Themis | ثيميس

By reroevol

623 36 0

يُقَال إنَّ سيِّدة العدالة ثيميس هِي امرأة فضلًا عَن رَجل كون قلب المرأة أرحَم مِن خاصة الرَّجل، وكونها مَعصُ... More

إهداء
مُقدِمة
الفصلُ الأول 🦢 ليلةٌ ضبابِية
الفصلُ الثاني 🦢 مُواساة
الفصلُ الثالث 🦢 انتِكاسة
الفصلُ الرابع 🦢 القرار
الفصلُ الخامِس 🦢 امرأة
الفصلُ السادس 🦢 طمسُ الحقيقة
الفصلُ الثامن 🦢 احتِراق
الفصلُ التاسِع 🦢 لَيلة مُلبَّدة بِالتَّعبِ
الفصلُ العاشِر 🦢 دَقائِق مِن الانسِجَامِ
الفصلُ الحادِي عَشر 🦢 زيارة الذكريات
الفصلُ الثاني عَشر 🦢 القَضِيَّة الأولَى
الفصلُ الثالث عشر 🦢 بَاكُورَة الحُبِّ
الفصلُ الرابِع عَشر 🦢 مَحمَلِ الحُبِّ
الفصلُ الخامِس عَشر 🦢 وِلادة شَاعِر

الفصلُ السابع 🦢 توليب

28 2 0
By reroevol

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغير
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

_ المُتنبي _

•••

مع تفاقم الأسئلة والاحتمالات شعر آرلو برأسه يدور، لقد كان يومًا مُستنزِفًا بالفعل. وها قد أسدل اللَّيلُ وشاحه الأسود في فضاء الكون وأمسى الهدوء حاجة مُلحة للنفس المُتخبطة، في طريق عودتهِ للبيت كان كلُّ ما يُريد فِعله هو الارتماء على سريره والالتجاء إلى النوم علَّهُ يجد في أحلامه ملاذًا يلوذ به، ويُدخل البهجة المَسروقة منه إلى وجدانه.

حال وصوله وَجد والدته بإنتظاره، رحبت بِه وعانقتهُ ليبادلها العناق الذي شعر بأنَّه يحتاجه وبِشدَّة، انسحب ليطبع قبلة على جبينها وخدها بينما يُظهر باقة الورد الأحمر التي ابتاعها خصيصًا لها ويقول بصوت مبحوح وتعِب:

- لو لم يكن هناك عمل اليوم لكُنت أخذتكِ في جولة حول المدينة وقضينا وقتًا مُمتعًا بدلًا من هٰذه الرتابة وهٰذا الملل المُهلك للروح.

ضحكت ضحكة مكتومة وهي تضعُ كفَّيها على وجهه، تبتسمُ له ابتسامةً صادقةً وتقول:

- هل كبر ابني الصغير وأصبح رجلًا يذهب للعمل ويعود للبيت في المساء؟

- أُمّي!!

صاح بانزعاج وتبرُّم، يزيح كفيها بينما تلتقطُ هي باقة الورود الجميلة مُستمعة لتذمره:

- أنا في الواقع لديّ عمل وأحبه، الفرق فقط أنَّه لا يُجبرني دائمًا على التصرف عكس ما أنا عليه. ومنذ متَّى لم أكن رجلًا والآن أصبحت كذٰلك؟

لم تُعجب برميه للكلام المُبطن وزجرته قائلة:

- ما هٰذا الذي تقوله؟ هل مِن الخاطىٔ أن أكون سعيدة برؤيتي ابني يكبر أمامي؟ لا تقل كلامًا كهٰذا مرة أخرى.

رفع كتفيه غير آبه وقال مُمتعضًا:

- وما الفائدة من سماع الكلام إن كنتُ لن أطبق أيًّا مِنه؟! ما هٰذا إلّا محض هراء لا أكثر.

مشى وتبعته حيث غرفته وبينما يمشيان سألته بِحماس واضح من عينيها وصوتها:

- حسنًا دعك من هٰذا الآن، أخبرني، كيف كان يومك الأوَّل؟! هل تعرفت على الجميع؟!

- مُمل. هٰذا هو يومي الأوَّل وأعتقد أنَّ جميع الأيَّام ستكون مثله، وبالطبع يا والدتي العزيزة لم أتعرف على الجميـع، الشُكر للرب.

أجابها وهو يتقدم من غرفته بنبرة جافة ومُتململة، استمعت لكلِّ حرف خرج منه بإمعان، تُريد فقط الاطمئنان حتَّى بعد مُكالماتها العشر له. قلبُ الأم!

دلفا للداخل قام هو بِنزع سترته ورميها على السرير حيث التقطتها والدته لتضعها في سلة الملابس المُتسخة ليقوموا بغسلهم. فك أزرار قميصه ونزعهُ ليرميه هناك كذٰلك بلا مبالاة فيما يُردف بِتهكم بينما ينظر لها ويضع إحدى يديه على خصره:

- كما أخبريني منذ متَّى لا يكون الرجل رجلًا إلّا بالعمل المُعترف به مُجتمعيًا؟!

- مُعترف به مُجتمعيًا؟! ماذا يعني ذٰلك؟!

استغربت من تلك الجملة فيما وضح آرلو لها كأنَّه يقدم مشروعًا ما، وهو يُحرك يديه في الهواء بعشوائية طفولية:

- العمل المُعترف به مُجتمعيًا هو العمل الذي يعترف به الناس المريضة التي يُطلق عليها اسم المُجتمع، مثلًا : طبيب علامة صح بجانبه، مُهندس علامة صح بجانبه، رجل أعمال أيضًا علامة صح بجانبه وهٰكذا... أما مُؤثر على الإنترنت علامة شطب بجانبه، مُصور فوتوغرافي علامة شطب بجانبه، شخص لديه مُدونة ويكتب فيها أيضًا علامة شطب بجانبه.

صمت لثوانٍ عدة ثمَّ استطرد:

- لِم على الناس المريضة... عفوًا منكِ، المُجتمع أن يُقرر عمل الفرد الخاص؟! ما شأنهم بغيرهم لا أفهم!! هٰذا لا شيء سوى رجعية.

التقطت قميصه وذهبت لتضعه مع السترة في السلة ثمَّ رجعت لتجلس على سريره مقابلًا له وتُلقنه درسًا بهدوء:

- آرلو بالتَّأكيد إنَّه خاطئ إجبار الغير على فعل أشياء يبغضونها فقط من أجل ما يقوله الآخرون، هٰذا ما كُنت أُخبركَ به طوال حياتك ولهٰذا احترمنا رغبتك وموهبتك بالتصوير وهٰذا ليس خاطئًا بل العكس، رؤيتنا لك تفعل ما تُحبه ويكون لك مُتنفسًا يجعلنا سعداء لسعادتك.

هدأ بينما يستمع لصوتها الناعم واللين، كم اشتاق لدعمها الغير مشروط له! فيما أكملت هي بنفس النبرة ونفس اللين:

- لٰكن أنتَ مُخطئ في شيء واحد، فالرجل لا يكون رجلًا إلّا بالعمل، أيًّا يكن عملهُ المهم هو أنَّه يُكرس نفسه لعيش حياة أفضل دائمًا، له ولعائلته. العملُ الذي يُحترم ويساهم في المجتمع، المُجتمع أقصد الناس السويّة يا بُني لا الناس المريضة كما تقول.

وقفت واقتربت منهُ وأنهت كلامها لِتدعه يذهب للاغتسال كما يبدو أنَّه سيذهب:

- على الرجل أن يوفر الحماية والأمان لأسرته حتَّى يستشعروها هم فيه، عليه منحهم هٰذا معنويًا وماديًا على حدِّ سواء، دون أن يفوق أحدهم الآخر. هل ترغب بتناول شيء ؟

ربتت على كتفه وسألت سؤالها لينفي مُحركًا رأسه يمنة ويسرة، ليتركها تنسحب وتتركه خارجةً من الغرفة. بقي لثوانٍ طويلة واقفًا هناك يُفكر بكلامها الذي سبق وأخبره به والده كثيرًا حيث كان دائمًا يخبره هو وكارل بهٰذه المواضيع التي لم يهتم لها كثيرًا على عكس كارل، الذي كان يُحبّ أن يكبر ويتحمل المسؤوليات في وقت مُبكر ولا عجب أنَّه بدء بتعلم الأمور الاقتصادية والمالية للشركة من عمر الرابعة عشر، حيث كان وبشكل ما يُحبّ أن يرى والديه فخورين به وبنضجه لٰكن سرعان ما كبر حتَّى أصبح يشعر بشيء من الحسرة على تحمله مسؤوليات أكبر من طاقته في مراهقته وشبابه، لم يندم قط ولكنه تمنَّى لو أعطى لكلِّ مرحلةٍ حقها الوافي لا أقل ولا أكثر، فالمسؤوليات قادمة قادمة سواء اختارها هو أم اختارته هي.

* * *

مَكث طائر النوم في عشه بعد يوم طويل، لم يحصل فيه إلّا على فتات أجوبة لأسئلته الصغيرة اللابثة في العش. تمدد على سريره وما زال شعره مُبللًا، نال من عينيه النُعاس وشيئًا فشيء نال منه كله، العديد من الأشياء تُشغل باله ولٰكن التعب كان أقوى منها جميعًا، غريب! خصمٌ يفوز على عدة خصوم!! الأمر ليس بالكثرة بالطبع. أسدلت رموشه نفسها بتلقائية وغطّ في نوم عميق.

* * *

التاسع من مارس
بدايات لطيفة تُدخل السرور إلى القلب.

شقت أشعة الشمس صفحة السماء مُضيفةً لها ألوانها الخاصة، فهي مَغرورة لا تقبل إلّا بإضافة أثرها الذي يراه كلّ من يسكن الأرض. لم يكن آرلو مُتحمسًا لبدء مهزلة جديدة تحت مُسمى يوم جديد وبالرَّغم من ذٰلك، حال استيقاظه ارتدى ملابسه، هٰذه المرة بنطال باللون الكريمي مُريح وقميص أبيض، دون ارتداء سترة، اكتفى بمعطف بنفس لون البنطال، قام بارتداء ساعته وهو يخرج من الغرفة وينزل على السلالم، ينزل؟! كلا إنَّه يقفز بكلِّ مرح وحيوية، مُبتسمًا توجه للأسفل بينما يُخبر كريستين أن تُعلم والديه أنَّه سيتناول الإفطار خارجًا في الهواء الطلق اليوم، وأن عليهما ألّا يحزنا كثيرًا لعدم مشاركته إياهم هٰذه المرة، وفي المساء بالتَّأكيد سيلحق بموعد العشاء. رمى قبلات وغمزات في الهواء لكريستين وللعمال الآخرين وللشجر والحجر وحتَّى لسيارته التي اشتاق لها، ' مرحبًا بعودتي يا فاتنة، آمل أنَّكِ اشتقتِ إلي '، تحدث للسيَّارة الحمراء نوع بورش، سيارته المُفضلة ثم انطلق.

توقف في مطعم مُطل على نهر التايمز وتناول هناك الإفطار بشهية، فالأجواء المفتوحة للعنان والهواء العليل تروقهُ وتُخرج روحه الحُرة التي يُحبَّ. حال خُروجه مرَّ بجانب محل للورود وفجأةً تذكرها! هي! مرَّ طيفها في مُخيلته مما حرضه على الابتسام دون أن يلاحظ، وكالمُنوم مغناطيسيًا بوساطة مِغناطيس غير معروف الشَّكل ولا الحجم، اقترب منه وألقى نظراته على كل الأنواع، تُرى ما هي زهرتها المُفضلة؟! هو لا يعرف إلّا أنَّ والدته تحبّ الورد الأحمر وبريانكا الورد برتقالي اللون، أما هي؟

في الأغلب، النساء يعشقن الورد الأحمر، هل يجلبه؟ فكَّر ثمَّ تراجع فالأحمر عادةً يرمز للحبِّ، أيُّ حبٍّ هٰذا؟ هو فقط سيجلبها لها لتكون بداية عامرة بالودِّ والسرور فقط لا غير! احتار حتَّى كادت تهزمه فكرة التراجع إلى أن لمحه رجلٌ طاعن في السن يبدو أنَّه يعمل في المحل، ويبدو كذٰلك أنَّه لاحظ حيرة الواقف أمامه ليقترح عليه ورود التوليب فهي ناعمة وجميلة. ابتهج آرلو وقام بتحريك رأسه علامةً على الإيجاب علّّها تكون بداية إيجابية ومُبشرة بالتفاهم بينهما.

أخَذ باقة الورود ورديَّة اللون، فكَّر أنَّه لونٌ جميل وتُحبه الإناث في العادة، وضعَ الباقة على الكُرسي الجانبي لكرسي السائق وانطلق مُستمعًا لبعض المُوسيقا الهادئة. أخبر نفسه أنَّها بداية يوم جيدة، آملًا أن يستمر على هٰذه الوتيرة من الخفّة والبساطة.

وَصل لمقر الشركة وقد بدا الاستغراب على عينيه، فأصبحتا مفتوحتان على وسعهما يعلوهما حاجبان مُندهشان وهو يُلاحظ أنَّ جميع الأشخاص في المكان قد شخصوا أعينهم المُترقبة والفضولية عليه، فبعد أن همست جنيات النميمة في أسامع البشر عن أنَّ وليّ العرش سيصبح الملك عما قريب ويتولى السيطرة على مملكة المُحاماة الخاصة بعائلة باسكوڤ، لم ينفك الناس عن القيل والقال وجعل حياة الآخرين الشَّخصية كالعلكة في أفواههم، وهٰذا الرجل الذي كان يعيش في ترف الأمراء أضحى همَّ القريب والبعيد، يريدون رؤيته في الواقع بعيدًا عن الصور التي قلَّ ما وُجِد فيها وقلَّ ما نشرتها العائلة، فالخصوصية شيء واجب ولا مزاح في الأمر.

منهم من يُريد التَّأكد من الأمر، ومنهم من يرغبن برؤية مدى وسامته التي يتغنى بها الكثيرون، ومنهم من يودُّ معرفة مدى احترافيته في حزم زمام الأمور من مدى تفاهته التي أيضًا سمعوا عنها كثيرًا.
مُدلل، غير مسؤول، غير ناضج، رُبما تافه ورجل فارغ، هٰذا بعضٌ مما تمّ تداوله بشأن الرجل الذي حالما رأى ضالته حتى حثّ خُطاه نحوها، يراها تقف بقوامها الرشيق، ترتدي بنطال أنيق أسود اللون وقميص أبيض قامت بإدخال نهاياته داخل البنطال مُكملةً طلتها بحزام أسود ذو علامة ذهبية اللون في منتصفه، شعرها حرّ وكالبارحة أيضًا لا مستحضرات تجميل سوى مسحة كُحل أسود يضيف على سواد عينيها ورموشها جمالًا ولونٌ وردي خفيف على شفتيها.

وبينما هي تُحادث امرأة ما لاحظت اقترابه منها مُبتسمًا، قامَ بتحريك رأسه حركة أحادية باتجاه واحد تعني أن تلحق به إلى الغرفة. فهمت مغزى الحركة ومع ذٰلك، لم تُعره أيّ اهتمام فأكملت حديثها بكل روية.

بعد دقائق عدة شعر بها كالساعة الكاملة بدقائقها وثوانيها، وبينما هو يتحرك في الغرفة بخط عمودي ويقوم بهزِّ قدميه، سمع صوت طرقات على الباب فانتفض بسرعة ينظر حواليه، قبل أن يقرر الجلوس على أحد الأرائك يضع ساقًا فوق الأخرى ويتظاهر بعدم الاكتراث. تنحنح وأذن للطارق بالدخول، رآها تفتح الباب وتقف هناك تطلب منه:

- هل يمكنك استضافة شخصٍ ما لبضعة دقائق؟

لم يفهم مغزى كلماتها لٰكنه قطب حاجبيه بعض الشيء وأجاب:

- نعم بالطبع.

أومأت له وتحركت للخلف لتفسح المجال للمرأة نفسها التي كانت تُحادثها قبل قليل، دلفت هي الأخرى بينما تراه يفك عقدة حاجبيه وعقدة قدميه كذٰلك ليجلس مُترقبًا. أشارت ألينا بيدها للمرأة لتجلس فجلست على استحياء في أبعد زاوية عنه، فيما اقتربت ألينا منه على أريكة مُجاورة وخاطبته في الموضوع مُباشرة بكلِّ ثقة وإقدام:

- هٰذه إيزابيل مُساعدة كارل.

أزاح نظره عنها لينظر لثانية لإيزابيل الخجلة قبل أن يُعيد نظرته المُستعلمة تجاهها ويومئ لها بعدم فهم.

- سأدخل في الموضوع مُباشرةً كي لا نأخذ من وقتك الثمين كثيرًا.

قالتها ثم تنحنحت وقالت بعمليّة:

- ما نُريد قوله هو أنَّ بما أنَّك ستستلم أعمال كارل فأنت بحاجة لمساعدة بكل تأكيد، وإيزابيل ممتازة ومُحترفة في عملها، لم يشتكِ كارل منها ولا مرة. نحن نطلب منك أن تحافظ على منصبها وتستقبلها كمساعِدتك أنت.

رمى الوقت ثوانٍ من الصمت شعرت به إيزابيل يرميها مغلفة بالحجارة عليها، تنهال بكلِّ قلق واضطراب على قلبها الخائف.
بعد أن فكَّر آرلو أنَّ فكرتها سديدة ومُفيدة له، فوجود مُساعدة له تساعده على تنظيم وترتيب الأمور أمرٌ حميد ولا مضر منه، ولٰكن ما جعله يسكن قليلًا هو طلبها هي منه هٰذا، لِمَ لم تأتِ إيزابيل بنفسها؟! فكَّر أنَّه ربما تجمعهما علاقة صداقة خارج إطار العمل.
أشاح بأفكاره جانبًا قبل أن يُرسل ردًا لطلبهما بكلمة مقتضبة فيما ينظر لألينا:

- بالطبع.

انفرجت أساريرها لإيزابيل وقد شقت الابتسامة صفحة وجهها، أمّا ألينا فأمالت رأسها تُحدق في الجالس أمامها وتُعيد كلمته:

- بالطبع!

أومأ وعينيه مُثبتتان على خاصتها قبل أن يقف من مكانه ويتجه ناحية إيزابيل التي تضرجت وجنتاها، جاعلًا منها تقف كذٰلك مقابلة له تراه يمد يده ويُردف بعملية رأتها ألينا لأول مرة:

- مُرحبًا بك آنسة. إيزابيل في العمل مُجددًا. بالطبع بإمكانك استئناف عملك معنا طالما تعملين بجد. ومع أني لست كارل إلّا أنَّني أثق باختياراته فيما يتعلق بالعمل.

صافحته هي بدورها وقالت بجديّة تحاول عدم إظهار ارتباكها وتحمسها:

- شكرًا لك سيّد. آرلو أعدك أن أكون مُساعدتك التي تتمنى. سأعمل بجد واجتهاد دائمًا.

ودَّ لو أطلق ضحكة عالية ويُخبرها أنَّه لم يتمنَ مُساعدة، ولولا تذكير ألينا له لم يكن سيفكر بالأمر لمدة طويلة، وكان سيظنُّ أنَّ عليه تحمل عناء كلّ شيء لٰكنه بدد هٰذه الأفكار وأومأ لها بلباقة.

انسحبت إيزابيل تخرجُ من الغرفة وبينما ألينا كانت ستتبعها حتى خرج صوت آرلو:

- بإمكانك البقاء آنسة. روڤر

أومأت ألينا بعينيها لإيزابيل، وقامت الأخرى بالخروج وغلق الباب على مهل. بقي كلاهما على أقدامهما يحدقان في وجهيهما بصمت ولأول مرة يشعر به آرلو بالشيء المُحبب حيث كان لا يريد التحدث.

- على المُحامي الماهر أن يفهم ويدرس حركات الطرف المُقابل وأنت فشلتِ في هٰذا.

أخبرها رافعًا سبابته كأنَّه يلقنها درسًا هي بغنى عنه حيث رفعت حاجبها الأيمن وقالت:

- ما الذي ترمي إليه؟ كن واضحًا.

- لقد أخبرتك بحركة رأسي أن تأتي إلى مكتبي. يبدو أنكِ لم تفهمي.

عاد حاجبها مكانه بينما تنظر في أرجاء الغرفة قبل أن تثبت حدقتيها عليه وتوضح له بتهكم:

- نعم أخبرتني، وها أنا ذا.

تراجع خطوة للخلف بدون قصد، فهي مُحقة، وماذا سيقول لها مثلًا؟ لِم لم تأتِ بسرعة؟ لا عذر له لذا؛ قرر خلق واحد فيما يقول بِصوت مُتردد:

- كان عليكِ أن تأتي باكرًا رُبما هناك عملٌ مُستعجل ولا يطيق الانتظار.

يريد أن يقول أنَّه لا يطيق الانتظار وليس العمل لٰكنه ابتلع الكلمات العالقة هناك. ابتسمت وهي تتقدم منه لتقف مقابلةً له ومسافة معتدلة تفصل بينهما واستعلمت:

- وهل هناك عملٌ مُستعجل ولا يطيق الانتظار؟

هي تعلم أنَّه لا يوجد شيء كهٰذا، فمن أين له بالعمل المستعجل وهٰذا يومه الثاني، لذا كانت مُدركة أنَّه لا يتعلق بالعمل. ضمَّ شفتيه معًا ونفى برأسه وأجاب:

-كلا.

- إذًا؟

- إذًا... إذًا... أريد أن... أشرع في العمل ومعرفة القضايا التي تحدثتِ عنها البارحة، من الخاطىٔ أن أجلس هٰكذا فارغ اليدين وأنا مالك الشركة.

تردد من الإجابة فهو لا يدري ماذا يقول لها، فخرجت هٰذه الكلمات من فمه، الذي أثار إعجابها رغم معرفتها بعدم صدقهِ لتقول بصوتها الناعم بنبرة مُتعجبة:

- كم هٰذا جميل! أنتَ مُتحمس، هل قمت بإعادة قراءة أحد الكتب التي أخبرتك عنها؟

بدايةً اغترَّ بنفسه من مقدمة كلامها، ما أن سألت السؤال ذٰلك حتَّى بدأ بتحريك عينيه يمنة ويسرة ففهمت هي سكوته وأردفت:

- يبدو أنَّك كنت مُتعبًا البارحة، هل بسبب العمل الذي لم تبدأ به بعد أم بسبب موعدك؟

صدمته بتذكُرها لكلامه عن موعده وبنفس الوقت هناك في أعماقه شعر بالفرح بِشكل غريب، لم يرغب بإظهار ابتسامته التي تجاهد لتخرج، فهي بلا معنى في هٰذا الموقف. وبينما هو يعيشُ صدمته وفرحه قاطعت صمته تستطرد مُنبهة إيَّاه:

- لقد سبق وقلتُ أنَّ المحامي يقضي حياته كسائر البشر لٰكنه يقضيها بشكل لا يؤثر على مهنته وحياته العملية. عليكَ إعطاء كلّ جزء من حياتك حقه الوافي، هٰذه المرة سأظهر تسامحًا لٰكن لا تتوقعه مني بعد ذٰلك.

امتعض منها وقد بان هٰذا الامتعاض على ملامحه، فعقدة حاجبيه بارزة ونظرة عينيه مُحتدة بانزعاج وبينما كان على وشك الرد وقول شيء سبقته هي تُخبره:

- سأذهب لجلب ملف القضية من غرفتي وآتي فهنا المكان أوسع.

نثرت كلماتها في الأنحاء وخرجت كالبارحة تمامًا، لا تُمهله وقتًا لقول شيء، كم هي عجولة! إنَّها فقط لا تُحبُّ تبذير الوقت فبإمكانها الاستفادة من كل دقيقة وثانية في فعل أمور مُفيدة حتَّى ولو كانت الجلوس والتَّأمل دون فعل شيء فهٰذا لوحده يعود بالفائدة على صفاء ذهنها.

كعادتها في الصباحات، تستيقظ باكرًا وتجلس تتأمل كلّ شيء بصفاء وهدوء، الشجر، الحجر، الشمس، السماء، الغيوم، أثاث منزلها وكلّ شيء كأنَّها تلتقط صورًا بداخل عقلها لكلِّ شيء جميل. وهٰذه العادة ملازمة لها منذ صغر سنها فهي تعشق الهدوء والصمت وتبغض الإزعاج والضوضاء والكلام الذي لا طائل منه.
لا عجب أنَّ لا أصدقاء لها خارج إطار العمل! علاقتها بإيزابيل تلاحمت خطوطها منذ زمن ليس بالبعيد وهناك آرمان الذي لم يغب عن ناظرها أنَّه على ما يبدو مُعجب بها ويتودد لها من الباب الوحيد الذي قامت بفتحه على مصراعيه له باب الصداقة.

شعرَ آرلو بالغرابة من تصرفاته الغير مفهومة، وتلعثمه في الجواب على أسئلتها التي من المفترض في وضعه العادي أن يُجيب عليها بكلِّ ثقة، يشعرُ أنَّها قد تُشعره أنَّه خاطئ وهو على صواب فقط من نظرة عينيها التي تشع ثقة، لِم لا يستقبل هو هٰذه الأشعة ويبادل ثقتها بنفس الثقة؟ لم لا يُظهر جانبه المُعتدّ بنفسه؟!

مرت دقيقتان أو ثلاث، قاطع أفكاره العظيمة صوتها الأنثوي المُتسائل:

- هل أنتَ بِخير؟

رفع بصره ليسقط عليها، وقد استغرب كيف ذهبت وأتت بكلِّ هٰذه السرعة فالدقائق مرت كثوانٍ داخل مُخيلته التي ترشق رشقات من الأفكار عن الواقفة أمامه وتقول باستغراب:

- ما زلت واقفًا مكانك.

انتبه على نفسه، وتحرك من مكانه ثمَّ قرر استغلال سؤالها الأول لصالحه بنبرة ساخرة:

- هل يهمك أمري كثيرًا؟ تريدين معرفة أنَّني بخير أم لا.

ابتسمت تراه يجلس على الأريكة الواسعة وينظر لها بتحدٍّ أعجبها، اقتربت لتجلس على نفس الأريكة بينما تُؤكد:

- بالطبع يهمني أمرك.

عدل جلسته إثر كلامها، لوهلة ظنَّ أنَّه تخيل ما سمعه لٰكن سرعان سماعه لإضافتها حتَّى عاد للجلوس براحة:

- بالتَّأكيد أرغب أن تكون بخير، لست شريرة لتلك الدرجة كما أنَّ علينا العمل وعدم شعورك بخير سيعيق من هٰذه العملية.

تنفس بِضيق وقَال:

- أنا بخير دون هٰذا العمل ولستُ بخير عندما أفكر فيه.

- إنَّه ليس بالعمل المُمل الذي تعتقده. المُحاماة... إنَّها مهنة رائعة.

أخبرته هي بذٰلك والابتسامة الصادقة لا تُفارق ثغرها مما جعل منه يلتفت ويصب جُلَّ نظراته عليها وعلى عينيها التي رأى فيهما لمعة.

- ما الرائع بالتحديد بها؟ إنَّها مهنة مُملة وأيّ مهنة تتطلب العمل المكتبي مملة. أنتِ فقط تقولين هٰذا لأنَّكِ تُحبينها.

تحدَّث بضجر، يخبرها برأيه ونظرته للأمور فهو مُحق هو لا يُحبها. لم تزل ابتسامتها وردت على اتهامه الباطل:

- نعم أنا أحبها لٰكنها حقًا ليست مملة على الأقل العمل المكتبي الرتيب والمعتاد قليل جدًا.

-ماذا؟ قليل جدًا! هل هٰذه مزحة؟ كُلّ شيء هنا ممل. أين المغامرة؟ أين الإثارة؟ أين الأدرينالين؟

صَاح بعدم تصديق واستهزاء، فكَّر أنَّها أصبحت من كثرة الإدمان على العمل قد تحولت إلى آلة لا تعرف شيئًا آخر سواه، حياتها تدور حوله كما تدور حلقات زحل حوله، بِداخله يشعرُ بالشفقة على الأشخاص الذين لا يستمتعون بالسفر وتجربة المُغامرات وعيش اللحظات الأكثر جنونًا لٰكنه بالتَّأكيد لا يظهر ذٰلك كونه يحترم غيره كما يرغب أن يحترموه.

ضحكت بِخفة من طريقة كلامه وكأنَّ على الحياة أن تكون دائمًا مليئة بالمُغامرات، لا تدري ماذا عساها تقول، فهي مُؤمنة أنَّ الهدوء والروتين الفعال خيرٌ من خوض صراع جديد كلّ يوم.
لا تريدُ أن تكون الحياة متاهة وهي كالضائع تتلفت يمنة ويسرة لا تفقه أيّ طريق تأخذ وأيّ درب تسلك للوصول إلى النهاية، النهاية التي ستكون مُجرد بوابة لمتاهة أخرى وتتوالى الأمور على هٰذا النحو مِن التعب والإجهاد.

تفكيرها منطقي لأبعد التصورات، فهي تقول أنَّ هٰذه الرتابة التي يطلقونها ما هي إلّا استراحة مُحارب وتجديد للطاقة لمجابهة أحد أو بضع المَصائب التي تنتظر موعدها لتُفاجئها وعليها أن تكون ذات ذهن صافٍ وجسد نشيط لتكسر رقبة هٰذه المصائب، التي يبدو على الجالس بجانبها أنَّه يُطلق عليها اسم مُغامرات.

تحدَّثت وألهبة الشغف تبرق في عينيها وصوتها جاعلةً منه يستمع لكلِّ حرف، فهو يهوى الاستماع للشغوفين في عملهم كعادته في كلِّ بلد يزوره، يحبُّ زيارة كبار السن خاصة فهم ومع تقدم سنهم إلّا أنَّ بعضهم يزال يعمل فقط بسبب حبه وشغفه بمهنته وهو كان كذٰلك مع التصوير، يراه كهرمون السعادة الوحيد والحقيقي:

- المُحاماة كُلّها مغامرة وإثارة. كُلُّ قضيَّة تتولاها أو تسمعها هي مغامرة بحدِّ ذاتها. المحاماة ليست عملًا مكتبيًّا عليك القيام به منذ ساعة محددة في الصَّباح حتَّى نهاية الدوام. كلا، هناك قضايا تُحيرك، تُدهشك، وتترككَ فَاغِر الفاه، وأخرى، تصدمُكَ، تُخيفك، وتسرقُ النَّوم من جفونك. ستتعلَّمُ أشياء كثيرة في كلِّ قضية صدقني. أنا إنسانٌ بعد المُحاماة وقبلها كنتُ مجرد جسد يُعصفُ به يمينًا وشمالًا. بعدها أصبحتُ شجرة صفصاف تضرب جُذورها أعماق أرضٍ خصبة، أرضٍ لا يجدُ التَّصحر مكانًا لنفسه فيها.

أذابته هٰذه اللمعة التي لم تزد سواد عينيها إلّا نجومًا لم يرَ مثلها مثيل، نجوم تمنَّى في هٰذه اللحظة لو يخمد كلّ الكون وتنطفئ كلّ أصوات البشرية ليبقى هو في حرمِ سحرها، ليبقى هناك ويلتقط بالكاميرا الخاصة به آلاف الصور التي جَزم أنَّها لن تكفي لتظهر روعتها كما تراها عينيه الجاحظتين في تلك اللحظة.

لم يرغب بقول شيء ويفسد سحر سمفونية العينين الصامتة، مُتذكرًا شيئًا ما، قام من مكانه مُبتسمًا بينما تراه هي يقوم بإمساك باقة الورود التي جاء بها، عاد ليجلس بجانبها مُقدمًا الباقة لها بلباقة وعلى ما يبدو أنَّ عدوى لمعان الأعين أصابته:

- وددت لو أحضرتها البارحة لٰكن...

بِحيرة نقلت بصرها بينه وبين الباقة لتسأل:

- لِم هٰذه الورود؟!

' تذكرتك حال رؤيتها ' قال لنفسه. أجابها بِلطف أحبّه قلبها:

- أتمنَّى أن تكون كبداية لطيفة بيننا.

شَعرت بالغرابة ورُبما الخجل الذي لم تشعر به قبلًا، ومع ذٰلك، ابتسمت بِتكلف وتناولتها منه شاكرةً إيَّاه قبل أن تضعها بجانبها وتقوم بسؤاله:

- هل يُمكننا الشروع في العمل الآن؟

أجَاب سؤالها بِسؤال هٰكذا بتلقائية لا يدري كيف خرجت منه:

- هل أنتِ مُتفرغة بعد العمل؟

-ˋˏ ༻❁༺ ˎˊ-

مرحبًا 🌷

هل تتفقون مع كلام ماريندة؟

كيف تجدون شخصية آرلو حاليًا؟

هل التوليب اختيار مُوفق؟

كلام ألينا عن مهنتها؟

كُلُّ الحُبِّ لكم 🤍 💫

Continue Reading

You'll Also Like

569K 20.2K 73
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراس...
604K 27.2K 37
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
2M 40.2K 71
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" التي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...