Themis | ثيميس

By reroevol

537 18 0

يُقَال إنَّ سيِّدة العدالة ثيميس هِي امرأة فضلًا عَن رَجل كون قلب المرأة أرحَم مِن خاصة الرَّجل، وكونها مَعصُ... More

إهداء
مُقدِمة
الفصلُ الأول 🦢 ليلةٌ ضبابِية
الفصلُ الثاني 🦢 مُواساة
الفصلُ الثالث 🦢 انتِكاسة
الفصلُ الرابع 🦢 القرار
الفصلُ السادس 🦢 طمسُ الحقيقة
الفصلُ السابع 🦢 توليب
الفصلُ الثامن 🦢 احتِراق
الفصلُ التاسِع 🦢 لَيلة مُلبَّدة بِالتَّعبِ
الفصلُ العاشِر 🦢 دَقائِق مِن الانسِجَامِ
الفصلُ الحادِي عَشر 🦢 زيارة الذكريات
الفصلُ الثاني عَشر 🦢 القَضِيَّة الأولَى
الفصلُ الثالث عشر 🦢 بَاكُورَة الحُبِّ
الفصلُ الرابِع عَشر 🦢 مَحمَلِ الحُبِّ
الفصلُ الخامِس عَشر 🦢 وِلادة شَاعِر

الفصلُ الخامِس 🦢 امرأة

26 1 0
By reroevol

ولنا أحلامنا الصّغرى،
كأن نصحو من النّومِ مُعافين من الخيبة،
لم نحلم بأشياء عصيّة،
نحنُ أحياء وباقون وللحلم بقية.

_ محمود درويش _

•••

عَلى الرَّغمِ منْ حُبِّ النِّساء لِسَماع كَلماتٍ عَذبة تُلاعب الرُّوح وتُلاطِفها، وبـالرَّغمِ منْ حُبِّهنَّ للدلال والاهتِمام بهنَّ كَـالأطفالِ أحيانًا إلّا أنَّهُ لا داعي لقول كَلماتٍ مُنمَّقة ومُزخرفة بالتَّقليديَّة الرَّتيبة، ولا داعي لاستخدام صِفاتٍ أو ألقاب تقريبيَّة لمدى روعة وقُوَّة المرأة، فكلمة امرأة لوحدها كافية. هي توليفةٌ من عناصر مُتنوعة ومُتفاوتة في صَلابتها ورقتها. هي القُوَّة، والسَّلام، والأمان، والجمال، واللطافة. كلماتٌ كـبطلة وشُجاعة ورائِعة، جميلة لٰكنها لا تُنصِف حقَّ هٰذه المخلوقة التي خلقها الله لتأنسَ لها النفس الوحيدة حتَّى بالرَّغم من نعيم الجنَّةِ ورغدِها إلّا أنَّ شيئًا كان ينقص، الشعورُ بالألفة والأُنس لِروحٍ أُنثويَّة، لرفيقة ينبعثُ الجمال منها، والأمانُ بين ذراعيها، والسَّكينة بِجوارها.

•••

الثامن من مارس | السابعة صباحًا |

« كُلُّ عام والمرأة سيِّدة العدل وكُلّ يوم والمرأة بخير، وقوة، وسلام»

«أينما كُنتنَّ أيَّتُها النساء، فمن قلبي سلامٌ لكنَّ»

مضتْ الأيَّام السَّابقة بِسلام على عائلة باسكوڤ، كَانَت ماريندة تستعيد قُوتها شيئًا فشيء مُذكرةً نفْسها أنَّ عليها أن تكُون بِخير من أجل نفسها ومن أجل عائلتها التي ظلَّت طوال الوقت تشكرُ الرَّب الذِي وهبها إيَّاها. كانت الأمور نوعًا ما مُختلفة مع غابريل، فهو مُبتهجٌ لقبول ابنه القدوم للعملِ في الشركة، مُنشغلٌ ما بين الاهتمام بزوجتِه والتَّأكد من الوجود بجانبها وبين الشركة التي لا أحد من موظفيها يعلم لحدِّ اللحظة المصير الذي ينتظرها، ينتظرُ الأيام بفارغ الصَّبر، نيته أبدًا لم ولن تكن سيئة كُلّ ما في الأمر أنَّهُ يريدُ أن يصبح ابنه أكثر مسؤولية ويُحافظ على اسم العائلة وعملها الذي يسترزق منه آلاف الأشخاص. أما آرلو فقضى الأيَّام بالتَّأمل في جميع مراحل حياته، قراراته، أين سيكُون في المستقبل؟ هل يَا تُرى سيكون على قدر كافٍ من المسؤولية التي يريدونه أن يتحملها؟ ظلَّ يفكرُ بالأمر وبمدى ضخامته، هو بالتَّأكيد يريد أن يُعبر عن امتنانه لوالديه لاحترامهم جميع قراراته وعدم تدخلهم بحياته بشكل مُزعج، لٰكن هل على حِساب نفسه؟ هل سيكون سعيدًا كمحامٍ أم أنَّ مصيره التعاسة بعد أن قضى حياته يلهو ويمرح؟ ومع كل هٰذه الأفكار كان يريد أن ينعمَ بالراحة قبل الشروع بالعمل فكان ينام ويأكل ويتمرن جيدًا.
لا يعلم أن فصلًا مليئًا بالمفاجآت والصدماتِ سيكونُ بانتظاره وستنقلب حياته جميعَ التَّقلبات بِحلوها وعلقمها!

ينظرُ لانعكاسِه في المرآة وهو يقومُ بإغلاق آخر زِرٍّ في قميصهِ الأسود، كانت معِدته منقبضة طوال اللَّيل لأول مرَّة يشعرُ بالاضطراب نحو شيء جديد من مُغامرات الحياة. استيقظ باكرًا واستحمَّ والآن يقوم بارتداء سترة البدلة السَّوداء، لم يقم بارتداء ربطة عنق وقام بترك أوَّل زرَّين مفتوحين قبل أن يقومَ برشِّ عِطرِه المميز الذي قام بِصنعه بنفسه خلال افتِتاح متجر لأحد زملائه الذي كان يسافرُ معه. أخذَ هاتفهُ ومعطفه الأسود وتركَ الغرفة ونزل للأسفل ليرى والديه يجلسان على أريكة في الصَّالة ويبدوان متناغمين في الكلام.

- صباح الخير يا بُنَي.

قالها غابريل بِصوته المُبتهج حالما رأى آرلو يقترب، لتلتفت ماريندة تراه وتبتسم ابتسامةٌ صادقةٌ قبل أن يستمع كلاهما لصوته المُتذمر والهازىٔ:

- أظنُّك كنت تقصدُ صباحَ العمل والموت من الملل.

ندمَ على استخدامه كلمة موت حينما رأى تعابير والدته تتلاشى وتبهت، فهي حتى وإن حاولت الاستمرار في الحياة إلا أن جرح موت كارل سيبقى مخطوطًا على قلبها كحالهم جميعًا. صوت قهقهة غابريل وصل مسامعهما فتحدث بينما يرى آرلو يجلس على أريكة منفردة ويضع ساقًا فوق الأخرى:

- كلا كُنت أقصد الخير. انظر ما أجمله من يوم وما أبهاه! أليس كذٰلك يا زوجتي العزيزة؟

خاطب ماريندة في الآخر ينظر لها بأعين مُشعة ومليئة بالحيوية بينما نظرات آرلو كانت مُتمللة وضجرة، لا يفهم سبب سعادة والده العارمة. أعادت رسم ابتسامة على ثغرها بينما تحتضن ابنها بنظرات دافئة.

- أبوك محق. كما أنك تجذب ما تقوله يا بنيَّ. إن قلت عنه سيئ منذ البداية فسيكون كذٰلك لٰكن إن أخبرت نفسك أنه سيكون يومًا جميلًا فسيكون كذٰلك.

أخبرته بصوتها الحنون، نظر لها لا يريد أن يفسد اليوم ولا حتى غدًا، لقد اتخذ قراره ولا رجعة في الأمر لٰكن المشكلة الوحيدة هي أنَّه لا يستطيع كظم ملله ولا إخفاء تعابير وجهه الغير مهتمة بشيء اسمه 'المحاماة' ومع ذٰلك حاول أن يُطبق نصيحتها التي لطالما استخدمها في حياته.

- هل تعلمين أنَّه لا يخرج من فمك كلام بل دُرر؟

كان غابريل من قالها بنبرة مليئة بالحب قبل أن يقترب منها يطبع قبلة سريعة على ثغرها المتبسم جاعلًا من آرلو يُشيح بوجهه إلى الجانب الآخر مبتسمًا بقلة حيلة من والده الذي لا يغير من بعض عاداته. خرج صوت والده بعدها وهو يقوم بإحاطة كتف زوجته مقربًا إياها أكثر:

- كما أنه يومٌ جميلٌ بكل تأكيد. إنه يوم المرأة فمن الطبيعي أن يكون كذٰلك فكل ما يتعلق بالمرأة جميل.

هنا طارت فراشات من البسمات الدافئة وحطت على ثغر الجميع جاعلةً من مزاج آرلو يتغير، فلطالما كانت أمه المرأة الوحيدة والثابتة في حياته، هي من جعلته يُدرك معنى الحب والأمان والحنان، يشعر بالامتنان الصادق لها مع أنَّها لا تطلب المُقابل فمن الطبيعي ألا تتمنَّن عليه بعطفها، فمشاعر الأم السويّة هٰكذا، هي تعطي والطفل بشكل تلقائي سيقابل مشاعرها بمشاعر مقابلة ومُشابهة.

- كُل عامٍ وأنت بخير يا أفضل أم في العالم.

زادت كلماته الصادقة من ابتسامتها لتصبح أجمل بكثير بينما يُخاطبها زوجها بنبرة مرحة مُوجهًا كلامه بالخفاء إلى آرلو الذي فهم مغزاه جيدًا:

-وكلُ عامٍ وأنت زوجتي الفاتنة وامرأة قلبي الوحيدة التي تُحبني كثيرًا وكثيرًا.

- هٰذه المرة العاشرة التي تُعايدني فيها اليوم، أنا اُصدقك يا غابريل.

قالتها بنبرة حائرة، تنظر له يقوم برمي نظرات لآرلو، فقام الآخر بالتحدث ينظر لوالده رافعًا حاجبه بثقة بينما يُخاطب والدته:

- لماذا تقوم بمعايدتها للمرة العاشرة يا أبي؟ لا وبوجودي أنا. رُبما تريد إثبات شيء بفعلتك هٰذه. لا تقلق لن أقع في فخك، لن أشعر بالغيرة منك فأنا ضامنٌ مكاني في قلبها، أليس كذٰلك يا أمّي.

كلماته جعلتها تقهقه، ها هم الزوج والابن يتنافسان ويتجادلان على من تُحبه أكثر، هي تُحبهما بأساليب مُختلفة لٰكنه نفس المقدار من الحبَّ دائمًا. انزعج غابريل من ثقته العمياء وتحديه له فوجه نظره نحوها يقول:

- هٰذا الرجل لو لم يكن ابننا لكنتُ فعلت به العجائب.

مُجددًا تقوم بالضحك على أساليبهم الطفوليّة بينما يسترسل غابريل في الكلام ويطرح سؤاله على آرلو:

- أنتَ لِم لا تجدُ لنفسك امرأة وتقوم بالانشغال بها وترك زوجتي لي؟

ضحك آرلو مُستنكرًا قبل أن يخرج صوته الهازىٔ:

- هل تركت كل شيء وجئت لهٰذا الموضوع؟ كما أُحبُّ أن أُبشرك يا أبي العزيز أنَّه حتَّى لو ارتبطت بإحداهن لن أدعك تنعم بأمي كاملةً، هٰذا محال.

هنا وبينما كان غابريل على وشك الرد على آرلو تدخلت ماريندة مُقاطعة حديثهم بقولها:

- حسنًا، كفى جدالًا. هيّا بنا لنتناول الفطور قبل أن تتوجها إلى العمل، إنَّه يومك الأول يا بنيَّ.

تنهد آرلو بضجر قبل أن يقف على قدميه ويقول بلا مبالاة:

- أنا لم أُجادل أحدًا، أنا فقط قلتُ الحقائق.

- بما أن موضوع الارتباط قد فُتح... هل يا ترى؟

تحدث غابريل بصوتٍ مملوء بالفضول والترقب، ينظر له، وسؤاله جعل أيضًا من ماريندة كذٰلك. في الوضع الطبيعي، كان سيقوم آرلو بالمزاح حول الموضوع وإغاظتهما لٰكنه بقي لثوانٍ ينظر إلى نظراتهما المُتسائلة بطرف عينيه قبل أن يُغلق مكان التسربات في عقولهم بصوته الرجوليّ الجاد:

- إن كُنت سأرتبط بإحداهن فبالتأكيد ستكونان أول من يعرف. لن أقوم بعيش علاقة غرامية بالخفاء كالمجرمين بالعكس سأفتخر بتقديمها لكما.

حلق الفضول بعيدًا عن وجوههم بعد إجابته، قام بالمشي يريد الذهاب إلى طاولة الطعام بينما يستطرد:

- أظنُّ أن الإجابة قد وصلت، أتمنى لكما العافية في تناولها ولي العافية في تناول طعام حقيقي.

توجه الاثنان إلى طاولة الطعام ساخرين من مزحاته التي لا نهاية لها، سحب غابريل الكرسي لزوجته قبل أن يجلس في مقدمة الطاولة. أخبرته أمّه بصوتها الحاني:

- سأكون مسرورة جدًا حينما يأتي ذٰلك اليوم وأراك بجانب امرأة تُحبها وتبادلك الحبَّ. صدقني يا بُنَي عندما يكون الحبُّ صادقًا ستكلله السعادة الخام.

ابتسم غابريل لكلامها وقام بلمس كف يدها الموضوع على الطاولة، لتبادله نظرات كانت كالحضن الدافىٔ. أضاف على كلامها:

- أُمك مُحقة يا آرلو. أقسم لك أن الرجل مهما جنى وكسب في حياته من مال وجاه ونفوذ لن يجعله سعيدًا دون وجود أنثى في حياته تدعمه وتطمئنه.

كان آرلو يدرك كلامهما فهو طفلٌ عاش تحت جناح الحبَّ، كبر وهو يرى والداه يكبران وحبهما يكبر معهما وكذٰلك راحتهما وسعادتهما، يستشعر صدق مشاعرهما من كلام عيونهما لٰكنه ليس الوقتَ المُناسب لطرق الحبِّ باب قلبه، فقلبه في فوضى عارمة، ولا يستطيع استقبال أحدٍ داخله.
رُبما ستقوم هي بمساعدته على ترتيب هٰذه الفوضى العارمة التي أحاطته من كل اتجاه، فبالنهاية هي سيدة هٰذا القلب وهو عرشها. هي؟ من هي؟

بعد الانتهاء من تناول الطعام وتوديع ماريندة لهما بالقُبلِ والأحضان، واعدًا آرلو إياها بجلبه باقة وردٍ جميلة عند عودته.
توجها إلى الشركة وطوال الطريق كانت السيارة صامتة، لا كلام ولا سلام. فقط أفكارٌ وهواجس تغلي داخل دماغ آرلو، مُدرِكًا أن فصلًا جديدًا من كتاب حياته سيكون بالانتظار.

* * *

شركة باسكوڤ للمحاماة | الطابق السابع والأربعون |
لِقاءاتٌ فوق الأرضِ أم فوق الأُلْفَةِ؟

كان الجميع يعلم بقدوم السيّد. غابريل إلى الشركة لٰكن أحدًا منهم لا يعلم بقدوم وليّ العهد معه. ومع القلق الذي تسرب بين الموظفين بسبب وفاته لا غيره كارل، الذي كان مُمسكًا بزمام الأمور ومُديرًا الشركة بكل انضباط واحترافية، كانوا لا يعلمون ماذا ينتظرهم؟ قراراتٌ جديدة؟ مالكٌ جديد؟ تغيرات جذرية؟
الجميع في حالة توجس وقلق إلا هي! لا شيء يسلبها راحة بالها وهدوءها.

تجلس على كرسيها في مكتبها، تقوم بتعبئة بعض الملفات على حاسوبها بينما تستمع لتعليقات إيزابيل المُتوجسة:

- لا أستطيع التحكم بخوفي، ماذا.. ماذا لو قاموا بفصلي من العمل؟

رفعت بصرها لتنظر إلى الجالسة أمامها على كرسي وتقوم بهزِّ قدمها دون تَروٍّ، وتفرك أصابعها بقوة دلالة على قلقها.
قامت بإعادة خصلات شعرها الفحميّ وراء أذنها بينما تُخبر إيزابيل بصوتها الرقيق:

- لماذا تقومين بجلب الشؤم؟ لا شيء سيحدث مما يجول في خاطرك، لا تقلقي وقومي بالاسترخاء.

- كيف بإمكانك أن تكوني مُرتاحة لهٰذه الدرجة؟ عليهم حقًا تتويجك بتاج منقوش عليه 'ملكة اللامبالاة'. لا أظنُّ أنَّ أحدًا غيرك يستحقه.

تذمرت إيزابيل من كلامها الذي لا يُساعد البتة. إيزابيل مساعدة كارل أو بالأحرى كانت كذٰلك أما الآن وبعد وفاته لا تعلم ما مصيرها في الشركة.

- لا أحد يستحق أن تبري نفسك بريًا لأجله، هناك دائمًا مخرج طالما هٰذه ليست نهاية العالم.

أخبرتها بصوتٍ مثقل بالثقة قبل أن تستطرد:

- ثم لم سيقومون بفصلك؟ أنت موظفة ممتازة، كما أنَّكِ تعلمين أنكِ الوحيدة التي استطاع كارل تقبلها من مئات المُساعدات اللاتي قام بطردهن. فأنتما تتشاركان نفس الوسواس بالترتيب والتنظيم.

- أليس كذٰلك؟ نعم... أنا الوحيدة التي استطاعت التأقلم مع وسواسه وحدّته في التعامل أحيانًا.

تحدثت مُندفعة مؤيدةً للكلام بينما تقوم بهزِّ قدمها، صمتت لثوانٍ قليلة قبل أن تهتف بضيقٍ :

- ولٰكنه لم يعد موجودًا الآن. سيكون من السهل جدًا فصلي، فلا حاجة لهم لي.

تذكرهم أنَّ كارل لن يكون موجودًا بعد الآن كان كفيلًا بجعل الحزن يرسم لنفسه رسمة على وجهيهما. فجأةً انتحبت إيزابيل تُردف بصوتٍ يملؤه الخجل:

- يا إلٰهي. أشعرُ أنني أنانية أقلق على منصبي بينما السيد. كارل تحت الترابِ.

تنهدت بحزن، هي الأخرى كانت مُقربة منه وكان هو داعمها الأول في الشركة لذا أخبرتها تدفع غُربان التشاؤم وأشباح القلق بعيدًا:

- إيزابيل، أنتِ لست أنانية إنه شعورٌ إنساني وطبيعي بحت كفى تعذيبًا لنفسك، ليحصل ما سيحصل اليوم، أفضل من أن يحصل غدًا أو بعد غد، فهٰكذا لن تضطري إلى أكل نفسك دون رحمة.

بعد الانتهاء من كلامها قامت من مكانها متوجهة نحو الأخرى، أخذتها من يدها وخرجتا خارج مكتبها، لتُردف تبث الطمأنينة والأمل في روح إيزابيل:

- مهما حدث سنبقى على تواصل. كما أن كل شيء يحصل لسببٍ خفيّ كان أم ظاهر لٰكنه سبب يصب في بحر مصلحتك.

وبينما تمشيان في رواق الشركة، جاء صوتٌ رجوليّ من الخلف ينادي:

- ألينا.

- آرمان.

التفتت لتراه ببذلته الزرقاء مع قميص أبيض أضافت وسامة على وسامته، أخبرها باستعجال:

- لقد وصل السيد. غابريل، وهناك اجتماع عاجل الآن، علينا أن نذهب.

أومأت له دون أن تقول شيئًا، تركت يد إيزابيل وتبعته إلى غرفة من غرف الاجتماعات، جلسا بجانب بعضهما يريان الموظفين يتهامسون ويتناقشون، بينما فضلت هي الصمت على أن تثرثر في أمور لن تفيدها، فلا أحد يدري ما سيحصل بعد قليل.

فجأةً حل الصمت في المكان حينما فُتح الباب ودلف غابريل مع رجل بجانبه. من هو يا ترى؟ تعرف عليه البعض فورًا، فهم رأوه في صورٍ كانت أم حفلات، والبعض الآخر كان فقط يعرفه كاسم لا غير، لم يره في حياته.

همسات في الأرجاء بينما يتقدم غابريل ويجلس على كرسيه المعتاد في مقدمة الطاولة وآرلو جلس على كرسي جانبي، كان يجلس عليه كارل في الاجتماعات التي يكون والده متواجدًا فيها. مما أثار استغراب بعضهم.

- سيد. غابريل، تعازي لكم. هل أنتم بخير؟

جاء صوت رجل من الحاضرين مما جعل الجميع في حالة تأهب من القادم. أومأ غابريل ببطء ونطق:

- أشكركم جميعًا على وقوفكم جانبنا في محنتنا، نحن نحاول وسنكون بخير، علينا أن نكون كذٰلك لأجل أنفسنا وأحبائنا، هناك العديد من الناس يتخذوننا قدوة لهم ورمزًا للأمل والقوة.

تنفس بانتظام ثم استطرد بنبرة مُحملة بالأسى:

- فقدان كارل كانت صدمة لنا جميعًا دون استثناء، وبالتأكيد لن ننساه ما حيينا، سيبقى في قلوبنا، ستبقى روحه تلامسنا جميعًا. أقسى ما قد يمر به أيّ والدين في الدنيا هو موت أحد أبنائهم، إنه شعورٌ لا يوصف فقط يُشعر، شعور لن أتمناه حتى لألد أعدائي فهو لا يرحم....

ومع ذكر كارل أصاب الجميع الوجوم بما فيهم آرلو الذي أطرق يحدق في الطاولة مُستمعًا لوالده يواصل:

- أُدرك أن جميعكم تريدون معرفة ما سيحل للشركة وهٰذا حقكم الطبيعي. أريد أن أُعلمكم أنه وبعد تفكيرٍ طويل تم اتخاذ القرار الآتي..

هنا أشار إلى آرلو بعينيه جاعلًا من عيون الجميع ترسو عليه ثم أكمل:

- ابني آرلو باسكوڤ بعضكم يعرفه، سيقوم بتولي أمور الشركة من الآن وصاعدًا، ه‍و سيأخذ فترة ليُجاري ويواكب الأحداث والقضايا، لذا؛ أرجو منكم احترام القرار والتعاون مع بعضكم البعض لإخماد الفوضى التي أخلت بنظام الشركة في الأيام الأخيرة.

تفاجأ الكثيرون من هٰذا القرار لٰكنهم لم يرو أي بد منه فقابلوه بالتهنئة وتمني الأفضل للجميع. بعد خروج الجميع مُحملين بالأخبار التي سيدوي صيتها في كل مكان، طلب غابريل من ألينا البقاء قبل أن يتحدث بنبرة دافئة:

- ألينا لطالما كان كارل يمدحك ويقول 'هٰذه الفتاة داهية' ، كان مُدركًا للقدرات التي تملكينها وداعمًا لك. لهٰذا ورُبما لأنك أصغر سنًا من غيرك من المحامين وبهٰذا أظن أن آرلو سيرتاح أكثر معك، أود أن تساعديه في الإطلاع على الأمور وكيف تسري هنا وجعله يتأقلم مع الوضع بسهولة ويسر.

نظرت له دون أن تُبدي أيّ ردة فعل عَلى كلامه ثمَّ ألقت نظرة خاطفة على آرلو الذي ينظر لها هو الآخر قبل أن تُعيد نظرها له وتقول بصوت هادىٔ وواثق:

- بالتَّأكيد.

انفرجت أسارير غابريل وهتف مُبتسمًا:

- رائع. أتمنى أن تنسجما معًا كما كنت أنت وكارل مُنسجمين.

وقف من مكانه وهمس بصوت مسموع ونبرة مرحة:

- بإمكانك تقديم شكوى متى ما أردت، ففي النهاية ابني وأعرفه مُشاكس.

حدجه آرلو بنظرة حانقة، لا مجال لديه للمزاح ولا يستطيع التصرف بطبيعيته في أجواء مشحونة بالعمل والجديّة، مما جعل والده يقهقه لرؤيته بهٰذه الحالة ويقوم بضم السبابة والإبهام وتمريرهما في الهواء بمحاذاة فمه دلالة على سكوته قبل أن يخرج ويتركهما بمفردهما.

دقائق مرت وهما يُحدقان في بعضهما دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، قطع صمتهما صوتها الناعم وهي تقول:

- الرجُلُ المُتمرِد آرلو باسكوڤ بِشحمهِ ولحمِه.

بقي يُحدق في ملامِحها لثوانٍ ثمَّ تحدَّث بِنبرة طغى عليها الأسى:

- بِبقايا روحه وأطنانِ خيبتِه، نعم إنَّه أنا.

ذبلت ملامِحها من جملته مُتذكرةً كيف أنَّ كارل كان يتحدثُ عنه وعن جُنونِه وهوسِه بالتصوير وكم كان مُشاغبًا ومرِحًا. من المستحيلِ أن تصدقَ أنَّ كلام كارل عنه ينطبق عليه في هٰذه اللحظة، فأمامها رجلٌ أرهقته الحياة حتَّى الابتسامة التي لا تُفارق محياه غدرت به وفارقته.

هو استغرب من نفسه.

شعورٌ بالراحة تجاه شخص تقابله لأول مرة في حياتك! نعم إنَّه هو هٰذا الشعور وكأن روحك كانت تتخبط وتضطرب طوال الوقت لٰكنها في لحظة ما... في شخصٍ ما تهدأ! تتوقف عن تخبطها وتسكن في زاوية ما مُستأنسة بروحٍ أُخرى قد تأتي يومًا وتُهديها عناقًا ما... شفاءً ما.

هٰذا ما شعر به آرلو في تلك الغرفة... في تلك اللحظة... في تلك المرأة.

أما هي شعرت بأن حياتها ستسلك منعطفًا جديدًا ورُبما غريبًا، كانت مُدركة أن أشياءً ساكنة ستتحرك، وأخرى مُتحركة ستسكن.
تشعرُ بإحساس جديد كأنها كانت تسبحُ طوال حياتها في مياه ساخنة تحت أجواء زمهريرية، أما الآن فتشعر بأنّ الأمور اختلفت فأصبحت المياه التي تسبح فيها باردة، بُرودةً مُنعِشة تُثلِج الصدر وتريحه تحت أجواء مُلتهبة، ودامية. لكنها غير خائفة لقد رأت الكثير وسمعت الأكثر، لا تخافُ من مفاجآت الحياة بل تجلِسُ مُترقبة بهدوء كهدوء عقل الميت، وحِنكة عقل الراشد، تترقب أن يحدث شيئًا يُدهشها، يجعلها تجتث جذور منطقها، وترميها عرض حائط اللامبالاة، شيءٌ يجعلها تفور، تنفجر، وحتى تحترق. لكنها تؤمن تمام الإيمان أن حصول شيء كهذا شحيح الاحتمال.

من يدري؟ قد يحدث أي شيء في لحظة ما... في رجلٍ ما.

' إنَّ القُلوبَ لأجنادٌ مُجنَّدةٌ

ِلله في الأرض بالأهواءِ تختلِفُ

فَما تعارفَ منها فهو مُؤتلفٌ

وما تناكَرَ مِنها فهو مُختلفٌ '

-ˋˏ ༻❁༺ ˎˊ-

مرحبًا 🌷

إن كنتم في مكان آرلو، هل ستوافقون على العمل في شيء لا تحبونه؟

أكثر امرأة تؤثر على شخصيتكم وتلهمكم؟

وأخيرًا، ظهرت ألينا 😆

انطباعكم الأول عن شخصيتها؟

هل شعرتم مُسبقًا بِشعور الألفة تجاه شخص ما؟

كُلُّ الحُبِّ لكم 🤍💫

Continue Reading

You'll Also Like

191M 4.5M 100
[COMPLETE][EDITING] Ace Hernandez, the Mafia King, known as the Devil. Sofia Diaz, known as an angel. The two are arranged to be married, forced by...
195K 14.6K 28
اقتربَ واضِعًا يدًا على الطاوِلة ويدًا أخرى على الكرسي الذي تجلِس عليه، انخفضَ حتى أصبحَ قريبًا جدًا منها. راقبَت الوضع في صمت في مُحاوَلة منها ألَّا...
907K 89.7K 30
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...