Themis | ثيميس

Bởi reroevol

538 18 0

يُقَال إنَّ سيِّدة العدالة ثيميس هِي امرأة فضلًا عَن رَجل كون قلب المرأة أرحَم مِن خاصة الرَّجل، وكونها مَعصُ... Xem Thêm

إهداء
مُقدِمة
الفصلُ الأول 🦢 ليلةٌ ضبابِية
الفصلُ الثاني 🦢 مُواساة
الفصلُ الثالث 🦢 انتِكاسة
الفصلُ الرابع 🦢 القرار
الفصلُ الخامِس 🦢 امرأة
الفصلُ السادس 🦢 طمسُ الحقيقة
الفصلُ السابع 🦢 توليب
الفصلُ الثامن 🦢 احتِراق
الفصلُ العاشِر 🦢 دَقائِق مِن الانسِجَامِ
الفصلُ الحادِي عَشر 🦢 زيارة الذكريات
الفصلُ الثاني عَشر 🦢 القَضِيَّة الأولَى
الفصلُ الثالث عشر 🦢 بَاكُورَة الحُبِّ
الفصلُ الرابِع عَشر 🦢 مَحمَلِ الحُبِّ
الفصلُ الخامِس عَشر 🦢 وِلادة شَاعِر

الفصلُ التاسِع 🦢 لَيلة مُلبَّدة بِالتَّعبِ

15 1 0
Bởi reroevol

وَإِن قُلتُ رُدّي بَعضَ عَقلي أَعِش بِهِ
تَوَلَّت وَقالَت ذاكَ مِنكَ بَعيدُ
فَلا أَنا مَردودٌ بِما جِئتُ طالِباً
وَلا حُبُّها فيما يَبيدُ يَبيدُ

_ جميل بثينة _

•••

لا تَدري كيف وجَدت نفسها هُنا! فبعد تلك المُكالمة التي لَم تفشل بِجعلها تَستغرب هبّت مِن سَريرها الدافئ بِغير تصديق وبِسرعة لم تُدركها، لترتدي مَلابس مُناسِبة وتَستقل سَيارتها وتتوجه إلى مَركز الشُّرطة! مَركز الشُّرطة؟! حقًا؟ آرلو مَا الذي فعلتهُ لينتهي بك المطاف هُناك؟! ظلَّت مَشدودة الأعصاب طوال الطَّريق الذي ولوهلة ظنَّت أنَّه لن ينتهي والدقائق لن تمر إلّا والفزع قد قَضى عليها. صَوته أثناء تحدّثه معها كان مُرهقًا ومُترددًا وأحسّت هي بِخجله مِن مُكالمتِه لها. لها هي! لماذا قَام بالاتصال بها مِن بين الأشخاص الذين يعرفهم؟! لديه والده المُحامي والذي بالتَّأكيد لديه مَعارف كثر من المُحاميين. لٰكنه اتصل بِها!!

بقِيت تَنتظر قُدوم الشُّرطي لمرافقتها لرؤية آرلو، تَضمّ ذراعيها إلى صدرها وتعطي المكان نظرات حَانقة، إنَّها ليست المرة الأولى التي تأتي فيها إلى مَركز الشُّرطة، لٰكنها المرة الأولى التي تشعرُ فيها بِالقلقِ والتوجّس... رُبما الاهتمام له!!

لا تنكرُ هٰذا الشُّعور خاصةً الآن، اليوم، فَبعد ما حصل له ضُحى هٰذا اليوم عَلى ما يبدو أنَّ العدوى أصابتها أيضًا، فبعد تناولها الغذاء برفقة إيزابيل وآرمان بصمت، فضلت الإنتهاء من عملها في الشركة والذهاب للمنزل واستكمال باقي العمل هناك، فالصداع تملكها كما تملكه. مع بقاء جزء يسير من ذهنها عند الرجل المتمرد الذي لم تفهم كيف أصابها بهٰذه العدوى، شعرت بالقلق حياله حتى أنّها ودّت لو كان بحوزتها رقم هاتفه لترسل له رسالة تطمئن فيها عليه لٰكنها شعرت بغرابة الموقف وفكرت في سؤاله غدًا عند رؤيته.

جَاء شرطي وأخبرها أن باستطاعتها الذهاب لرؤيته الآن، رافقته حيث الزنزانة المتواجد آرلو بداخلها، رأته، جفلت! ما هٰذا؟! ما الذي حَصل له؟ رأتهُ يجلس علَى مقعد ملتصق بالحائط وحالته أقل ما يقال عنها مُزرية. كان مُطأطئ الرأس، وجهه في حالة سيئة فعلى ما يبدو لها أنّه قد خاض شجارًا ما، جُرحٌ عند حاجبه ينزف وكذٰلك آخر عند شفته، قبضتاه ملطختان بالدم الذي جفَّ حتَّى تكاد تظنّ أنه لن يزول أبدًا وسيبقى ملتصقًا بيديه، قميصه الأبيض أمسى لا يمتُ للبياض بصلة، معطفه مُلقى بفوضوية بجانبه.

لم يغب عنها عَلامات الإرهاق والتعب القابعة في ملامِحه الغاضبة نوعًا ما! هل هُو غاضب؟!

رفع رأسه حينما سمع وقع أقدام آتية صوبه ليراها هي، لقد أتت ولبت استغاثته، حمد الرب قبل أن يقف على قدميه ويقترب من قضبان الزنزانة الحديدية ويتحدّث كأنّها مُنقذة حياته:

- الشُّكر للرب. لقد جئت بسرعة، أخرجيني من هنا بأقصى وقت فهٰذه الوحوش تخنقني!

- وحوش؟!

استغربت من كلماته حتى تراءى لها أنّه مصاب بلوثة في عقله، أخبرها وهو يضعُ يديه على القضبان ويقومُ بالقفز قفزات بسيطة وخفيفة دون أن ترتفع قدماه عن الأرض:

- نعم، الوحوش. إنّ المكان هُنا مغلق ولا أشعر بخير ولا أستطيع التنفس بِراحة ورأسي يؤلمني وكما ترين إنني أنزف وأيضًا...

- حسنًا. لقد فهمت.

قَاطعتهُ بِحزم جاعلةً منه ينظر لها وما زال يقفز بِتوتر واضح. طلبت منهُ شَرح ما الذي حَدث بالتفصيل رغم أنّ الشُّرطي أخبرها بأنّه تشاجر مع رجل آخر وقام بعض زملائه مِن الشُّرطة برؤية ما حدث والتدخل لفصلهم مُنتهيًا بهم المطاف هنا، في مركز الشُّرطة.

حَاول أن يشرح دون ذكر التَّفاصيل لسببين أحدهما أنّ الموضوع طويلٌ بعض الشيء وهو لن يتحمل البقاء هنا، يشعرُ أنّه سيسقط مُنهارًا في أيِّ لحظة، لذا اكتفى بقول:

- لا يوجدُ الكثير لقوله، إنَّه شجارٌ عادي يحصل بين أيّ اثنين، نحن الاثنان قمنا بالشكاية على بعضنا، كما أنَّه سكران، هٰذا سيساعدُ في الأمر، أليس كذٰلك؟ أقنعيه أنني لن أسحب الشكوى إلا إن فعل هو بالمُقابل، هيّـا.

إحساسها لا يخيب، مُطلقًا هناك حقيقة خَلف هٰذا الشجار لٰكنه يُخفيها، لا يريدُ أن يفصح عن الأمر. أمعنت النظر فيه ثمَّ أومأت قبل أن تطلب من الشُّرطي مُقابلة الطرف الآخر، الرجل الآخر!

بَعد أن ذهبت لمقابلته تحدّثت مع مُحاميه، معرفتها للمحامي سهل من الإجراءات القانونية، سَحب كلاهما الشكوى وتم إطلاق سراحهما. تولت هي مهمة عدم معرفة أحد بلقب آرلو وإلا شاعت الأخبار وسط الصحف وأولها وآخرها، لن يسلم مِن ألسنة البشر الثرثارة والتي تُحبّ اصطناع القصص وإضافة لمساتهم الخاصة عَلى الإشاعات جاعلين مِنها فَضائح في الصفحات الأولى بِالخطوط الحمراء العريضة.

خَرج آرلو راكضًا للخارج حيثُ الهواء العليل الذي يحتضنه من جميع الاتجاهات، ليطلق تَنهيدة طويلة وهو يفتح ذراعيه على وسعهما، يغلق عينيه لينعم بنعيم هٰذه اللحظة.

- يا إلٰهي! شعرتُ أنني سأموت لوهلة داخل زنزانة مُتعفنة يملؤها البؤس وتفوح مِنها رائحة الصدى. آاااه!

تحدّث لنفسه بينما هي تراقبهُ مِن قريب. كم هو غريب هٰذا الرجل؟ هل هُو ناضج أم هُو طفل؟ هل هُو عقلاني أم عاطفي؟ هل هُو جدي أم تافه؟ أم أنّهُ جميعهم؟! عجزت عن الفهم ولأول مرة، يقولون أنّ لكلِّ شيء أول مرة وهو كان أول مرة لها! المرة الأولى في حياتها!

- إذًا؟

قالت مُقتربة منه تلغي بهٰذا مسافات تحول بينهما لتبقى فقط ثلاث خطوات تفصل بينهما. نَظر لها وابتسامة مُرهقة ترافقُ ثغره يراها ترفع إحدى حاجبيها السوداوين.

- إذًا.

ردد خَلفها بِعدم فهم لتصفعه بِكلماتها التي تسببت بِجعل مَلامِحه تبهت وتذبل:

- لا تظنّ أنني صدقتُ تلك الترهات التي قلتها أنت وهو، أليس كذٰلك؟ إنك تُخفي حقيقة ما، هٰذا حتمي ولا شك فيه. لماذا تشاجرتما؟!

هي مُحقة! هناك أشياء مخفية ولا يريد التحدّث عنها الآن. لا يريدُ التحدّث عنها لأيّ أحد سوى شخصٍ واحد. آه من هٰذا الشخص، ودّ لو كان يمتلك الطاقة الكافية ليذهب لمنزل ذٰلك الشخص لٰكنه حقًا مُتعب ويشعر بالاستنزاف الكُلي.

- إنني مُرهق. لنؤجل هٰذا الحديث لوقت آخر.

كان كلّ ما نطق به، نبرته المُتعبة كانت كالشاهد على براءة ما نَطق لذا أومأت له ثمَّ تحركت تجاه سيارتها وقالت:

- هل تُريدني أن أوصلك للمنزل؟ فسيارتك ليست مَعك على ما يبدو.

نعم، صَحيح. سيارته ليست معه ولا يستطيع العودة إلى المنزل بهٰذه الحالة، تقدم من السيارة وأخبرها مُدركًا للوضع:

- نعم سيكون هٰذا لطف مِنك ولٰكن... لا يمكنني الذهاب إلى المنزل بهٰذا الوجه. أمي وأبي سيتساءلان ويسألان الكثير مِن الأسئلة وأنا لست بوضع يسمحُ لي بشرح ما حَدث.

توقفت بعد أن فتحت بَاب السيارة لتنظر له وتقول مُستفهمة:

- حسنًا. أين تريد أن تذهب؟ فندق؟!

- كلا، كلا، كلا.

نفى على الفور مُحركًا كفَّهُ في الهواء علامة على الرفض، جلست في مقعد السائق وتبعها هو يجلسُ في المقعد المُجاور. تحدّثت مُتذكرة:

- إذًا إلى منزل حبيبتك. هل يمكنك إعلامي بعنوانها؟

حَدجها بنظرة جانبية لثوانٍ عديدة ثمَّ ابتسم وقد حاول ألا يبتسم لٰكنه فشل، مَرر نظراته عليها من أعلى لأسفل قبل أن يستفسر مِنها وقد أعجبهُ الوضع:

- من أين استنتجت أنّني في علاقة؟

ولت وجهها له لتنظر إليه وتقولُ بِبساطة:

- لقد أخبرتني في أول يوم لك أن لديك مَوعد ما وعليكَ الذهاب باكرًا.

كان يُريد أن يضحك ملء الضحك حتّى يصدح صَوت ضحكاته في كلِّ مكان ومع ذٰلك، تماسك ولم يفعل. يا إلٰهي! ما هٰذا العبث؟! لِم يُعجبه الوضع؟

- آااه. نعم كان لديّ موعدٌ مهمٌ جدًا وجدًا.

تحدّث ببطء وأعطى كل كلمة أكثر من خمس ثوان، يريدُ أن يعبث معها، إلى أين يريد أن يصل من هٰذا العبث؟ لا يعلم، كل ما يعلمه أنّ الأمر أكثر إثارة من القفز بالمظلات وباعثًا للضحك أكثر من أيِّ مسرحية كوميدية شاهدها.

- حسنًا. أخبرني بعنوانها.

طَالبته بالعنوان هٰكذا دون أن يظهر عليها أيّ عَلامة استياء، لماذا عليها أن تستاء على كلّ حال؟ هُو من استاء من عدم استيائها، زوى حاجباه يُمعن النظر فيها، تذكر أنّه رُبما... كلا هو لا يملك حبيبة لٰكنها رُبما تمتلك واحدًا.

دقيقة!! لِم يُريدها أن تستاء؟ لِم يُفكر بهٰذه الطريقة؟ هل يُريدها أن تشعر بالغيرة عليه ولم يمضِ على تعارفهما سوى يومين؟! هل هو يشعر بِالغيرة مِن الرجل الذي يمتلكها هي؟!

- ما الذي حدث؟ هل ستقوم بإعطائي العنوان أم ماذا؟!

سألته تهتف بضيقٍ، لا تعلمُ أن جُدران قلبه من تضيق الآن وانعكس هٰذا الضيق على حاجبيه. أخبرها يضع حزام الأمان أولًا ثمَّ يلتفت إلى النافذة بجانبه:

- لم يكن موعدًا مع حبيبتي، ذهبتُ لزيارة صديق فحسب.

تَضايق من انتهاء العبث سريعًا ومع ذٰلك لم يرد الإفصاح عن أنّ لا امرأة تسكنُ قلبه. جاء صوتها تقول وقد نفد الصبر مِنها:

- حسنًا. قُم بإعطائي عنوانًا ما لأوصلك ثمَّ أتوجه إلى منزلي.

منزلها!! نعم، لِم لا يذهب إليها؟ لا يريدُ الذهاب لبريانكا ليس الآن فلهما لقاءٌ سيكون قريب وعنيف. التفت يواجهُ عينيها، بقي صامتًا لنصف دقيقة ثمّ قَال:

- لنذهب إلى مَنزلك.

- مَاذا؟!

ما الذي يقوله؟! هَتفت غير فاهمة جاعلةً مِنه يقولُ مُجددًا:

- لا يُمكنني الذهاب إلى منزل أحدهم الآن. أنتِ الوحيدة من بإمكانها استقبالي.

بقيت عَلامات الصدمة على محياها قبل أن تستمع له يُردف بِنبرة لعوبة ومُستعطفة وقد قَام بِإمالة رأسه:

- لن تطرديني وأنا بهٰذه الحالة، أليس كذٰلك ألينا؟

تحدق به بعينيها الواسعتين، هل هُو جاد؟! قامت بسؤاله:

- لا يوجد أحد يستطيع استقبالك من كلِّ هٰذه المدينة سواي؟!

- نعم. فأنا أتيتُ من سفر دام لأكثر من سنة، وفي الواقع، ليس هناك الكثير الذين أعرفهم. لا أصدقاء لي هنا.

قطبت حاجبيها وقالت مُذكرة إياه:

- والصديق الذي قمت بِالذهاب في مَوعد معه؟!

- لا يمكنني الذهاب إليه. ليس الآن.

عَدل جلسته وقام بِفتح النافذة ليتنفس الهواء براحة قبل أن ينظرُ لها ويُردف:

- هل بإمكاننا التحرك فأنا حقًا مُتعب وأريدُ النوم. كما أنّ جُروحي تؤلمني بعض الشيء.

لم ترد الدخول في نِقاش معه، فهو مُتعب كما هي. أجابت قائلة وهي تقوم بتشغيل السيارة:

- حسنًا. لنذهب أولًا إلى صيدلية لِيُعالجوا جُروحك.

ضَحك من مزحتها ثمّ أمعن النظر فيها. ماذا؟ هي لا تمزح.

- هل أنت جادة؟! صيدلية؟

- نعم، بالتّأكيد أنا جادة. ألم تقل أن جروحك تؤلمك، إنَّها تحتاجُ للتعقيم والتضميد.

- ألا يمكنك فعل ذٰلك؟

حَدجته بنظرة جانبية وكأنّها تقول بلغة العيون ' حقًا '، أعطت جلّ اهتمامها للطريق ثمّ تحدَّثت بِبساطة وهي ترفع كتفيها قليلًا:

- يُمكنني فعل ذٰلك، ولٰكنني لا أريد.

ارتفع حاجبه إثر كلماتها دون أن يدرك ذٰلك، ثمَّ قام برمي سؤاله على مَسامعها بِنبرة تشي بِالاستغراب:

- لماذا لا تريدين فعل ذٰلك؟! في العادة، هٰذا ما يحصلُ عندما يتشاجر رجلان، تقومُ المرأة بمعالجة الجروح.

بقيت تنظر للطريق وقالت بلا مُبالاة أزعجته:

- أنتما لم تتشاجرا بسببي، رقم واحد. في العادة، يتشاجر رجلان من أجل امرأة وهي تقومُ بِمعالجة جروح الرجل الذي تُحبّ. لم يحصل أيٌّ من هٰذا، كما أنك لست حبيبي، رقم اثنان، وأيضًا أنتَ لم تُخبرني عن سبب الشجار، رقم ثلاثة.

امتعض من لا مُبالاتها، حتَّى أنه لم يستطع التحكم بعلامات وجهه فبان هٰذا الامتعاض الذي لم ترهُ هي. بقي صامتًا لفترة قبل أن يتحدّث:

- لا داعي للصيدلية، سأقوم بمعالجة جروحي بنفسي.

أعطى وجهه للنافذة المفتوحة بِجانبه، يستنشقُ الهواء الذي يُحبّ والذي يُدرك قيمته جيدًا أكثر من أيِّ إنسان، فسفره المُستمر والدائم أعطاه دروسًا وقيمًا عظيمة وفكره بِنِعم نحنُ في غفلة عنها، الأوقات التي قَضاها يتأمل الوجود والخلق والطبيعة.
الطبيعة التي هي أجمل وأثمن عمل فنيّ إلٰهي، لا يستطيعُ أيّ فنان جعلك تشعر بالشعور الذي تشعره وأنت في أحضان الطبيعة حتّى وإن رسمها بِتفانٍ ودقة مُثلى.

يتذكرُ أنّه لم يكن يعري الكثير من الاهتمام تجاه الأشياء البسيطة، الأشياء المعنوية والتي تُلامِس الروح والعقل والقلب والجسد معًا، جميعُ حواس المرء ترقصُ مع بعضها البعض بِرشاقة وخفة معًا، مانحةً مشاعر عذبة، نقية، زكية، تدغدغُ أحاسيك البشريّة، تمنحك سكينة خام وطمأنينة البال، بل يذكرُ اهتمامه بالأمور المادية أكثر، لٰكنه أدرك أنّ التوازن بين الأمور هو الصحيح وإعطاء كلّ شيء حقه هو الأصح.

كم كان يُحب تسلق قمم الجبال! خصوصًا في الربيع والجو جميل ولطيف، ينتقي زاوية ما ويجلس هُناك لساعات يتأمل ما حوله من جمال لا مثيل له، يتنفسُ بِراحة ويسر مُحبب. لقد أدركَ نعمة التنفس والهواء من خِلال سَفره وتفكره في ما حوله مِن مخلوقات بديعة الصنع، صُنعت من قبل الفنان الأعظم عَلى الإطلاق، خَلقها الإلٰه وأبدع في خلقها.

يُدركُ تمام الإدراك أنّ لا عِلاج حقيقي سوى الطبيعة، سواء كان للغضب أو القلق أو الحزن، احتضان الطبيعة لك شفاءٌ لكثير مِن المشاكل التي تؤرق البشريّة هٰذه الأيام. دائمًا ينصحُ الآخرين أن يبتعدوا قليلًا فقط عن التكنولوجيا والمنبهات والعقارات الطبية ويتجهوا نحو الأشياء الطبيعية فلديها علاج ساحر للعديد من المشكلات.

- هٰذا هو حالي في الآونة الأخيرة، مُعالجة جروحي بنفسي.

تَهامس لنفسه ينظرُ للبشر الذين لا ينامون في الليل عَلى ما يبدو، فإضاءة الأماكن غطت على سَواد الليل، سيارات من يمينه وشماله، أمامه وخلفه، تُرى كيف هي حياتهم؟ كيف يشعرون في هٰذه اللحظة؟ هل يوجد أحدهم اضطر أن يسلك طريقًا لا يريده مثله؟

بَعد دقائق من قِيادتها، وصلت إلى المكان المنشود، منزلها. قامت بإغلاق مُحرك السيارة، وإزالة حزام الأمان قبل أن تنظر له وتقول:

- لقد وصلنا.

ترجلت هي كما فعل هو، كان ينظرُ للمكان مِن كلِّ زاوية، أعجبه. هي تقطن في حي جميل قد راقه، البيوتُ تحمل طابعًا عصريًا ممزوجًا بوحي من الطبيعة، فهناك بعد السياج الخاص بكلِّ منزل حديقة صغيرة مزروع فيها بعض أنواع الورود التي يعرفُ جميعها. تقدمت مِن منزلها، أزاحت السياج مُتوسط الطول المطلي بالأسود، تبعها حتَّى تخطيا جزء الحديقة التي لم يرَ شيئًا يُذكر منها فإنارة منزلها مطفئة عكس البيوت الأخرى.

وضعت المفتاح في الباب ودلفت، مشى خلفها حتَّى دلف هُو الآخر، أضاءت الممر جاعلةً منه يتفحص المنزل بِأعين منبهرة، اللون الأسود يطغى على منزلها بطريقة راقية، حيث تتداخل معهُ العديد مِن الألوان بِشكل بسيط، كـالأبيض والرمادي.

بقيت صامتة وهي تتقدم نحو غرفة المعيشة، سمعت صوته يأتي من قريب:

- منزلك جميل.

لم تُعرِ إطراءه أدنى اهتمام، تريدُ الذهاب والنوم فقط، تشعرُ برأسها سينفجر، وضعت سلسلة المفاتيح التي تضم مفتاح السيارة والمنزل معًا فوق رخام المطبخ المفتوح المُواجه للصالون، استدارت تنظر له بأعين نعسة وقالت:

- لديّ غرفتان شاغرتان بإمكانك النوم في إحداهما.

أومأ لها وقَد أربكه بعض الشيء وجوده في منزلها، لقد كانت فكرته نعم، لا ينكرُ في البداية أعجبه الأمر والآن يعجبه لٰكن هناك شعور آخر اجتاحه، شعور لا يعرفه، لماذا فجأةً لم يعد يريد المزاح؟ يشعر بالإرتباك، ربما الاضطراب، لماذا؟!

- هل تَعيشين بِمفردك؟

سألها بِريبة وتوجس، فلم يكن يظن أنّها تعيشُ لوحدها، لقد أخبرته أن لديها أخت، ألا تسكن معها؟ حسنًا، هٰذا هو مصدر الإرتباك، هما لوحدهما في منزلها! لا أحد يقطن معها!

- نعم.

أجابته بِكلِّ بساطة وتلقائية، جَفل لوهلة ثمَّ قال:

- لم أكن أظن هٰذا، إن أخبرتني أنّك تعيشين بِمفردك لم أكن لأصر على القدوم هنا.

ظلت مُسندة ظهرها على الرخام، تنظرُ له، لا ترغب بالحديث حقًا، تحدّثت مُتسائلة:

- وهل سيفرق عيشي بمفردي معك؟ إنها فقط ليلة!

أدار دفة الحديث حيثُ يريد وحيث توجس بعض الشيء، أخبرها بِنبرة لونها بالمزح لٰكنها مرتبكة في الحقيقة:

- أعرف هٰذا لٰكن لا أريد الدخول في شِجار مع رجل آخر، واحد يكفي!

لم تفهم مغزى كلماتها، ولم ترغب بتحليل أبعاد تلك الكلمات لذا قالت مُستفهمة:

- ما الذي تقصده بِشجار مع رجل آخر؟

أعطى المكان نظرة سريعة فيما تحرك إلى الأمام نحوها قليلًا وقال:

- لا أريدُ أن أقحم نفسي في مسائل الغيرة ولٰكن... لن يقوم حبيبك بضربي على ما آمل، أليس كذٰلك؟ أتمنى أنّه غيرته ليست قاتلة ومُدمرة.

قَام باللعب بشعره من الخلف بعد كلماته. تزايد خفقان قلبه قلقًا، كان يتمنّى ألا يكون لديها حبيب، لٰكنه ينظرُ من ناحية ما، كيف من الممكن أن يترك الرجال امرأة مثلها؟! من المُؤكد حصول أحدهم عليها، أغضبهُ بعض الشيء التفكير بهٰذا الاحتمال. هي أنثى جميلة، حتَّى تكاد تكون أجمل ما رأت عيناه يومًا، ذكية وفطنة، كيف لا وجود لرجل في حياتها؟!

أخبرته بِكلِّ بساطة بينما تقوم بصب الماء في كأس:

- لا تقلق حيال ذٰلك، لستُ في علاقة مع أحدهم.

خَامره شُعور بِالسعادةِ لا يُوصف، في داخله كان يُردد كلمة ' نعم ' مرارًا وتكرارًا، لم يستطع مقاومة هٰذا الشعور فارتسمت ابتسامة عريضة على ثغره، حَاول أن يخفيها لٰكنه لم ينجح.

يكاد يقسم أنّ شُعوره بالإرهاق والتعب الذي لازمه اليوم بأسره قد اختفى بسبب تحليقه في سمائها، لا يريدُ لهٰذا التحليق أن ينتهي، يرغبُ بالإستلقاء على غيمة من غيماتها لينام هناك مُطمئنًا هانئًا.

تقدّمت منهُ وأعطته كأس الماء ليشربه بينما عيناه لا تتزحزحان عنها، سألتهُ قبل أن تريه مكان غرفته:

- هل ترغب بشيء آخر؟

لقد كان عطشًا فعلًا، أذهلته قدرتها على قراءته. سألها بريبة:

- هل يُمكنني الاستحمام قبل النوم؟ لن تُمانعي، أليس كذٰلك؟

نفت فأومأ قبل أن تخبره أن ينتظر قليلًا. اختفت لدقيقتين ثمَّ جاءت تحمل شيئًا ما. قدمته له وقالت:

- لقد تَذكرت وجودها عندي، إنّها ملابس رجالية مريحة، بإمكانك ارتداؤها فملابسك في حالة يرثى لها.

أفزعته هٰذه الملابس سوداء اللون أحسّها كغربان ترغبُ بِنهش جثته نصف الميتة، فوجود مَلابس رجل ما لم يعجبهُ على الإطلاق، قَطب حاجبيه وقد اشتعلت نارٌ في صدره ليخبرها بصوته الرجوليّ بِنبرة حانقة وكارهة:

- لن أقوم بِارتداء ملابس رجل آخر، احتفظي بها لنفسك.

قطبت حاجبيها بِقلة حيلة وحَركت رأسها يمنة ويسرة قبل أن تَقول مُوضحة سوء الفهم:

- ليست ملابس رجل آخر، هي فقط... في عيد الميلاد، اشتريت بعض الأغراض وقاموا بإعطائي بعض الهدايا... تعلم في الأعياد يعطون مِثل تلك الأشياء، وقد وجدت مَلابس رجالية بداخل أحد الهدايا. لم يقم أحد بِارتدائها، لا تقلق.

همهم فاهمًا بعد أن أطفأت نيرانه الغاضبة بصوتها الناعم الذي خرج تعِب وبالطبع لتوضيحها سبب وجود ملابس رجل في منزلها.

أخذهم منها وشكرها. قَامت بمرافقته نحو الغرفة التي سينام فيها، تمنت له ليلة سعيدة بعد أن أرته في أيِّ غرفة تنام في حال حصول شيء ما.

شَكرها ودلف للداخل، قام بالاستحمام بِسرعة وقد شعر بالاختناق من مُكوثه داخل الحمام المُثخن بِالبخار والخالي من الهواء، خَرج وارتدى الملابس التي أعطته إياها ثمَّ عاد بعد مدة للحمام ليخرج علبة الإسعافات الأولية ويقوم بِتضميد جُروحه.

نَظر إلى انعكاسه في المرآة، حاجبه المجروح وتلك الشامة التي يُحبها الموجودة بِجانب عينه اليسرى، شَامة صغيرة تعشقُها والدته وتتغنى بِجمالها وجمال ابنها الذي أخذ مِنه التعب كلّ الأخذ ولم يعطه شيئًا سوى صداع ونعاس. شَعر بالاشتياق لها ولاهتمامها به، تذكر أنّه لم يتحدّث مع والده أو والدته لإعلامهم بعدم مجيئه الليلة، رأى العديد من المكالمات الفائتة والرسائل غير المقروءة، قَام بإرسال رسالة مُطمئنة لوالدته قبل أن يُغلق هاتفه، كتب فيها

' أمي، لا تقلقي، أنا بخير. لن أعود الليلة إلى المنزل، لٰكنني سأعود صباحًا '

تمدد عَلى السرير وقد أثقل النعاس جُفونه، كان يرغب بِالتفكير بما حدث له اليوم من أمور لٰكنه لم يستطع.

العديدُ مِن المشاعر المُتداخلة تخامره الآن، من ناحية هناك موضوع الشجار الذي لم يكن شجارًا عاديًا يحصل بين أيّ اثنين كما قال، كلا، الموضوعُ أكبر وأهم من ذٰلك.

قريبًا ستكونُ له مُواجهة مع شخص ما، لن يدعه يفلت دون أن يأخذ منه كلّ ما يريد، فـللأمر علاقة بِموت كارل!

ومِن ناحية أخرى، هناك ألينا هٰذه المُحامية التي بِالكاد يعرفها والتي استقبلته في منزلها الليلة. لِم يشعر بِمشاعر غريبة تجاهها؟ هل هو مُعجب فيها؟ أم تراه يقع في حبها دون أن يشعر بنفسه؟ ثبت رأيه أنّه ربما أعجب فيها، لا يلوم نفسهُ فهي تحمل كلّ الجمال الموجود في هٰذا العالم، شخصيتنا تروقه وكثيرًا، وحديثها لا يُمل منه.

مَع تخبط أفكاره إلا أن فِكرة خفقان قلبه لتلك الأنثى التي تنام في غرفة مجاورة أسعدته، كان يظن أن الوقتَ خاطئ وغير مناسب لعيش قصة حبّ لٰكن على ما يبدو أننا لا نعيشُ قصص حُبّ بل قِصص الحُبِّ من تعيشنا، أدرك أن هٰذا هو الوقت المُناسب فهو بِحاجة لشيء يستثيره، لشخص يستكين برفقته، لأنثى يهنأ معها، لحبٍّ ينتشلهُ مِن قعر الألم الذي سقط فيه على غفلة.

وكما يُقال ' الحُبُّ لا يطرق باب القلب، بل يخلعه '


-ˋˏ ༻❁༺ ˎˊ-
مرحبًا 🖤

كيف كان الفصل؟

من هو الشخص الذي سيكون له مع آرلو لقاء قريب؟

كُلُّ الحُبِّ لكم 🤍 💫

Đọc tiếp

Bạn Cũng Sẽ Thích

8.7K 604 32
هناك موت يدركك وانت حي!! #واقعية
15.8M 341K 55
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
2.1K 229 5
|أُهربْ هذه الرِواية سَتُدَمرك | لقد حذرتك!لأنَه فِبَعضِ الأحيانِ لَيسِ عَليك مَعرفةُ الحقيقة..هُنَاك دَائما سبَبٌ لِاخفائها..
2.1K 267 15
القصص القصيرة رومانسي غموض كوميدي