عبرِيقَة..
..."أن تتزوج الأنثى أول رجل يطرق باب قلبها كأنما أخذت من حظوظ الحياة كل شيء!..
خاصة أن العشق لا قانون له ولامعتقدا يمنعه من الحضور في قلوب الهائمين.
عاد التاجر "جونيوم" صباح اليوم التالي الى مصطبته في قلب السوق.. ليجد امرأة تضم ركبتيها الى صدرها وتخفي رأسها بين جسدها المكوّم..كانت شبه نائمة وشعرها الأسود قد خبّأ ملامحها
اقترب منها بهدوء، وماكاد يهزّها لتنهض رفعت رأسها بسرعة مخيفة لتتوهج عينيها باللون الأحمر وتختفي ملامحها فجأة
هلع التاجر وتراجع للوراء فزعا!
بينما رجعت هي على حالها الأول
تعدّل في جلسته ونفض التراب عن ثيابه كي لايجذب أنظار الناس اليه أكثر ..
ناداها بصوته المخمّلي الذي يؤثر فيها دائما
.."عبريقة.. هل أنت بخير؟
بدأت تخرج أصواتا كأنها تتألم.. اقترب منها بهدوء وحذر وما إن رفع وجهها حتى سقطت مغشيّا عليها..
تجمّع الناس في السوق حولهما وساعده البعض في حملها الى كوخه واحضار حكيم القرية لعلاجها .. لقد اصبحت حديث السوق ذلك اليوم! .. شابّة فيها من آيات الجمال مافيها .. مغشيّ عليها أمام مصطبة تاجر القماش الذي اشتهر مؤخرا في البلدة ياله من أمر!.
.
.
استيقظت بعد بضع ساعات.. وجدت جسدها ملقىَ على سرير خشبي فوقه الكثير من صوف الغنم.. شعرت بالتعرّق الشديد والوهن لأن الأجواء كانت شبه ربيعيّة.ولأن صوف الغنم تُضعف الجن وتمتص من طاقتهم . تجوّلت بأنظارها حول الكوخ الصغير المتواضع .. عبارة عن مجلس صغير يتوسطه طاولة صغيرة لشخصين.. ومطبخ صغير مطلّ عليه .. ثم في آخر الرّكن باب لحجرة صغيرة يظهر منها سرير متواضع مستلقٍ عليه رجل استطاعت رؤيته.. وباب خشبي مهترئ مقابلهه مغلق بإحكام.. عليه شقوق صغيرة قد انبثق منها سطوع ضوء شديد وكأن تلك الحجرة تخفي الشمس داخلها
..
حاولت النّهوض وماكادت تمشي خطوتين حتى كسر هدوء المكان صوت تلك الجرّة التي سقطت بالخطأ.. فزعت لصوتها ووضعت يدها على صدرها .. تحدث نفسها ماسبب الخوف الذي التبسها فجأة! .. أصبحت مشاعرها متضاربةة هذه حالُ أي مخلوق ينفصل على بني جنسه.. يصبح الخطر ملمّا به بكل الجهات ..
وقف رجل طويل أبيض البشرة يفرك وجهه طاردا النعاس ويُبعد تلك الخصلة البيضاء التي وقعت على ملامحه ..
.."هل استيقظت حبيبتي أخيرا .."
نظرت إليه بقلق ونظرها متصلب نحو الجرّة المكسورة ..
"لابأس عزيزتي .. سنبتاع غيرها في الغد.!.
ابتسمت له ابتسامة مصطنعة وجلست على الأرضية ،.هرول اليها محاولا مساعدتها بالجلوس على السرير ولكنّها تحججّت بالحر الشديد..
ابتسم ببراءة .."حسنا كما تشائين!..سأحضر لك بعض حساء الدّجآج لابدّ أنك جائعة..!"
ثمّ مع إصراره الشديد عليها رغم رفضها القاطع أحضر لها بعض الحساء مع قطعة لحم كبيرة خالية من العظام تماما..
ياله من ساحرٍ مآكر .. هو رجل ملِمّ بأحوآل الجآن وطريقَة عيشهم ولكن ليطمئن ضحيّته أنّه لا يعلم حقيقتها..
جلس قُبالها وأصبح يلتهم طعامه بشراهة بينما هي تنظر الى صحنها مشمئزة وتلعب بملعقتها
.."تذوّقي طبخي فأنا رجل أجيد الطّهو!"
لم تحسب "عبريقة" أمر الاختلاف بين البشر والإنس أبدا .. فهم قوم لاينامون كثيرا وهذا أمر مقدور عليه لأنها تستطيع تمثيل النّوم عليه وأما وقت سباتها فتُمثّل المرض والوهن. !ولكن الأكل لامفرّ منه إلا أن تأكل مثلهم رغم أن الجآن لا يأكلون مايتغذى عليه البشر!..
وضعت أول ملعقة من الحساء داخل فمها وماكادت تبتلعه حتى بدأت بالتقيء والصرآخ .. لقد كان في قلب الطعام ملحا!.
امتلأ فمها بالدماء وانقلبت مقليتها للون الأبيض.. بدأت تتخبط على الأرضيّة بقوّة لم يستطع "جونيوم" الإقتراب منها ..
سارع الى أحد جلد الغنم وألقى صوفه فوقها.. بدأت حركتها تقلّ تدريجيّا ..حتى هدأت نفسها واسترجعت بؤبؤاها .. لكن الدمآء لم تتوقف عن النزيف والألم لم يفارقها
تحدّثت بأحرف متقطّعة
.."أحضر .. لي..."
اقترب منها بحذر وبدأ يمسح على جبهتها ممثّلا القلق عليها
.."ماذا أحضر لك..!
..
بصقت الدمآء المتجمّعة في فمها. وأردفت ..
.."حفنة من التّرآب.."
تسآءل متعجبا .
.."ترآب!"
ارتفعت صرخاتها وزاد الألم على محيّاها بشدّة..
هرول مسرعا خارج الكوخ وحمل قليلا من التراب وقرّبه منها ..
أقبلت تلحس راحة يده الملطّخة بالتراب وهو ينظر اليها باستغراب شديد!.
حتى زال الألم عنها شيئا فشيئا.
تنفّست الصّعداء وهي تحاول النّهوض ولكن صوف الغنم الذي فوقها كان يجهدها وكأن صخرة ثقيلة فوق صدرها .. بدأت تتعرّق بشدة وقد تملّكتها حمّى قويّة ..
بدأت تحبو على يديها وهي تلهث من الحر
.."مالذي يحدث لي!"
..جونيوم مطمئنا إياها ..
.."ربّما تغير الجو عليك قد أرهقك .. جرّبي النوم لعلّك ترتاحين!"
استلقت على الأرضية وتوسّدت ملابسها العلوية التي انتزعتها من شدّة الحر.
وأغمضت جفونها بهدوء مع استمرارية تحرّك رموشها بخفّة..
أطفئ "جونيوم" السراج وذهب الى حجرته هو أيضا .. لم ينم أحد تلك الليلة كلاهما يمثلان ذلك على بعضهما البعض! .
كان الضوء المشعّ من تلك الحجرة المغلقة ينخفض تدريجيا حتى اختفى وهجه تماما..
لم تسأل "عبريقة" عن ذلك الضوء الساطع من حجرة مجهولة لان هذا شيء عادي في عالمهم ورأته آلاف المرآت خاصة عندما تنتقل المخلوقات بين عالمين موازيين .. ولكن الساحر الخبيث لم يرتح لتجاهلها المسألة
مع مرور ساعات الليل الطويلة .. كان الأرق مؤنسا ل"جونيوم" الساحرر ومازاد إبعاد اانّوم عن جفونه هو ذلك القزم من الشياطين الذي يظهر له في كل دقيقة ليتمتم له في اذنه بتحذير سيّده الذي أرسله قآئلا
.."إن سيد العالم السفلي يأمرك بتسليم الجنيّة!"
تأفف "جونيوم" متجاهلا كلام المرسول ولكن الكيل طفح حينما صرخ مفلّتا حبال أعصابه تلك الصرخة ..
.."غادر فورا أيها الغبي!"
اختفى الشيطان الصغير في غضون ثوان قبل أن تقترب "عبريقة" من حجرته .. تساءلت بفضول
.."هل تكلّم أحدا أيها التآجر؟"
قرّبها من حافّة سريره ..فجلست بينما ذهب ليشعل السراج
.."لاتشغلي بالك ياعزيزتي مجرد أوهام تتملّك رأسي وأحاول التخلص منها!"
عبريقة بقلق
.."أوهام؟. مالذي تراه بالضبط!؟"
تعلثم بالكلام وأصبح يؤلف كلاما من عنده ..
" آممممم... يخيّل إليّ أحيانا أن هناك مخلوقات تطير .. ويمكنها التحوّل الى أي شكل تريده .. والكثير من الأمور الغريبة التي قد لايستوعبها عقلك اللطيف.."
زمّت شفتيها بحزن وأردفت قبل أن تغادر حجرته..
.."أنا أؤمن بجميع المخلوقات حتى لو كانت غريبة.. لايعقل أن كونا كبيرا كهذا يحملنا نحن فقط على وجهه!"
استقلت على الأرضية تراقب السقف الخشبي المهترئ.. تمثّل النوم في كل مرة يطلّ عليها "جونيوم" مقبّلا جبينها وماسحا على شعرها الحريري ملقيا كلمة أحبك في كل لمسة .. هو بالخبث الذي يعلم أنها جنّية قليلة النّوم ..فقد تعمّد حركات تزيد من ثقتها فيه الى المدى البعيد..
..كانت زاوية الغرفة المظلمة.. تشير أن أحدا يقف فيها.. فقط تلك الأعين الملتهبة التي ظهرت فجأة من العدم!.
فزع "جويوم" منه واضعا يده قلبه الذي كاد أن ينفجر..أردف مرحّبا
.." ملِك العالم السّفلي في منزلي! ياله من يوم مبارك!"
وهرول يغلق الباب بينما يتحدث بهمس
ظهرت أنيابه عندما ابتسم بسخرية منه
.."هل تستغبيني أيها السّاحر!..
جونيوم وهو يحكّ مؤخرة رأسه ببلاهة
.."لِمَ! مالذي فعلته!
الشيطان الكبير بغضب
.."إنك ترفض تسليم الجنية!'
جونيوم وهو يستفزّه
.."هاهي في غرفة المعيشة اذهب واحضرها!"
زمجر الشيطان الكبير بسخط
.."يالك من بشري مستفز! أنت تعلم أنني لا استطيع اخذها دون طلاسم الربط انها جنية من سلالة قوية!"
.."مادمت تعلم جميع هذه المعلومات لم لا تترك الأمر لي وستقوم بأخذها في الوقت المناسب! ثم اخفض صوتك قبل ان تسمعك"
.."لاتعبث مع الشياطين أيها البشري!
.."وأنت أيضا لاتعبث معي ودعني أقوم بعملي مادامت الصفقة جارية!"
.."أخوك الأسير .. مقابل أميرة الجآن!"
جونيوم بحنق
.."حسنا حسنا "
الشيطان الكبير بشيء من التوجس
.."أتمنى أن لاتقع في فخاخ العشق والغرام مع هذه الجنية وتصدق كذبتك التي انطلت عليها!
واختفى مخلفا وراءه سحابة من الدخان الأسود النتن
..."أحب! أنا أحب هه شيطان أحمق!"
فتح الباب ليجد "عبريقة" واقفة أمامه قدماها تطيران في الهواء وعيناها باللون الأبيض تخرج لسانها كالثعبان وتزمجر كالوحوش ..
.."عبريقة! هل أنتِ بخير!"
ابتسمت لتظهر انيابها المتعطشة للدماء ..
وفجأة!!!!!
....
..
يتبع..
_________________
تصويتتت★
تعليق لطيف مثلكم♥︎