حفيده دراكولا "الوريثة"

By rokastorise

1.8K 158 19

وُضِعْ التَاجْ المُرصْع فَوق رأسِك لتتْويِجكْ.. وَرِيثْةً علَي عَرش الدِمَاء تَتربْعيِ يا صَاحِبه السِمو..!! More

_لقاء الغريب!_
"مطلوبة"
_ناقوس خطر!_
_انزار!_
_إمتشاق الإدراك!_
_مسخ!_
_كيانٍ شيطاني!_
_سليلة النسل! _
-في رحاب مملكه الضواري!_
_استقبال! _
_صاحبة السمو!_
_خطر محدق!_
_مبعث خطر!_
_حفل!_
_زائرين!_

تنبؤ !!

85 6 3
By rokastorise

الهدوء سيد يجثم فوق هذا القصر المنيف ، في ظرف أخر لغرقت في هوي سكونه ، إنما علي ظهر هذة البقعة ، مطوّقه بسلالة الوحوش .. ما كان السكون سوي معاضد اضفي رعبًا تكافح لإقتلاعة من فؤادها ..

وكل الفضل لشخصيتها الباسله المثابرة

والتي دفعتها لتخلي سراحها بعد أن ابقت نفسها حبيسة الغرفة الجديدة وتنطلق في رحله بدت متهورة لإكتشاف غور القصر و خباياه ..

هبطت بإسترسالٍ قاصدة الطابق السفلي ، لم تصادف عابرًا إلا و انحني آليًا وكأنه مبرمجًا علي إجلالها وإحترام شأنها ، لم تتأقلم ولكن ثمة درب يستدعي المجازفة ، وللغرابة .. الإطمئنان !

عند بداية الدرج اصطدمت به ، كان يرتقي الدرج كالريشة ...

توقف ، حدق فيها بعينين جاحظتين لدقيقة كاملة ، ثم هتف بلا وعي مدهوشًا دون ان يزيح عينيه انشًا عنها : 

- الأميرة زُمرد !

لم تبدوُ قد استوعبت ما لفظ به ، رمش هو بعدها مستجمعًا شتات عقله المشوّش و قال منتبهًا لوضعه الأن :

- أسف .. اكيد انتي داليدا ؟ انتي الوريثه . مظبوط ؟

اومأت مره واحده ، اتسعت زاويتيّ فمه قائلاً بإبتهاجٍ :

- كنت واثق .. انا مش مصدق اني شايفك ! انتي طلعتي جميلة اوي !

لم يصدر عنها تعليقًا واحدًا ، بقيت تطالعه بهذا القدر من الغرابة والحذر ، البهجة والتحفظ .. إذ كان ذو حيوية دافقة و ذهن متوقد ..

فتراجع هو فورًا شاملاً ايّاها بنظرة فوضوية مبهورة :

- بعتذر . انا اسف يا مولاتي . لكن اعذريني انا مش مصدق اني شوفتك اخيرا . لما قالولي ان جلالتك رجعتي مصدقتش . لكن طلعتي اجمل من كل توقعاتي  .. انتي شبهها بالظبط.

- شبه مين ؟

جاوبها "إسحق" بحماسٍ :

- شبه الأميره زُمرد طبعاً . الدوقة زُمرد .. أمك !

أجفلت "داليدا" بإضطرابٍ ، كان لذكرها وقع غريب علي مسامعها ، وبيد انها لن تتجاوزة بسهولة !

إبتسم "إسحق" بإشراقٍ وهو يقول بإحترامٍ :

- انا بعتذر مرة تانيه معرفتكيش بنفسي و انا كلامي كتير بطبيعتي .. لكن وجودك في حد ذاته شوش علي عقلي . مش مصدق اني واقف قدام جلالتك .

وارتد خطوه واحده للخلف وانحني مواريًا إحدي ذراعيه خلف ظهره في حركة ترحيبيه عريقة تليق بطبقة النبلاء وإجلال الملوك :

- إسحق . اسحق تاليد.. في خدمتك واوامرك . وبالمناسبة انا كنت بتكلم مع أدم بإستمرار عشان أطمن عليكي .

إنبلجت علي شفتيها إبتسامة وديعه وقد راقها "إسحق" كثيرًا ، مدت كفها في بادره منها لمصافحتة :

- أهلا يا إسحق.. من الواضح إن كلكم هنا طلعتوا تعرفوني . اظن اني مش محتاجه اعرفك بنفسي.. لكن علي كلٍ انا داليدا.

شملها "إسحق" بنظرة مبهورة وهو يرد معظمًا من شأنها في ذهولٍ :

- تعرفيني بيكي !!! وهل يخفي إسم جلالتك !

ونظر إلي كفها الممتد نحوه ثم إليها ، لا يسعه تصديق تصرفاتها الودوده معه ، فعلّق مدهوشًا :

- بالسهوله دي ! أسلم عليكي حقيقي ولا هتسجنيني !

- أسجنك !!! .. رددت بإستنكارٍ ضاحكة

إبتسم ببلاهه امام ضحكاتها الشقية التي ملأت أذنيه و هو يودع يديه بترددٍ داخل كفها الليّن ، وتمتم بذات الدهشة :

- يبقي مش هتسجنيني .. مكنتش اعرف ان الملكات أخلاقها اتغيرت بالشكل ده !! انا خوفت يكون اسلوبك عنيف زي اغلبهم .

لم تجد فيه ما يشي بسجيتة الحقيقية مقدار ذرة ، كل شىء فيه طبيعيًا حد الشك !

اطلقت "داليدا" ضحكة خفيفة وطمئنتة :

- اتطمن . موصلتش للدرجه دي.

انبعجت نظراته بفخرٍ واثق وهو يقول مزهوًا :

- يبقي نظرتي صح . اول ما شوفتك اجزمت انك مش زيهم يا داليـ..  يا مولاتي.

بتر جملتة مصححًا وقد أطل الخجل من بين حروفه فجأة ، متذكرًا حقيقة وضعه امامها ..

وإن سمحت بإخلال إحدي القوانين .. لا تزال الملكة المبجلة !

وستظل ما دامت !

أصرت "داليدا" عليه في المقابل :

- متعدلش الجملة . كملها.. اسمع . انت واضح انك حد لذيذ اوي وانا استلطفتك . بلاش لفظ التعظيم . من ساعه ما جيت هنا ومحدش ندهلي بإسمي رغم اني طلبت منهم انهم يتعاملوا بشكل طبيعي .

اندفع "إسحق" محتجًا بذهول معظمًا من شأنها :

- ميقدروش ولا انا اقدر . انتي الوريثه .. الإمبراطورة داليدا باسراب !

لم تستوعب "داليدا" لقبها الأخير ، فتجاوزتها وصاغت سؤالها بإسلوبٍ أخر :

- انت مش شايف انها قديمه ؟

تململ "إسحق" مقرًا وهو يحك مؤخرة رأسه :

- الحقيقة .. جدا .. خصوصا انهم هنا في الأصل عايشين من ايام القرون الوسطي وبيطبقوا قواعدهم بالحرف وخارجين من مسرحية تاريخية .

وأضاف بجدية الأن :

- لكن جايز عشان جلالتك متربتيش في القصر ولا واخده علي الحياه هنا ولا القواعد . لكن دي تقاليد ملكية عظمي لا يجوز كسرها او اختراقها .. لكن اتنازل عشان خاطرك . انا مستعد الغي اللقب في سبيل راحتك .

تهللت اساريرها وهي تقول بحماسةً :

- هايل . شكلنا هنتفاهم ونبقي اصحاب . شكلك انت كمان مش زيهم.

نفي "إسحق" متخذًا خطوة اخري صوبها وقد زاد مرحه أطنانًا :

- اطلاقا .. ومستعد كمان اندهلك بإسمك .. لكن بشرط.

- ايه هو ؟

اشار إليها لتقترب منه ، استجابت "داليدا" مرهفه السمع بدقة ، فهمس هو لها بخفوتٍ شديد :

- هيكون سر بينا وبين بعض لكن قدامهم انتي مولاتي والدوقة داليدا باسراب .. مولاتي داليدا جياد باسراب . هيفضل سر وخصوصا قدام الغراب الأسود .

- الغراب الاسود ؟! .. عقبت "داليدا" بلا فهمٍ

وضح "إسحق" هامسًا :

- فيروز !

- فيروز ؟!! .. رددت "داليدا" بغرابة

أسكتها "إسحق" في الحال رافعًا سبابته امام فمه

- هششش !

اومأت "داليدا" مرتيّن مستجيبه ومطمأنه في آن ، ولكنها عجزت عن ردع فضولها منطلقة بسؤالها الإستدراجي :

- فيروز .. واضح انك مش متفق معاها .

منحها "إسحق" الإجابة المختزله أسفًا :

- صعب تلاقي هنا حد متفق مع فيروز دراكوليشتي . وخصوصا لو مكانش من الدم المَلكي او في سلم النبلاء .

اجابته المقتضبه وإن لم تنذرها صراحتةً إلا انها حفزتها جيدًا ضد سليلة الملوك الأخري المتبناه ونظيرتها حسب ظنها !

"فيروز دراكولشتي" !

اطلق "إسحق" تنهيدة قصيرة وقال منهيًا حوارهما علي مضض :

- مضطر اسيبك دلوقتي . لكن انا موجود في كل وقت . كل الوقت هنا . مطيع لأوامرك .. تسمحيلي ؟

أفرج فمها عن ابتسامتها الرقيقة فكانت لمثابة الإذن له ، ارتد خطوة منحنيًا لها برقيّ مودعًا ، ثم استقام متجاوزًا ايّاها صعودًا إلي الطابق العلوي مستأنفًا طريقة ..

طلته المرحة البهيجة انستها الرهبة ، قضت علي الوحوش المتجسدة بعقلها مبدده خوفها تمامًا ، أحبته دون ان يبذل مجهودٍ يذكر ، وللغرابة .. لم تخشاة لحظة !

والأدهي انه بارع في تشويش عقلها إذ أغفلت عن إستعلامها منه عن "أدم" إما "چيلان" ..

جابت باحة القصر الباسقة مدققة الإمعان في المنحوتات رومانية الطراز التي صممت علي قدرٍ من المهارة و الإحترافية يعزز من شأنهم كقطعٍ نفيسة ، ولا سيما التحف العتيقة والخزف بأماكنه المحدده !

خاصةً الإطارات التي تكتنف صورٍ بجحم الجسد تقريبًا ، ترصع الجدار المزركش الشاسع ، شخصياتٍ عِده كروايات الأساطير ، حقبتهم الزمنية باديه علي طلّتهم و هيئتهم بشكل عام ..

كان إغراء كبير

لم تستطع مقاومتة .. وقفت "داليدا" امام الصور وكأنما تتأمل قطعٍ فنية بإحدي المتاحف التاريخية .. تغوص بعقلها بأعماق كافه القصص المحتمله لأصحاب هذة الصور ..

انتصف الجدار اكبر الصور حجمًا و إجلالاً ، هذا الطغيان المشع عبر عينيه الحادتين ووقفته الشامخه كجبلٍ أيهم يبث في قلوب أعتي الوحوش مهابه منه ، خاصتة وهو يتشح بسواد الليل وشناعة نعيق غربانه آكله الموتي تحدق فيها عبر وجهه الصلّد كنصل السيف !

اسفل صورة القائد مباشرة إستقرت صورتها هي ..

تعرفت عليها في الحال .. انها المدعوة "فيروز" ، اخت أبيها بالتبني كما زعموا ، الملامح ذاتها وإن اختلفت الحقبة الزمنية ، حقبة القرون الوسطي !

كانت لا تقل وضعيتها مهابة عن الرجل في الصورة العلوية ، وكأنها نسخته النسائية .. سلطانها الطاغي كافي بتشويش العقول وإن كافحت هي بجلّد لتقتل ادني ذرة لخوفها

تصلبت عينيّ "داليدا" عند إطارٍ محدد ، جمدت للحظات ، كانت هي .. تسكن الصورة بعيناها الوسعتان و المرسومتان بالكحل السميك ، هي بذاتها  ...   

- شيفاكي اتعرفتي علي العيلة بسرعة.

أدارت "داليدا" وجهها نحوها ، فإذا بها تقبل بإتجاهها ، بتؤدها و طلّتها المهيبة ، هي لا تخشي الموت ولكنها تهابها ، انها كأعتي سيدات الأساطير !

غضنت "داليدا" بلا فهم ، فوضحت "فيروز" مشيرة نحو الإطار العتيق بعينيها :

- الدوقة زُمرد .. امك .

لعلها توقعت صله القرابة بينهما ، ولكن النطق بها صراحتًا كان له وقعًا خاص علي سمعها ، محدقه بذهولٍ في نسختها سالفة العصر ..

"فيروز" بهدوء مخمليّ :

- معاكي حق .. اي حد مكانك ويشوف الشبه الكبير اللي بينكوا لازم يفقد جزء كبير من استيعابه . وكإنكم نسختين عن بعض .

واضافت معرفه بزهوٍ شامخة برأسها :

- كل الصور دي بتعود لقرون مختلفه من الزمن . النسل متوجدش وانتهي في يوم وليلة . كل دول امراء واميرات و ملوك المملكه اللي قبلنا . وعلي رأسهم الكونت دريكولا بنفسه .. وبالمناسبة صورته دي متتقدرش بتمن وملهاش الا نسختين ودي واحده منهم . رسمها اعظم الفنانين وقتها واللي سمعناه ان الكونت فضل ساعات واخد الوضعيه دي عشان تطلع رسمته بالواقعيه المبهرة دي . وبعدها قتل الرسام عشان ميرسمش اعظم من رسمته مرة تانيه .

وضحكت بسادية مخيفة ، بقت "داليدا" منصته اليها دون ان يبتسم وجهها ، بينما تمضي السيدة مشيرة إلي إطارٍ يكتنف صورة فارس لا يقل هيبة ووقارًا :

- ‏اما ده يبقي الملك جياد باسراب الوريث الاخير . وابوكي .

لا تدري "فيروز" كم من خصالٍ ورثتها عنه ، إنها لم ترث أيّ شىء من ملامح أبيها ، ولكنها كما تري تشبه والدتها إلي حد المطابقة .. تلك العينان البنيتان الواسعتين ، الوجة المستدير ، قسماتها الدقيقة والرقيقة ، شعرها الأسود الفحمىّ وأهدابها الكثه ، لقد ورثت حُسنها عن والدتها .. والدتها فقط !

كما لو أنها انعكاس لصورة امها ، لكن النظرة .. تلك النظرة الحادة العدوانية و الأكثر شراسة بالفطرة ..هي الشىء الوحيد الذي ورثته عن أبيها .. بل عن اسلافها الأجداد قاطبة !

علّقت "داليدا" بهدوءٍ وبسالة تُحسد عليهما :

- شايفه صورتك اكبر صوره من بعد الكونت رغم انك مش من النسل !

تهدّلت قسمات "فيروز" نسبيًا ، رأت في تعقيبها ونظراتها اعلانا لا يحب رائحته ، لكنها طوعت تزمرها و قالت تستميلها بعقلانية مدروسة :

- اقعدي يا داليدا .. حابه اتكلم معاكي شويه.

إنصاعت لها "داليدا" بحذر وسارت معها نحو مقعدين متماثلين من النسيج الأحمر المخملي القاتم ، جلست أمامها في الطرف المقابل للسيدة "فيروزة" ، التي استرخت أكثر و تنهدت بثقلٍ ثم قالت بتروٍ  :  

- واضح انك سمعتي القصة لكن حابه اصححلك مفهوم معين فيها .. انا اساس العيلة . من اللحظة اللي كنت فيها بنت للورد خزام وانا صاحبة مُلك .. انا المسؤوله الأولي والأخيره بعد موت ابوكي . حتي في حياته .. اهميتي كانت طاغية . مقلش قيمه عن الورثة ..بعد وفاتة كل المُلك ده بقي تحت سيطرتي . وجودي كان داعم للمملكة .. حكمت و نظمت كل شىء ومنعت اي فوضي او خطر محتمل .. وطبعا انتي جيتي تستلمي ملكك . اهلا بيكي .. لكن ده ميلغيش وجودي . مكانتي تمنحني سلطه ردعك في اي وقت .. انا مش هقبل بأي غلط .  انا مستمرة في حكم مملكتي اللي افنيت سنين في ارضها عشان احافظ عليها محميه من خطر البشر او غير البشر .. كون انك وريثة وسليلة النسل ده ميديكيش السلطات الكاملة اللي تتسبب في تخريبها .

كان عليها أن تسرع في ردة فعلها... بالرغم من أنها كانت خائفة من كيانها .. الوضع كان مثيرًا للرعب... لكنها لم تكن خائفة حتي هذة اللحظة .. لن تسمح للخوف بالتمكن منها مطلقًا

فضلاً عن الجرعات المشحونة ضدها والفضل الأول يعود إلي "إسحق" ..

جابهتها "داليدا" بجلّد ولا تعلم بأي قوي تسلحت :

- اكيد بشكرك علي مجهودك وحفاظك المستميت علي المُلك وحمايتك ليه في غيابي  ..لكن هقف لحظة . قولتي ايه ؟ مملكتك ؟! بعتذر لكن استدعائي ده تم علي اساس ايه ؟ انا هنا وظيفتي ايه ؟
اجاوبك حسب القصة اللي اتروت لي.. انا جيت عشان اتقال لي ان دي مملكتي انا واعتقد ان أدم وصل ليا بعلمك يعني وجودي مش اجبار ليكي . ولو كان اجبار يبقي اظن إن سلطتي هتكون بالشكل ده اعلي لإني شايفة انك مش قادرة تعترضي علي وجودي او تمنعيه .. اللي فهمته ان ده ورثي انا.. والمؤكد اني هخاف علي مُلكي زيك واكتر ومش هسمح بغلط . وعندي تعليق اضافي صغير علي كلامك.. للأسف كل حاجه هتبقي تحت سلطتي الكاملة حتي لو اتسببت في تخريبها .. لأنها زي ما انتي عارفه مملكتيـى انا وليا حق التصرف بالشكل اللي يناسبني.

فجأة أصبحت الغرفة حارة، كأن اجوائها خانقة.. و "داليدا" لا تزال كما لو أنها تتربص لها على كلمة تنطقها ولو اعجبتها ، وكأنما استطابت متعه مبارزتها ..

أحكمت "فيروز" سيطرتها على إنفعالاتها وإحتجاجها ، لطالما برعت في هذا ، أعتنقت الحِكمة التي تلجأ إليها في أغلب الأحيان و تعامل بتريثٍ مبطن بإهاناتٍ مقصودة مئة بالمئة :

- انتي عمرك صغير .. بنت العصر الجديد .. اعتقد انك مش هتقدري تديري كل شىء بالثقة اللي انا شيفاها في عنيكي دي .

استرخت "داليدا" وقائلة بثباتٍ و قد كانت الثقة في صوتها لا تُضاهى :

- انتي ناسيه اني حفيدة دراكولا حسب كلامكم انتم . الملكة سليلة الملوك حسب ادعائكم ! و اعتقد تاني يا فيروز ان مفيش حد غيري ممكن يحكم والا كنت فضلت مكاني و كملتي انتي مسيرتك بدل مني .

ابتسمت  "فيروز" بغموضٍ أمامها ، لكنها في قرارة نفسها كان قد أغاظها حديثها ، ورددت بإستنكارٍ محتج دون ان تتخلّي عن ابتسامتها المريبة :

- فيروز !!

وقالت ليخرج صوتها تاليًا خافتًا و مريبًا :

- اول يوم ليكي وبتتجاوزي الحدود بشجاعة غريبة.

رفعت "داليدا" حاجبها مبتسمة :

- أسفة .. يا أنطي فيروز .

سرى بينهما تيارٌ من التحدي السافر والخطير ، تجلس "فيروز"  أمامها شامخة الهامة ، تبادلها نظرة الواثقة بأخرى متجبرة، تتسم بالطغيان الذي تطفح به ، الآن فقط أدركت "فيروز" بأن أيّ سبيل للعنف أو السيطرة لن يجدي معها، بل و يمكن أن يأتي بنتيجة عكسية، فهي كما تري الأن .. لا تقل عنها عنادًا و تمردًا !

بيد ان بينهن قواسم مشتركة ..

تحلّت "فيروز" بالصبر القهري و هي تواصل التفاهم معها :

- انا مش عدوتك ..انا حميتك ولحد اللحظة دي بحميكي .. بتطوفي في البيت براحة و غريب ان غاب عنك طبيعة الكائنات اللي انتي موجوده بينهم و تفكيرهم الغريزي فيكي كونك بشرية  .. ايه السبب انك حاسه انهم كائنات طبيعية ومفيش فيهم اي مظهر من مظاهر الوحشية ؟ ميختلفوش عن البشر ؟! كل اللي شوفتيهم من اول آدم لغايه اقل خادم في القصر معاهم امر مني بكده .. اقل خارم هنا مليان بشراهه تجاة الدم البشري ومش محتاجة افكرك انك البشرية الوحيدة هنا .. ومش هكدب .. انا من ضمنهم .. كائن متعطش للدم اللي بيجري في عروقك النابضه قدامي .

كانت تتجهم أكثر فأكثر كلما تفوهّت "فيروز" بكلمة .. حتي فرغت

ثاب إلي عقل "داليدا" تهديداتها المروّعة ، إنسلّت إلي قلبها إرتجافة وليدة إنذارات "فيروز" والطريقة ذاتها التي تحدثت بها ..

إنما كابدت نفسها ألا تبدو فيها ذرة ضعف واحدة

علّت زواية فم "فيروز" بشبة ابتسامة وهي تخبرها بذات الخطورة والأرياحية :

- لكن مفيش داعي للقلق .. هنا مفيش كائن مش بيخضع لأمري . بسببي أنا محدش قرب منك .

علي عكس المتوقع ، تصدّت "داليدا" لها بجسارة ودهاءٍ تراه "فيروز" بها جليًا ، رأت فيها تلميحًا لأبيها الراحل وأخيها الذي لم يشاطرها الدم ، سلفًا لم تري فيها سوي مراهقة نمطية !

يبدو أن نظرتها خابت !

- انا مش خايفه منهم . ولا منك . انا واثقه ومتأكده انك مش هتقدري تقربي مني . لإن محدش هيحارب عشان يرجع سليلة الملوك لمكانها ويقتلها في النهاية !

أمنت "فيروز" بأنها ليست قليلة أبدًا ، وان معادلة القوي اصبحت علي المحك ، فتطويعها ليس بهينٍ !

- بالمناسبه .. بخصوص إلياس .. اتمني مكونش غلطت في إسمه .. لكن الموضوع بخصوصه وخصوصي واللي سمعته انا رفضاه بالكامل ومش هسمح بأي جدال فيه .

إنبعجا حاجبى "فيروز" بتعبيرٍ يسألها التوضيح ، فسرعان ما فسرت "داليدا" لها :

- جوازي منه.

رمقتها ببلاهةٍ بادئ الأمر حتى فهمت ما رمت إليه ، وعارضت بإصرارٍ حازم دون ان يرتد لها طرف :

- ده ارتباط حتمي . لازم هيتم ومش مسموح فيه بالإعتراض يا سليلة الملوك .

"داليدا" بذات الهدوء والندّية بلهجتها :

- حسب ما فهمت ان سلطتي بتمنحني حق الإعتراض علي كل شىء واي شىء يا فيروز . حتي الشىء الحتمي في امكاني اعترض عليه والغيه .

- المهم يكون الرفض مسبب والا الملكه مش هتكون حكيمه في قراراتها و هيكون هو والعدم سواء .

قالت "داليدا" نافية بفتورٍ :

- بسيطه ..انا معرفوش.

ردًا على ذلك، و إحباطًا للهجة الثقة و الفخر في صوتها قالت "فيروز" ببرود محكم :

- تعرفيه .. قدامكوا وقت تقدري تعرفيه كويس .

تمسّكت "داليدا" بكلمتها ..

- مجرد طرح الفكره مرفوض .

هبت "فيروز" واقفة بلحظة ، فكشفت عن مدي تجبرها و قوتها وهي تحدق فيها من علو بذات الشموخ الذي يطلّ من صورتها المعلّقة علي الجدار من خلفها ، والنظرة المتسلطة المهيبة عينها ..

- نأجل نقاشنا لوقت تاني . لوهله غفلت ان ده يومك الأول واكيد عقلك مقدرش يستوعب التفاصيل . وانا واثقه ان قناعاتك هتتغير وقت التنفيذ .. انا هديكي فرصة تتعرفي علينا اكتر وتقيمي وضعك معانا .

وقبل ان تستدير لترحل عنها تمامًا ، توقفت لتطلق ختام كلماتها بعناية لتبث فيها خطورتها :

- بالمناسبة  ..في المستقبل فكري في كلامك بعنايه قبل ما تقوليه وخصوصا لو الكلام ده موجه ليا والا هيكون التفاهم بينا صعب .. في الحالة دي هيكون ضرر ليكي اكتر مني .

و أدارت لها ظهرها ماضيه بتؤدها ..

تركتها مدركًا تمامًا فداحة الوضع المرعب الذي سببته لها وإن كابدت الأخيرة نفسها ولم تسمح له بأن يطفو علي تعابيرها ، كان هذا هدف "فيروز" الأسمى في التعامل مع الجميع، أن تجعل من نفسها الكيان المهيب ، كي تكون القوى و السلطة المطلقة لها.. لها وحدها... و يبدو أنها تبلي حسنًا في كل مرة

نمطها لا يخيب أبدًا ...

كما ظنت !

بينما بقت "داليدا" محلها ، تفكر جديًا فيها ، لا شئ يشكل في رأسها معني واضحاً سوي أن المدعوة "فيروز" انثي تدوّي من حولها نواقيس الخطر ..

_____________________________

وكأنها تعاويذ سحرية ، استأثرت بعقلها ولا تستطيح ازاحة عينيها إنشًا عنها ..

لا تدري كمّ من الوقت مر وهي محنطه علي هذا الوضع امام صور النسل الجليل ، لم تترك تفصيلة ولو صغيرة إلا و أمعنت فيها طويلاً ..

- واضح انك اندمجتي مع صور العيلة اكتر مننا .

التفتت "داليدا" من فورها تحملق في "إلياس" الذي ظهر من العدم بغتةً ، إستغرقها الوضع الحساس لحظاتٍ طويلة لم تنطق هي فيهم ، فبادر هو معرفًا نفسة للمرة الثانية مذكرًا ايّاها :

- إلياس .

شخصّت ببصرها نحو الجدار المدجج بالصور ، ناطقة دون ان تبتسم له حتي :

- عارفه .

بيد أنها لا تزال تحت تأثير الطاقة الخفيّة بينها وبيّن صورة أمها الراحلة ، لا تمل النظر إليها ..

اتخذ " إلياس" خطوة اخري صوبها مستفتحًا حديثٍ خاص بنية التقرب إلي السيدة الجديدة :

- معاكي حق .. الشبه بينكم كبير . نسخه مطابقة للأصل .. أحب اقولك انك ورثتي الجمال عن الدوقة زمرد بكل تفاصيلة .

تلميحاته المبطنة أصابت معدتها بألمٍ حاد، هذا التطور من جهته لا يزيد الوضع إلا سوءً، لا يمكنها تحمل الغزل الذي ينطوي علي افكار تلوّح لها علنًا ..

بينما يتابع معظمًا من شأنها كأنثي اولاً ثم سلطانة يجلها ويحترمها :

- مش مصدق ان الوريثة بنفسها موجوده قدامي.. كنت خايف جدا عليكي وكنت مصمم اقوم بمهمه حمايتك واستدعيكي بنفسي لكن الحظ كان مع أدم . العرق الملكي كله بيثق فيه .

أيدته "داليدا" بذات اللهجة المتصلبة إذ خشت أن تمنحه ولو قليلٍ من ليّن نبرتها ألا يظنه إذنًا منها ليمضي اكثر :

- و بسبب ثقتي فيه انا موجوده هنا .

واستدارت بشكل كامل في مواجهته قائلة بعزمٍ لا يتقلقل :

- بالمناسبة هو وضحلي امور كتير تخص النظام الملكي وروايتة وذكر العلاقة المستقبلية بينا .. عرفت ان من ضمن التقاليد الملكية ان يحصل رابط جواز بيني وبينك .. لكن بعتذر . انا برفض .

إنحسر حماسة فجأة و هو يرد عليها بلا استيعاب :

- بترفضي ! بترفضي الجواز مني ؟!

- انا بعلن لك قراري ورغبتي وانا واثقه انه بعيد عن جرح مشاعرك لأنك متعرفنيش و مفيش اي مشاعر بينا او جواك اتجاهي . زيي بالظبط . انا كمان معرفش عنك شىء يذكر . صعب في يوم واحد اتقبل اني اكون زوجة ليك او يحصل اي رابط بينا.

سايرها "إلياس" كي يتسني له فهم مآل الأمر :

- فاهم رغبتك وتفكيرك . لكن الجواز والارتباط مش هيحصل بالسرعه اللي انتي متصوراها .. قدامنا فتره طويلة يحصل فيها قرب بينا وفي نفس الوقت منخترقش اي تقليد ملكي .

- انا محترمة التقاليد لكن احترامي ليها مش معناه اني انفذها .. انا مقدرش اديك وعد اني ممكن اتجاوب معاك او اتقبل الفكره في المستقبل . مش هقدر .

سكت "إلياس" لبرهه مفكرًا في نظريتها الكارثية له ، ثم سألها بإرتياب حذرًا :

- في مكان لشخص تاني في قلبك ؟

هزت "داليدا" رأسها بالسلب واجابته بفتورٍ :

- مفيش سبب تاني غير اللي قولته .

اومأ مرتين متفهمًا ، استدعي ابتسامة متكلفة و قال مسترخيًا فجأة :

- وانا مقدرش افرض علي داليدا باسراب شىء خارج رغبتها . انتي صاحبه السمو والجلالة ومحدش يقدر يجبرك لا انا ولا غيري لكن طالما مفيش وجود لشخص تاني يبقي الباب مش مقفول . قدامي فرصه ..  انا وانتي الفتره الجايه هنتقرب لبعض و هنتعامل بإستمرار اعتبرينا اصدقاء وممكن وقتها تغيري رأيك فيا .

كافحت لتحبط محاولاته قائلة بأسف زائف :

- انا واثقه اني هخيب ظنك.

أجل هي تعلم أن ردة فعلها مبالغٌ بها، على الأقل بالنسبة إليه، لكن ردّه هو أدهشها..

- لو خيبتي ظني كفايه عليا اني اكون جانبك .

عبست بإستياءٍ فعدّل عبارته باسمًا لها :

- بصفتك صاحبه السمو طبعا .. وبصفتنا اصدقاء.

ومد كفه لها في بادرة منه لمصافحتها ليبسط الصداقة بينهما 

تطلّعت هي إلي كفه الممدود لها لدقيقة قبل أن تودع يدها الرشيقة بكفة متكلفة عناء الإبتسام له ..

تجاوزت تلميحاته العاطفية ، لا تريد ان تكون معه، إنه رجل و راشد ، بل و يمتلك من الوسامة ما يميّزه ، لكن كل هذا لا يحرّك فيها شعرة، قلبها لن يكون ملكًا له حتمًا ...!!!

__________________________________

كانت تجلس منذ صحوتها ، منذ أن أتت "جيلان" وشهدت علي حادثها ورحلت عنها .. لم تبارح مكانها هنا فوق فراشها المهترىء الصغير ..

تسند رأسها إلى الجدار علي يسارها ، رأسها متخمًا بالأفكار.. لكنها لا تستطيع أن تنبش بها، فإذا فعلت حتمًا سيصاب عقلها بالشلل كما حدث لجمسها قبل ساعات قليلة سالفة ..

صوت المزلاج الخارجي وخيلاتٍ تلوح خلف فرجه الغرفه كان قادرًا علي انتزاعها نزعًا من غيبوبتها الضبابية تلك ..

اطل "أدم" من خلف الباب الفولازي ، بؤرة الضوء الواهنه تراقصت فوق وجهه مضفية علي قسماته الوسيمة مهابة يتعذر عليها تجاوزها،  الغرفة تسبح في صمتٍ موحشٍ و مريب 

كانت كلها اجواء إن ساهمت بشيء فلن يكون سوى خوفها و حزنها، لم تذرف عينيها دموعًا، إذ أبقت علي رابطة جأشها ، ولكنها ذاقت علي يدهم صنوفًا من العذاب خدر مشاعرها ، ساءت حالتها كما يري  ، وجهها و قد ذبل و جمالها قد طمسه بغيٌ "فيروز" عليها

لم تكن كما رأها اول مرة .. لم تكن سوي مراهقة نمطية .. اما الأن مراهقة مفعمة بالأسي ، مدمرة تدميرًا بشكل يتعذر إصلاحة ! 

- تسمحيلي اكون ضيفك لدقايق قصيرة ؟

توغل "أدم" خطوتين وهو يسحب الكرسي المعدني والوحيد بالغرفة ليجلس فوقه بالعكس

مقابل "صوفيا" أسند "ادم" معصميه فوق ظهر المقعد  ..

- فكراني ؟

لا تزال ترمقة بنظرات غائمة لا تخلو الحرص فيها ، ثم اشاحت بعينيها ناطقه :

- أدم.

هتف "أدم" بوداعة :

- هايل .. قصرتي عليا مسافة كبيرة.. اقدر اتكلم معاكي دلوقتي .

وسألها مباشرة ودون ان يتكلف عناء التمهيد او تهييء عقلها :

- الرؤيا اللي شوفتيها .. محتاج اعرف شوفتي فيها ايه تحديدا وليه موضحتيش لچيلان تفاصيلها؟

ترمقة "صوفيا" بنظرة جانبية مغمغمة بفتور :

- انا قولتلها انا اللي شوفت .

بهدوء نفي "أدم" بلا إقتناع :

- الحقيقة انك مقولتيش اي حاجه.

علت زاوية فمها بإبتسامة صغيرة متهكمة وهي تقول بإستنكارٍ جلف :

- وانت متخيل اني هقولك انت ؟!

"أدم" بثقة غرّاء :

- ده اللي هيحصل .

طالعته "صوفيا" الأن بثباتٍ قوي ..

- اياك والثقة .. چيلان قدمتلي حنان وعطف من الوقت اللي فوقت فيه في السجن ده . الوحيدة بينكم اللي بتحاول تساعدني . متخيل اني ممكن اقولك انت اكتر من اللي قولته ليها ؟! 

تجاوز عن ضغائنها الشخصية تجاة الجميع ، وقال قاسرًا نفسه علي الصبر :

- صوفياا .. ايه اللي شوفتيه في الرؤية ؟

رمقته "صوفيا" بإزدراءٍ بيّن ..

- محتاج تعرف ليه ؟ عشان تأدي واجبك كجسوس لفيروز ؟!

- فيروز معندهاش علم بوجودي معاكي . مفيش اذن مسبق منها وده ممكن اتعاقب عليه ورغم كده انا موجود معاكي.

وقد كان صادقًا في هذا ، ولكنه لم يجدي معها

اطلقت "صوفيا" ضحكه قصيرة متهكمة وقالت بإستخفافٍ :

- أدم المجنون . المغامر والفارس الشجاع .

اطبق جفونه مجبرًا نفسه علي الصبر ، فقالت "صوفيا" مشيرة نحوه باصبع الاتهام :

- فين إثباتك ؟ جايز يكون اتفاق بينكم ضدي . ده اسلوبها وسبق ووقعت في الفخ .. مترهقش نفسك .. انا مش هكرر غلطتي مرة تانية .

- انا مش زيهم .. ومش مضطر اكرر الغلط .

وقد كان صادقًا في هذا ..

اقترب "أدم" منها خطوة ليبرىء ساحته لها :

- تقدري تعرفي ايه اللي بيدور في عقلي . سهل عليكي.. انا كل اللي يهمني الوريثة .. محتاج اعرف شوفتي ايه لـداليدا .

كانت اصغر من ان تعيَ صدق قوله وحقيقة ادعاؤة .. بل حقيقة ما يعتمل بقلبه تجاة الوريثة ، حدّجته هي بنظرة ناريه وقفزت عن فراشها واثبه بينما ترمقة بعداءٍ صريح :

- انا مشكلتي مش مع فيروز لوحدها . انا مشكلتي مع قصر دواكولشتي كامل.

اذا ذايدت عليه مكابرة لا يضمن لها أن لا ينأي عن تحضرة :

- لحد اللحظة دي بحاول انك متتفزعيش برؤية جانب متحبيش ابدا تشوفيه .. استغلي هدوئي معاكي ووضحي رؤيتك .

مع هذا لم تبدو أمامه قلقة مطلقًا ، بل دمدمت بتهكمٍ ساخر :

- هتعذبني زيهم او هتقتلني ؟ انا منتظرة ؟! لكن في كل الاحوال مش هتقدر توصل لرغبتك .. ومتخافش علي داليدا .. هي هتقتل نفسها بنفسها.

أجابتها الباردة أصابته بالجنون حرفيًا، يري فيها اشارة مشفره يستعجل فكّها ، تقلصت عضلات وجهه المسترخية دفعة واحده وهو يسألها بحذرٍ حاد : 

- تقصدي ايه ؟

- مش هصدق انك خايف عليها ..اذا كنت خايف عليها مكنتش جبتها هنا من الأساس .

و ما لبث أن تحوّل هذا الهدوء إلى إنفعالٍ هز كيانه هزًا ، وكأنما اضافت ملحًا فوق جروحه ، وبلحظة إمتدت قبضة "أدم" و طوّقت رقبتها بشدة.. شعرت بالاختناق تحت يده الصلبة و كافحت للتخلص منه... لكن عبثًا ،  يضغط هو  بسبابته و إبهامه على قصبتها الهوائية مغمغمًا باحتدامٍ :

- انا صبري ليه حدود ومتفتكرنيش عشان جيت وكلمتك بهدوء اني هلجأ للوسيله دي دايمًا .. حذرتك تستغلي اني مش زيهم ورافض أذيتك .. طالبتك تقوليلي رؤيتك لكن كنت غلط .. انتي رغم سنك الصغير لكن عنيده واحب اقولك ان اسهل حاجه عندي اكون ابشع منهم في التعامل معاكي.

كان عنقها ينسحق ، مع إزدياد ضغطه حوله إحتقنت الدماء بوجهها و لم تعد تتنفس ، أحس هو بحرارة جسدها تميل إلي برودة خطيرة ، نسيج جلدها الناعم اكتسحته طبقة غليظة مصطبغًا بزرقه مريعة ، كشّر فكها فأسفر عن أنيابٍ تحاكي اسلوب الضواري ، سكنت عينيها ظلمة القبور ، صارت غدافية الأهاب علي حين غرة ، بوضع دفاعي آلي زأرت بشراسة ، شنت هجومًا مضادًا عليه ، ولكنه استحكم بها كليًا ورفعها كما لو انها لا تزن شيئًا ، لا يهم علي ايّ هيئة تحوّلت ..

- قولتلك اني مش حابب ألجأ لوسيله تانيه مش عايز استخدمها معاكي . انتي صحيح قويه بس انا سهل عليا اقتلك هنا يا صوفيا . قوليلي شوفتي ايه .. انطقي.

انحسر الهواء بعنقها ، كان اعتي وأكثر قوة ، هذا ما ألت اليه ، هكذا صارت ..

ضعيفة ، هشّة ، مهزومة ..

وهي المخلوق الأقوي والأخطر ، في وضعٍ اخر لكانت قتلتة قبل ان يرتد طرفه ، إفتكت به بشراسة لا تضاهي ، ولكن خطة "فيروز" تسير وفق إرادتها .. تمامًا كما رغبت ، نجحت في سلخها عن قواها منقطعة النظير

شهقاتٍ مكلومة متقطعة تصارع من عمق روحها ، غابت ظلمة عينيها وزرقة جسدها فاقدة ما تبقي من قواها ، عادت هكذا الي طبيعة هيئتها ، وافصحت بإستسلامٍ عسي ان يعتق عنقها فخرج صوتها بصعوبة أبحًا :

-شـ شوفت الوريثة .. كلها مشاهد منفصله .. شر محيط بيها .. كهف اسود وكيان مخيف .. و الوريثة في التتويج . علي راسها تاج الإجلال .. نبيت احمر بيقع فوق الأرض .. ارض بيخترقها اجساد و كتاب مدفون .. حجر بيتوهج و جسم تحت الأرض .. بيشع منه ضوء أحمر .. هو بدايه ونهايه كل شئ .

غدت عينيه اكثر حده وهو يستجوبها بتوجسٍ مقطبًا حاجبيه :

- وده تفسيره ايه ؟

- مـ معنديش علم ..معنديش علم ..انا قولت كل تفاصيل رؤيتي ..  سيبني هتقتلني !

تخلّي عنها فخرّت ساقطة في الحال تعبىء صدرها بالهواء بكل ما ملكت من قوة ..

ركعت "صوفيا" وهي تسعل بقوة فوق الأرض ، بينما "أدم" لم تعد تشغله "صوفيا".. فقد حلّت "داليدا" مبددة كل من سواها

إنه بالكاد يقنع نفسه، بأنه لم يفعلها، لم يحضرها بيده إلي هنا ، لم يخاطر بها وهو ادري الناس بعواقب عرش الدماء !

ليس هو.. ليس "أدم" الذي رعى و راقب و تعهد بحمايتها لنفسه اولا قبل أبيها

أحب القصر حتمًا ، لكنه يكترث لأمرها أكثر ، لقد اودي بها الي مملكه الضواري ويستحيل اقتلاعها منها ، اما عن التنبؤ .. فهو كارثة محققة الوقوع !

فقد عهد تلك المراهقة الشابة بما يكفي ، لا تخيب رؤياها او تخطىء !

انطلق للخارج بخطي واسعة دون ان ينظر ناحيتها مرة اخري ..

لا .. لن يسمح بهذا و لو استغرق بالتفكير سيجن لا محالة ...

_____________________________

ساعة كاملة انقضت ولا زالت تتقلّب في الفراش كما لو أن آفة اصابتها ، لم تذق للنوم طعم ..

إنها البشرية الوحيدة بين نسلٍ كامل من وحوش الدماء الفتّاكة تلك ، داخل ارضٍ ملكية ، كلها اشياءٍ ساهمت في أرقها مئة بالمئة ..

بالأخص "فيروز" .. تركت كلماتها بينهما شيئا من الوجل وإن كافحت لدسه أسفل صلابة تشي بعزتها الفطرية والتي ورثتها عن ظهر قلب ، اعجبها ان تكون علي هذا القدر من الكبرياء وهي عزلاء امام كيانٍ بمثل خطورتها .. والجانب الممتع انها تتوقع جولات نارية معها علي علو شاهق

ضربت "داليدا" الأغطية بقدميها ووثبت عن الفراش بخفة ، قفزت من مكانها وحثت خطاها خارج الغرفة ، بل الجناح برمتة ..

سارت بلا هدي صعودًا الي الطابق الذي يعلوها والذي لم تطأه ، تصافت مع إحدي طاقم الخدم النسائي ، والتي انحنت بإجلالٍ لها فور رؤيتها ، فسألتها "داليدا" مرسله نظراتها للأعلي بفضول :

- ايه اللي موجود فوق ؟

اجابتها الفتاة بإحترامٍ :

- جناح الماركيزة فيروز دراكوليشتي جلالتك .

والتمست الإنصراف فلم تمنعها السيدة ..

رفعت "داليدا" حاجبًا بطريقة مزهولة مرددة بذات الدهشة التي لا تخلو الإعجاب :

- الماركيزة !!!

وافرجت عن ابتسامة صغيرة تنم عن غرابتها من اللقب ذاته ، وراحت تردده بشىء من الإنبهار وهي تستأنفت صعودها، و لم تستطع أن تمنع نفسها من إكتشافه ..

مظهر الحضارة الذي هالته دقة زخرفته إقتات ذهنها و ألقي بسحرة عليها ، هذا الطرف والبذخ بشكل عام

العمدان المشيدة تشابُ بالعنبر القاتم والتي تشربّت باللون الذهبي ، الثرايا عودٍ مشعّب من الؤلؤ الوّهاج ، الجوانب المبرقشة تلتحف النعيم ظلالاً ، التماثيل الرومانية وقورة كالطود الأيهم تكاد بلا لسانٍ تنطق و كفيلة بخرس العقول ، الأثاث نضيد ، علي ضفتيٍ الردهة حوامل الشموع الفضيّة الأثرية ، وعلي امتداد بصرها الأرض كرستالية علي الطراز الروماني العتيق ..

إنه جناح "فيروز" الخاص ...

لا يقل فخامة عن جناحها وإن كان خاصة فيروزٍ اكثر قتامة وسوداوية إلي حدٍ مهيب

جمدت "داليدا" في مكانها قاطعه جولتها الخياليّة ، لم يتسنى لها التوّجه إلى مكانٍ أبعد ، إذ تناهى إلى سمعها صوت بات مألوفًا بالجوار.. تحديدًا بالطرف الواقع علي يسارها ، تسللت "داليدا" قرابتة أكثر مندفعة بفضولها ، أرهفت السمع بدقةً إذ تبيّن انها "فيروز" بذاتها ، تتوعد جازمة بشرٍ بما صعق "داليدا" من رأسها لنهاية اطرافها :

- الموضوع بيزيد سوء . انا صبري عليها انتهي .. ومعنديش اي مانع بموتها لو الامر استدعي .. لو اضطريت .. هقتلها وانا مرحبه ! .................................................................................................................!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

يتبع ..

Continue Reading

You'll Also Like

74.6K 2.4K 29
ملحمة بدأت بموت وبالنهاية.. اندلع بها العشق ❤
1.1M 83.9K 37
بعدَ إستعارِ الحربِ بينَ المخلوقاتِ الخارقة أصبحَ كلُ الإهتمامِ مُنصباً حول الأرضِ التي ستنالُ شرفَ إستضافةِ الستيفانوس (تاجُ الآلهة) بينها ، و قد و...
الغامض By sally

Mystery / Thriller

5.4K 762 29
نظرت له بعشق وجرأة أنثى ثم لاحت بعدها بكلماتها الخفيفة ... " سأحبك بالمقدار الذي أريده أنا ..."... رفع أحد حاجبيه باستغراب ... " ولماذا بالمقدار ا...
143K 8.3K 32
جونغكوك و الذي فقد كل عائلته في حادث مرور اجلى بحياتهم ليتم رميه في ميتم و بطبيعة الحال من يبلغ 18 سنة يتم اخراجه ليتولى مسؤوليته بنفسه و هذا ما حدث...