لآبرازو ؛ الحُضنُ المفتوحُ

By niveous_moon

69.6K 4.9K 5.9K

L'ABRAZO ; THE OPEN EMBRACE. First Book {Anniversary ; 22 July 2016} Characters ; BYUN BAEKHYUN KIM TAEYEO... More

The Start.
Author note.
1. يومٌ أسودُ
2. زهرةُ بنفسجَ ذابلةْ
3. سمٌّ و تِرياقٌ
4. فراشةٌ سوداء
5. جرعةُ حبّ و سعادةٍ
6. سَأَبْقَى
7. دُوبَامِينْ
8. كِذبةُ نيسانْ.
9. فهد وردي
10. التنورة القصيرة
11. المُعجَبُ السريّ
12. مَامَا
13. بِلْ بِيزْ
15. هدوءٌ وَ تنهّد
16. بين المشفى و المقبرة
17. الفراشة تانغو
18. Qué Serà ;Serà
19. التوأم الحنون
20. أسفل تعويذتها
21. شقائق النعمان
22. بين ذراعيها
23. قلادة ضائعةُ و سرّ العائلة
24. Atràs -Backward-
25. إنتحارُ دموعٍ
26. ما بعدَ العاصفة

14. عَاصِفةٌ قَلبِيّةٌ

2.3K 176 232
By niveous_moon

- Gift 🎁 -

# Byun Baek Hyun

- أَ وقعتْ مريضةً؟

سألتني الآنسة و هي تحاولُ أخذَ طريقٍ مختصرة للوصولِ لمنزلنا بعدَ أن عيَّنَتْ العنوانَ بجهاز هاتفهاَ و استدلت بتطبيقِ راسمِ الطرقاتِ لبلوغه.

- اِضطرابٌ صحيّ.. مجدّدًا.. أجهلُ حدّتهُ..

هيمي لا تجيبُ على اِتصالي، و أنا.. أحترقُ قلَقًا بشأنِ حالها.

ارتفع صوتُ محرك السيارة بزمجرة عنيفة حينَ داست هي عليه بقوّةٍ بمجرد أن صارت الطريقُ مستقيمةً، و معَ كلّ جرعةِ وقود كان يستهلكها،  جرعٌ من صبري كانت تنفذُ. ثمّ إن ضميري أضنانِي و هو يتحدث بعقر ذهني:

أنتَ السبب،
أنتَ لم تعد للمنزل مبكراً،
أنتَ من سمحَ لهيمي بمرافقتها،
أنتَ..
و أنتَ.. 

- إلهي..!

أطلقتُ زفيرًا مُتردِّدًا، لأشد بعده قبضةَ يدي اليمنى و أرفعها لفمي قاضمًا بأسناني بشرةَ اصبعي السبابة.

-تمالك نفسكَ بيون، لا أرغبُ في أن يمسّكَ سوءٌ قبل أن نبلغ شقيقتكَ حتى!

قالت -ما كان شبيهًا بالأمر الذي تلقيه أستاذة عادةً حين تطلب من تلميذها أن يتقدم للمقاعد الأولى أو يجيب على سؤال تمرين- بصوتٍ حان لكن شديدٍ محاولةً التهدئة من روعي، إلّا أن هذا لم يؤتِ نفعاً، بشرةُ إصبعي غدت قرمزية اللون.

كانت علامةُ تحديد السرعة الموضوعة بالطريق تحذر من تجاوز الستين كيلومترا بالساعة، و آنستي قد تجاوزت المئة بالفعلِ.

- أجل، مُدَرّسَةٌ تخترقُ قانون المرور أمامَ عينيّ طالبها، أعلمُ أنه ليسَ بالأمرِ النموذجيّ.

نطقت عندما لاحظت نظراتي المتكررة لمؤشر السرعة و هو يرتفعُ بشكل متزايدٍ.

- على الأرجحِ ستحصلينَ على ضريبة مخالفةٍ إزاءَ هذا.

لا أدري كيفَ يجد لساني الطاقة للحديث، أو عيني الطاقة للنظر إذ أحسست بها كلها تتدفق و تعرقي المتزايد بمرور الثواني رفقة ارتجاف أطرافي الأربع.

- أخبرني بيون، والدك؟ أ ليسَ معها؟

- أ.. أبي مسافرٌ.. أبي بعملهِ بفرنسَا.

كنتُ أتأتأ بذلك.

من الغريب أن ينقلب حالي من فُرطِ السعادةِ و الدفءِ قبلَ نصفِ ساعةٍ فقط فيتحوّلَ كلّهُ إلى ارتجافٍ و خوفٍ عارمٍ خلالَ دقائقَ.

لنيسان علاقةً بهذا؟

صدري ضاقَ، و قلبي انتفخَ محشوًا بذعري من تكررِ الأمر أمام عينيّ، ماذا لو كانت النهاية؟

- ستكون بخير.. ستكون بخير..

أغمضتُ عَيْنَيَّ و حملت يدي إلى صدري أنكس برأسي و أتلو ذلك كصلاةٍ سائلًا نجاة شقيقتي من كل هذا.

إنها عانت، و لا تزال تفعلُ، ذلك بكثير، قلبها لن يتحمل، حقًا لن يفعلَ.

- أ تملك دوائها المسكن أم نأخذها للمشفى؟

سألتني و بسبب وجلي من الذي يحصل، نسيت أمر الطبيب. التقطتُ هاتفي أبحث في قائمة الاتصال به عن رقمٍ.. خاصة الطبيب هان، و بمجرد أن فُتحَ الخطُّ أسرعَ لساني يهرول بالقول:

- طبيب هان، جوهيون! جوهيونْ سقيمةٌ!

استغرقَ الطبيبُ وهلةً ليتعرف على صوتي ثمَّ يجيبَ بعدها:

- ما الذي أصابها؟

- لست بالمنزل  تلقيت اتصالا و حسب، لكنني أعتقدها الحالة المعتادةُ. أ تستطيع القدوم؟ أتوسل إليك، سأكون هناكَ خلالَ..-

قُطعَ الإتصالُ، رصيدي لم يكن كافياً.

رائعٌ، الآن أنا متأكدٌ من أنّ حظي هو التوأمُ الضائعُ اللعينُ لشهر نيسان.

أجل و اللعنةُ !

- قالَ بأنه سيكونُ هناكَ صحيح؟

الآنسة كيم بالحيّ الذي أقطن به أخيراً و هي تستفسرني و تسرقُ نظراتٍ لوجهي المتجهّمِ:

- آملُ ذلكَ، آملُ أنه سمعني.

- تعلمُ، خذ هاتفي و اتصل بهِ من جديدٍ، أو اتصل بخط الاسعافِ.

- هو سيأتي، دائمًا هو يأتي في أوقات كهذه..

إنه من يفحصُ حال جوهيون لحظة كل توعك صحي يصيبها، إنه المفر في الليالي التي يشتد  فيها سقمها.  كنت أطرق بابه فجرًا و لم يردني يومًا، لن يفعل و الوقت عصرًا!

ابتلعتُ ريقي، لا ربما ابتلعتُ شوكاً، و لو كانَ بمقدوري لنزلتُ و دفعتُ السيارة علها تسرعُ أكثر. قلقي المتراكمَ مسبقًا فاضَ لحظةَ أشرتُ علَى الشجرةِ صائحًا بِ:

- هناَ !

ثمّ فتحتُ باب السيارة، أنزل قبلَ أن تركنها الآنسةُ كِيمْ حتّى.  كانَ - و حمداً للربّ- الطبيب هان ممسكاً بحقيبته الجلدية، حاثًّا خطواته السريعة ناحيةَ باب المنزل خاصتنا، ركضتُ إليه أوافيه.

أدخلت المفتاحَ بالقفل و حركته بعنفٍ موشكًا على كسره إذ هو لا يفتح! لدى توأمي عادة وضع قفل الأمان من الداخل.

- جوهيووون!

اشتدت حبالي الصوتية، فلا وقت بحق لهذا. هي تتوجع، أنا أسمع صوت صراخها يدوي أركان المنزلِ، جوهيون تحتاجني الآن. انصهر فؤادي و أنا أطرق البابَ بكف يدي كمجنونٍ، أضغط زر الجرس بتكرار، متوسلا هيمي لتفتحَ. فعلتْ و اتّقد ذعري أكثر عندما قابلتني  بوجهٍ غارقٍ بالدموعِ، كَمِدٍ منكسفٍ، قليل حيلة، و صوتٍ منكتمٍ. عينيّ استعدتا و جسدي للانهيارِ.

أبعدتها عن طريقي، اقتحمت غرفة الجلوس أين جوهيون،  ممددة على السجادةِ، تتلوّى وصبًا و تخبطُ على صدرهَا مختنقة.

- جوهيوناه..

نزلتُ لمستواها، أحاولُ التمسك بشبر من جسدها لكن ارتجافها لم يساعدني، انحنى الطبيبُ معي، دخلت الآنسة كيم مسرعةً بعده.

هيمي بكتْ صارخةً بأن الأمر حصل فجأةً و هما تتحدثانِ، بأنها لم تستطع فعل شيءٍ للتخفيف عنها.

إن ذلكَ اليوم يُحاكُ مجدّدًا.
بنفس تفاصيل الأسى به التي بات قلبي يحفظها متخوفا، وجسًا من تذوق لوعتها للمرة الثانية.

- أ.. أيرين أتوسلُ إليكِ..

استغل الطبيبُ هان الفرصةَ و حقنَها -بعد تفحص نبضها و ضغط دمهَا- بجرعة مسكن لهذا الإنقباض القلبي الذي تمر به.

هي لم تهدأ، ظلت تشهقُ باكيةً كل دموع جسدها، يداها متشنجتان صلدتانَ عندما لمست أناملها:

- مؤلمٌ.. إنه يؤلم بيكْ.. !

- قوية، همم؟ أتوسلُ إليك، ابقي قوية.. جوُ..

- تحتاجُ أكسجينًا..

- لكننا لا نملك سوى جهاز الرذاذِ!

تخوفتُ من الآتي و أنا أخبره.

- هاته سريعًا.
 
صرخَ الطبيبُ على استعجالٍ و أنا حلَّقْتُ لغرفتها بأعلى. كانت يداي ترتجفانِ و ما كدتُ أسحبُ الجهازَ حتى أسقطتُ جميعَ قنينات الدواء الموضوعةِ بجانبه. نزلتُ الدرج بعدها بخطواتٍ مبعثرة سريعةٍ، كنتُ فاقداً للتركيز، كلماتٌ وحيدةٌ تساورُ ذهني:

بيكهيون فقدتَ أيرين!
بيكهيون ستفقدها الآن!
بيكهيون ستبقى بمفردك!

ارتمى جسدي بمحاذاة خاصتها، رؤيتي أصبحت مشوشة بسبب شظاياَ الدموعِ التي بتُّ أحسها زجاجية تمزق عينيَ ألما لرؤيتها بهذا المنظر.

حاولتُ أن أثبت القناع بوجهها بعدَ أن وضع الطبيب هان محلول الدواء به، لكن ارتعاشي أعاقني.

ليسَ الآن تنهارُ بيكهيون!!

ليسَ الآنَ..!!

نفسُ صوتِ الضمير كان - و يا للغرابةِ - يشجعني هذه المرة، غير أنني تضعضعتُ و انتهى.

أحسست بتكبّل عضلاتي و تجمدهَا، أنا لا أقوى على هذا.

على حين غرة، دفع أحدهم جسدي جانبا، و لم تكن سوى آنستي. استلمت القناع و ثبتته بوجه شقيقتي. كنتُ جلستُ أرضًا، لوهلةٍ أتنهدُ بعضًا من الهواء العالق بأسفل رئتي، و الذي لم أملك وقتًا لطرده مسبقًا و غدا يخنقني الآن و يشدد من ضيق صدري.

- جيلْ هيمي هاتِ بماء و سكر لبيكهيون.

أمرت الآنسة على مسامعي المغشاة بصوت بكاء بنفسجتي. بدا أنّ الحقنة باشرت إعطاء مفعولها و الإنقباض قد تناقصَ في حدتهِ و تشنج رئتيها لانَ قليلًا. كانت تتشبثُ بالحياةِ بأناملها الرقيقةِ في حين المرض يركلها بلا مبالة يرميها في هوةِ الشقاءِ.

قاسٍ..

توقف انتفاضها لكن انتحابها لم يفعل.

اجترعتُ القليل جدا، ما بلل طرف لساني و حسب، و حبوت بعدها على ركبتي و راحة كفيّ أدنو من توأمي، أرفع ظهرها و أسكنها حضني. تمسّكتْ بيَ كما لو كنتُ حبل النجاة، أداة حذف الوجعِ، شيء كذلك يوحيهِ انكماش أصابعها القوي فوق قماش قميصي.

- أعطني إياهُ.. أ.. أريدهُ لي، لا لكِ.. وجعكِ هاتهِ، صبّيهِ بقلبي..

- لكنّكَ من يُـ.. يُخبرني بأنهُ سيتوقفُ يوماً ما به.. لم لا يفعلُ؟ بيك.. بيكهيون سئمتُ الألمَ.. لِمَ فقط لا يتوقف؟

وددتُ لو آخذها في ضيافةِ جسدي، أتنفس و أدقّ بقلبي لأجلها. فقط لو تعلمُ.

خللتُ أطراف أصابع يدي بخصلات شعرها الأسودِ ثمّ أنزلتها سريعا و صارت سبابتي تتبعُ مسارَ الدمعِ المتدفق من مقلتيها في حين إبهامي يحاولُ أن يجففه. ابتسمتُ بصعوبةٍ، و دموعي التي كافحتُ بحبسها نزلت بمجرد أن قَرّبتُ شفتيّ المرتجفتين و قبلتُ جبينهاَ بينما أهمسُ بضعفٍ و تحشرجٍ، همسًا مبحوحًا:

- لا أزالُ عندَ كلمتي، الألمُ سيزولُ فـ..  فيوليت..

نزلَ رأسي لصدرها و أمسكت يدي بيدها، أتراجاها أن تصمد.

- زهرةُ البنـَ.. البنفسجِ خاصةُ أخيها.. سيزولُ الألم.. أ.. أغمضي عينيك.. أعدكِ سيزولُ..

استمررت أتمتمُ لحين امتثلتْ للنومِ.

هكذا كانت أمي تصرخُ و أبي يتمتم بأن كل شيء سيكونُ على ما يرام، لكنه لم يكن الحالُ بعد أسبوعٍ، هو فقدَ زوجته و نحنُ فقدنا أمنا.

هكذا أكذبُ على نفسي و أكذبُ عليها، على توأمي.

- تحتاجُ رقابةً مختصة، فالمُسَكِّنُ وحده لن يُبقيها مستقرة الحالِ.

شرح الطبيب هَانْ فحملت بصري إليه:

- أ لنْ ينفع أخذها صباح الغد للمشفى؟

- أنت وحيد هنا، ليس من الصوابِ أن تبقيها رفقتكَ طيلةَ الليلِ بيون.

نطقت الآنسة قبل الطبيب، تشرح على الأرجح ما كان سيقولهُ. أنا فقط كنت أحاول تجنُّبَ مبيتها في المشفى، و تكلفته المرهقة.

- مخافة تكرر النوبة و حسب، عضلة قلبها أضعف من أن تتحمل واحدة ثانية خلال مدة قصيرة..

- إذًا نحن نضيعُ الوقتَ؟

قاطعت الآنسة ثرثرة الطبيبِ ذي اللكنة المعوجة بسبب أصوله الصينية، فأومأَ متفهمًا.
استدارت ناحية جيل هيمي المفجوعةِ و أخبرتها بأن تعودَ للمنزل و ترتاحَ ، حالتها حرجة هي الأخرى، فقط صامتة لا تتحدث و تواصلُ نحيبها و بكائها. غادرت بسرعةٍ بالفعل بعد جمعٍ أدواتها بالرغمِ من كونها لا تزالُ مدينةً لي بشرح مفصل للذي وقع. 

كنت أستمر بدس جسد جوهيون الهزيل بين ذراعيّ أخفيها عن الوجعِ، أتحرك كمهد بشريّ يدفع عمق نومها إلى القاع. تقدمت آنستي مجددا مني و حاولت أن تفكّني عنها.

- لنسرع بنقلها للاستعجالاتِ بيون، هيَّا أيها البطلُ، جهز أغراضها و سأقلكما إلى هناكَ.

ترددتُ بشأنِ قبول عرضها، هي مرهقةٌ اليوم، و دعوةٌ لشرب الشاي رَغْبَةً للإسترخاءِ صارت دوامة مشاكل تخص عائلتي الصغيرة. كنت قادرًا على استقلال سيارة أجرة، أخبرتها بذلك إلا أنها -بالطبع- لم تقبل.

- هل كنتَ ستنسحبُ بسهولة إن حصلَ لي أمرٌ مماثل؟

واجهتني بالحديثِ، فتنهدت مستسلمًا.

- أشعرُ بأنني عبءٌ.

بأنني سأغدو موضع شفقة بالنسبة لكِ و حسب.
و أنَا الذي يريد بناء صورةٍ مميزة بقلبكِ.

~

كانت الساعةُ تشيرُ إلى الثامنةِ مساءً عندما أغلقتُ بابَ غرفةِ أيرين و سرتُ بضعَ خطواتٍ بذاكَ الرواق الواسع التابعِ لجناح الأمراضِ القلبية.

جلستُ بجسدٍ منهكٍ على كرسيّ معدنيّ جانبيّ، أسندتُ رأسي ناحيةَ الخلفِ و حدّقتُ بالسقفِ الأبيضِ الذي يعلوني. كلّ شيء بالمكانِ أبيضَ اللونِ:
بلاطُ الأرضيّة التي ترتكزُ قدماي عليها،
الجدران من حولي،
السقفُ،
مآزرُ الأطباء،
ملاءاتُ المرضى..

لون الطلاء الأبيضَ بالمشفى لا يعني السلامَ أبداً، لأنه و ببساطة اللون الذي سيعشش بين ثناياهُ الخوفُ، الأرقُ، الارتعاشُ، التوتر.. و الموتُ.

آخرُ ما سيغطيكَ بعدَ وفاتكَ في المشفى قطعةُ قماشٍ بيضاء تسترُ جسدكَ.

استللتُ نفساً عميقاً في حين أشجعُ رجليّ على القيامِ و يديّ على الامساك بالهاتف: يجب أن أطلع والدي. إن الوقتَ لا يزالُ مبكّراً بباريس، سيصدم، لكن عليه معرفة الذي يحصل.

سرتُ بضعَ خطواتٍ ناحية الأمام ثم اتجهتُ للجدارِ، ارتكزتُ بجبيني عليه حين أجابني باشتياقٍ كما تجري عليهِ العادةُ:

- Bon journée mon petit poussin .
(صباحٌ جميلٌ صوصي الصّغير)

هو لن ينسى هذا اللقبَ أبداً !

-صباحُ الخيرِ أبي.

كانَ واضحاً على صوتي الارهاقُ ما جعلَ أبي يسألني قلقًا:

- ما الخطبُ؟ أ أنتَ بخيرٍ؟

خرج زفيرٌ من فمي قبلَ أن أزمّ شفتيّ و أتريثَ، و في نهاية الأمر اخترتُ الإيجازَ و عدم اللفّ و الدوران:

- أبي، جوهيون تعرّضت لشدّ قلبيّ و نوبةِ رَبوٍ هي في المشفى الآن و أنا برفقتها..

لم أكن بحاجةٍ لاتصالٍ بالصوت و الصورة لأقرأ معالم الخوفِ بوجهه، أحسستُ بقلقه تراكمَ محدثًا عتمةً بشاشة الهاتفِ:

- كيفَ حدث هذا؟ أ أزعجها شيءٌ؟ و كيف هي الآن؟ اسمع! لا رحلةَ إلى كوريا سوى بعد أيّامٍ كما أنّ العمل مكتظٌّ، سأجتهدُ للحصول على عطلةٍ طارئة و أعودُ.. آهٍ، بيكهيون؟ أنتَ معي ؟ بيكـ..؟

- يقولُ الطبيبُ بعد الفحص بأنها تجاوزت مرحلة الخطر، لكن احتياطاً ستمكثُ بالمشفى لبعض الوقت حتى تستعيد عافيتها كليّا. أردتُ الاتصالَ بك لإعلامك و حسب، لا تقلق و لا تحاول أن تتعجل بالقدومِ، خذ وقتكَ.

- بيكهيون! من الطبيعيّ أن اقلق و أتساءلَ إن كُنْتَ ستستطيعُ الاعتناء بها أم أنني سأفقدها فقط كريبيكاَ والدتك بسببِ تفاهةٍ أذهبت حياتها، أريدُ أن أكون بجانب جوهيون.

استدرتُ و ابتعدتُ عن الجدار، فشعلة غضب قد توقدت للتو بصدري:

-أَ وَ لم أعتنِ بأختي من قبلُ؟ تعتقدني لستُ رجلاً لأعتني بها الآن؟ و إن كنتَ هنا هل كنتَ ستمنعها من الموتِ إن اختطفها؟

- بيك توقف عن التفوّهِ بهذا..

- إن كنتَ تمتلكُ هذه القدرة، لم لم تمنع أمي من الوفاةِ؟ أعتقدني أتذكر جيداً بأنكَ كنتَ بمحاذاتها حين غادرتنا، لكن لا أنتَ، لا أنا و لا الطبيبُ استطاعَ أن يبقيها حية!

-بنيّ أنصت..

- على كلّ، احظَ بيومٍ سعيدٍ، جوهيون توأمي و لستُ بذلكَ السوءِ لكي أتقاعسَ بشأن الاعتناء بها.

أقفلتُ الخطّ.

شددتُ على قبضةِ يدي اليسرى، أردتُ و بشدة الصراخَ أو تحطيمَ شيءٍ، لكننا بالمشفى، و فوضى كهذهِ ممنوعة. لهذا أغمضتُ عينيّ، هدأتُ أنفاسي المتصارعة و رفعتُ رأسي من جديد للسّقفِ، لعلني أجدُ -عبثاً- قليلاً من السكونِ مختبئا بأحد الأركان التي تشكّلهُ.

قرعُ كعبٍ صارَ اقترب صوتهُ، موافقا حركة عقارب الساعةِ تقفز من الثانية للموالية، استدرتُ ناحية صاحبته بعدَ أن صارت خلفي. مدّت لي بيدها كوبَ قهوةٍ ساخنة:

- آلةُ الشاي معطّلةٌ للأسفِ، و مساحيق القهوة لم تستبدل بعد نفاذها. لم أجد سوى الموكاَ المرة.

كانَ البخارُ يتصاعدُ من الكوب الذي استلمتهُ من الآنسةِ كيم و كذا من الكوب الذي احتضنتهُ بكلتا يديهاَ.

هل ستغرقُ الكرةُ الأرضيّةُ بالثقب الاسود إن منحتني حضنا دافئا كالذي تمنحهُ كأسها؟ أقسمُ بأنني أحتاجهُ .. لا بل مستعدٌ للبكاء كالطفل للحصولِ عليهِ.

رفعتْ كفها عن الكأس و لامست كتفي لتدفعني بخفة للجلوسِ.

أخبرتها أن تعودَ بعد أن إيصالنا للمشفى لكنها أصرت على البقاء معي لتتطمئنّ بأنّ كلُّ شيءٍ على ما يرامٍ.

- شكراً آنسة كيم. و .. آسفٌ.

حنت رأسهاَ ناحيتي و حدقت بي:

- لِمَ الشّكرُ و الأسفُ؟ سأغضبُ حقّاً منكَ !

قلتُ بأنفاسٍ ثقيلة تراقص رائحة الموكا التي قررت أن تحفّ مكان جلوسنا أنا و الآنسة:

- لا تغضبي أنتِ الثانية، أمي لن تدعني أنامَ الليلة بسبب سخطهاَ عليّ.

مدت ساقيها تدلك فخذيها:

- أنتَ مخطئ، أعتقدُها ستكون الأم الأكثر فخرًا.

ابتسمتُ لكلامها ، لكن ليس سعادةً، بل ابتسامة ألمٍ.

- لكونك تجدُ السبيلَ للبشاشةِ بعد كل الذي حصل. هناكَ أناس يتوهونَ بيونْ.

طأطأتُ رأسي و ارتشفتُ من قهوتي الساخنة و التي تنافس مرارة الغصة التي تحتبسها حنجرتي الآنَ.

- كنتُ بطلاً؟ هذا ما تقصدين؟ هه.. قديمًا بصغري اعتقدتُ بأنني إن نمتُ و أنا أتمنى أن أصبحَ بطلاً خارقا في الصباح الباكر سأجدُ رداء سوبرمان أسفلَ وسادتي و أنني سأملكُ قدراتٍ خيالية بمجرد أن أرتديهِ.

سجلتُ توقفاً ثم نظرتُ ناحيتها:

- تعلمين؟ كقدرة الطيران، و قوة عظيمة تخولني على حمل طائرة و تحطيم بناية باشعة تخرج من عينيّ.

ابتسمت لتفكيري الطفولي:

- كنتَ تملكُ مخيّلةً واسعةً.

خفضتُ راسي مجددا، إن أريتها وجهي الباسم، أنا حتما لا أريد مقابلتها بوجي المتجهّم الذي استولى فجأة على ملامحي:

- أجل، لكن لسوء الحظّ، لم أصبح سوبرمان. و لو حصل ذلك لما خشي أبي من بقاء جو بمفردها معي.

قولُ ذلكَ كانَ مؤلماً أمامها لو تعلمُ هذا.

- والدكَ يفعلُ؟

استغربت هي من الأمر لأومئ برأسي و أشعر بالغضب يعود للسريانِ بعروقي من جديد.

- حسناً.. أعتقدهُ يخافُ على ابنتهِ كأيّ أبٍ آخر زيادةً..-

- لكن لا مبرّر لهذاَ، آنسة كيم! إن لم أكن سوبرمان، هل تعتقدين أنه قد يكونُ هوَ كذلكَ؟

قلتُ ذلكَ بعصبية، طاوعتُ نفسي و نظرتُ إليهاَ بغضبٍ سرعانَ ما رافقهُ طوفانُ النّدمِ.

- شششْ على رسلكَ بيون، لا داعي للصّراخِ! لستَ الوحيدُ الذي لا ينالُ الثقة الكافيةَ من أحد والديه.

- آنسة فقط غادري..

قلتُ و أنا أبعدُ نظري عنها و أركزُهُ بالأرضية و بقدميّ.

للتوّ ارتكبتُ خطءً فادحاً. صرختُ على من أحبّ و الأَمَرُّ من ذاكَ و من قهوة الموكا أن لا دخلَ لها.

أناَ جاحدٌ للنعمةٍ، و ناكرٌ للجميلِ. بعدَ كلّ ما فعلتهُ أنا فقط أدفعها عني الآن لأنها تقولُ الحقيقة و لأنني لستُ بطلاً كفايةً لكي أتعلّمَ ابتلاعَ غضبي الطفوليّ. أبدو مثيراً للشفقةِ.

شعرتُ بجسدها يُزَاحُ قليلاً.. بعيداً عنّي.

و أجل، كالجحيمِ، إنّهُ أسوأُ شعورٍ.

بيون بيكهيون أنتَ وغدٌ.

تبني و تهدّمُ ما بنيتَ بسرعةِ البرقِ.

سمعتُ رنينَ هاتفها لتقومَ هي و تبتعد خطواتٍ. بدأت تسيرُ و تتحدثُ. هل نبرتي كانت بذاكَ السّوءِ لتذهبَ دونَ توديعي حتى؟

ما أحقركَ بيون غبيّ هيون، تنتظرُ أن تودّعكَ و أنت طلبتَ منها المغادرةَ؟

ها هو الضميرُ عاد يصفعني من جديد، فصفعتُ أنا جبيني بكفّي مراراً حتى شعرتُ بالحرارة تفورُ منهُ ثم أعدتُ نظري لجسد الآنسة المنتصب على بعد بضع خطواتٍ مني، لقد توقفت و صارت تتحدثُ بشكلٍ جدّيّ قليلاً .

- أعلمُ هذا.. أنا آسفةٌ.. سأعوضك، هذا وعدٌ.. وداعاً.

كانَ هذا ما استطاعت أذناي التقاطه. إذا يبدو أنني فقط أدخلتُ الآنسة بمشكلٍ مع صاحب أو صاحبة الإتصالِ.

استدارت ناحيتي و أمسكت بعينيّ تحدقان بها فهربتُ ببصري ناحية الأرضِ بخجلٍ. تقدمت إليّ و وقفت مقابلاً لي:

- يسوؤني أن أغادر الآن و أنتَ بهذهِ الحالِ، لكنني أحتاجُ العودةَ للمنزل.

هببتُ قائماً:

- آنسة كيم.. أنا آسفٌ. آسفٌ لأنني انفعلتُ أمامكِ، أنا من يسوؤه تصرفه تجاهك. رجاءً سامحي تهوّري. لم أكن أقصد حقا رغبتي بمغادرتك، كنتُ على الأقل لأدعوكِ للعشاءِ كتعويضٍ..

توسع قطرُ حدقتيها ببطء مع كلّ كلمةٍ أقولُ ثمَّ انفجرت ضاحكة بينما تغطي فمها بكفّ يدها بلطافةٍ. استنكرت ردّة فعلها.

- آهٍ بيون، لا تعتقد أنني غضبتُ فقط لأنكَ صرخت و تذمرتَ بشأن وضعك مع والدكَ. هذا اعتياديّ مع كلّ الضغطِ الذي تمرُّ بهِ حاليّا. و لنفسِ السبب أعتقدُ أنهُ عليكَ أن تعودَ للمنزل و ترتاحَ.

استرخت عضلاتُ جسمي لمعرفة أن كلامي لم يجرحها.

غريبُ أمرها، بسببها قد أشعر بلفحةِ الجحيم و بتمامِ الوقت بنفحة النعيم.

- أودّ ذلكَ، لكنّ أختي ستغضب إن تركتها  بمفردها.

-لديكَ مدرسةٌ غدا، أعتقدها ستتفهمُ الأمر، هيّاَ لا تعارض و إلا سأغضبُ الآنَ حقّاً.

-أنا جِدّيٌّ، أنتِ أبداً لم تري فيوليت غاضبة !

-و أنتَ أبداً لم ترني غاضبةً أيضاً!

قالت ذلكَ و سمحت ليدها بالتسلل للامساك بمعصمي و السير بعيداً ساحبةً إيّايَ خلفها.

- هل كانتْ أمُّكَ تفعلُ هذا؟ هل هذا يشبهني بها أيضاً؟

قالت ذلك بنوعٍ من المزاحِ لتزيح الغيمةَ الرمادية المحلقة فوقَ رأسي عندما صرنا بالمصعدِ مع ممرّضٍ لا يبدو أنهُ كوريٌّ. ابتسمتُ رغماً عنّي و نظرتُ إليها باهتمامٍ:

- حسناً هي لم تكن لتفعلُ هذا..

رأيتُ الآنسة تتصنع العبوس المستفسر، لكنني أضفتُ بجدية رغم ابتسام ثغري:

- أمي ريبيكا كانت لتسحبني من أذني و تقولُ بينما تسمعُ أنيني و توسلاتي المشبهة للعوا.. آء..

بتلكَ اللحظةِ باغتتني عطسةٌ.

-كالجروِ؟

سألت الآنسة عندما فُتحَ بابُ المصعدِ. خرجتُ و أنا أستعيدُ تركيزي بعد العطسة التي أحيت ألماً شنيعاً برأسي، اعتقده ضريبة الركض اسفل المطر. نظرتُ ناحيتها:

- بالضبطِ، كالجرو كنتُ ابدو لها.. لكن هل يا ترى روحُ أمّي بُعثت بجسدكِ آنسة؟

قهقهت بوداعةٍ، ابتسامتها و ضحكتها بلسمٌ. لم أخطئ عندماَ لقبتها بترياقي.

- حسناً أردتُ فعلَ ذلكَ، لكن تعلم.. ليسَ منَ..

- ليسَ من النموذجيّ أن تسحبَ مُدرسةٌ أذنَ طالبها و تُؤلمه، بالرغمِ من أنها خرقت قوانين المرور مقابلاً لهُ.

قلتُ لأتمّ كلامها.

لا أصدّقُ بأنني تجاوزتُ غضبي و قلقي بسببها.

______________

انتهى 💘 ✨
تْشُواه؟  🙆 🌸

هذا الفصل شطرته نصفين و لا يزال طويلاً، اكثر من الفين و ثمان مئة كلمة،
استمتعوا بالقراءة و ضعوا تعليقات جميلة.

Love you, 🌙✨💘

IG: ABRAZO.OREO
© Niveous Moon

Continue Reading

You'll Also Like

20.3K 1.4K 7
السائرون بعيداً عن أوميلاس (مترجمة ومرفقة بدراسة تحليلية) Eng. ver. + نسخة عربية ترجمة : ريا هشام مرفقة بالشرح و بدراسة أدبية و آراء النقاد. The Ones...
2.5K 337 14
خسرته منذ زمن بعيد و الان قد عاد -اسف لكل شي - وَبَـماذا يَـفيدني أسَـفكَ -أنا حَـقاً أحَـبكِ -كيم تايهيونغ -جونغ هوسوك -كيم مينا بدأت: 22 ديس...
17K 907 16
كل شيء رائع و مثالي في حياة أزميرالدا الهادئة،من إستيقاضها في الصباح حتى قضاء الليل مع اصدقائها في النادي الليلي.تنقلب حياة أزميرالدا بعد مشاهدتها لج...
258K 8.4K 66
"زوجى مغرى للغزل، مثير للقبل" 1997.. البنفسج الأول started: 15/11/2023 100k~ 8/3/2024