Cockpit | Tk

By vatimvk

99.3K 7.7K 7.7K

قمرة القيادة cockpit أنا جيون جونغكوك و هدفي هو الوصولُ لقمرة القيادة.. " لم أكن أعلم أنَّ صعودي للسماء قد يج... More

+Cockpit+intro+
+Cockpit+1+
+Cockpit+2+
+Cockpit+3+
+Cockpit+4+
+Cockpit+5+
+Cockpit+6+
+Cockpit+7+
+Cockpit+8+
+Cockpit+9+
+Cockpit+10+
+Cockpit+11+
+Cockpit+12+
+Cockpit+13+
+Cockpit+14+
+Cockpit+15+
+Cockpit+16+
+Cockpit+About Persona+
+Cockpit+17+
+Cockpit+18+
+Cockpit+19+

+Cockpit+20+

5.4K 414 387
By vatimvk

إنَّ الطريقةَ التي يجرفُ بها ماءُ البحرِ ما يرتكزُ بينَ اليابسةِ و بينهُ هي ذاتها الطريقةُ التي يجرفُ بها جونغكوك تايهيونغ إليه ، تايهيونغ يقعُ ما بينَ أمرينِ أحلاهما مر ، واقفٌ في فيصلهما ، جونغكوك هوَ البحرُ الذي يمدُّ ماءهُ نحوَ تايهيونغ ، و من ثمِّ إذا أمنهُ الآخرُ جزرهُ إليهِ و سحبهُ نحوهُ بقوةٍ إلى عمقه، و إذا ما وصلَ عمقهُ فمن يجيرهُ من الهلاك؟!..

و على الصعيدِ الآخرِ تختلفُ رؤيةُ جونغكوك عن تايهيونغ ، كمبدإٍ أوليٍ يرى جونغكوك أنَّ حبَّ تايهيونغ لهُ شيءٌ لابدَّ منهُ فإما يحبهُ و إما فإنهُ لا يحتملُ فكرةَ أنْ يكونَ لرجلٍ آخرَ غيرهُ أو حتى لإمرأةٍ أخرى! ، رغمَ أنهُ قالَ لتايهيونغ أنهُ لنْ يجبرهُ على مبادلتهِ الحبَّ لكنهُ لم يكنْ صادقًا في الحقيقة ، و يعلمُ أنهُ مجنونٌ سيرغمهُ على الحبِّ لكنْ ليسَ هو بشكلٍ خصوصي، بلْ قلبهُ الجبارُ الطاغي ، سيعملُ جونغكوك على إخضاعهِ بكلِّ الطرقِ و أيِّ الطرق ، حتى و لو آذتهُ هو شخصيًا ، لربما يجنُّ لو سمحَ لذاتهِ حتى بالتفكيرِ أنَّ تايهيونغ من الممكنِ أنْ يكونَ مع غيره!..

لنْ يحتملَ رؤيةَ شخصٍ آخرَ يحتضنهُ أو يبادلهُ نظراتِ الحبِّ ، لنْ يحتملَ رؤيةَ تايهيونغ يُبصرُ شخصًا آخرَ و بسمةُ الولهِ و الولعِ مرسومةٌ على شفتيه! ، أنْ يلثمَ ثغرهُ بثغرٍ غيرَ خاصتهِ كفيلٌ بجعلهِ يحترقُ في أرضهِ غيرةً و ألمًا من حبه ، ندمًا و تأنيبًا في كيفَ لم يكنْ لهُ و لما ليسَ له ؟، بل سيشعلُ النارَ في أيِّ مخلوقٍ يتوددُ لتايهيونغ و يتحولُ لمجرمٍ من أجلهِ ، جونغكوك شخصٌ سيئٌ إذا أحبَّ شيئًا بصدقٍ و عنفوانٍ نابعٍ من قلبه..

الهوسُ في معجمِ جونغكوك يملكُ آلافَ المعاني الوحشية!..

لكنْ في ذاتِ الآن و لأنه تايهيونغ ، الشخصُ الذي يكنُّ لهُ جونغكوك هيامَ العالمينَ أجمع ، جونغكوك لربما يكتمُ غيظهُ من أجلِ أنْ يراهُ سعيدًا و يقتلُ نفسهُ إنْ علمَ أنهُ قد يكونُ سببًا في تعاسته، جونغكوك و رغمَ الهوسِ به إلا أنهُ مستعدٌ للتخلي عن إراحةِ نفسهِ في هذا الحبِّ و سيقومُ بالتضحية..

أو هكذا يظن..

كلاهما كانا في حالةٍ من الضياعِ و عدمِ الإستكنانِ بالنفس ، ذاكَ مستاءٌ من نفسهِ التي ما عادَ يفهمها ، و هذا ينهشهُ التفكيرُ في حلٍ يجعلُ من هذا الحبِّ ممكنًا!..

..

" جونغكوك ، أنتَ لا تمزحُ معنا صحيح؟ ، أنت مدركٌ لكلِّ ما قلتهُ لنا عن تايهيونغ ؟! "

أندرو كانَ في حالةٍ من الذهولِ و هوَ يستمعُ لكلِّ ما حدثَ بينَ صديقيهِ و هوَ لا يعلمُ عنه ، و شيلدون التي كانتْ بجانبهِ تحتضنُ وسادةَ الأريكةِ تشابهتْ معهُ في الإندهاش ، جونغكوك كانَ يتحدثُ عن تايهيونغ آخر ، ليسَ صديقهما الذانِ عرفاهُ لفترةٍ طويلةٍ من الزمنِ مقارنةً بجونغكوك..

كانوا ثلاثتهم بالصالةِ و جونغكوك مستلقي على الأريكةِ المقابلةِ لهما يحكي بهدوءٍ كلَّ الذي صارَ بينهُ و بينَ المضيفِ الوسيم، نبرتهُ دافئةٌ و صادقةٌ في سردهِ للأحداثِ بينهما ، و كأنهُ يعيشُ المواقفَ مع تايهيونغ مرةً أخرى في خياله ، يتحدثُ بكلِّ مشاعرهِ و يشرحُ لهما كيفَ كانتْ معَ كلِّ كلمةٍ أخرجها تايهيونغ ، كيفَ هاجتْ و هدأتْ فجأةً و من ثمَّ ثارتْ كرةً أخرى ؟ ، و كيفَ كانتْ تعابيرُ تايهيونغ آنذاكٍ في كلِّ موقف؟ ، و إلى أيِّ مدًى بدتْ تعابيرهُ جميلة ؟، و تفاعلهُ محبب ، شرحَ جلَّ ما في قلبهِ و جُلَّ ما يدورُ و ما دارَ في رأسه..

كانَ صعبًا أنْ لا يصدقا ، أندرو و شيلدونْ فقطْ لم يتوقعا من تايهيونغ كلَّ تلكَ الأمورِ في يومٍ و ليلة ، بدا لهمْ أنَّ كلَّ شيءٍ تبدَّلَ سريعًا رغمَ أنهُ لم يكن كذلك ، لمْ يعلما أنَّ تايهيونغ خلالَ الشهرانِ و ما يزيدُ كانَ يخسرُ كلَّ مقاوماتهِ ضدَّ جونغكوك ببطء ، و ذاكَ الفولاذُ الذي كانَ يحتاطُ قلبهُ قد ذابَ رويدًا رويدًا على غيرِ درايةٍ منه ، لم يكنْ سريعًا أنْ يتحولَ حالهما هكذا بلْ عندما تبدَّدَ الحرمانُ من حولِ خافقِ تايهيونغ و أقامَ ثورتهُ للحريةِ في اختيارِ شريكهِ و نصفهِ الآخر أخذهُ الإندفاعُ و أشعلتهُ الحماسة! ، أصابتهُ اللهفةُ التي تتسارعُ مع الوقتِ لأنهُ شعرَ أخيرًا بكونهِ حرًا و ها هوَ سيصلُ لمبتغاه..

الإفتقارُ للحقوقِ إذا ما ذهبَ ، حلَّ الجشعُ محلهُ و السيطرةُ للرغبةِ القويةِ من بعدِ الإملاق..

كفقيرٍ أرادَ المالَ طولَ العمر ، حتى إذا امتلكهُ صرفهُ بسرعةٍ في كلِّ ما أرادهُ دونَ تريثٍ أو تمهل..

تايهيونغ تقودهُ مشاعره، و مشاعرهُ تريدُ جونغكوك و بشدةٍ و تريدُ منهُ أفعالَ العشاق ، لذا تساندهُ في ردودِ الفعلِ و ترغمُ تايهيونغ عليهِ دونَ تراخٍ كذلكَ و دونَ أنْ تعطي تايهيونغ الفرصةَ لفهمِ ما آلتْ إليهِ الأمورُ بينهما..

تايهيونغ كما الآلةُ لقلبهِ و ليسَ العكس ، باتَ ذاكَ الضاخُ هوَ العقلُ الذي يدفعُ تايهيونغ للتصرفِ و اتخاذِ القرارات، عقلانِ في جسدهِ يُربكاهُ و يشعرانهِ بالتيه ، واحدٌ في جمجمتهِ و الآخرُ في صدره..

" أندرو..، سأكذبُ عليكَ إنْ أجبتكَ بنعم ، أنا مضطرب...، أنا خائفٌ بتعبيرٍ أصح..، لو أنَّ تايهيونغ قررَ منحيَ الفرصةَ حقًا..، فلماذا أخبرني أنهُ لا يستطيعُ ذلك في حينِ أنهُ..أصبحَ أكثرَ انفتاحًا معي؟..، لا أريدُ التفكيرَ بالأمرِ من منظورٍ سيءٍ لكـ.."

" جونغكوك! "

قاطعتهُ شيلدون و هيَ تستعدلُ في جلستها و تحملُ نظراتٍ من العتبِ في عينيها لجونغكوك..

" أنتَ اخترتَ أنْ تثابرَ في هذا الحبِّ إلى النهايةِ مهما كانتْ النتائج! ، قلتَ أنَّهُ أخبركَ بأنَّ هناكَ ما يمنعه! ، لا تعتقدْ أنَّهُ من السهلِ على تايهيونغ أنْ يحتملَ فكرةَ امتلاكهِ لمشاعرِ حبٍ لكَ فجأةً و هو كان يكرهُ الفكرةَ بحدِّ ذاتها! ، كانَ منذُ البدايةِ واضحًا معك لكنكَ كنتَ مصرًا على التعلقِ به! ، و الآنَ بعدما سيتعلقَ بكَ أنا سأقولها لكَ جملةً واحدة ، لربما ستتألمُ كثيرًا ، لكنكَ لنْ تكونَ وحيدًا بعدَ الآن ، لن أكونَ أندرو الذي سيدفعكَ ببساطةٍ نحوَ تايهيونغ دونَ أنْ أُطلعكَ على العواقب..، جونغكوك أنتَ بدأتَ هذا...، تايهيونغ سيتألمُ أكثرَ منكَ..، لكنهُ لن يعترفَ حتى تَخمدَ مقاوماته ، لقدْ قطعتَ شوطًا كبيرًا مع تايهيونغ لا تتتخلى عنهُ الآنَ في منتصفِ الطريقِ فقط لأنكَ بتَّ تعقلُ الحقيقةَ التي تجاهلتها دومًا! "

انفعلتْ شيلدونْ تحاولُ السيطرةَ على طبقةِ صوتها حتى لا تصلَ لمسامعِ المضيفِ الوسيمِ الذي يُغلقُ بابَ غرفتهِ على نفسهِ و يغوصُ بينَ وسائدِ السريرِ يبكي باختناق ، يرجفُ من تلكَ الأحاسيسِ التي تُصرُّ على هزيمةِ مبادئهِ و خِططه ، أُسسهِ التي وضعها و عزمَ على الخطوِ حذوها..

جونغكوك لم يُعجبهُ الكلامُ الذي تفوهتْ بهِ شيلدون ، شعرَ بأنها تطعنُ في حبهِ لتايهيونغ أو تشككُ بهِ ، و كأنها كانتْ تراهُ منذُ البدايةِ يلعبُ بهِ مثلًا و ليسَ صادقًا أو جادًا في حبه ، هي فهمتهُ بشكلٍ خاطئٍ و هوَ كذلكَ فعل..

" من قالَ أنني سأتركهُ بعدما أعطاني بصيصَ الأملِ في ما بيننا أخيرًا لأنْ يكبرَ و ينمو؟! ، أنْ أكونَ خائفًا عليهِ من حبي أمرٌ و أنْ أتمسكَ بحبهِ أمرٌ آخر! ، أنا أكثرُ شخصٍ سيكرهني إنْ تأذى بفعلي! ، أنا عاقدٌ عزميَ عليهِ أنْ يكونَ لي و كلي! ، لكنني هنا أعلمُ بأنَّ كليكما على علمٍ بسريرتهِ التي تحيلُ بيني و بينه! ، فإنْ كنتُ مخطأً في أفعاليَ تجاههُ أعلماني كي أهندمها! ، إن كانَ يتألمُ بفعلي و أضغطُ عليهِ بشكلٍ يؤذيهِ أخبراني كيْ أُعدُّ أكففَ الراحةِ لهُ و أطبطبَ على جراحهِ! ، أنا أنانيٌ بهِ لكنني لا أودُّ لهُ سوءًا يكونُ من نتاجِ غيري فكيفَ لو كانَ بنتاجي؟! ، أتوسلكما..أخبراني، ما الحاجزُ الذي بينهُ و بيني ، ما الذي لا يريدني معرفته ؟! "

صوتهُ لم يعدْ ثابتًا بلْ كانَ مرتجفًا بتعبيرٍ من الترجي ، كانَ كمن يوشكُ على البكاءِ لأنهُ سأمَ كثيرًا أنْ يكونَ المغفلَ الوحيدَ الذي لا يعلمُ شيئًا ، سأمَ عدمَ الثقةِ من تايهيونغ! ، يخافُ أنْ يثقَ بهِ لكن في وقتٍ يكونُ بهِ كلُّ الأوانِ قد فات..

" إنْ كانَ صاحبُ الشأنِ يرى الأمرَ عويصًا إلى هذهِ الدرجة..، فلماذا تدفعانني لهُ و لا تمنعانني مثله؟!..، إنْ كانَ يستحيلُ أنْ نكون في جملةٍ تجمعنا ، جونغكوك و تايهيونغ..، فلماذا لا تريانِ ذاتَ الشيئِ مثله؟! ،..هل تودا أذيتي؟ "

جونغكوك يسألُ و هوَ مصرٌّ على المُضيِّ قدمًِا مع تايهيونغ حتى و لو كانتْ الإجابهُ لسؤالهِ الأخيرِ هي نعم! ، لكنهُ فقطْ يودُّ الفهمَ و لو بمقدارٍ ضئيل ، يودُّ أنْ يكونَ بداخلِ الصورةِ كما الجميع ، هو هنا يريدُ أنْ يمحي الغرُبةَ و الغرابةَ بينهُ و بينَ تايهيونغ و يريدُ أنْ يكونَ لهُ بكلِّ القربِ و جميعِ الأقرباء ، لكنهُ لا يزالُ كأجنبيٍ لهُ لم يعرفهُ يومًا..

أندرو اكتفى بتوسيعِ عيناهُ و شيلدون صمتت بعجزٍ عن الإجابة ، أو بالأحرى لأنها لم تقصدْ جعلهُ يفكرُ بهذهِ الطريقة ، بل على العكسِ هي لا تريدُ لأيِّ الطرفانِ أنْ يتألما ، شيلدون تقصدُ التوجيهَ فقط ، أما أندرو و بعدَ مرورٍ دقيقةٍ من السكونِ قلَّبَ حديثَ جونغكوك بعقلهِ و تفهمَ أنهُ ليسَ مخطئًا في تساؤلاته، جونغكوك لهُ كلُّ الحقِّ أنْ يفكرَ بهذهِ الطريقة..

أخرجَ أندرو صوتًا متنهدًا و نظرَ إلى جونغكوك ذو العينانِ الحمراوتان..

" قطعًا لا نودُّ أذيتك..، نحنُ نعلمُ الحقيقةَ التي تخصُّ تايهيونغ نعم ، لكن صدقنا ليسَ بالشكلِ الكاملِ الذي تظن ، لم نعلمْ بسهولةٍ و لم يتحدثْ تايهيونغ عنها بالعمقِ الذي تتخيله..، و إنْ أخبرناك سنكسرُ ثقتهُ بنا..، و لربما حينها سينفرُ منكَ كذلكَ فقطْ لأنكَ تدخلتَ في خصوصياتهِ دون مرضاته ، و دونَ علمه ، لن تستفيدَ شيئًا إنْ علمتَ أمرهُ من غيره ، إما هوَ و إما فإنهُ لازالَ يُحصِّنُ ذاتهُ منك...، لكن ثقْ أنَّ كلَّ فعلٍ يصدرُ عنهُ فهوَ بسبب ، و أنَّ كلَّ صفةٍ يتسمكُ بها هي كذلكَ لسبب ، تايهيونغ يعيشُ حياتهُ بموازينٍ سواءَ ناسبتهُ أو لا..بالنهايةِ هو ليسَ مخيرًا.."

لم يكنْ أندرو يتلو حديثهُ سريعًا و لا ببطءٍ شديدٍ بل اتخذَ التأني في القول، يصمتُ ليوازي كلماتهِ مع بعضها بالشكلِ الصحيحِ كيْ يفهمهُ جونغكوك بالشكلِ الصحيح كذلك ، أندرو كانَ يعلمُ ما تفكرُ بهِ شيلدون و لماذا لا تحبُ تشجيعهُ المتواصلَ لجونغكوك دونَ مجابهتهِ بالنتيجةِ المؤذيةِ الممكنة ، و يعلمُ ما يدورُ في عقلِ جونغكوك و كيفَ يتخبطُ لسلاسةِ تايهيونغ التي يخافُ أنْ تكونَ هي فرصتهُ و يخسرها..

أندرو عليهِ أنْ يكونَ صريحًا لمرة ، عليهِ أنْ يرسلَ تلميحًا لصاحبِ العيونِ المتعبةِ و التي تترقبُ تكملةَ حديثه..

" جونغكوك ، تايهيونغ ليسَ بخيرٍ لأنَّهُ ليسَ حرًا ، إنقاذهُ من كلِّ ما يعانيهِ من بهوتٍ و انطفاءٍ لنْ يكونَ سوا بحبٍ صادقٍ رأيناهُ بك ، ربما هو ذاتهُ لا يستوعبُ الآنَ أنكَ على مقدرةٍ لحلِّ مشاكلهِ لأنهُ لا يودُّ توريطكَ أو توريطَ أيِّ شخصٍ في نتيجةٍ محسومةٍ كما يعتقد ، و محسومةٌ للطرفِ المضاد..، لم أكنْ لأدفعكَ لتايهيونغ لولا أنني أفهمُ كم هوَ يحتاجُ لشخصٍ يحبهُ مثلك ، أنا واثقٌ مما أقول ، أعرفُ تايهيونغ منذُ سنتانِ و نصف ، جونغكوك تايهيونغ لا يحتاجُ سوى لحبك ، تبقى فقطْ أْنْ يتقبلَ هوَ هذهِ الحقيقةَ و أنتَ ليسَ عليكَ سوى الإنتظار ، ما قلته لنا يعني تقدمًا كبيرًا في هذا الحب ، تايهيونغ ربما هو في هذا الحين في مرحلةِ القبول، هذا كلُّ ما باستطاعتيَ إخباركَ بهِ الآن "

سحبَ أندرو شهيقًا تلاهُ صوتُ تنهيداته ، أزال عيناهُ عن جونغكوك الذي شردَ بكلامهِ و هو ينظرُ لبقعةٍ ما من حوله ، لم تكنْ نبرةُ أندرو حادةً بل على العكس ، كانتْ مرتخيةً و مشجعةً و يضعُ بها كلَّ الأملِ يُرسلهُ إلى جونغكوك..

" أنا استغربتُ انفتاح تايهيونغ معك لأنَّهُ فقط اعتادَ أن يكونَ عنيدًا ، توقعتُ أن يستمر طويلًا بهذا ، لكنكَ محظوظ ، لن تنتظرهُ لنصفِ قرنٍ كما كنتُ أظن! "

هتفَ أندرو ممازحًا جونغكوك التي ذبلتْ ملامحهُ لوهلةٍ لكنهُ رفعَ رأسهُ بذهولٍ و عقدةٌ تشكلتْ بينَ حاجبيه..

" أنتَ ظننتَ هذا لكنني كنتُ متأكدًا أنني سأموتُ و سأوصي بنقشِ عبارةِ تايهيونغ أحبني أرجوك على قبري! "

و بعدها حلَّ الصمتُ لثوانٍ حتى انفجرَ الإثنانِ و معهما شيلدون بالضحكِ العالي..

كانَ الثلاثةُ يتشاركونَ في صفةٍ واحدة ، و هو عدمُ دوامِ الجدية..

مهما طالَ الحديثُ الجاد ، بالنهايةِ سيختمُ بصخبِ القهقهات..

جونغكوك من بعدِ هذا النقاشِ علمَ أنهُ لا يجبُ أنْ يتطلعَ لمعرفةِ أسبابِ تايهيونغ كأولويةٍ أو ضرورة ، بل سيصرفُ بصرهُ عنها ، سيركزُ فقط على استغلالِ تلكَ اللحظاتِ اللينةِ مع تايهيونغ ، و ذلكَ الاستسلام الذي يُظهرهُ تايهيونغ لهُ تلكَ الفترةِ من وقتِ حديثهم بالشرفة..

سيحرصُ بالتحديد على إيقاعهِ في حبهِ أكثر إن كانَ بالفعلِ قد وقع ، سيحصِّنُ هيامهُ بتايهيونغ بتايهيونغ نفسه ، لإنهُ مهما كانت و ستكونُ الأسباب ، مادام تايهيونغ يُحبهُ إلى درجةِ العجزِ عن التخلي عنه ، فهوَ بذاتهِ سيحاربُ أسبابه..

و سيعلنُ لجونغكوك إشاراتهُ الخضراء، و عندها سيتولى جونغكوك الباقي و الأصعب..

..

وسطَ أغطيةِ السريرِ و دفئِهِ كانَ تايهيونغ يتمرغُ بجسدهِ عليهِ كما لو أنَّهُ يتمرغُ في التراب ، يتجافى إلى جنبهِ الأيمنِ و الأيسرِ على مضض ، لا راحةً في يمينِهِ و لا سكينةً على يساره..

اختارهُ السهادُ هذهِ الأيام ، فلو رحمَ عيناهُ الدموعَ أرهقها هو..

و بالمقابلِ كانَ جونغكوك في غرفتهِ تتناطحُ الأفكارُ من فوقهِ كأطيافٍ تسبحُ في الظلامِ الذي يسودُ الغرفة ، كلاهما يخوضُ صراعَ المشاعرِ و تحدِّي الثبات ، لكنَّ المفهومَ للصمودِ يختلفُ عندَ كلٍ منهما..

فواحدٌ يعزمُ على تحمُّلِ هذا الحبِّ و إنْ باتَ لاعجًا يحرقُ الروح ، و آخرُ يقاومُهُ بكلِّ قواهُ التي أوتيها..، و لا يدري أنَّ ذاتهُ خذلتهُ تصيبهُ بالجوى و الغرام..

و قبلَ ساعاتٍ كانَ ما حدثَ بينهما في ذلكَ المطعمِ الراقي هوَ ما يشغلُ عقلهما في ذاتِ الآنِ لكنْ بجدرانٍ و أجسادٍ منفصلة..

جونغكوك تقلبَ على جانبهِ الأيمنِ يعيدُ المشهدَ و هوَ مغلقُ العينين ، و تايهيونغ تقلَّبَ إلى الجانبِ الأيسرِ يخيلُ الموقفَ ببالهِ بعدما خبأَ وجههُ أسفلَ غطاءه..

كانتْ البدايةُ عندما احتضنَ جونغكوك تايهيونغ إلى صدرهِ في دورةِ المياه..

حيثُ لحظاتُ الصمتِ هي التي سادتْ المكان ، و البرودةُ قدْ سرتْ في جسديهما معَ قشعريرةٍ أسفلَ العمودِ الفقري ، حتى انقلبتْ في غمضةٍ شهقاتُ تايهيونغ على سيادةِ الصمت ، و العديدُ من الأفكارِ انهالتْ كرصاصاتِ الرشاشِ لتخرقَ عقلَ كليهما ! ، لم يدري تايهيونغ سرَّ تمرُّدِ الدموعِ في عيناه ، أو بالأحرى لم يكنْ متأكدًا ، و جونغكوك احتارَ من بكاءِهِ و تألم ، أفعلَ شيئًا خاطئًا و ها هوَ حبيبهُ الآنَ يبكي بسببه؟!..

سألَ ذاتهُ بملامة..

جونغكوك كانَ يحتضنهُ بارتجافٍ و خوفٍ و تايهيونغ يبادلهُ ذاتَ الرجفةِ بفعلِ بكاءه ، جونغكوك كانَ متوترًا من إقدامهِ على هذا العناق ، قلقٌ من دفعِ تايهيونغ لهُ و جعلهِ ينفرُ منه ، لكنَّ المضيفَ الوسيمَ كانَ منهارًا و عيناهُ غائرة ، لم يحتملْ عدمَ سحبهِ لصدرهِ و إحاطتهِ بينَ ذراعاه ، لمْ يحتملْ أنْ يقفَ مكتوفَ الأيدي دونَ أنْ يواسيهِ بطبطباتِ كفيهِ و هشهشةِ فاههِ حتى يهدأ..

تايهيونغ شعرَ بشؤونِ الدنيا كلها تقفُ عندَ النقطةِ التي وجدَ نفسهُ بها بينَ ذراعيْ رجلٍ قويٍ يدركُ أشدَّ الإدراكِ أنهُ يحبهُ و يستنشقهُ كهواء ، ذاكَ الخفقانُ الذي يعاكسُ نبضهُ و يتلامسُ معهُ يصيبهُ بالجنونِ و النواح! ، أيسرُ صدرهِ ضدَّ أيسرِ صدرِ جونغكوك ! ، كلٌ من قلبيهما يطرقُ ضدَّ الآخرِ و يتسابقانِ بعنفٍ في صخبِ الدقة! ، يدا تايهيونغ المهملتانِ إلى جانبيهِ ابيضتا من تكويرهِ لهما ، و جسدهُ تخبَّطَ بشكلٍ ملحوظٍ لحواسِ جونغكوك الملتصقةِ به..

أنفُ جونغكوك كانَ يغوصُ عميقًا في شعرِ المضيفِ الوسيم ، عيناهُ كانتْ مقفلتانِ تعيشُ اللحظةَ و تزيدُ عليها ، تحظى بأحلامِ اليقظةِ و في حضنِ من يمتلكها محبوبها للنظر ، خيلَ لجونغكوك أنْ قبَّلَ تايهيونغ بعمقق من بعدِ هذا الحضنِ على الشفاه ، خيلَ لهُ أنْ صاحَ بهِ محبوبُ الفؤادِ أنْ خذني يا جونغكوك إليكَ و احتوي جميعَ حزني و آلامي ، هاكَ كلُّ مشاكلي خذها و تولها عني..

سرحَ عميقًا و نبضاتهُ زادتّ عنفًا و غطرسةً تدقُّ بقوةٍ قفصهُ الصدريَّ و كأنها تريدُ كسرَ عظامه..

" أحبني يا تايهيونغ و أرح حبَّكَ علي "

لسانُ جونغكوك تلا ما في قلبهِ على عجل ، و استخدمَ من كلماتِ ما غنى ما يواسي بهِ مضيفهُ الوسيم ، وجدها تتناسبُ مع موقفهما ، لكنهُ لمْ يعلمْ أنَّ تلكَ الكلماتِ ستجعلُ من تايهيونغ يشهقُ بقوةٍ ملحوظةٍ و يكتمُ أنفاسهُ بقسوةٍ على نفسه ، و هي هُنيهاتٌ فقطْ و تايهيونغ قد استعادَ وعيهُ و قسى على نفسهِ أكثرَ و أجبرَ ذاتهُ على الغضب..

تايهيونغ حملَ قبضتاهُ المهملتانِ إلى جانبهِ و فتحهما بسخطٍ و إكراهٍ يفكُّ يدا جونغكوك الملتفتانِ حولهُ و يدفعهُ بكلُّ ما أوتيَ من قوة!..

" ابتعد عني ! "

هتفَ مغمضُ العينينِ التي تريقُ الدموعُ بفيض ، لمْ يدركْ جونغكوك الخطأَ الذي ارتكبه كيْ ينفعلَ تايهيونغ بتلكَ الوحشية؟ ، لقدْ كانَ يميلُ عليهِ بجسدهِ و يستكين ، لما فجأةً و بعدَ مرورِ وقتٍ لا بأسَ بهِ يُنكرُ أنهُ استراحَ في عناقهما؟!..

كانَ جونغكوك يتوقعُ هذا على أيِّ حالٍ لكنهُ مازالَ لا يتداركُ تلكَ الحقيقة التي تظهرُ شخصيةَ تايهيونغ المتناقضة ، في البدايةِ ظنَّ أنهُ ذو قراراتٍ غاشمةٍ و حاسمة ، و هذا ما جعلهُ معظمَ الأحيانِ يجزمُ أنَّ الوصولُ إلى قلبهِ مستحيل ، لكنهُ و منذُ مدةٍ بدأَ يريهِ ذاكَ الجانبُ المترددُ الذي ينتهي بإعراضهِ و مكابرته..

لم يكنْ يدري جونغكوك أجيدٌ هذا أم سيء؟ ، و هذهِ العينانِ التي فتحها تايهيونغ لمواجهتهِ تشتتانه ، لما الماءُ يملأُ محجرهما؟َ! ، لما على تايهيونغ أنْ يكونُ صعبَ الفهمِ إلى تلكَ الدرجة ؟! ، لما جونغكوك كلما حاولَ الوصولَ لهُ كانَ تايهيونغ نفسهُ هوَ من يضيئُ الإشارةَ الحمراءَ في طريقه؟!..

" لا..يحقُ لكَ..لـ..لمسي! "

مجددًا يلذعُ بكلماتهِ لكنْ يتلكأُ هذهِ المرة، مجددًا يصرُّ على المكابرةِ و العناد..

و تلكَ السبابةُ التي رفعها مدعيًا القوةَ و هوَ يحذرُ جونغكوك كانتْ كسهمٍ مسمومٍ لا أكثرَ يخترقُ قلبه..

جونغكوك كانَ ينظرُ للمضيفِ الوسيمِ بنظرةِ متحسرة ، بنظرةٍ يأستْ من جفاءه ، الدعجاءتينِ آلمتا تايهيونغ كثيرًا ، بلْ هتكتْ بهِ عميقًا و جعلتهُ يعيدُ الصراخ بتسلط..

" لا تنظرُ لي بتلكَ النظرة! "

حشرَ تايهيونغ سبابتهُ بصدرِ جونغكوك ينكزه ، و هذا جعلَ من جونغكوك يوسعُ عيناهُ باندهاشٍ من ذبذبةِ تايهيونغ الذي يقولُ النهيَ و من ثمَّ يُنكرهُ بالفعل! ، ينهاهُ عن لمسهِ و بذاتِ الآنِ هو يفعلُ و يلمسه!..

عقدَ جونغكوك حاجبيهِ بعقلٍ فارغٍ و فورًا أدارَ وجههُ إلى المرآةِ التي تغطي جدارًا كاملًا من دورةِ المياهِ فوقَ أحواضِ الغسيل..

" ما بها نظرتي! "

لم يفهمْ النظرةَ التي رآها تايهيونغ في عيناهُ كيْ لا يريدها ، فأعادَ وجههُ للآخرِ الذي يتنفسُ بقوةٍ و يسحبُ هواءَ المكانِ كلهِ من شدةِ شهيقه..

" لا تنظر لي فحسب! ، انظر! ، انظر أنتَ تعيدُها ! ، لا تمثلْ بعيناكَ حبي! "

بدأَ تايهيونغ يُهسترُ بالبكاءِ و يتحدثُ كطفلٍ لأنَّ جونغكوك يؤثرُ عليهِ ، خيباتُ الأملِ التي تتمثلُ في دعجاءتيهِ تصيبانهِ بالتوترِ و تتحدانِ مبادئه ، لا لا بلْ كانتْ تستفزُّ قلبهُ الذي خانهُ و مالَ لجونغكوك..

جونغكوك فزعَ لدموعِ تايهيونغ التي زادتْ حدةً و أبتْ التوقف! ، حاجباهُ ارتفعا بذهولٍ و حيرةٍ من أمره..

" إنهما عينايَ أنا، لنْ تتحكمَ بهما ! ، إنْ لم يُعجبكَ لا تنظرْ لي ! ، ثمَّ أنا لا أمثلُ حبك! ، أنا أحبكَ حقًا! "

لمْ يقلْ جونغكوك هذا ليزيدَ من ضيقِ تايهيونغ ، بلْ لأنهُ علمَ مقصدَ تايهيونغ و أنَّ عيناهُ تضعفانهِ و تُخضعانهِ له ، و هوَ أرادَ منهُ أنْ يستمرَ بالنظرِ إليه ، لكنهُ لم يكنْ يدري أنَّ الآخر قدْ يُمسكُ بعلبةِ الصابونِ التي تستقرُ على رخامِ الحوضِ و يقذفها عليه..

" أنتَ توقف! "

صُدمَ جونغكوك متفاديًا العلبةَ على وشك!، و سريعًا أسدلَ جفنيهِ و وضعَ كلتا يداهُ على عيناهُ يخبئها من تايهيونغ الذي فقدَ عقلهُ ربما لأنهُ يتصرفُ بغرابةٍ و يبكي دونَ سبب!..

" حسنًا حسنًا! ، لن أنظرَ لك! ، فقط اهدأ! "

لم يقتنعْ جونغكوك أنهُ قد يبكي لأنهُ يحاربُ فكرةَ احتياجهِ له ، لكنهُ اقتنعَ أنَّ عيناهُ تملكُ سُلطةً في بعثرتهِ لذا ينهاهُ عن النظر..

أنفاسُ تايهيونغ السريعةَ كانتْ كالصدى للمكان ، و جونغكوك مازالَ على وضعيتهِ يواري بصره..

دقائقٌ هي التي مرتْ دخلَ خلالها شخصٌ إلى دورةِ المياهِ التي كانتْ فارغةً من سواهما ، كانَ مستغربًا عندما رآى وضعيةَ كليهما ، أحدهم وجههُ يحملُ آثارًا من الدموعِ التي أوقفها أخيرًا ، و الثاني يغلفُ عيناهُ بيداه..

دققَ بهما و تذكرَ أنَّ جونغكوك هو الرجلُ الذي غنى لغائرِ الأعينِ بسببِ ما يرتدي ، لكنْ لما ملامحُ الرجلِ الآخرِ غيرُ سعيدة؟!..

شعرَ بأنَّ الجوَّ كانتَ مشحونًا و مضطربًا بينهما ربما لذا سارعَ بغسلِ يداهُ بعدما رأى تايهيونغ يسحبُ منديلًا ورقيًا بكلِّ توترٍ و يمسحُ آثارَ الدموعِ من وجهه ، و جونغكوك بترددٍ أبعدَ يداهُ عن وجههِ يحدقُ بالرجلِ الذي أغلقَ صنبورَ المياهِ و خرجَ مسرعًا يتركهما مجددًا..

تنهدَ جونغكوك لهذا و ركزَ بمقلتاهُ على البلاطِ يتحاشى النظرَ لمنْ استعادَ وعيهُ أخيرًا و الآنَ باتَ الوردُ الأحمرُ يستوطنُ خداه..

تايهيونغ صرخَ يكتمُ صوتهُ في وسادتهِ عندما تذكرَ كيفَ كانَ يُجمجمُ بالكلامِ و يلومُ جونغكوك بدلَ ملامةِ نفسه..

كيفَ أعجبهُ حِضنُ هذا الرجلِ و من بعدها دفعهُ عنهُ منكرًا إعجابه!..

ضربَ بأرجلهِ السريرَ و تقلبَ على ظهرهِ يتأفأف..، حالهُ لم يعدْ سارًا ، و لو زادَ بالتفكير لتساءلَ متى بالأصلِ كانَ يُسِرُّ لمرة؟!..

بينما جونغكوك كانَ يبتسمُ عندما استحضرَ شكلَ تايهيونغ قاتمِ الوجنتينِ عاقدِ الحاجبينِ بغنج..

لربما المضيفُ الوسيمُ لم يعلمْ أنَّ شكلهُ وقتها حملَ معانٍ من الدلالِ بالنسبةِ لجونغكوك ، و عبوسُ شفتيهِ زادَ في غِنجه إثباتًا..

ضحكَ جونغكوك عندما وصلَ ببالهِ نهايةَ المشهدِ بينهما ، حيثُ تمتمَ تايهيونغ بعدَ أنْ هدأَ ببضعِ كلماتٍ و هوَ يحاولُ أنْ يداري وجههُ عنهُ بعدما فضحَ ذاتهُ بغالبيةِ مكنوناتهِ أمامَ جونغكوك..

" أعدنا إلى الشقة "

أومأَ جونغكوك بطاعةٍ و هوَ يسترقُ النظرَ لهُ و استدارَ للخروجِ من دورةِ المياهِ ليتبعهُ مضيفُهُ الوسيمُ حتى خرجا من المطعمِ و اتجاها إلى السيارة..

و في الطريقِ لم يتحدثْ كلاهما بشيءٍ أوْ يتبادلا النظر..

بعدَ وقتٍ ليسَ بطويلٍ أتى اتصالٌ لجونغكوك من شيلدون و أندرو يخبرانهِ أنْ يعودَ سريعًا فهما نسيا أخذَ مفتاحِ الشقةِ منهُ و الآنَ هما ينتظرانِ عودتهُ على بابها..

تايهيونغ استقرَ برأسهِ على زجاجِ النافذةِ و أغلقَ عيناهُ يريحها من الدموعِ و جونغكوك علمَ أنَّ عليهِ إعطاءَ المساحةِ لهُ كي يرتبَ أفكاره..

و عندما وصلا إلى الشقةِ نزلَ تايهيونغ من السيارةِ قبلهُ و صعدَ إلى الشقة ، تبعهُ بعدها جونغكوك و وجدَ أندرو و شيلدون المستلقيانِ أرضًا يرمقانهِ بعدمِ فهمٍ لأنَّ وجهَ تايهيونغ كانَ يبوحُ بكلِّ شيءٍ و أنَّ هناكَ أمرًا ما قدْ حدث..

و ما أثبتَ ذلكَ هو دخولهُ إلى غرفتهِ سريعًا و إغلاقهِ البابَ بعنفٍ عندما فتحَ جونغوك بابَ المنزل..

جونغكوك توقفَ بالذكرى التي حصلتْ قبلَ سويعاتٍ إلى هنا و كانَ لا يزالُ مستيقظًا ، بينما تايهيونغ قدْ نعستْ عيناهُ و أُغمضتْ أجفانها دونَ شعورٍ منهُ ذاهبةً إلى عالمِ الأحلامِ منذُ مدة..

حيثُ حظيَ بحلمٍ جمعهُ مع جونغكوك و جعلهُ يبتسمُ خلالَ نومه..

رآهُ في حقلٍ من الزهورِ يناديه ، و هوَ ضحكَ لهذا و ركضَ يقفزُ إلى عناقهِ بقوة..

تايهيونغ كانَ سعيدًا لأنهُ لم يدركْ أنهُ بداخلِ حلمٍ يتصرفُ فيهِ كيفما شاء..

..

" أربعةُ تذاكرَ من فضلك "

تحدثَ جونغكوك بالإيطاليةِ و بلكنةٍ متقنةٍ من خلفِ شباكِ التذاكر..

" أعطني إثباتًا للهوية ؟ "

أجابهُ الموظفُ فهمهمَ لهُ جونغكوك و التفتَ إلى طاقمهِ يمدُ إليهمْ يده..

" أعطوني جوازاتَ السفر ، يحتاجُ إثباتًا للهويةِ كإجراءٍ أمنيٍ للمكان "

ترجمَ لهم جونغكوك لذا أومأَ الجميعُ يُخرجُ من حقيبتهِ الصغيرةِ جوازَ سفره..

كانَ اليومُ مشمسٌ و الساعةُ مبكرة ، السماءُ صافيةٌ كذلكَ من الغيومِ لكنَّ الجوَّ لم يكنْ حارًا ، بل معتدلًا و يصلحُ للنزه..

ارتدى الجميعُ ملابسًا فضفاضةً و مريحة ، تايهيونغ كانَ يرتدي قميصًا سكريًا طويلَ الأكمامِ و بنطالًا بلونِ بنيٍ واسعِ التفصيل ، و يحيطُ خصرهُ بحقيبةٍ صغيرةٍ يضعُ فيها متعلقاتهِ الشخصية، بينما على رأسهِ قبعةٌ عصرية..

أما عن جونغكوك فكانَ يرتدي قميصًا بنصفِ أكمامٍ مع تُبّانٍ يصلُ إلى ركبتيهِ و يحيطُ رقبتهُ بآلةِ تصويرٍ حديثة ، و مثلهُ تمامًا أندرو إلا أنهُ لا يحملُ معهُ آلةَ تصويرٍ فلديهِ هاتفهُ سيصورُ به..

و بالنسبةِ لشيلدون فالفستانُ القصيرُ المزخرفُ بالورودِ الزرقاءِ كانَ هوَ ما يغلفُ جسدها الممشوق..

عندما أعادَ موظفُ التذاكرِ جوازاتِ السفرِ إلى جونغكوك ، استغلَ جونغكوك انشغالَ تايهيونغ بالحديثِ معَ أندرو و شيلدونْ و فتحَ جوازَ سفرهِ على صفحةِ الهويةِ ليرى بفضولٍ عمرَ مضيفيهِ الوسيمِ الذي يجزمُ أنهُ يصغرهُ بعامينِ على الأقلِ أو ثلاثة ، لكنهُ صُدمَ عندما رأى سنهُ الحقيقي..

أغلقَ جونغكوك جوازَ السفرِ و نظرَ إلى تايهيونغ الذي يقهقهُ بخفةٍ و هوَ يتحدثُ مع طاقمهِ و هذا جعلَ من جونغكوك يبتسمُ تلقائيًا لأجلِ ضحكاتهِ التي تبعثُ على الراحة..

رغمَ أنَّ اليومَ لم يعرهُ تايهيونغ الإهتمامَ و كانَ هادئًا بشكلٍ غريبٍ و كأنهُ يتعمدُ أنْ يتحاشاه ، حتى عندما ذهبوا للإفطارِ في مطعمٍ ما قبلَ أنْ يأتوا إلى المتحفِ كانَ المضيفُ الوسيمُ هادئًا و لا ينبسُ ببنتِ شفةٍ معه ، و ما إذا تكلمَ وجهَ حديثهُ لشيلدونْ أو أندرو دونَ إعتبارٍ لوجودِ جونغكوك كذلكَ معهم..

أمرٌ محزنٌ لكنهُ تنهدَ لأنهُ اعتادَ تقريبًا و سيتعبُ ذاتهُ بالتفكيرِ العميقِ إنْ لم يُمرر الأمرَ لأنهُ على أيةِ حالٍ يعلمُ أنهُ سيُعالجه ، هوَ فقطْ يعطيهِ الأمانَ حتى ينقضَ عليهِ مجددًا و يعيدُ بعثرته..

تايهيونغ كانَ شفافًا لهُ ، لكنهُ مازالَ صعبَ الفهمِ بطريقةٍ ما..

لا تتوقعهٌُ و تتوقعهُ بكلِّ تناقض..

..

" ههه ، تايهيونغ يتجاهلك ، إنها علاماتُ الكِبر ، مباركٌ يا صاح ، أوقعتَ النمرَ بعرينِ الأرنب "

سخرَ أندرو مبتسمًا لجونغكوك الذي يقفُ بجانبهِ يشاهدُ تايهيونغ من بعيدٍ حيثُ المضيفُ الوسيمُ يتأملُ لوحةً فنيةً ما و من الواضحِ أنها جذبتهُ فهوَ يتأملها منذُ حوالي العشرةَ دقائقَ لأنَّ جونغكوك كانَ يتأملهُ هوَ كذلكَ دونَ أنْ يرفَّ جفنيه..

جونغكوك احتاجَ ثوانٍ أكثرَ لفهمِ ما قالهُ أندرو الذي ابتعدَ عنهُ خطواتٍ بالفعل ، عقدَ جونغكوك حاجبيهِ و فورًا تحركَ إلى أندرو الذي تجاوزهُ بمسافةٍ شبهِ كبيرةٍ و هتف..

" هاي! ، تعال إلى هنا ما الذي تقصدهُ بعرينِ الأرنب! ، إنهُ عرينُ الأسدِ إن لم تكن تعلم! "

التفتَ لهُ أندرو من بعيدٍ و حاوطَ أطرافَ فمهِ بيديهِ يصرخُ بخبث..

" لكنك لستَ أسدًا يا صاح! "

كانَ جونغكوك سيجيبهُ لكنهُ رأى رجلَ الأمنِ قد رمقهُ بنظرةِ تأديبٍ في عيناهُ و أشارَ لهُ إلى لوحةِ التعليمات ، حيثُ كتبَ عليها ممنوعٌ إثارةُ الشغبِ أو إحداثُ صوتٍ عالٍ..

أومأَ لهُ جونغكوك بامتعاضٍ و شتمَ أندرو في سره..

تنهدَ بعدها و التفتَ إلى المحيطِ من حولهِ يتأملهُ و يبحثُ بعيناهُ مجددًا عن تايهيونغ الذي كانَ لا يزالُ قربَ ذاتِ اللوحةِ التي من الواضحِ أنها سرقته..

لم يلمهُ جونغكوك حقًا على هذا ، بل إنَّ معرض قصرِ فورتي للفنِ الحديثِ هنا في فيرونا لديهِ القدرةُ بالفعلِ على جذبِ سياحهِ إليهِ إلى هذهِ الدرجة ، لربما لأنَّ كلًا منهم يرى قصتهُ الخاصةَ في إحدى اللوحاتِ أو التماثيل ، و لهذا تايهيونغ يتأملُ لوحةً واحدةً أكثرَ من غيرها، لربما هي قصته؟..

اقتربَ جونغكوك بخطواتٍ هادئةٍ من موقعِ الآخرِ و وقفَ وراءهُ يتأملُ اللوحةَ كذلكَ و بالفعلِ تايهيونغ شعرَ بهِ يقفُ خلفهُ و قدْ شمَّ عطرهُ الذي اعتادَ أنْ لا يحبه..

و رغمَ ذلك تجاهلَ تايهيونغ وجودَ جونغكوك بجانبهِ و استمرَّ يُمعنُ في اللوحةِ أمامهُ بعمق..

حيثُ امرأةٌ تتوسطُ القبورُ و تلمسُ بيدها إحداها..

" إنها لوحةٌ بعنوانِ محبةِ النفوس ، للفنانِ أنجلو دال أوكا ،..في هذا العملِ ، يبتعدُ الموضوعُ عن البهجةِ المصقولةِ و المصطنعة التي اعتادَ إظهارها أنجلو في كثيرٍ من أعمالهِ النموذجية ، و لكنهُ و قبلَ كلِّ شيءٍ يظهرُ التزامًا بالحركةِ الشعبوية ، عُرضتْ اللوحةُ في المعرضِ الوطني بتورينو في آخرِ سنتينِ من القرنِ التاسعَ عشر و بعدها في المعرضِ العالميِّ بباريس في بدايةِ القرنِ العشرين ، حتى تمَّ التبرعُ بها بعد ثمانِ سنواتٍ إلى مدينةِ فيرونا من قبلِ المهندسِ رودولفو أنغيبين ، حيثُ استقرتْ بمعرضِ قصرِ فورتي للفنِّ الحديثِ هنا أخيرًا "

سردَ جونغكوك معلوماتهُ بجانبِ أذنِ تايهيونغ لكنْ بصوتٍ رزينٍ و منخفض ، و تايهيونغ كانَ يستمعُ له حتى انتهى، لكنهُ قطبَ حاجبيهُ لأنهُ قرأَ هذا الكلامَ بالضبطِ منذُ قليل ، هناكَ بالفعلِ ملحوظاتٌ معلقةٌ بجانبِ جميعِ اللوحاتِ بأكثرِ من ترجمة ، جونغكوك فعليًا لم يضفْ شيئًا ، لقدْ قرأَ لهُ الكلامَ بالنصِّ ، جونغكوك دبقٌ يدعي الثقافة بنظرهِ الآن..

" أرى أنكَ تعتقدُ أنني لا أستطيعُ القراءة "

استنكرَ تايهيونغ و قد أدارَ وجههُ لجونغكوك بقربهِ و أشارَ بسببابتهِ نحوَ الملحوظةِ المعلقة ، لكنَّ جونغكوك ابتسمَ بثقةٍ و نفى برأسهِ ليثبتَ أنهُ لمْ يقرأ المكتوبَ و أنهُ كانَ يعرفُ هذهِ المعلوماتِ بفضلِ ثقافتهِ الواسعةِ التي لا يدركها تايهيونغ..

" في الحقيقةِ لدى الفنانِ أنجلو دال أوكا لوحةٌ أخرى بعنوانِ الملعونين ، قد كررَ بها موضوعَ دانتي أليغييري في كتابهِ الكوميديا الإلهية، و بينَ قوسين الجحيم ، الذي لاقى نجاحًا عظيما من القرنِ التاسعَ عشر و حتى أوائلِ القرنِ العشرين ، إنهُ عملٌ بارزٌ في الأدبِ الإيطالي ، قصيدةٌ سرديةٌ تحكي عن أرواحِ أولئكَ الذينَ تجتذبهم الغريزةُ في الحياةِ بدلًا من العقل، و تطغى على تلكَ الأرواحِ الرياحُ المعاكسةُ باستمرار ، و كأنما جاءَ أنجلو دال أوكا و رسمَ ما تمثلهُ هذهِ القصيدة ، ترى في لوحتهِ العشاقَ يتجولون مقيدينَ إلى الأبد ، محكومٌ عليهم بمواجهةِ شهوةِ النشوةِ و عذابِ الحبِّ المستحيل ، يعيدُ دال أوكا صياغةَ اللغةِ الرمزيةِ المعتمدةِ في أواخرِ القرنِ التاسعَ عشر و يصورهم ملفوفينَ في احتضانٍ حسيٍ و يعلقهمْ في جوٍ غامض "

أدلى جونغكوك بمعلوماتهِ و رنا بعينيهُ نحوَ اللوحةِ المقصودةِ التي كانتْ بجانبِ لوحةِ محبةِ النفوسِ بالفعل ، حيثُ تصطفُّ أعمالُ دال أوكا على نفسِ الجدارِ جمبًا إلى جمب..

نظرَ تايهيونغ إلى اللوحةِ مبهورًا بمعلوماتِ جونغكوك التفصيلة ، لأنَّ الملحوظاتِ كانتْ أقصرَ مما قالهُ بكثيرٍ بل و جونغكوك أعطاهُ نظرةً شاملةً و مبسطةً عن العمل..

لم يجدْ تايهيونغ كلامًا آخرَ ليقولهُ فقدْ ذُهلَ بمعلوماتِ جونغكوك الذي يتضحُ شيئًا فشيئًا أنهُ يمتدُّ بمعرفتهِ لأبعدَ من الطائرات ، بل و يشاركُ تايهيونغ أذواقًا متنوعة..

" أعتقدُ أنَّهُ الآنَ في القرنِ الواحدِ و العشرين لم يعدْ هناكَ حبٌ مستحيل ، القيودُ التي تُغلفُ العشاقَ قدْ أصبحَتْ معدومةً و للجميعُ حقٌ في أنْ يحبَّ و يسعى إلى حبهِ دونَ مواجهةِ الحكمِ المتعسفِ في تحملِ عذابِ عشقٍ لن يكون "

وضعَ جونغكوك يديهِ بجيوبِ تبانهِ و هوَ يتحدثُ و هذا أشارَ إلى سلاسةِ ما أخرجهُ من كلماتٍ بكلِّ ثقة ، لكنَّ كلامهُ لم يعجب تايهيونغ أبدًا فهوَ لديهِ رأيٌ آخر..

" الحبُّ المستحيلُ ليسَ بالضرورةِ أنْ يكونَ مقيدًا من قِبلِ مجتمعٍ بأسره ، العاداتُ و التقاليدُ الموروثةُ ليسَ من السهلِ أنْ تنقرضَ و لو كانتْ تُضَيِّقُ الحرِّيات ، على شجاعٍ أنْ يكسرها و يتخلى عنها حتى يُخلِّصَ أجيالَ العشيرةِ القادمةِ من كبتِ الظلمُ و التواريِ عن حقيقةِ الذاتِ التي تتمثلُ في كلِّ شخصٍ منا ، الرغباتُ سيستمرُّ طمسها إلى أنْ تذهبَ لعناتُ العُرفِ التي ليسَ من شأنها سوى أنْ تقتلَ المختلفَ عنها ببطء "

جونغكوك فهمَ أنَّ تايهيونغ يتحدثُ عن نفسهِ بسببِ نبرتهِ الشديدةِ و الغليظة ، لربما هذا ما يمنعهُ عنه ، عاداتٌ و تقاليدٌ مجبرٌ على اتباعها ، و من المهدرِ أنْ يقولَ تايهيونغ كلامًا بهذا العمقِ و يضعَ الحل الذي يبحثُ عنهُ بينَ سطورِ الحقيقةِ المؤلمة ، تايهيونغ يجيبُ على نفسهِ لكنهُ إما يتجاهلُ أو لا يرى بالفعلِ فغشاوةُ حتميةِ العاداتِ و التقاليدِ قدْ أعمتْه..

و جونغكوك أرادَ أن ينيرَ بصيرته..

" إنْ وضعَ الشخصُ المقيدُ في تلكَ الدوائرِ فكرةَ أنهُ هو الشجاعُ الذي سيقطعُ دابرها ، سيكونُ الحبُّ ممكنًا ، المستحيلُ سيبقى كذلكَ حتى يفعلهُ أحد ، إنها حججُ من العشاقِ ضعيفينَ الإرادة ، إنها مبررٌ لعدمِ مواجهةِ العقبات "

و إلى هنا تايهيونغ شعرَ بعدمِ أهميةِ هذا الحديثِ مع شخصٍ يعيشُ الرفاهيةَ في أزهى معانيها دونَ سلاسلٍ قدْ تسحبهُ إلى القاعِ الفقيرِ مجددًا ، رفاهيةُ الحرية ، و القاعُ الفقيرُ هو السجنُ لتلكَ الحرية..

" من السهلِ أنْ تقول ، لكنْ ليسَ سهلًا أنْ تتعايش "

همسَ تايهيونغ أمامَ وجهِ جونغكوك الذي وقفَ يجابهه عندما كانَ يتحدثُ و عزلَ بينهُ و بينَ اللوحةِ التي اجتذبته..

" تايهيونغ ، البهجةُ بإمكانها أنْ تكونَ مصقولةً و مصطنعة ، جميعنا لديهِ عزلةٌ مليئةٌ بالتعاسة ، جميعنا يعايشُ نوعًا من الألم لكن ليسَ بالضرورةِ أن نظهره "

جونغكوك استخدمَ الفكرةَ الجوهريةِ للوحةِ حبِّ النفوسِ ليردَّ على تايهيونغ الذي أصبحَ يرى الآنَ ذاتهُ في اللوحةِ الآخرى..

بينما جونغكوك رآى أنَّ المرأةَ وسطَ القبورِ تعيدهُ إلى ذكرى ما..

زفرَ تايهيونغ الهواءَ بتوترٍ عندما رأى الشرودَ يلوحُ في عينيْ جونغكوك التي تبادلهُ النظر ، فتحاشى رؤيتها و انتقلَ إلى التحفِ الآخرى يشاهدها بعشوائيةٍ و دونَ هدفٍ بينما جونغكوك يتبعهُ كظله..

" على أيِّ حالٍ لم أكنْ أعلمُ أنَّ شيئًا كالفنِّ المعاصرِ بإمكانهِ لفتُ إنتباهك "

تمتمَ تايهيونغ بعدَ فترةٍ من الصمتِ بينهما مما جعلَ جونغكوك يقهقهُ بخفةٍ و بعدها يحكُّ أنفهُ مع هزةٍ من كتفيه..

" أنتَ لا تعلمُ عني شيئًا أبدًا تايهيونغ ، لكنها عائلتي السبب ، الجميعُ يحبُّ مجالاتٍ مختلفةٍ و جميعنا يتأثرُ بالآخر ، والدتي تعشقُ الثقافةَ الإيطالية ، تستمعُ إلى الأوبرا ، تقرأُ الأدبَ الإيطالي ، تحبُّ الطعامَ الإيطالي ، الراسمين النحاتين و غيرهم، حتى أنني تعلمتُ الإيطاليةَ من أجلها ، تقولُ أنَّ عائلتها حملتْ دماءَ نبلاءٍ من إيطاليا "

شرحَ لهُ جونغكوك باستفاضةٍ و هذا جعلَ تايهيونغ يهزُّ رأسهُ معَ رفعِ حاجبيهِ كإشارةٍ أنهُ لم يتوقعْ هذا، لكنَّ السطرَ الأولَ في إجابةِ جونغكوك قد لفتَ انتباهه..

أنتَ لا تعلمُ عني شيئًا أبدًا تايهيونغ..

أرادَ تايهيونغ حينها أن يعلمَ عنهُ كلَّ شيءٍ و أيَّ شيء، لكنهُ كبتَ رغبتهُ كالعادة..

" إذًا ما كانَ معنى تلك الكلمة ؟ ، الحركةُ الشعبوية؟ ، الشعبوية ، أهيَ مفردةٌ أخرى لما يسمى بالقومية ؟ "

حاولَ جونغكوك التذكرَ ليعلمَ مقصدَ تايهيونغ حتى فهمَ أنهُ قصدُ ملحوظةَ اللوحةِ الأولى التي ذكرتْ هذا المصطلح..

أومأَ لهُ جونغكوك مرارًا و أضافَ لما استنبطهُ تايهيونغ..

" يمكنُ تعريفها كأيدولوجيةٍ أو فلسفةٍ سياسية ، شكلٌ من أشكالِ الخطابِ السياسي الذي يستهدفُ دغدغةَ عواطفِ الجماهير بالحجـ.."

" يا إلهي أنتَ ستشرحُ لي بالفعل! ، تبدو كمحركِ البحثِ الذي لا يتوقفُ عن إظهارِ النتائجِ للسؤال! "

وسعَ تايهيونغ عيناهُ بذهولٍ لأنهُ لم يتوقعْ من الآخرِ أنهُ قدْ يصلُ بمعرفتهِ إلى هذا الحد ، لقد كانَ سؤالًا عابرًا من تايهيونغ فقط لا غير!..

ضحكَ جونغكوك بصخبٍ لهذا و علَّقَ مجددًا على أسبابِ معرفته..

" ليسَ سهلًا أنْ تتسللَ من التجمعاتِ العائليةِ التي يترأسها ثلاثةُ أعمامٍ سياسيين و خالٌ عقيد ، لقدْ علمتُ معنى مصطلحِ الديماغوجيةِ في سنِ الثلاثِ سنوات! "

رفعَ جونغكوك يداهُ إلى رأسهِ يُمسكها ممثلًا خِضمَ الأمرِ مما جعلَ من تايهيونغ يبادلهُ الضحك و هوَ يُمسكُ بطنهُ من شدتهِ..

لقدْ أكملا المشيَ و تأملَ اللوحاتِ سويًا مع المناقشةِ التي كانتْ تحتدُّ تارةً و تهدأُ تارةً أخرى ، لكنهما و دائمًا كانا على نقيضٍ و لكلٍ رأيٌ مختلفٌ فيما يخصُ كلَّ عملٍ شاهداه..

أما عن أندرو فكانَ يستمرُ بالتقاطِ الصورِ لنفسهِ بهاتفهِ و هوَ بجانبِ اللوحاتِ و التماثيلِ رغمَ أنَّ التصويرَ ممنوعٌ و قدْ حُذِّرَ أكثرَ من مرةٍ من رجالِ الأمنِ لكنهُ لم يكترث..

" هاي شيلد ، التقطي لي صورةً هنا "

اقتربَ من شيلدون التي كانتْ تقفُ ممعنةً ببصرها في تمثالٍ لجسدِ امرأةٍ عارية..

" شيلد؟! ، شيلدون! "

لوحَ أندرو بيدهِ اليمنى أمامَ وجهِ شيلدون المنخرطةِ بتمثالِ المرأة ، كانتْ و كأنها مغيبةٌ عن الواقع..

" أيتها المثلية ، متى ستخرجين من الخزانةِ فقط و تلوحين بشعاراتِ الفخر؟! "

انتبهتْ لهُ شيلدون أخيرًا و قلبتْ عينيها على تعليقه السخيف لكنها ابتسمتْ بلؤمٍ و أجابتهُ بلطافةٍ مصطنعة..

" عندما يتحولُ أندرو لفتاةٍ جميلةٍ من أجلي "

" آع! "

أصدرَ أندرو صوتًا متقززًا و صاح يشتم شيلدون..

" لعينة ! ، لما تحدقين إلى هذهِ الدرجةِ بالتمثالِ على أيِّ حال؟! "

سألها فتنهدت بشيءٍ من الحزنِ الدرامي..

" أتساءلُ عن الطريقةِ التي جعلتْ من نهديها بهذا الحجم؟ "

نظرتْ لأندرو بعينانِ حائرةٍ و كأنَّ سؤالها هو أهمُّ شيءٍ بالعالم ، و بدورهِ أندرو قد تعاطف معها بشكلٍ مزيف..

" أوه شيلد..، يُعجبني حجمُ نهديكِ هكذا "

قالَ و هي رمقتهُ بتفاجئٍ على جرأتهِ في التعبير ، لكنهُ ما لبثَ حتى أكملَ بما جعلها مصدومة..

" بإمكانيَ لعبُ كرةِ الطاولةِ بهما "

و من ثمَّ فرَّ راكضًا من أمامها حتى استوعبت هي مقصدهُ بعدما اختفى من أمامها ، ألهذهِ الدرجةِ هما صغيران؟!..

" أيها اللعين! "

و راحتْ تبحثُ عنهُ و هي تتوعدُ بالانتقام..

..

" لا أصدقُ أنكما طردتما من المعرض! ، جونغكوك لم يفعلها! "

استهزأَ تايهيونغ بصوتٍ يملأهُ الضحكُ و لا يستطيعُ أنْ يتحكمَ بهِ و هوَ ينظرُ لشيلدون و أندرو الذانِ يجلسانِ في المقاعدِ الخلفيةِ بسيارةِ جونغكوك..

" تايهيونغي! "

جونغكوك لم يعجبهُ لؤمُ تايهيونغ فنبههُ بعبوسٍ يزينُ شفتاهُ و هو يركزُ على القيادة..

" لستُ تايهيونغك! "

قالَ تايهيونغ بجديةٍ لكنها ثوانٍ حتى عادَ يقهقهُ بصخبٍ و علوٍ و الجميعُ فقط ينظرُ لهُ ببسمة و تعجبٍ لرؤيةِ ضحكهِ بهذا الشكل!..

" إذًا إلى أينَ سنذهبُ الآن ؟ "

سألَ أندرو بعدما هدأتْ ضحكاتُ تايهيونغ الجالسِ في المقدمةِ بجانبِ جونغكوك ، بينما هو و شيلدون بالخلف ، لقد حذرهم جونغكوك من الجلوسِ بالأمامِ و تايهيونغ عندما رأى ذلكَ علمَ أنهُ لا مفرَّ من جلوسهِ بجانبِ مقعدِ جونغكوك ، لأنهُ و رغمَ المقاعدِ الإضافيةِ غيرِ الشاغرةِ بالسيارة ، سيستمرُ بتكرار أنهُ ليسَ سائقهم الشخصيُّ كالببغاءِ و لربما يفتعلُ بهم حادثًا..

" انظر بالخلف "

أشارَ لهُ جونغكوك و هوَ ينظرُ إلى الطريقِ بتركيزٍ و في ذاتِ الوقتِ يرى أندرو الذي وراءهُ بواسطةِ المرآةِ الأماميةِ المعلقة..

التفتَ أندرو إلى المقاعدِ خلفهُ و وجدَ سلةً منَ القشِّ مع مفرشٍ أحمر ، تجاهلَ المفرشَ و حملَ السلةَ يفتحها و وجدَ بها شطائرَ و أطعمةً مختلفة، كانَ واضحًا أنهم سيحظونَ بنزهةٍ معًا في حديقةٍ ربما..

همَّ أندرو الذي لعقَ شفتيهِ يسحبُ إحدى الشطائرِ لكنَّ جونغكوك انتبهَ لهُ بواسطةِ المرآةِ و صرخ بهِ فورًا..

" لا تلمسها! ، عندما نصلُ لوجهتنا سيكون بإمكانك تناولُ ما تشاء "

..

" إذًا تعرفُ كيفيةَ ركوبَ الدراجاتِ صحيح ؟ "

كانَ جونغكوك يربطُ الخوذةَ على رأسهِ بعدما أجَّرَ الدراجاتِ لهم جميعًا و يتحدثُ إلى تايهيونغ الذي شخرَ باستهزاءٍ و رمقَ جونغكوك بتحدٍ..

" أخشى أنكَ تريدُ مني تعليمك كيفيةَ قيادتها؟! "

رمشَ تايهيونغ بعيناهُ ببراءةٍ كدلالةٍ ساخرة ، لكنَّ جونغكوك نفى برأسهِ و رسمَ ابتسامةً جانبيةً على شفتاهُ و هوَ يقتربُ من تايهيونغ الذي مازالَ يحاولُ ربطَ خوذتهِ..

أبعدَ يداهُ الرقيقتانِ بخفةٍ ليربطها هو بدلًا عنهُ صادمًا تايهيونغ الذي لم يتوقعْ منهُ أنْ يقتربَ هكذا دونَ سابقِ إنذار!..

" تعلمَ ربطَ خوذتكَ أولًا عزيزي "

حُبستْ أنفاسُ تايهيونغ أكثرَ من بعدِ همسِ جونغكوك لهُ قربَ أذنه و زادَ الدقُّ في قلبهِ بقوة ، حتى شعرَ بالدمِّ يفورُ في وجههِ بالكاملِ يجعلُ منهُ محمرًا و شخصًا يبدو أنهُ يوشكُ على الإختناق..

في هذهِ الأثناءِ انطلقَ أندرو و شيلدون بدراجتهما دونَ إعارةِ إنتباههما للآخران..

" ا..ابتعد عـ..ني "

و بالفعلِ ابتعدَ جونغكوك تزامنًا مع أمرهِ لأنه انتهى من ربطِ خوذته..

بسرعةٍ ركبَ جونغكوك الدراجةَ و جرى بها و هوَ يصرخُ بقوةٍ و حماسٍ و ينظرُ عكسَ اتجاهِ الطريقِ إلى تايهيونغ الذي مازالَ يلملمُ شتاتَ نفسهِ و بعثرةَ ثباته..

" الخاسرُ من يصلُ إلى الشجرةِ العملاقةِ أخيرًا "

و هنا استعادَ تايهيونغ رِباطةَ جأشهِ و على عجلٍ ركبَ دراجتهُ كذلكَ يلحقُ بجونغكوك حتى يصلَ إليهِ سريعًا..

" أيها الغشاشُ قد بدأتَ قبلي! "

هتفَ تايهيونغ ملتقطًا أنفاسهُ و مازالَ يلفُ الدواساتِ بقدمهِ بشدةٍ و يتبعُ الآخر..

التفتَ جونغكوك مجددًا برأسهِ عكسَ الطريقِ و قال بخبثٍ يغيظه..

" يا إلهي ستبكي الآنَ لأنني سأفوزُ عليـ.."

لكنهُ لم يكملْ كلامهُ حتى ارتطمَ عن طريقِ الخطأِ بحجارةٍ متوسطةِ الحجمِ تقريبًا لكنها كانتْ كفيلةً بأنْ تُفقدَ الدراجةَ سيرها في خطٍ مستقيمٍ و جعلتها تتنحى نحوَ أحدِ الشجيراتِ..

جونغكوك لم يكدْ ينتبه ليتفادى الإصطدام ، و تايهيونغ كذلكَ حدثَ كلُّ شيءٍ سريعًا أمامهُ و لم يستطع تحذيره..

جونغكوك قد طارَ حرفيًا أمامَ تايهيونغ و سقطَ على ركبتيهِ و أنفه ، مع كفيهِ اللذانِ بسطهما ليتفادى تقبيلَ الأرضِ بشكلٍ أقسى!..

زمجرَ متوعكًا عندما شعرَ بإحدى ركبتيهِ قد كُشِطت..

" جونغكوك! "

صاحَ تايهيونغ بقوةٍ و خوفٍ يوقفُ دراجتهُ على الفورِ و يرميها أرضًا دونَ اكتراثٍ مُتجهًا إلى جونغكوك المتألمِ في بقعتهِ بقلبٍ نابض!..

.

.

.

_________________________________________

' 5764 كلمة '

الشروط : 220 ڨوت ، 300 كومنت..

* جونغكوك لو يوقف هياط بس😭🤌 *

و أخيرًا خلصنا 20 بارت من الرواية ✨ ، صح أخذت شهر بس عوضتكم ببارت قارب على الست آلاف و مليان تفاصيل، كله من الجامعة و النت الباعوص😭💞..

كيفكم ؟ ، شمسوين؟ و كيف دراستكم؟..

و رأيكم عن البارت و الأحداث؟..

حاليًا قاعدين نعيش موجة من المشاعر كتمهيد للقادم ، مستعدين نعرف أسرار تيتي؟😭..

أعطوا البارت كل الحب و حققوا شروطه🫶..

و جدير بالذكر إني أطلب منكم لا تنسون أخوانا الفلسطينيين من الدعاء هذه الأيام و أنه ربي يفرج عنهم و ينصرهم عاجل غير آجل ، و لو في أحد من أهل غزة يقرألي أتمنى يطمني عنه 🥺❤️..

الله يحفظكم لي و يحفظ جميع العرب يا رب💙..

أي ملاحظات أو شي مو مفهوم؟..

أرائكم المتواضعة؟..

دمتم بخير🤍..

Continue Reading

You'll Also Like

735K 15.4K 56
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
553K 10.1K 87
نظل ما بين تلك الحرب القويه ما بين مشاعرنا... لم يتوقعا ان يقعا في عشق بعضهما البعض... بعد قسوة وزواج مجبران عليه تحولا الى عاشقين لا يستطيعا ان يتفر...
226K 13.4K 28
"جمعها القدر به بعد أن عصِفت بها الحياة حيث كانت تُواجهها بمفردها، رأت به ومعه ما لم تراه بحياتها من قبل، قسوة وحنان، حبٍ وكره، لم تفهم ما الذي يُريد...
455K 14K 32
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...