Blue Grey

By ayrakL

3.7K 267 56

" البشر يتغيرون كما تتغير مشاعرهم ، قد تكون أدريان الذي عرفته ميرال ، لكنها ليست الطفلة التي تشبثتَ بها ، لا... More

00
01
02
03
04
05
06
07
09
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20

08

108 12 0
By ayrakL

توضيح : هدف الرواية ليس إيصال الحب فقط بل إن تعمقت في الفصول فستجد أنني أحاول تسليط الضوء على كل من المشاكل التي يواجهها الأطفال مع أسرهم و على بعض الجوانب النفسية

« أنت بمثابة نجم لكنه لا يشع ، أنت بمثابة شهاب راقبه الناس و علقوا أمانيهم عليه لكنه لم يحقق أي أمنية بل هو يتظاهر بأنه مجرد حطام لكوكب كان يبدو لا مثيل له سابقا »

أزرق رمادي |الألحان الحزينة

توقفوا عندما تقاطعت طرقهم أدريان و تايلر نحو الأمام و ميرال نحو اليسار لتصل لمنزلها ، ألقت نظرة على الحديقة و لم تجد أثرا لوجود والدها هناك .

تخطو و هي تنظر للسماء ببسمة حمقاء و رقم مئة الآن أصبح رقمها المفضل ، و اسم أدريان أصبح الاسم الذي لن يختفي من ذاكرتها و لو عاشت قرونا .

تجمدت عند عتبة الباب و هي تسمع قهقهات والدها ، صارت ملامحها فارغة  فلا أحد يزوره إذن مع من يضحك هكذا ؟

فتحت الباب بهمجية ترمقه بخوف و هو غير مستوعب لكل ما يحدث معها ، تنفست الصعداء عندما رأت رفين آتية من المطبخ ، وضعت يدها على قلبها بدرامية .

- " يا إلهي ظننتك صرت مجنونا ! "

- " ماذا ؟ "

سأل يود معرفة ما يحدث معها لكنها لم تجبه ، و تقدمت من رفين التي تمسك بكأس عصير كانت ستعطيه لفيكتور ، لو لم تكن ميرال أول من تأخذه لتفرغه في حلقها دون ترك أي قطرة .

" لقد كان للعم فيكتور "

صاحت رفين عليها ، فات الأوان فقد أنهته و وضعته في الصينية التي بين يديها ، أما فيكتور فكان يقهقه على هذا المشهد .

" كان لذيذا "

ربتت ميرال على بطنها تغيظها أكثر مما فعلت سابقا ، و يبدو أن الأمر نجح فقد تهجمت ملامح رفين .

" لما أنت هنا ؟ "

سألت و اتجهت لوالدها الذي اتخذهما عرضا يستحق المشاهدة بصمت و هدوء ، بكل حب وضعت قبلة على خده و أخرى على جبهته .

- " لما تأخرت في العودة ؟ "

- " بالصدفة إلتقيت بأدريان و صديقه "

أومأ فيكتور و رتب شعر ابنته بعد أن انتبه لبعثرته ، و رفين تقدمت منها بعد أن تمكن منها الفضول .

" صديق أدريان هل تعرفينه ؟ "

لم تنظر ميرال لها لأنها كانت مشغولة في تأمل والدها و كيف يبدو سعيدا بترتيب شعرها ، الأشياء البسيطة دائما ما تسعد أولئك الذين يتحلون بالقناعة ، و كذلك فيكتور ستحتل البهجة روحه فقط بالاعتناء بتفاصيل ابنته .

" ذلك المزعج اسمه تايلر "

بغيظ أردفت فوسعت رفين عيناها قليلا عند سماعها لاسم ذاك الفتى ، و ميرال تلقت ضربة خفيفة على رأسها من طرف والدها.

" عيب أن ننعت الناس بألقاب كهذه "

رمقته باستنكار بينما رفين شخرت بسخرية

" لكنه حقا مزعج "

كان سيعاقبها مرة أخرى لكنها كانت أفطن و ابتعدت عنه تضحك على هذا الحال .

" أبي يكفي أنا فقط كنت صادقة ، لقد نعتني بالشاحبة "

اقتربت رفين منها تنظر لوجهها و بعقدة بين حاجبيها أردفت

" لست شاحبة بل بيضاء "

اعتلى الغرور وجه ميرال بعد أن وافقتها صديقتها الرأي ، و من جهة أخرى كان فيكتور يحرك رأسه بقلة حيلة فطفلته لن تتغير مهما كبرت .

- " أعرف ، أعرف "

- " اذهبي لتغيير لباسك المدرسي "

أمسكت  يد رفين و بخطوات رزينة نحو السلالم ، تأملت وجه ميرال و الذي رست عليه بسمة لم تخفيها منذ دخولها للمنزل و هنا أدركت أن بعض الأحداث قد فاتتها و لم تستطع أن تبقى ساكتة .

" لما أنت سعيدة هكذا ؟ "

فتحت باب الغرفة فدخلت رفين و لحقتها ، جلست ميرال على السرير و الغرور قد عاد لها مجددا .

" خمني "

ضيقت رفين عيناها تفكر و لكي توضح ميرال الأمور أكثر ، قامت بإرجاع بعض خصلاتها الهاربة لوراء أذنها لعلها تنتبه .

" لم يخطر في بالي أي شيء ، كل ما أعرفه أن الأمر متعلق بأدريان "

همهمة خافتة خرجت من ثغر ميرال بعد سماع جوابها ، في تلك اللحظة أثارت الأشياء اللامعة في شعرها انتباه رفين .

" هل اشتريت مشدات جديدة و لم تعرضيهم علي ؟ "

قهقهت ميرال و تسطحت على السرير تناظر السقف بملامح مسترخية ، ربتت على المكان الفارغ بجانبها و الذي تركته عمدا من أجل رفين التي امتثلت لرغبتها بسرعة .

" أخبريني هيا "

عانقتها رفين و أراحت رأسها على صدرها ، و علت ابتسامة زاهية شفتيها بينما تنظر لجانب وجه صديقتها .

" أدريان من  أهداني هذه "

أشارت ميرال لهدية أدريان فعلت الدهشة ملامح الأخرى غير قادرة على استوعاب كلامها ، فعلى حد علمها أدريان لا يهدي أحدا سواها و ابنة خالته .

"يا إلهي مالذي يحدث مع أخي المسكين ؟ "

بعد الصدمة التي سقطت على رأس رفين أغمضت عيناها تضحك على ما سمعته ، و بكل سرور راحت تحرك ساقيها في الهواء .

"رفين لما يفعل هذا ؟ "

رفعت رفين رأسها بعد أن سمعت سؤال ميرال ، فلم تجد في وجهها سوى التساؤلات ، و بسرحان أكملت ميرال البوح بتحقيقاتها .

" قبل أن يساعدني ذاك اليوم أتذكر أنه لم يكن ينظر لي أبدا ، حتى عندما كنت أجده تحت شجرة البلوط لم يكن يخفي تعابيره المنزعجة "

رمشت رفين ببطء تفكر في كلامها مليا و في ماضي أدريان الذي لا تعرف الكثير عنه كل ما تتذكره هو نظراته الباردة و مشاجراته الكثيرة مع والده رغم أنه كان مجرد طفل .

" أتتذكرين أني الطفل الوحيد الذي كان في القصر ؟ "

هزت ميرال رأسها بعد أن حاولت إرجاع نفسها لسنوات مرت

- " كان في العاشرة عندما أتى صحيح ؟ "

- " و عندما و لدت لم يبقى سوى عامين معنا ثم رحل مع خالته "

لم تجد ميرال أي تفسير فقد كان سؤالها عن تغير معاملة أدريان معها لكن رفين تتحدث الآن عن طفولته و مالذي تقصده بخالته ؟

كانت ستسألها لكن أدريان سبق و أن وعدها بأن يخبرها عن تلك الأمور .

- " لماذا تقولين هذا الآن ؟ "

- " الجميع يراه شخصا مغرورا و باردا ، هو ليس لطيفا و يتعامل مع الجميع بسطحية ، حتى أنه يتعمد إظهار انزعاجه من الآخرين  "

أخذت رفين نفسا عميقا لتكمل كلامها براحة ، بينما ميرال قدمت يدها لجلب تشارلي تعانقه بعد أن لاحظته و هو يجلس وحيدا .

" يفضل البقاء وحيدا لديه صديق وحيد و هو تايلر ، نادرا ما يبتسم أو يطيل الكلام مع أحد منا ، لا يعبر عن مشاعره أبدا منذ أن رأيته لم يسبق و أن عبر عن حبه لي سوى مرة واحدة فقط ، هو شخص هادئ لكنه عندما يغضب يحطم أي شيء أمامه "

نظرت رفين لها بعد أن شردت قليلا فوجدتها مشغولة في استشعار نعومة تشارلي بوجهها .

" بالمختصر أدريان ليس لطيفا سوى معي و مع تايلر و بيلا "

مررت يدها على أحد المشدات فناظرتها ميرال باستغراب

" و جانبه اللطيف أصبحت أنت الشخص الرابع الذي يراه "

فتحت ميرال فمها بدهشة ، فقهقهت رفين على ذلك و هي تستقيم من ذاك السرير .

" هل كتبت الرسالة ؟ "

تسطحت ميرال في كامل مساحة السرير تصدر أصواتا مسترخية بعد أن شعرت بالنعاس الذي يصعب عليها فتح عيناها .

" إنها على المكتب "

اتجهت رفين للمكتب و في نفس اللحظة التقطت عدستيها ظرف مزين بالملصقات الحمراء ، فيبدو أنها لن تتوقف عن شراء الملصقات و تزيين الرسائل التي ترسلها لأدريان و خاصة عندما قال أنه يريد المزيد منها رغم سخافتها .

- ' أتملكين عطرا ؟ "

- " بالتأكيد ، لكن لماذا ؟ "

رمت تشارلي بعيدا و نهضت تراقب ماذا تفعل رفين بعد أن رسمت على وجهها ابتسامة ماكرة جعلت الأمور تبدو مريبة .

" بالصدفة حكت لي مربيتي عن مغامراتها هي و زوجها ، قالت أنها كانت ترسل له رسائل معبئة بعطرها لكي يحبها أكثر"

رفعت ميرال حاجبيها بعدم فهم و يدها تكفلت بحك رأسها فعقلها لا علم له بهذه الأشياء .

" في الحقيقة هي كانت ترسل له ثيابها الداخلية لكن الأمر بدا لي مبالغا فيه لذلك نصحتني بالعطر "

قالت رفين كلامها بكل بساطة لكن ميرال لم تستطع التخطي و بقيت متجمدة تعيد كلامها مرارا و تكرارا ، و بعد دقائق شعرت بالحرارة تصعد لوجهها و تنتشر في وجنتيها .

" أعطني العطر بسرعة "

ناولتها زجاجة العطر التي كانت باللون الأزرق الفاتح ، رشت رفين القليل منه في معصمها تشمه و بسخرية نطقت .

" إنه عطر أطفال "

رفعت ميرال ذقنها بانزعاج و أشاحت بوجهها للجانب الآخر رافضة النظر لها .

" أتظنينني في الثلاثين و أستعمل عطر أطفال ؟ "

بابتسامة متوترة من تقلبات ميرال ضربت كتفها بلطف تتظاهر أنها كانت تمزح معها و لم تكن تسخر منها .

" أنا فقط كنت أمزح ، لا تتصرفي هكذا "

لا زالت ميرال على حالها غير موافقة على التحدث معها ، و لجعل الأمور أقل توترا قبلت خدها تتحدث بدلال .

" توقفي ، أنا آسفة ابتسمي لأرى "

أمالت  رفين رأسها تنتظر رؤية ابتسامة ميرال و لم يمضي الكثير إذ بها تراها و بل تسمع نبرتها المرحة أيضا .

" لننتظر قليلا سأشتري عطرا للسيدات لنرشه "

لم تسمع رفين كلامها و راحت ترش من العطر في كل أنحاء الظرف .

" هذا يفي بالغرض "

و بكل استسلام لم تقل ميرال شيء ،  تركت رفين تقوم بكل ما تريد حتى لو ينتهي بها المطاف بتلقي سخرية أدريان ، فلن تهتم بذلك المهم هو رفين و سعادتها ، فلن تستطيع إيقافها بينما تراها سعيدة بما تفعله .

" إن فشلت كل خططي سنستعين بلباسك الداخلي "

بدأت ميرال في تأمل أظافرها متظاهرة أنها لم تسمع حديث رفين عن لباسها الداخلي فمن سابع المستحيلات أن تعطيه له .

ماذا يحدث بحق الإله كل ما كانت تريده هو أن تصبح صديقة مقربة له لكن أنظروا الآن لرفين تريد إرسال لباسها الداخلي على أمل وقوعه في شباك صديقتها .

" سأذهب لشراء بعض الحاجيات و هكذا سأعطيها للعم سيباستيان "

بعد كلمات رفين القليلة خرجت من الغرفة و من المنزل كاملا بعد محادثة خفيفة مع السيد فيكتور .

ميرال غيرت ملابس المدرسة و نزلت لعند والدها بعد أن أبعدت من رأسها فكرة البقاء وحدها ، فكلما انفردت بنفسها تشعر بالاختناق ، طاقتها تنتهي و رغبتها في العيش تتقلص مجددا .

لا شيء يمكن أن يجعل البشر تعساء سوى أنفسهم

" حبيبي يا بابا ، أنا أحبك "

تقول هذه الكلمات على شكل أغنية تطرب أذن والدها الموسيقية .

أحيانا نلتقي بأشخاص يشبهون ميرال دائما ما يخفون عتمتهم ، لا أحد يرى جانبهم المظلم و عوضا عن ذلك يظهرون الجانب المشرق منهم ، هؤلاء الأشخاص يحتاجون حضنا لكنهم لم يطلبوه و لو مرة .

جلست بجانبه على الأريكة مبتسمة مثله ، تريه أنها على ما يرام ، لا تريد شيء سوى البقاء معه ، تريه كم هي سعيدة بالحياة برفقته ، فكل حزن قد يشتاح صدر والدها فسيزلزل كيانها ، فتتضاعف كآبتها أضعافا مضاعفة .

" أنت حياتي ، أنا و أنت سنحلق بعيدا ...بعيدا "

أراحت رأسها على فخديه فتقدم بيده يلعب بشعرها ، رفعت عيناها له تناظر الشخص الوحيد الذي تخلى عن كل حياته من أجلها .

" أأنت جائعة ؟ "

قوست شفتيها تهمهم له بحزن زائف ، و في المقابل انحنى برأسه يقبل جبينها .

" كم مرة أخبرتك ألا تتمشي حافية القدمين فالأرضية باردة ؟" 

ناظرت قدميها تشعر بالدفئ لكنها متأكدة إن لمستهما ستجدهما باردتين كالثلج .

- " لن أعيدها "

- " من أين لك هذه المشدات ؟ "

تأملهم للحظات بينما ميرال عدلت طريقة جلوسها و بكل غطرسة أردفت .

" إنها هدية "

عقد حاجبيه باستغراب من هذا الذي تجرأ و أعطى طفلته الصغيرة هدية ؟

" من أهداك هذه الأشياء ؟ "

اقتربت منه أكثر و تحديدا بالقرب من أذنه تهمس له فقط كي تغيظه عندما لمحت الغيظ في نبرته .

- " المنشود "

- " لا تبدو جيدة عليك "

- " لحظة أليس عليك أن تكون في العمل الآن ؟ "

بعد وضوح غضب أبيها يجب تغيير الموضوع و جعله ينسى ، و ميرال بعد كل هذه السنوات تعلمت كيف تفعلها .

ليس معروفا بعد هل هي بارعة في تغيير المواضيع أو فيكتور هو من بدأ ينسى سريعا ؟

" أخذت عطلة لشراء ما نحتاجه في المنزل "

أومأت بعد أن أتاها الجواب المناسب ، و بعد ثواني أردف بلطف و عيناه على تلك المشدات الوضيعة .

" الليلة سنقيم حفل مبيت "

و كلامه هذا كان بمثابة جرعة من السعادة حقنت في وريدها لدرجة جعلها تقهقه بهستيرية

" حقا سنقيم حفلة مبيت ؟ "

رمش ببطء كإجابة ، ربما حفلات المبيت و أشياء شبيهة لهذه من تخصص الفتايات ، لكن بما أن طفلته كانت وحيدة فكان من الضروري أن يُعرف فيكتور نفسه لها كأم و أب ، صديقة و صديق ، أخت و أخ ...

كاذب ذاك الذي قال أن الأب لن يستطيع تحمل مسؤولية أبنائه وحده دون عون ، فميرال عاشت مع والدها دون أي عائلة أخرى ، كان لها كل شيء ، علمها كل شيء ابتداء من الكلمات و أما النهاية فلن يأتي وقتها بعد ، لا زال يعلمها كيف تتعلم من أخطائها ، ألا تفقد الأمل ...

و حده من شهد على الليالي التي عانت فيها من الحمى ، يتذكر كيف تقع أرضا و تنهض مسرعة له و تبكي فقط عند الوصول لحضنه ، كل شيء محفور في قلبه أول كلمة نطقتها ، أول خطوة ، أول سن فقدته ، كيف تكبر أمامه و لا زالت لم تستغني عنه ، كيف في أعوامها الأولى التي غابت عنها أمها تنادي باسمها لعلها تأتي فتنام على كتفها .

لا يهم ما الذي يعيشه المرء من صعاب عندما ينظر لأطفاله يلعبون أمامه يختفي كل ألم لم يجد دواء له ، و كأن ضحكات أطفاله كانت الترياق لجراحه .

بعد ساعات كانت ميرال جالسة تحت الشجرة  بفستان أخضر ، تشارلي في حجرها ممسكة به ، خصلات شعرها مسدولة تأخذها نسمات الهواء لحيث يشاء ، ببسمة ملونة تكاد تصبح مهتزة نظرا لإعيائها ، بوضعية ثابتة تنظر للأمام . 

رفين أمامها بين يديها دفتر كبير و قلم رصاص ترسم لوحة سيكون حدثها الرئيسي ميرال .

- " رفين أنا أشعر بالجوع "

- " لا تتحركي سأفشل في رسمك عندها "

و بتنهيدة ثقيلة ميرال استقبلت الأمر ، و حافظت على وضعيتها رغم تعبها فمنذ ساعة تقريبا و هي على حالها هذا .

" أوشكت على الانتهاء ، تحملي قليلا بعد "

أغمضت رفين عينا واحدة و تركت الأخرى مفتوحة ، و بتركيز تنقل تفاصيل ميرال لتلك الورقة . بعد ربع ساعة تقريبا انتهت و أخيرا من الرسم و نادتها لإلقاء نظرة على رسمتها .

في البداية كانت ميرال مبتسمة بوسع من شدة حماسها لكن عند النظر للرسمة تلاشت ابتسامتها ، تنظران للرسمة بصمت غريب ، قهقهة متوترة أصدرتها رفين .

- ينقصها فقط بعض الظلال

- حتى تشارلي لم ترسميه ما هذا الكائن الغريب ؟

أشارت للدب الذي تحمله . حسنا هو في الاسم دب أما شكله فبعيد كل البعد عن الدببة بل عن جميع الحيوانات ، قوست رفين حاجبيها بحزن .

- عيب عليك أنت الآن تدمرين معنوياتي

- لم أقل شيء أنت تجيدين الرسم لكن رسم الكائنات الغريبة فقط

ضحكة عالية أصدرتها ميرال عند رؤية تعابير رفين المتهجمة و كمحاولة لإصلاح الأمور ، أردفت بفكرتها .

" ربما لو صغرنا الأنف ستبدو أقرب إلي "

أخذت رفين ممحاة تمسح أنف الرسمة ، و أعادت رسمه ، تمعنت ميرال جيدا في الرسمة و أردفت بالفكرة الثانية

" العين اليسرى أصغر من اللازم "

و أيضا بكل انسيابية أعادت رفين رسم العين اليسرى لكن لا زالت الرسمة تبدو مريبة بل هي الآن أصبحت مرعبة ، و تحت تحديقهم تكلم شخص بصوت عال .

" من هذه المسكينة التي ترسمونها ؟ "

انتفض جسد ميرال بفزع على عكس رفين ، ناظرته بهدوء و ميرال باحتدام فهي لم يعجبها أبدا لذلك لم تنبس بشيء و أشاحت بوجهها جانبا تحت نظراته المستهزئة .

- " لقد حاولت رسم ميرال لكن النتيجة كانت كارثية "

- لا بأس إنها أول محاولة

بينما تايلر يحاول رفع معنويات رفين المنخفضة في الرسم ، لمحت ميرال بطلها يقترب منهم ، و بما الأخرين مشغولين في معاينة الرسمة ، لم ينتبه له أحد سواها ، و بدوره كان ينظر لها ، اخفض عيناه للأسفل فقطب حاجبيه و هو يبصر تشارلي بين يديها ، ابتسم عندما تحكمت بيد دبدوبها و لوحت له بها .

" مالذي تفعلينه الآن ؟ "

بنبرة لطيفة خاطبها و لم يلقى جوابا سوى ابتسامة ، و كوضع حد لظرافتها رفع يده يقرص وجنتها الممتلئة .

-"  لما شعرك مسدول ؟ "

- " رفين كانت ترسمني و طلبت مني ذلك "

- " أدريان تعال و أنظر "

خاطبه تايلر فتقدم لعند رفين ينظر للدفتر ، و بدورها ميرال نظرت لما ينظرون له .

" بعيدا عن باقي الأخطاء ألا تعتقدون أن ميرال سمينة في الواقع مقارنة بالرسمة ؟ "

كان هذا تايلر الذي تكلم ، تهجمت ملامح المعنية فمهما حاولت تجاهله هو لا يتوقف عن السخرية منها .

" و ما علاقتك إن كنت سمينة أو لا ؟ "

أخرج لسانه لإغضابها أكثر فقد نعتها بالسمينة ، حركت جسدها لتلقينه درسا لن ينساه لكن و كالعادة كان أدريان الحاجز بينهما 

تجاهليه

لم ينل ما قاله إعجابها و خاصة عندما لمحت تايلر كيف يبتسم بانتصار .

" حاليا لنركز على إصلاح رسمتك "

أعادوا تركيزهم للرسمة و عقل ميرال عاد للعمل ساعات إضافية مجددا ، سألت نفسها لما قال هذا ؟

فسمعت صوتها الداخلي يقول "لأن تايلر صديقه بالتأكيد سيفضله عليك"

لم تجد تفسيرا آخر لذلك ففي النهاية هي ليست شخصا مهما بالنسبة له .

كان أدريان يعلم رفين كيف تصحح أخطاءها في الرسم ، أما ميرال فكانت تعابير الاستياء واضحة عليها .

- " أدريان قبل قليل كانت الرسمة تشبهها ، لكنك الآن تجعلها أجمل من الحقيقة بكثير "

-"  تايلر توقف عن هذا ، ميرال أجمل فتاة رأيتها في حياتي "

كانت هذه رفين التي دافعت عنها و من وجهها يبدو أنها ضاقت به ذرعا ، لكن ميرال لا زالت تنتظر شخصا آخر ليعطي رأيه بها لكنه اتخذ الصمت صديقا له و أكمل تعديل الرسمة بقلم الرصاص .

تغيرت ملامح تايلر الساخرة لأخرى نوعا ما مستغربة فهو فعل كل هذا لمضايقة ميرال و جعلها تعود لشخصيتها الوقحة التي نعتته بالغبي قبلا ، لكنه الآن يراها كيف تناظر الصفحة بجمود .

" حسنا ، حسنا أنا أمزح فقط ، فبالتأكيد ميرال جميلة جدا "

أمال رأسه ينظر لميرال لكنها لم تصدر أي ردة فعل ، عوضا عن ذلك كان أدريان هو من وجه عيناه الحادة باتجاهه فلم يجد تايلر ما يفعله سوى تقديم ابتسامة متشنجة له .

" لنذهب  "

أومأ له تايلر و توجه أدريان لخد أخته يقبله فيراها كيف تبتسم بسعادة من فعله ذاك .

بيده مسح على شعر ميرال التي تغير مزاجها في دقائق فقط ، و كفعل لم تتوقعه منه اقترب يهمس لها بالقرب من أذنها .

" سأنتقم منه من أجلك ، فقط ابتسمي "

لم تفهم ما قصده بالضبط لكنها في آخر المطاف ابتسمت له و لم يبتعد إلا عندما لمح طيف بسمتها .

ابتعدا عن الفتاتان قليلا ، و تحت أنظارهما تعثر تايلر بقدم أدريان و وقع أرضا حتى وجهه قد لطخ بالقليل من التراب و لحسن حظه كان جافا .

" حقا ؟ "

تذمر تايلر و هو يبصر أدريان بعدم رضى و خاصة عندما تركه واقعا في أرضه بل يتشمت به بتعابير مليئة بالاستهزاء ، في هذه اللحظة سيداتي و سادتي انقلب السحر على الساحر

" لما فعلت هذا بالضبط من أجل نعتها بالسمينة أم لأني قلت عنها جميلة ؟ "

و بالقرب منهما و حيث الفتاتان كلتاهما تقهقهان على ما حل بتايلر .

و الآن قد مات صوت ميرال الداخلي غلا بعد أن فعل أدريان عكس ما قاله ، ظهرت ابتسامة سعيدة في وجهها و من جهة أردفت رفين بما جعلها أكثر إشراقا .

" لقد فعل ذلك عمدا أرأيت ؟ "

أومأت لها و هي تراقب الشاب الذي مهما كانت توقعاتها عنه مأكدة يأتي و يفعل ما ليس في الحسبان ، و عقل ميرال الذي يفكر في حدوث كل الاحتمالات لم يفكر قط بأن أدريان سيفعل هذا من أجلها .

نهض تايلر يرتب ثيابه و يبعد الغبار عنها ، و بغضب يناظر صديقه الذي خانه و فعل به هذا من أجل أحد مضايقاته التي لا تعد و لا تحصى .

" فقط أجبني ، كي لا أعيدها مرة أخرى "

مشي أدريان بضع خطوات فلحقه الآخر و هو يعرج بينما يشعر بألم في ركبته ، و بابتسامة جانبية ضارة أجابه .

- " أحقا لا تعرف ؟ "

شاركه تايلر بنفس الابتسامة

- " إن لم أعرف فهذا يعني أنني لست صديقك المقرب "

***********

و على بعد عدة أقدام كانت رفين و ميرال تتبعان أدريان و تايلر بعد أن تملكتهما الريبة و لهذا قررتا اللحاق بهما و تتبع أثرهما .

فعادة ما يرتدي أدريان ثيابا مرتبة أو بمعنى آخر ثياب الشاب الثري ، لكن الآن تبدو ملابسه غريبة ، قميص أبيض بأكمام قصيرة و سترة سوداء جلدية معلقة على كتفيه ، و أخيرا سروال جينز و محفظة ظهر .

تخفيان أجسادهما في أي شيء يفي بالغرض ، تراقبنهما خوفا من فقدان أثرهما

" رفين أليس التجسس على الأخرين عيب ؟ "

سألت ميرال بشك ، فأمسكت رفين يدها تجرها خلفها ، و كل انتباهها استخدمته لتجسس على أخيها و صديقه .

" لا ، إنه أمر عادي إن كان الشخص مقربا لك "

أومأت لها ميرال بعد أن استطاعت إقناعها بهذه الكلمات التي وجدتها منطقية .

- " لكن إلى أين سيتجهان الآن ؟ "

- " صه ، لقد توقفا  "

رفين تراقب بكل ذمة و ضمير ، و أما ميرال خائفة فربما يراها أدريان فيغضب فإن كانت مكانه و وجدت شخصا يتبعها كانت ستنزعج من ذلك .

باستفسار واضح على تقاسيم رفين تفوهت 

" هذا غريب ، أنظري "

بالقرب من ساحة كبيرة مليئة بالناس ، تعرف بالمكان الذي يمتلئ بالألحان و الآلات الموسيقية ، بالأغاني و الكلمات المختلفة .

و في مكان كهذا كان أدريان يغطي نصف وجهه بقناع كما يفعل تايلر و بعد دقائق و قف شاب آخر أمامهما و بنفس الملابس و القناع ، الفرق بينه و بين الأخرين هو حقيبة غيتار  يحملها على ظهره  ، و أخرى يحملها بيده ناولها فيما بعد  لأدريان .

" مالذي يفعلونه بالضبط ؟ "

في وسط تلك الساحة اجتمع حشد من الناس عندما وقف الثلاثي هناك ، ينتظرون منهم فعل ما يجيدونه ، و كل هذا و رفين تنظر بدهشة

مالذي يفعله أخاها في مكان كهذا ؟  و الأسوأ أن بجعبته غيتارا

" اتبعيني بهدوء "

تبعت ميرال أقدام رفين  ،وقفتا بالقرب منهم ، مختبئتين بأجساد البالغين الضخمة ، و الذين يراقبون بصمت على أمل تسلل الموسيقى المعتادة من هذا الثلاثي  لأذانهم .

" ظننت أنهم لن يأتوا كالبارحة "

نطق أحد من ذاك الحشد لصديقه ، فركزت ميرال و رفين على محادثتهما لعلهما تعرفان بعض المعلومات .

- " لم يسبق و أن رأيت في هذه الساحة أشخاص موهوبون مثلهم "

- " أنظر حولك لعدد الفتايات "

و بعد هذه المحادثة شعر ذاك الرجل بشخص ينقر على كتفه ما إن التفت حتى نطقت رفين بسؤالها .

" منذ متى و هؤلاء يقدمون عروضهم هنا ؟ "

حك الرجل رأسه كمساعدة في التذكر لكن صديقه كان أسرع منه .

" منذ سنة تقريبا أتينا أنا و صديقي لهذا المكان و قد كانوا يعزفون هنا "

صدمة وقعت على رأس رفين ، أما الأخرى فكانت مشغولة بتأمل أدريان و هو يجهز الغيتار الذي بحوزته .

- " هل تعرفون أسماءهم أو أي شيء عنهم ؟ "

- " لا لم يسبق و أن عرفوا عن أنفسهم حتى أنهم لا يملكون اسما لفرقتهم ، لكن معجبيهم يلقبونهم بفرقة الأزرق الرمادي "

قطبت رفين أحد حاجبها بتعجب من هذا الاسم و كانت ستسأل عن معناه لكن صدع صوت أحد الشبان في المكان ، الفتاتان تعرفان أنه تايلر لكن من حولهم لا يعرفون ذلك .

" مرحبا يا رفاق ، آسفون على الغياب الطويل "

بنبرة مرحة أردف فبدأ الجمهور بإلقاء الكلمات عليهم لكن و لا واحدة مفهومة من كثرة الأصوات .

تهجمت ملامح ميرال عندما صمت الجميع فاستغلت أحد الفتايات الفرصة لتتحدث و من حظها فقد سمعها كل من هناك و بمن في ذلك أدريان .

" لقد انتظرناكم كثيرا أيها الوسيمون "

و بكل خجل أخفض تايلر رأسه ، فظهرت على ميرال ملامح التقزز من كان يظن أن ذلك الغبي يخجل بهذه الطريقة ؟

" واحد ، اثنان ، ثلاثة "

وصدع صوت الموسيقى في الأرجاء ، و قد كانت الصدمة من نصيب رفين التي لم تصدق ما تراه ، أما ميرال فكانت مصدومة من عزف أدريان و صوت تايلر الذي بدأ بالغناء بصوت أجش .

تمسك أصابعه الريشة فيلعب بأوتار ذاك الغيتار و يتحكم به و كأنه معتاد عليه  ، أجساد حولهم تتمايل بعشوائية ، أحدهم يرقص وحده ، الآخر مع حبيبته ، و آخر مع صديقته ، شخص منهم يغمض عيناه فيشعر بتلك الأغنية بقلبه ، و منهم من يرددوا معم كلمات الأغنية ، كل شخص منا و طريقته في سماع الموسيقى .

تفتح رفين عيناها على وسعهما غير قادرة على التصديق ، ربما الأمر عادي لكن إن عرف والدها فماذا سيفعل بأخيها الوحيد ، صدمتها كانت بسبب الأفكار التي راودتها عن كونه بجلب المشاكل لنفسه و هكذا سيتصاعف حزنه .

لا تعرف أن الحزن نفسه هو ما سيشعر به إن حرم من شيء يريده  .

و تلك العاشقة الولهانة تتأمل أدريان رغم أنها لم تتمكن من رؤية ابتسامته لكنها تعرف جيدا أنه سعيد ، فأعينه لأول مرة تحمل لمعة رغم أنها باهتة لكنها استطاعت لمحها ، هنا تأكدت أن الغيتار يجعل أدريان يشعر بتحسن .

التفت رفين لصديقتها فوجدتها شاردة و الأكثر من ذلك أنها بابتسامة بلهاء تصفق بيديها كما يفعل الأخرون ، و في هذه اللحظة غصبا عنها وجدت رفين نفسها تضحك عليها و على تعابيرها هذه .

" ميرال لنرحل فقد يلحظوننا "

و رغم تذمر ميرال و محاولة إقناع رفين بالبقاء إلا أنهما الآن عائدتان للمنزل ، و تركتا تلك الساحة بعد أن صنعوا ذكرى في أركانها .

" إنه يجيد العزف صحيح ؟ "

رفين من سألت و تنتظر الآن رأي الأخرى في ما قدمه أدريان و أصدقاؤه

-" أجل حتى تايلر يجيد الغناء "

- " ماذا سنفعل الآن ؟ "

نظرت ميرال للسماء تفكر في الجواب المناسب لهذا السؤال و يبدو أنها لم تطلب الكثير من الوقت لذلك .

-"  لن نخبر أحد لنبقي الأمر سرا "

- " موافقة ، فهو الحل الأنسب "

لبعض من الدقائق تأملت ميرال حذائها ، و فجأة أصبحت بعض الأسئلة تجتاح رأسها .

- " أستخبرين أمك ؟ "

- بالتأكيد لا ، إن قلت لها أن أدريان يعزف على الغيتار فستخبر أبي , عندها ستقع كارثة "

اقشعر جسد رفين عندما تخيلت ما سيحصل

" أشيء كهذا ممنوع ؟ "

رتبت رفين شعرها و ملابسها عندما لمحت القصر فعليها دائما أن تبقى بحلة جيدة كابنة لأشهر العائلات في البلد .

- " أجل فقبل عدة سنوات لم يوافق أبي على السماح لأدريان بالعزف في المدرسة ، حتى أنه كسر الغيتار المفضل عنده "

- " لماذا ؟ "

أطلقت تنهيدة مثقلة-مهمومة و ابتسامة واهنة رست على شفتيها.

" أدريان هو الوريث الوحيد لعائلتنا لذلك والديٌ يريدان منه أن يكون مثاليا "

لم ينل هذا الكلام إعجاب ميرال ، فأي والدين يمنعان ابنهما من ممارسة الهواية التي يحبها لكنها أبقت هذا التعليق لنفسها و أنصتت لما تقوله رفين .

" ذكي ، سريع البديهة ، داهية ، واثق من نفسه ،حازم ، صارم ، وجه جامد ، جريء ،  ثياب غامقة ، جسد قوي ، مشية مستقيمة ، نظرة باردة ، رجل ذو هيبة ، تفكير منطقي ،
  قليل الكلام ، التحكم في لغة الجسد ، ترك العاطفة جانبا ، السعي لإزدهار اسم مايرون ...

هذا ما كان يريد أبي أن يعلمه لأدريان أما الهوايات فكانت بالنسبة له مجرد عائق يمنعه من إنشاء رجل بهذه المواصفات"

عند التفكير في الأمر فأغلب هذه المواصفات يتصف بها أدريان ، لذاك استطاعت ميرال استنتاج أن شخصيته هذه ليست سوى  طباعا علمت له و ليس هو من اختار أن يكون شخصا كهذا .

لنلتقي في فصل آخر 3>

Continue Reading

You'll Also Like

4.1M 261K 100
What will happen when an innocent girl gets trapped in the clutches of a devil mafia? This is the story of Rishabh and Anokhi. Anokhi's life is as...
815K 68.9K 35
"Excuse me!! How dare you to talk to me like this?? Do you know who I am?" He roared at Vanika in loud voice pointing his index finger towards her. "...
88.7K 2K 12
"You can't be my mate! you're a nerd and poor! I can't have you as my Luna!" alpha Forrest King yells at me. before he can say anything further I run...
191M 4.5M 100
[COMPLETE][EDITING] Ace Hernandez, the Mafia King, known as the Devil. Sofia Diaz, known as an angel. The two are arranged to be married, forced by...