..
.."يعيش في ظلام العالم السفلي"
..
"أصبحت أبصاره لاترى النور مطلقا!"
..
"هو في تلك الحفرة لعدة سنوات "
..
"لايقتات الا على بقايا العظام .. لحيوانات؟ ..لبشر؟..لمخلوقات أخرى؟،في الواقع هو لايعلم!"
..
"أصبح مسخا بعدما كان انسانا طبيعيا ، أُصيب بأزمة نفسية حآدة جرآء العذاب الذي كان يتعرض له كل يوم ، والصرّاخ الأليم من زنزانة قريبة منه يبدو أن أحدهم سكنها حديثا..
لقد كانت قاطنتها أنثى على حسب صراخها الذي يصمّ آذانه كل ليلة، كأنها تتعرض للإغتصاب والتعذيب منهم!
كآن يشد اصابعه على آذانه بقوّة كي لاينصت ويتخيل ماتمرّ به تلك السجينة مثله!.
..
أمسى يحاول الحديث معها في أوقات لايكون فيه السجّآن موجودا، إنه اشتاق الى الحديث مع أحد بعد أن بقي لسنوات طوال لايحدث الا نفسه قبل أن يصاب بالهلوسات والإنفصام
ولحسن حظه بعدمايأس من محاولات التحدث .. أجابه صوت انثوي من آخر الرواق
.."من أنت الذي تحدثني كل يوم؟"
وقف مذهولا وهو يستمع لصوت أحدهم يخاطبه .. أراد التأكد أنها حقيقية وليست هلوسة ما ..
.."هل انت حقيقية ما اسمك!".
.صوت تنهّد يأتي منها مع غصّة من البكاء
قابلت سؤاله بسؤال
"هل أنت جنيّ؟ من أي القبائل أنت؟"
..
"لالا أنا إنسان وهل أنتي جنيّة؟"
أردفت .."نعم"
ضحك بهستيريا مرعبة وبقي يضرب رأسه
.."لا بد أنني محظوظ استطيع التحدث مع الجن الآن!"
..
"ماقصّتك أيها الإنسي ومالذي تفعله هنا؟"
..
"أ..أ..أن..أنا لا أعلم ماذا افعل هنا .أ..أ..أنتي ماذا تفعلين ه..هنا؟"
.."لمَ أُصبتت بالتأتأة فجأة هل أنت بخير؟"
أسند ظهره بالحائط وأردف
.."وهل المكوث في مكان كهذا يجعل المرء بخير؟"
.."إسمي "عبريقة" وأنت؟'
ابتسم عندما تأكد أنها شخص حقيقي وأجابها
.."وأنا إسمي "جوزيف"
.. من الجيد أن المرء لايزال يتذكّر اسمه بعدما عاش مدة في هذا المكان صحيح؟
.."ماذا يفعلون بك كل يوم يا عبريقة؟ أنا أسمع صراخك كل ليلة !"
تحول صوتها فجأة الى غصّة تكاد تخنقها
..
"إنهم يحاولون التّناسل مني لأننّي جنيّة من نسل عريق"
..جوزيف مواسيا
.."لم لا تقتلينهم بقواكي الخارقة اليس للجان قوة خارقة؟"
اردفت..
"بلى ، ولكن هناك سآحر خائن قد عقد قوّتي بطلاسمه وسلّمني أسيرة هنا !"
بدأ صوت بكائها يتعالى
.."يبدو أننا نفس المصير تعرضنا اليه، حتى أنا وصلت الى هنا بفعل خائن.. لقد خانني صديقي!"
تنهّد محدّثا دون أن تطلب منه أن يحكي لها قصّته .. ولكنّه لفرط الوحدة في هذا المكان البائس أردف يحكي وهي تسمع بتركيز تام
....
.." لقد كنّآ أصدقاء منذ الطفولة ،
وماكان يميّزنا حقآ هو حبّ العزلة عن النآس.
لقد كانت الإجازات من العمل الشاق هي ملاذنا الوحيد من ضجّة هذا العالم!
حتّى قررنا أن نشترك سويّآ لشرآء دآبّة تحملنا الى مشاورنا الدآئمة وتحمل معنا الأشياء التي نحتاجها للسفر
..وفي أحد الأيام جاء صديقي بفكرة السّفر الى الصحراء، صحيح أنني لم أزر الصحراء يوما ولا أسمع عن رمالها الذهبية الا في الكتب ولكنني كنت متوترا في قراري ، لقد سمعت جارتنا يوما تقول لأمي أن ابنها توفّى بسبب عقرب لدغ من سمّه دون أن يشعر به تحت تلك الرمال الخلآبة!
..
رفضت في البداية قرار صديقي ثم توصلنا الى حل وسط .. أن يكون التخييم في النهار فقط،
في اليوم التالي ركبنا دآبتنا وانطلقنا الى وجهتنا، إن مسافتنا طويلة جدا تبعد لأيام ، فلم يكن قوتنا كافيا لذا لجأنا الى الأشجار والآبار التي نصادفها في الطريق
وصلنا بعد مسيرة أيام ، كان الوقت ظهرا وقد قرص الجوع معدتنا ،أقبلنا نأكل بشراهة ما جمعناه في طريقنا
وأنا أتمعن الرمال الذهبية والهدوء المحيط بها، إن المكان خالٍ على مدّ البصر لاحياة فيه مما جعلني ارتبك قليلا
بدأت الشٍمس بالغروب وأقبلت نفسي تستوحش المكان ،نكزت صاحبي للرحيل بينما كان يأكل حبّات البلح بهدوء دون أن يبالي بي
.. لقد تجاهلني تماما!
وجّهت له الكثير من الكلام بينما هو بدوره صامت لا يجيب ،لقد أثار غضبي حقا
صرخت فيه بحنق
.. أنا راحل! وانت إبق هنا مع الرمال .."
لعق أصابعه التي التصق فيها بعض البلح وارتسمت عليه ابتسامه خبيثة وأردف
.."بل أنت الذي ستبقى هنا!"
ضحكت ببلاهة وأجبت
.."هذا ليس وقت المزاح يا صديقي دعنا نرحل هيّا!"
وقف على طوله ونفض ثيابه من الرمال العالقة ..اقترب مني بخطوات سريعة ثم دفعني على صدري مما أفقد توازني واوقعني أرضا
صرخت فيه بغضب وأنا أحاول النّهوض للكم ذلك الأحمق لكنه طرحني أرضا مرّة أخرى وخضنا شجارا لايُرى منه الا تطاير الرّمال
.. لم يكن الفوز في الشجار من نصيبه إلا بعد ما شعرت بوخز في جسدي وكأنني حقنت بمخدّر ما ، بدأت صورة المكان تتلاشى من بصري ثم فقدت الوعي
استيقظت على اختفاء قرص الشمس وحلوك الظلام ، لا أرى سوى شعلة من النّآر أوقدها
وحولي دائرة من الرمال تحوي الكثير من الرموز التي قد أحدثها بأصابعه ،
كانت تلك الدائرة الرملية تحويني مع الكثير من عظام الحيوانات الصغيرة ورأس قط أسود مفصول عن جسده بينما تناثرت دماءه على جسدي .، لم أكن استطيع تحريك نفسي ،بِتُّ كالمشلول تماما كأن قوّة خفية تمسك بي
شعرت بالفزع الشديد وأنا أترجى صديقي صاحب الخصلة البيضآء أن يخرجني من هذا المكان البائس
لقد تفوّه بجملة واحدة فقط
.."آسف ياصديقي الأمور لاتجري حسب ماتريده مشاعرنا.. بل تجري على حساب مصالحنا فقط!"
جمع بين كفّيه قلادة حمراء وأصبح يتمتم بعض الطلاسم الغريبة .. كلما ارتفع صوته زاد اختناقي داخل الدآئرة وتحركت العظام كأن زلزالا سيحدث!
حتى بدأت أشعر بشيء يتقدّم نحوي من قلب الظلام ، أطفئ صديقي الحطب المشتعل بسرعة وعمّ الظلام والصمت في أرجاء المكان حتى!..
سحبني شيء قوي من الظلام ، صرخت بقوّة وأنا أرآه يبتعد راحلا من بعيد تاركا إيّاي
..إنني بكيت من شدّة ما ألمّ بي حتّى فقدا وعيي مرة اخرى ولم أستيقظ بعدها إلا وأنا في هذه الزنزانة..
"عبريقة"
.."هل قلت قلادة حمرآء؟ وخصلة بيضآء؟"
..
.."نعم ..تلك الخصلة البيضاء هي ماكانت تميّزه في شكله ،هي لم تكن موجودة من قبل إلا بعدما وقع في أحد الآبار المهجورة عندما كان طفلا وتم إنقاذه صدفة"
.."وماذا عن القلادة الحمراء تلك؟"
.."لا أعلم ماهي في الواقع ولكنه لاينتزعها من عنقه أبدا!
وأجآبا بصوت وآحد
.."لقد كان يقول دائما أن القلادة الحمراء هي جزء لايتجزأ منه، هي سجنه الرّوحي، عقله الباطنيّ ،خيره المسجون ،وشرّه الطّليق"
جوزيف بدهشة
.."كيف علمت بهذا الكلام؟"
عبريقة بفزع
.."إن صآحبك الخائن هو نفسه زوجي الخآئن وهو سبب كلانا في هذا الجحيم!"
اندهش جوزيف لما يسمع وقال بتوتر
..'هل تقصدين أن..
..:"نعم! جونيوم زوجي ووالد طفلتي!"
وانفجرت مقلتاها بالدموع
.."لقد كسر قلبي،كان أول رجل أحبه طيلة هذه العقود ولكنه خانني وسلّمني كسبيّة للشياطين .."
.."ما مراده من كل هذا؟"
.."هو سآحر والسّحرة خٌدّآم لزعيم الجحيم وبالتالي له مقابل لخدماته!
.."أنا لم أر انجس منه يخون صديقه وزوجته وابنته! بالمناسبة أين ابنتك الآن؟
..'هي في مكان سرّي لايعلم به أحد، انا لم أرها سوى مرة واحدة ..يوم ولادتها فقط
.."لاتقلقي يا "عبريقة"سنخرج من هنا بأي طريقة وننتقم ونعيد لكِ صغيرتك الضآئعة..
أقبل صوت غليظ من اول رواق الزنازين ساخطا
..
.."الصّمت!وإلا جلدّتكما!"
. لقد عاد السجّان ..وعاد كل منهما الى صمته القاتل.
________________
تصويييت☆