ڤولبير | Volber

Per soul_p01

202 16 5

" الماضي مرآةٌ لحاضرنا و مُستقبلنا، ويا أسفاه أن ذلك رغم أنوفنا ! " البشر يعيشون في غفلةٍ عن عالم خِفِّيٍّ مُ... Més

اللمحة
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع

الفصل الأول

61 4 2
Per soul_p01

حدَّقتُ نحو النجوم التي زيَّنت السماء في تألقٍ بهيّ، واحدةً تِلو الأخرى تزهو في جَمال، ثم ارتفعت يدي في عادةٍ طفولية، نحو القمر البارز وكأني أتمسك به، ثم قبضّتُها بخفة، أخفيه من ناظري.

أجمل ما تتميز به سماء الريف، هو توضُّحها بإتقان، يقل التلوث الضوئي، و لا تكتسح الضوضاء الصاخبة المكان، فقط أنا والسماء الجميلة.. مع بعض الطيور المغرِّدة في الخلفية.

أخفضت بصري قليلًا، أوجهه نحو الغابة التي لاحت من قريب، لا تبعد الكثير عن المنزل، فقط ثلاثة أرباع كيلومترٍ واحدٍ ربما، ترتفع أشجارها الكثيفة، والظلام في دواخلها واضح، حيث المجهول.

سرعان ما طرأ أمرٌ في عقلي جعلني أرفع رأسي مجددًا نحو القمر في إستيعاب، كنَّا في نهايات الصَيف، الحادي عشر من سبتمبر، يوم اقتران القمر مع كوكب المُشترى.

كان نقطةً بارزةّ نوعًا ما مقابل القمر، واضحٌ لكن ليس جيَّدًا بالنسبة للعين البشرية، ستكون رؤيته افضل بواسطة تليسكوب.

نسمةٌ شبه باردةٍ مرَّت جعلتني أغلق عيناي بإستمتاع، مجرد تفاصيل هادئة وبسيطة، لكن لها القدرة في جعلي أشعر وكأني وسط السحب.

تنهدت بخفة، عندما شعرت بالشيء السميك في جيبي، تلمسته ببطئ، والذكريات بدأت باللعب في رأسي، توقظ حواسي، وتجعل من عدة مشاعر تتحرك راقصةً في قلبي، وعقلي يبث أفكاره السوداوية المعتادة.

أخرجت الظرف الناعم، والمُغطَّي بطبقةٍ بلاستيكية تمنعه من التَلفْ، تحفظه جيّدًا.

وحدقت بهدوءٍ نحو الكلمات التي قبعت على السطح الأصفر البالي، أطرافها متشققةٌ نوعًا، إلَّا أن الكلمات واضحةٌ بالكامل، حبرٌ أسود ثقيل وأثره زاحفٌ في زاوية الورقة، حيث كانت تسقط بقع حبرٍ من القلم أثناء كتابتها.

راح عقلي يقرأها في صمتٍ مطبق، النسمات الباردة تروح وتجيء، الطيور تغرد بإعتيادية.

عزيزي السيد رامون؛

ورجاءً لا تؤاخذني على الرسمية الباردة، فقد إرتأيت أنها أفضل ما قد يوضع في رسالةٍ مماثلة، حيث سأكون الطرف الأكثر سوءًا بالنسبة لكم.

ما هو شعوركَ من فِعلتي؟ هل أنتَ غاضب؟ أجزمُ أنَّك الآن تلعنني كل ثانية، لا بأس، لستُ أسفة، لأنه؛ قرار رحيلي، تزييف خبر موتي، كل ما فعلته، كان لمصلحتكم أنتم، هذا هو الأفضل لكم وإن أنكرتم ذلك.

لا أعلم إن بدت مشاعري مبهمةً في طريقتي، لكن أنتَ تُدركها جيّدًا، إنها ميزة الرسائل الورقية، خط اليد، التعرج الطفيف أو الواضح، البقع الطرية والرقيقة على سطح الورقة، ثم الحروف التي تبدو مبهمة المشاعر من الوهلة الأولى.

انها تفاصيل صغيرة تفضح كاتب الرسالة، الحالة الشعورية التي كانت تراوده، الأفكار المعينة التي كانت تكتسح رأسه، ورجفة يده مع كل ذكرياتٍ تتداخل مع حروفه بالخطأ، الرسائل الورقية هي الأفضل والأقرب إلى قلبي، وأنتَ تعلم ذلك كراحة يدك.

كُنَّا ثلاثتنا - أنا و التوأم - بالرغم من الإختلاف الواضح في شخصيّاتنا، إلا أننا امتلكنا هذه النقطة المشتركة، واقعين في حب الكلمات والورق البالي والقديم.

أصابتهم العدوى منِّي، وصِرنا ننزوي في أحد أركان المكتبة العريقة خاصتك، ونجمع الرسائل القديمة من كل كتابٍ متشقق الغلاف، نبحث عن أكثر الكتب قُبحًا وجمعنا كل ما يدل عن محادثةٍ ورقية، نحلل كلماتها وشعور الكاتب وقتها، نتخيل أنفسنا الروح التى تركت أثرًا مع كل حرفٍ يُكتب، نستخلص الشعور الناتج من كل جملة.

كانت لحظاتً جميلة في أيام قبيحة.

أدركتَ الآن سبب بقائي الدائم في تِلكَ المكتبة؟ انها مكانٌ جميلٌ للغاية، ولم أكن أريد إفساد وقتي بالخروج منها، الأشخاص بالخارج كانوا وحوشًا ضارية، مختبئةً خلف الأقنعة المتبسمة في حبور، كانوا مقرفين.

يبدو أنِّي ثرثرت بشكلٍ مبالغ به، دعكَ من كُل ذلك.. لديّ العديد من التساؤلات، وأعلم أنِّي لن أحصد إجاباتها إلَّا بنفسي.

لمَ دائمًا هناك مشاكل بين الليكان و المستذئبين؟ ما سبب المشكلة الناتجة منذ قرنين؟ لمَ وضعوا ستار الغموض على السبب؟

والأهم.. كيف تعايشت أمي مع كل ذلك في بيئة مستذئبين؟ هل كانت تتلقي ذات الكره الذى أتلقَّاه؟ و كيف تقبلوا من الأساس كون رفيقة الألفا من الليكانز؟ كيف كان ذلك؟
لا أعلم شيئًا، كنتُ دائمًا كارهةً للتاريخ الذي يملؤن به عقولنا في الصِغر، كان هراءً بحت.

اذا يا أبي العزيز.. هل تعلم عن كل ذلك؟ المثير للسخرية أنِّي لن أعلم الإجابة، فتزامنًا مع وضعي هذه الرسالة ورحيلي، لن تعلموا عن موقعي حرفًا واحدًا، سأكون حرفيًا الميتة في عقول الجميع.

التوأم؛ سيؤلمهما رحيلي، كما أشعر الآن، ربما سيكنَّان الكره العميق نحوي، لا بأس، سواءً أدركَا الحقيقة أم لا، لا بأس.

ا-ه بالمناسبة، لا أحد يعلم عن بقائي حيَّةً غيركم أنتم الثلاثة، وإن حدث وعلمتُ أن شخصًا آخر قد علمْ؛ ستكون العواقب وخيمة، وأنا لا أمزح بشأن ذلكْ.

والآن، لا شيء آخر لدي.

انه الوداع من طفلتكَ البرتقالية يا أبي، إلى أجلٍ غير معلوم.

اوه أجل، سرقت بعض النقود من مكتبكَ للطوارئ.

_أنجلينا.

رمشت، لا أدري لما مازلتُ أحتفظ بالنسخة التي تركتها، والشيء الأكبر من كل ذلك، لمَ هدأ عقلي وقلبي تمامًا الآن؟ وكأن الأمر أن الكلمات أطفأت الشعلة المتَّقدة فيهما، هذا غريبٌ نوعًا ما.

مرَّت ست أعوامٍ ثقيلةٍ منذ تِلك اللحظة، حيث وضعت الرسالة في الدرج، ونظرتُ من حولي نظرةً أخيرة، قبل أن أرحل دون الإلتفات مرَّةً أخرى.

سبعة أعوام، بدأت ببحثي عن فرصة عمل ودخولي الجامعة، حدوث كارثةٍ ما كادت تغرقني في بحيرة مصائب، ونتيجتها المستذئبة التى تشجعت وتقدمت لمصافحتي، حسنًا كانت لطيفةً تمامًا لتدركَ أن لا علاقة لي بالهراء السخيف بين الصِنفين، ' الليكانز والمستذئبين. '

لم تخلو الأيام البعيدة عنهم من لوم نفسي كل دقيقة، ان ما فعلته صحيح.. اذا لمَ الندم ؟!

أكره ذلك، عندما نتّخذ القرارات العقلانية، وفي حينٍ آخر تتملكنا العاطفة ونحن ننظر للنتائج المعقولة، لم نرغب بفِعل ذلك، لكنه الأفضل للجميع، هذا مؤلم.

زفرتُ نفسًا عميقًا، حتى قاطع جلستي الهادئة صوت نداء أريان العالي لي، " أنجلينا الحقيرة، انزلي من مكانكِ حالاً، ظننتكِ صعدتي لتفقد السطح..؟! ويبدو أنه انتهى بكِ الأمر متحولةً لنجمةٍ ضائعةٍ في السماء ! " حسنًا حسنًا.. أي مصيبةٍ أوقعت بها نفسي الآن؟ أهذه هي المستذئبة اللطيفة التي ذكرتها منذ دقائق؟ إنها بعيدةٌ كل البعد عن اللطافة !

تنهدت مجيبةً إيَّاها بينما أعتدل بخفة، " الخيار الأخير ربَّما؟ ثم لا تصرخي والناس نيام، أريان. " بعثرتُ شعري متذمرة، نحن فالريف، الناس تنام مبكرا ولن يظل أحدٌ مستيقظًا للعاشرة مساءًا !

" انزلي حالًا، لن تحبي تذوق بعضٍ من غضبي حتَّى. " استمعت اليها تصر على أسنانها بغيظ، ما بالها الآن؟ قلبت عيناي، كنت سأنزل على أية حال، " قادمة ! " قلتُ بمسايرةٍ أهز رأسي، فليمر الأمر بسلامٍ رجاءً.

" انه فقط لعينٌ باردٌ لا يجيد استعمال خلايا عقله ! انها اجازةٌ غبيةٌ لمجرد اسبوع ! لمَ اذا أرسل لي أن أعود في الغد ؟ تبًّا له ولليوم الذي قررتُ فيه العمل عنده..! بحق الإله..! " كانت تصرخ بشكلٍ مكتوم، تحرك يديها في كل مكان بينما تشتمه بأفظع الألفاظ كل ثانية، انه مديرها المسكين، الشخص الذي يثير اللعنة بداخلها دائمًا.

" لم أفهم من المظلوم بالضبط.. " تمتمت اتثاءب بخفة، أشعر بالنعاس يحكم الخِناق على وعي ببطئ، ثم جسدي يصبح ثقيلًا لأرتخي في جلستي أكثر، كُنت مستيقظةً منذ فجر اليوم على ما أتذكر..؟

" هل هذا سؤالٌ حتى ! " رمت يديها في الهواء بعدم تصديق، وأنا نظرت نحوها لوهلة أرمش، مع تذكري ان آلوس ليكاني مختفيةٌ منذ قدومنا لهذا الريف، زفرت.

" لا تُعطي هذا التعبير، من المُفترض أني الغاضبة هنا. " تذمرت أريان بخفوت، ترمي بجسدها على الأريكة الفردية تُدَّلك جبينها، حسنًا، كلتانا تمتلكُ أثقالاً تُرهق كاهلنا.

" أريان، أنتِ تعملين في شركةٍ ضخمة، والأدهى أنكِ سكرتيرة مديرها، من الطبيعي أن يكون الجهد مضاعفًا. " ابتسمت نحوها ضاحكةً عندما سقطت تعابيرها في فراغ، " أشكو لكِ حتى تخففي عني وتقولين هذا لي؟ أكرهكِ ! " تذمرت عاقدةً يديها لصدرها بغيظ، ثم تنظر نحوي ترفع طرف شفتها بغيظ، قلبت عيناي بملل.

" انها الحقيقة المؤسفة صغيرتي، والآن هناك مشكلة.. آلوس اللعينة مختفية. " كان دوري في التذمر وأنا أبعثر شعري في ضيق، لا أشعر أن كل شيءٍ سيكون بخيرٍ عندما لا تتواجد، انها بطريقةٍ ما تبث الطمأنينة بوجودها.

" منذ متى هذا ؟ ظننت أنها متواجدةٌ طيلة الوقت ! " عقدت أريان حاجبيها في تساؤلٍ مستغرب، وقد اختفى غضبها المتصاعد من مُديرها ذاك، حقيقة أن آلوس ليكاني تختفي فجأة و دون سبب، ومن غير أن تعطى اشارة، هذا فقط مريب، والمزعج أن بعض خواصي اختفت مع اختفاءها، لا شيء يبدو بخيرٍ مُطلقًا.

" منذ قدومنا لهذا الريف، أي قبل يومين، لا إشارة، لا كلمة واحدة، ولا اثبات على وجودها حتى. " تنهدت أخفض رأسي قليلًا، وخصلةٌ برتقالية وقعت أمام عيني لأحدق نحوها في تفكير، لم أشعر بأي غرابةٍ في أجواء هذا الريف، لا تتواجد عوامل قد تؤثر عليها، ولا أستشعر هالة خارقٍ ما هنا، جميعهم بشر ! إذًا ماذا !

" ربما شيءٌ ما، هالةٌ ما تؤثر عليها؟ " طرحت أريان الفكرة التي نفيتها، بنبرةٍ مشككة ومرتابة، نظرت نحوها عاقدة حاجباي، " لا أريان، لا أستشعر أي هالةٍ هنا، واثقةٌ أن جميعهم بشر ! "

" لا أيتها الحمقاء، قصدت أنه شخصٌ قد يستطيع اخفاء هالته، لكن تأثيرها هو ذاته. " قلبت عينيها بنفاذ صبرٍ منِّي تقول، وأنا حدقت نحوها لدقيقةٍ أفكر، هذا ليس منطقيًا أيضًا ! " تعلمين أنّ لا كائن يستطيع اخفاء وجوده عنِّي ! " أصدَرَتْ ' اوه ' تستوعب، فاغرةً فاهها، او من الممكن..؟

" أو ربما هو شخصٌ يمكنه اخفاء هالته عنِّي..؟ أعني، شخصٌ يكون هذا الشيء جزءًا من قوته، شيء أقوى من قدرتي على كشف من يخفي هالته، فهمتِ قصدي؟ " حركت يداي أشرح، في حين كانت أريان تنظر نحوي بتركيز، يدها اسفل ذقنها تفكر، " المشكلة أنه لا خارق يقدر على فِعل ذلك، تمتلكين هذه الموهبة من الصِغر، ولا أظن أن أحدهم قادر على فِعلها، الا اذا.. " قلبت عيناي، " تجعليني أشعر أن هذا مميز حدَّ اللعنة يان، لم أفهم حتى الآن لما امتلك موهبةً كهذه، المهم.. " هززت رأسي في يأس، لا يُجدر بي التفكير حتى.

" كلامكِ هذا ينطبق على ما ذُكر في الأسطورة، وتعلمين.. هي ليست حقيقة ! " اذا كيف؟

" تعلمين..؟ كنت أفكر كثيرًا، ما الفائدة من الأسطورة اذا كانت غير حقيقة؟ أعني.. هل تواجدت من فراغ وحسب؟ لا أظن أن شيئًا كهذا أتي من عقلٍ ملول. " أريان قلبت عينيها تزفر، ثم رفعت شعرها عن جبينها تقول في استهزاء، " عزيزتي أنج، اتفقنا أنهم ليسوا حقيقةً والأمر واضح ! لا دليل على وجودهم حتى ! "

" ربما بالغتُ في التفكير، معكِ حق. " همست اخفض بصري بخفة، أجل.. لستُ شخصًا قد يؤمن بوجود شيءٍ دون تواجد دليلٍ على ذلك، لستُ على سجيتي.

" لكن أتعلمين؟ انها اسطورةٌ رائعة حقًا.. " همهمت استمع لأريان التى قالت بإنبهارٍ نوعًا ما، أجل.. مجرد التفكير في أنهم قد يكونون حقيقة؟ هذا فقط رائع !

" الأجنحة الذهبية والأعين المماثلة، الذي اخترع هذه الأسطورة خياله بحرٌ واسع بالفعل ! " ابتسمت ساخرةً في حين ضحكت أريان، وفجأةً ضربني الإستيعاب حول شيءٍ ما، ان قلنا انه بالفعل شخصٌ ما يستطيع اخفاء هالته دون أن أدري.. هل هو نتيجة من نتائج تِلكَ التجارب؟ ابتلعت ريقي من الفِكرة، أتمني أن أكون مخطئة، من كل قلبي.

" ما بالكِ تبدين كمن شاهد روحه تخرج من جسده ؟ " قالت أريان بحاجبٍ مرفوع، لكنِّي هززت رأسي بفتور، " لا شيء، فقط فكرةٌ سخيفة. " أجل هي غير حقيقة.

أريان نظرت نحوي بتشكك، تعلم جيدًا أن هناك ما اخفيه، وظلت على هذا الحال لدقيقة، قبل أن تتنهد في هدوء، " على أية حال، نسيتُ اخباركِ أن العشاء جاهز. " ثم نهضت متوجهة للمطبخ، لأنهض أنا الأخرى أشعر بمعدتي تلتهم نفسها، نسيت أنِّي كنت جائعة، القلق السخيف.

جلست على أول كرسي قابلني أمام المائدة، ثم سحبت طبق الأرز بالحليب، أتناوله بتلذذ، أريان جلست مقابلي تكتف يديها، نظرت نحوها مع حاجبين معقودين، " لن تأكلي؟ " تساءلت، هي فالعادة تكون جائعةً في وقتٍ كهذا، ما بالها؟

وجدتها تحرك يدها على ذراعها وكأنها تدفئها، عسليتاها تسبحان في الفراغ دون وجهة، أظنني بدأت أقلق، هي لا تكون بهذه الحالة إلا عِند الخوف من شيءٍ ما، وعندما كدت أتساءل، هي نطقت من نفسها بهدوء.

" في الحقيقة.. أريد اخباركِ بشيءٍ ما. " قالت بنبرةٍ مشتتة نوعا ما، وكأنها غير واثقةٍ من الحديث، إلا أني حثثتها على الإكمال بهمهةٍ منتظره، " انه بشأن أليكسيـ_مديري. " صححت ليزداد انعقاد حاجباي، لما ستبدي ردة فِعلٍ خائفةً من شيءٍ متعلقٍ به؟ هي تقريبا تشتمه وحسب كل مرةٍ تذكره ! تناولت بعض الأرز بينما انتظرها تُكمل.

" اكتشفت أنه شيطان. " سقطت تعابيري في فراغ، ثم قلبت عيناي مستهزأة، " أنتِ لا تنكفين تصفينه بذلكَ كل مرة. " ظننتُ الأمر جِديًّا لوهلة !

أريان حدقت نحوي وكأني انسانٌ بلا عقل، " أنتِ حمقاء بجدية.. " هزت رأسها بيأس، وبدا أنها على وشك البكاء، " انه من صِنف الشياطين أيتها البلهاء ! "

تقريبًا أنا نسيت كيفية المضغ، الطعام علق في فمي، بينما أحدق دون أن أرمش، أحاول استيعاب ما قالته لتوها، هو شيطان؟ شيطانٌ فِعليٌ حقيقي؟

عندما استوعبت أن الأمر حقيقة، اختنقت بطعامي، حرفيًا الطعام توقف في حلقي، بحق الإله.. !

" لا أرجوكِ ! لا تقولي شيئًا أحمق لأنِّي لن أقدر ! " صرخت نحوي ترفع يدها وتوقفني عن الحديث، بنبرةٍ باكية متذمرة، وأعين توشك على البكاء فِعليًا، في الحقيقة لم أكن لأقدر على الحديث من الأساس !

أعني.. هو شيطان؟ بجدية؟ وفي عالم البشر؟ ليس في عالم الخوارق؟ أتفهم فكرة أننا كـكائنات خارقة ونتواجد في عالم البشر، لسنا خطرين حقًّا ! لكن أن يتواجد شيطان؟ بروحه كاملاً؟ يا رجل انهم كائناتٌ مرعبة !

" دقيقة، دقيقةٌ واحدة.. ما الذي يفعله بحق الإله عِند البشر ! " همست بعدم استيعاب، أرمش، ثم أريان تنهدت تخلل يدها في شعرها الأشقر القصير، "ربما سببٌ مشابهٌ لما نمتلكه؟" نظرت نحوي نظرةً ذات معني لأبتلع كلماتي، ثم زفرت أضع يدي على جبيني، لمَ لمْ أفكر أن الجميع يرون الليكانز متوحشين أيضًا؟ هززت رأسي.

" ما الذي حدثَ بالضبط؟ كيف اكتشفتِ ذلك؟لا.. السؤال هو كيف لم تكتشفيه من المرة الأولى؟ " تساءلت بإرتياب، أرتشف من الماء البارد عله يخفف من حدة الموقف علىّ.

" نحن لا نعلم الكثير عنهم آن، وعلى ما يبدو.. كان يخفي شيطانه دائمًا، وقد كان يعلم عن كوني مستذئبة. " صمتت قليلًا، ثم نظرت نحو كوب الشاي خاصتها التى لم ترتشف منه بعد، وتنهدت ترتشف منه قليلًا، في حين استرسلت متحدثةً ببطئ.

" كان يومًا إعتياديًا تمامًا، ذهبت لمكتبه لأعطيه الوثائق التي طلبها مسبقًا، وما إن فتحت باب مكتبه حتى تدافعت هالة شيطانه الشرسة، وكردة فعلٍ غريبةٍ مني دخلت مسرعةً أغلق الباب حتى لا تتسرب للخارج، لا أعلم لمَ شعرتُ بالخطر بشأن ذلك، ثم عند النظر له.. كانت في حالةٍ كارثية، مبعثرٌ تمامًا وكأنه غير قادرٍ على التحكم في شيطانه، مخالبه الطويلة وأعينه التى كانت حمراء دموية، أنيابه وكل شيءٍ كان مرعبًا، أتذكر ذلك جيدًا.. ڤاليث بداخلي انكمشت على نفسها من الهالة القوية، لم أكن قادرة على التحكم بقواي وأحسست بضعفٍ غريب، وكأنه كانت له السلطة علي. " بللتْ شفتيها تنظر في كل مكان بتشتت، ثم أكملت تحتضن نفسها أكثر.

" أعترف، هالته جعلتني أخضع قليلًا، لم أكن أعلم أن الشياطين لها كل هذه السيطرة والقوة، وإلى الآن لم أفهم سبب عدم سيطرته على شيطانه، كان على وشك إيذائي عندما لاحظني، لكنه تحكم بنفسه في النهاية، لم أستوعب ما حدث حتى، لكنه فقط طلب مني أن أبقي الأمر سرًّا. " لا أعلم ماذا أفعل بالضبط، أن أخاف عليها؟؛ لأنه واضحٌ تمامًا أنها في خطر معه، أم أن أتساءل عن السبب الذي يجعله غير متحكمٍ بشيطانه؟ أم عن وجوده في عالم البشر؟ لا أدري.

" لا تبدين بخير. " همست ببعض القلق لتنظر نحوي مسرعةً تنفي، " لا أبدًا ! أنا فقط غير مستوعبةٍ لذلك ! " نفيت برأسي أنظف حلقي، " أحتاج للتأكد منه، أنا خائفةٌ عليكِ لأن الفكرة وحدها مقلقة، أن يكون غير متحكمٍ في شيطانه، هذا فقط سيء. " همست أدلك جبيني، وبعض الومضات القديمة لمعت في عقلي تجعلني أقشعر قليلًا، غريبٌ أن الحاضر يرسم الماضي في أحداثه، كرهتُ ذلكْ.

" لا داعي لذلك أنج ! أنتِ فقط تقلقين أكثر من اللازم ! " نظرت نحوها بحاجبٍ مرفوع، هل تمزح معي؟ الوضع بأكمله خطيرٌ للغاية ! أي خيرٍ سيأتي مع شيطان؟

" لا أحتاج لمزاحكِ الثقيل يان، شئتِ أم آبيتِ سآتي لتفقده، سأخبركِ بالوقت المناسب لاحقًا، لكن الآن.. " نظرت نحوي مترقبةً كلماتي عندما تحدثت بجدية، " اليوم كان ثقيلًا، والكثير حدث وعقلي لم يعد يتحمل، لذا سأنام، تصبحين على خير. " عدت اتثاءب من جديد بينما اغطي فمي، أريان سقطت تعابيرها تناظرني ببرود، " لا أمل منكِ. " هززتُ رأسي مبتسمة، انها الحقيقة.

" ذكريني مجددًا.. لما نحن لسنا في المدينة الآن؟ " تمتمت بنبرةٍ منزعجةٍ لأقصي حدّ، أدلك صدغي الذي يؤلمني، وأهسهس من أشعة الشمس القادمة من النافذة، تزعج عيناي النصف مغمضة، هناك شيءٌ ما يثير الغضب فيَّا اليوم.

" أعيد وأكرر يا ذاكرة السمكة، السيدة تيسيانا تدعونا لجلسة شاي صغيرةٍ قبل الذهاب، ثم ما بال مزاج مصاصي الدماء في نهار اليوم هذا ؟! " رمت نحوي وسادةً توبخني في غيظ لأخفض بصري حينما آلمني رأسي لرفعه، تبًّا لتشابه الأسماء الحقير ذلك، وللصداع الأحمق الذي يبدو رأسي مَجلسًا جميلًا له، اللعنة عليهم جميعًا، وعلى آلوس الحقيرة أيضًا !

" لا تشتمي في داخلكِ يا ذات العقل الأحمق ! " رمت نحوي وسادةً أخرى بينما تهرب للمطبخ لأزمجر نحوها بقوة، مع أعين متوهجة نوعًا ما، لا أستطيت التحكم بهذا المزاج الثائر، فقط كوب قهوة.. رجاءًا !

" أعدّي بعض القهوة رجاءًا، رأسي يطالب بالرحمة ! " أعتصرت عيناي، هذا الرأس الأحمق لم يتوقف عن التفكير طول الليل، ألم أكن نعسة؟ هل هذه مزحةٌ ما ثقيلة ؟

زفرت أعيد ترتيب شعري الذي بعثرته، يُعجبني أنه قصيرٌ وغير مزعج، شيءٌ جميلٌ في هذا الصباح أخيرًا.

علقت عيناي بساعة الحائط أستمع لصوت الملعقة ترتطم بالشيء المعدني، هي على الأغلب تعد القهوة بالفعل، بسبب رائحتها المُرَّة التي التقطها أنفي، تنتشر في الجو.

" لم تقولي لي.. من هي تيسيانا؟ " تساءلت أرمش بخفة، مع عقلٍ استرخى قليلًا بسبب الرائحة، هذا حرفيًا ادمانٌ حقيق، أريان فالناحية الأخري أجابت، بنبرةٍ بدا عليها التركيز، " جدّةٌ لطيفةٌ يقع منزلها قرب الغابة، تحدثت معها قليلًا في احدي المحلات، وصادقتنا منذ ذلك اليوم، وهي مصرَّةٌ على دعوتنا لجلسة شاي قبل الذهاب. " همهمت، مازال التشابه في الأسماء يؤرق عقلي.

" لا تنزعجي، انها حقًّا لطيفة. " تمتمت تأتي مع كوبين قهوة، وضعت واحدًا أمامي والآخر أخذته لتجلس مقابلًا لي، لوحت بيدي في برود، " راودني بعض الفضول، لذا لا بأس من الجلوس معها قليلًا. " ابتسمت أريان بإطمئنان، ثم قالت بما استفز كل خليةٍ في جسدي، " كنتُ سأجبركِ على الذهاب على أية حال. "

ابتسمت في وسعٍ هذه المرة، لكنَّها كانت ابتسامة قاتلٍ حصل على تضحيةٍ جيدةٍ بعد انقطاعٍ طويل، " عزيزتي يان.. لم نتقاتل منذ وقتٍ طويل ! " ادَّعيتُ التساؤل ليشحب وجهها ببطئ، ابتسمت برضًا على ذلك، " لا تفكري في التهرب من ذلكَ حتى، فقط عندما نعود. " هدّدت بوضوح، أهز سبّابتي أحدق نحوها بإبتسامة باردة.

" هل يُجيد الأسف؟ " نفيت بكل لطفٍ امتلكته على كلماتها المتورطة، استمعت اليها تشتم بينما ارتشف من كوب القهوة الذي لسع لساني بسبب سخونته، حسنًا هذا ليس شيئًا جديدًا !

إنها المزحات الثقيلة، تتوالى في الوقوع على رأسي واحدةً تِلو الأخرى، تجعلني أندب حظي على الدوام لمدى ثِقلها.

قبل قليلٍ كنت أجلس متذمرةً من الصداع والألم الذي يكتسح رأسي، بينما أرتشف من القهوة على أمل أن تنقذني من عذاب هذا الصداع، فقط.. والآن؟

كنت أنظر بتمهلٍ نحو العيون الزرقاء الباهتة، التي حدقت نحوي بالمقابل، الشعر الأبيض المعتاد مرفوعٌ في كعكةٍ منظمة فوق رأسها، والنظَّارات القديمة على جسر أنفها، التجعيدات الخفيفة في أنحاء وجهها، ثم الإبتسامة الصغيرة المرحبة.

علمتُ جيِّدًا أن أحداث اليوم مصرَّةٌ على الإزدياد غرابة.

عندما انتهت كلتانا من شرب القهوة، تحسن عقلي وصار أفضل قليلًا، ثم ذهبنا لمنزل الجدة.

وها نحن ذا..

لم يكن مجرد تشابه أسماءٍ بالفعل، لقد كانت هي نفسها الجدَّة تيس من الطفولة.

Continua llegint

You'll Also Like

16.5K 247 8
You would think when your supposed dead mother would return home things would be great right? Wrong! This is a story about a girl who's future and ve...
444K 24.5K 166
Featured at Wattpad's Editor Picks list. Luna, an overworked Engineer, had an unfortunate end. Her spirit, feeling wronged, fights Death for a second...
32.9K 1.8K 22
Kim Taehyung Diala Robinson [الفصول الاولى قيد التعديل] #1 مستذئبين S:18JUNE2021 E:_________
660K 23.8K 200
[FIXED/FAN TRANSLATION] A student who was preparing for the Civil Service examination for 4th year suddenly found himself in an unfamiliar body 3 yea...