفع لها الميداليّة و فور رؤيتها لها عادت مُهَرْوِلة
و أخذتها منه
إبتسمت ببهجة لأنها لم تُضِعْها، أرادت شكرهُ على تنبيهها لكن حينما حاولت نطقها رأت النظرةَ الغريبة في عينيه واحمرار وجهه.
إبتعد عن الباب و دخل مُسْرِعاً. أما هِيَ تفاجأت
من تصرُّفهِ و توجَّهت لمنزلها بذهنٍ شارِد
" ما خطب هذا الأسلوب !؟ .. أَهُوَ خجول ! "
إبتسمت على أفكارها و وصلت غرفتها ، ألقت بثِقْلها على سريرها طلباً للنوم ولم تكترث لتبديل الزيّ المدرسي بل نامت و هِيَ ترتديه.
¡¡¡¡¡¡¡¡¡
أفاقت مساءً على صوتِ والدتها، بدَّلت زيّ المدرسة
بآخَر مُرِيح.
ذهبت للمائدة و جلست لتناول الوجبة، و كعادتها ما زال النعاسُ لم يفارقها، كانت تأكلُ و عينيها مُغْلَقَتان .. إمتعضت والدتها على هذا السلوك بصمت
_: أمي .. هل يوجد فتيانٌ خجولين؟
_: ما هذا السؤال فجأة !؟
تساءلت والدتها بدهشة !
_: لا أدري، هكذا طَرأَ علَيْ
إبتسمت و حطَّت راحة كفّيها على وجنتيها ،
دون أن تفتح عينيها.
_: كان هناك فتىً خجولٌ في الحافلة اليوم ..
مثيرٌ للغرابة !
أنزلت رأسها ضاحكة
_: ما المضحك؟ .. يوجد هناك ، لكنهم قِلَّة.
_: لكنني .. أراهُ كثيراً في المدرسة .. و هذه أول مرة يبدو عليه الخجل .. في العادة يختلف أسلوبه.
تمتمت في نهاية الجملة.
فَرْقَعت الأم أحَدَ أصابعها
_: ربما هو أحدُ المُعْجَبين !
ردَّت بحنق : كفاكِ سخرية أمي ، من المستحيلِ أن يكون كذلك.
_: لا شيء كهذا مستحيلٌ يا ريتا ، جميع الفتياتِ يحصلن على مُعْجَبين
أجابت وهي تقف : أنا لستُ كهؤلاءِ الفتيات
سارت مبتعدة عن المائدة لكنها توقَّفت و استدارت لوالدتها.
_: أنا لستُ جميلة، ولا أتصرَّف بِلُطْف، لا أُسَرّحُ شعري
بِطُرقٍ تجذب اﻹنتباه، ولا أبتسم بوجهِ أحد، لا أحبُّ
الصداقات .. هذه أسبابٌ معقولة لِتُبْعِدَ الجميع عني.
_: لا ليس كذلك، أنتِ تمتلكين عينينِ برَّاقة،
و وجهٌ لطيف رغم عبوسِك، مجتهدة و ذكية،
تُقَدّرين قيمة الصداقة مع أنكِ فاشلة في تكوين الصداقات، هناك أشياءُ أهمُّ من الجمال ،
وأنا أعرفكِ جيداً لأنكِ ابنتي.
بعد وُجُومٍ دام لحظات.
_: لا يُهِم، أشعر بالراحة لِكَوْني فتاةً عادية ،
هذا يناسبني.
رحلت تارِكَة والدتها تتحدَّث وحدها و دخلت غرفتها، إستلقت على سريرها و أخذت تفكّر بينما فتحت كتاباً لِتَسْتذكر دروسها.
" أمي دائماً ما تفكّر هكذا و تقول ذلك الكلام ،
أيضاً تبالغ باستنتاجاتها و تتسرّع في حُكْمِها ،
حتى أنها لم تتفهَّم رأيي و تستوعب قصدي "
_: لا أتوقَّع أن ما قالتهُ صحيح ، حقاً غير مهم.
همست و تذكَّرت وجه الفتى ، شعرت أن طبيعته هكذا ، يخجل من الناسِ الغرباء الذين لا يعرفهم.
أغلقت كتابها بملل واستعدَّت للنوم.
" إنتهى "