الوشاح الأحمر | The red scarf

By LaraAshraf8

20.1K 1K 272

بعدما قتلت ابن عمه كان يجب عليه الانتقام منها و من عائلتها كلها.. فتاة بدوية عمياء لكن رصاصتها أصابته في مقتل... More

الندم للجبناء!
الحقيقة الهاربة🍁
دموع الشياطين
زواج أم عقاب⏳
ليست مكسورة الأجنحة
اقتباس🥀
فتيل النار الأخير
للحيَّة لون أرجواني
الوحش الذي يسكنه🎭
غرام الأسياد
شيطانة الصومعة
اقتباس خطير🔥
النداهة
لا تهجريني!
سهام الأميرات
شياطين العابد
لا تقعنَّ في الحب!
(الخاتمة) أشواك الورد🥀

غرام الأفاعي♪♫

747 46 26
By LaraAshraf8


شكرا لانتظاركم الفصل الجديد بصبر لكن كان لازم أفصل ذهنيا قبله عشان أطلعه بالشكل اللي يحسسكم بكل المشاعر اللي جواه♥️

لا تنسوا الڤوت و الفولو و مشروباتكم المفضلة لأن الأمور ستخرج عن السيطرة🔥


"قاسم يا بنيّ…خذ زوجتك و عد للمنزل ولا تستجب لدلالها عليك"

قالت السيدة هالة لقمان بصيغة الناصح الفوقيّ….كانت عينيها الرقيقتين تبحثان صفحة وجهه الرائقة برؤية محبوبته بعد غياب طويل؛ لم ترد تعكير صفوه بشكوكه و ارتيابها لكنها في النهاية استسلمت لواجبها بنصحه كما يجب..

قبل أن تفسر استفسر هو عاقدا حاجبيه منوع من الاستغراب.

"لمَ يا سيدتي؟ أنوي أخذها بالفعل لكن أقصدك لمَ تبدين قلقة و غير مرتاحة؟"

تململت بانزعاج تثبت له دون قصد صدق ما تخيله في قسماتها المتشنجة بالنصيحة المبطنة فتابع النظر إليها بنظراته الفاحصة حتى استخرج من فَيْها الكلام على وجه الإبهام..

"بكل بساطة أخبرك يا عزيزي أن سهير ابنة أختي تحيك لحليمة المكائد كل يوم و تصطلي بنار غيرتها منها و من علاقتكما البديعة كل يوم؛ لا يكفيها أن وهبها ربها رجلا يعشقها…بل صارت تحسد فتاتي المسكينة العمياء على حياتها الجيدة و تريد تحطيمها لها بأي شكل"

لم تكن صدمته كبيرة بما سمع، إذ أنه أدرك مدى انحطاط أخلاق المرأة حين تجرأت و طاوعتها نفسها على محاولة مباشرة لقتل ابنة خالتها حين حقنت الحصان بالمنشطات.

لم يجب بشيء البتة على الأم مما تنبأته من تفاصيل، بل تلجم بالصمت و اكتفى بابتسامة صافية يعدها بهزة رأس مهذبة أن يستجيب لطلبها.

دلفت حليمة بعد طرقتين على الباب كحارس البناية تعلن بعلو صوتها كأنها تنشد موسيقى أوبريت..

"أمي أين أنتِ؟! لا يمكنني العودة مع قاسم اللعين قبل أن أتخلص من أثر ذلك الجرح في فخذي!"

لم تجبها أمها الحبيبة من فرط الخجل فغطت وجهها بكفها و انخرطت في ضحكات مكتومة ريثما يتطوع زوجها بالإجابة بنبرته الحقيرة التي لا تظهر إلا لها..

"أريني إياه يا حبيبة قاسم اللعين لعلني أجد لكِ دواءًا.."

الصدمة التي ارتسمت على محياها الملطخ بآثار الجروب و الكدمات و تلفتها في اتجاهات عديدة جعلها أمام عينيه كهرة معصوبة العينين..
كم يراها جميلة و لطيفة دائما مهما كانت الحالة و الموقف!

أقبلت عليه بتهور فأمسك طرف عصاها البيضاء و جذبها منها إليه فانكبت على صدره كشطيرة المربى.

لم تكن إلا لحظات خفيفة قبل أن تتفهم هالة الوضع العاطفي بينهما و تنسحب للخارج كشبح بلا صوت أو جسد…تركتهما يعبثان معا بلعبة الكلمات و الإشارات التي يحبانها قبل أن تنزل بهم النائبة التالية..

"انزعي هذا الجلباب يا عزيزتي و دعيني أرى جروحكِ….نيتي ليست صافية لكن لا بأس مادمت زوجك"

حاول بالفعل رفع طرف الجلباب يداعبها فركلته بقوة جعلت مفاصله تترنح ثم ابتعدت باتجاه الأريكة…تعقد ذراعيها و تتهادى بغنج متعمد مغمغمة بعبارات سبب له اندفاعا شديدا..

"لن أفعل…أنت لا تحبني…إن كنت تفعل لما تحملت فراقي كل هذه المدة و أنت تعلم أنني قد أُفتَتن برجل آخر.."

لم يتردد ثانية قبل أن تأخذه الغيرة و الحَميَّة على بساط سحري للطريق الذي أرادته تماما…تقدم نحوها يلتقط مرفقها بيده سائلا باستنكار..

"أي خنزير آخر قد يفتنكِ غيري؟! أنتِ تحبينني أنا فقط"

"لا…لقد هجرتني مدة لا بأس بها لذا الآن لدي رجل غيرك"

لكزها بظاهر كفه متشدقا كمن على وشك خوض شجار شوارع الآن..

"من هو الخنزير الآخر إذا؟!"

تبسمت تحاول إمساك ضحكاتها في جوفها من تصديقه لكلامها بسهولة كالولد الأبله ثم ربتت على كتفه متمتمة بهزة كتف خفيفة..

"أنت أيضا، لكن حين تكون ذئبا هائجا تخوف آل جبران"

قهقه بصوت ملأ ضجيجه الغرفة بأكملها ثم ربت شدة على ظهرها…حركته المعتادة حين لا ينوي الرد لكنه مستمتع بالمحادثة.

شهر بأسره مر دون أن تتلاشى علامات التعذيب الوحشي الذي عانته على يد نسوة وضيعات لم يتكلف عناء تأديبهن بنفسه حتى…أوامره للخدم كانت كافية لرد الصاع للنسوة اللعينات من آل جبران كيلا تبقى لديهن عافية يعتدين بها على امرأته.

طُرق الباب في خِضَم محادثتهما الظريفة فمسد قاسم على ذراع زوجته بحنان منبها..

"ضعي حجابكِ لعله يكون رجل غريب، بيد أنه ينتظر ليُفتح له و لم يدخل بالفعل"

فعلت مثلما أراد فاتجه للباب يفتحه للطارق الذي تبين فيما بعد أنه سالم لقمان.

أشار له للدخول لكن الآخر تعذر بلا سبب وجيه غير أنه يرغب في الاجتماع به على انفراد بمكتبه…..كان الأمر مستنكرا بالنسبة لقاسم لكنه استجاب ببساطة و تبعه للخارج مخلفا حليمة لا تدري ما يجري حولها لكنها تشعر بشعور أسوأ من أنباء الحرب!!

******

ارتشف من قهوته بينما تعبيراته القاسية ترسم أسبابا كثيرا يجيب بها على سؤال سالم بالغ الصراحة الذي طرحه قبل قليل..

مط شفتيه بلا تعبير ذا معنى ثم طفق يشرح كأنه يسرد نثرا من كتاب لا يعنيه..

"إن أردت أن تعرف حقا سبب ضربي لزوجتك الحبيبة فسأخبرك ببساطة و إن تبين أن أسبابي واهية لارتكاب ذاك الفعل المشين أريدك أن تضربني ولن أدافع عن نفسي.."

نزع عمامة رأسه فوضعها بجواره..يسمح للهواء بالمرور بين خصلاته الجعداء مخففا حدة انفعاله المكتوم على ذكرى موقف آخر تعرض به حبيبته لأذى بالغ بسبب أحقاد امرأة..

تنهد بتريث يضغط على أعصاب سالم و يستنفذ صبره المحدود ثم أجاب بأوراق و وثائق استخرجها من هاتفه و منحها للزوج الذي على وشك اكتشاف الشيطان الذي يرقد تحت فراشه منذ أشهر!!

"ها هي الإثباتات على كون امرأتك اللعينة حاولت قتل حليمة عبر حقن بغداد بمنشطات شديدة جعلته يركض بها كالمجنون حتى سقط كلاهما"

بدأت عضلاته تتشنج تزامنا مع شرح ما حدث كأن مجرد تذكره تجعله يعيش تلك التجربة الفظيعة مجددا و يعاوده هلعه على حليمة كالداء الذي يلتصق بالمرء طيلة حياته..

كانت تعبيرا وجه سالم تشبه فتاة خانها حبيبها من هول ما أصابه من فجع! كل أوصاله انتفضت عدة انتفاضات بصورة لا يمكنه التحكم بها بينما يجري صوت الطبيب الصيدلي الذي اشترت منه سهير المنشط عبر السماعات في جسده كالوباء أو كجراد له أزيز قاتل..

"نعم يا سيدي، تلك المرأة التي في الصورة هي من اشترت الدواء لخيولها المريضة؛ و قد أخبرتها أن الجرعة المناسبة هي نصف مللي منه للحصان"

قاطع زخات أفكاره الجنونية صوت قاسم يتبجح بلهجة فوقيّة بينما يشد جذعه للأمام باتجاهه..

"حسب كلام الطبيب الذي أحضرته أنت نفسك لمعاينة الحصان فقد تم حقنه بعشرة أضعاف تلك الكمية، أي أنه كان بغية قتل الحصان من فرط تفجر الأدرينالين في دمه؛ لكن بالطبع هذا بعدما يدهس زوجتي العمياء التي تثق بك و بامرأتك أكثر من أصابع يدها و.."

"يكفي يا قاسم، أرجوك توقف!"

هال الأخير ما رأى في وجه الرجل من ألم فظيع حيال ما يقوله و يصفه كما لو كان قلبه سيتوقف الآن بعد سماع تلك الكلمات!!

عيناه محمرتان و أنفاسه المتتابعة تنبئ بكونه بالمفعل…على وشك البكاء..

نهض من مكانه كإعصار هب في وجه ضيفه و هرع للخارج يهرب من أمامه متعللا بكونه سيستطلع أمرا في عجل..

"لا ترحل سأعود حالا"

كان قاسم يعلم أن الرجل تمنى لو رحل بعدما يخرج خجلا مما رآه في عينيه من كسرة و حسرة لذا حقق له أمنيته و انتظره حتى ارتحل إلى حال سبيله ثم تبعه لكن إلى وجهة أخرى…كان ينوي العودة لغرفة هالة ليجد حليمة و يحملها على ظهره ككيس أرز لكن..

"حبيبي، تعال إلى المطبخ سأعطيك حلوى صنعتها"
رسالة منها استمهلته يقرؤها بعناية…لم يعجب لأنها طبخ إذ أنها تلقت تدريبا رائعا لتتمكن من فعل ما تريد في ظلام دامس؛ لكن حليمة لم تنادِه قط بـ "حبيبي" بل لطالما دللته بألفاظ أخرى طريفة مثلها و لطيفة مثل " يا عزيزي/ قاسم اللعين"

لم يتريث كثيرا أو يأخذ حذره من التغيير في تعبيراتها، بيد أنها أعجبته و فرح باستعمالها دلالات الحب معه…لكنه كان مخطئا!


*******


"حليمة، أين أنتِ؟"

عجزه عن الوصول للمطبخ الذي وصفته له في رسالتها التالية لم يكن عجيبا، إذ أن الوصف كان شديد الغرابة و التعقيد.

كان في ممر واسع لا يدري إلى أي يؤدي و زوجته لا تجيب على اتصالاته كما ظن أنها لعبة منها تعبث معه بها و تشاكسه…و بيد أن تلك عادتها بالفعل فلم يصبه شك أن يتجه بشكل ملتوي لمخدع سالم لقمان و زوجته!

رأى بابا مفتوحا فنظر داخله نظرة عابرة آملا أن تكون هنا و تنتهي لعبتهما المنهكة لشخص ضعفت عافيته خلال الفترة الماضية….ولج بعدما تنحنح عدة مرات و أطلق بصره في الأرجاء بلا فائدة فعاد نحو الباب يقصد الخروج للمضي في طريقه المجهول؛ لكن صوت ارتطام الباب أجفله و أعلمه أن ثمة غيره في تلك الحجرة بلا شك..

"أهلا أيها الواشي.."

تمتمت سهير بنظرات حادة تشمله و تعمد لتمزيقه إن استطاعت….جسدها الخمري لا يستره إلا رداء عديم النفع من الحرير الناعم مطرز من الأطراف بخيوط الذهب…عرف بلا شك أنها مجرد غلالة نوم لا تصلح لتقابل بها نفسها في المرآة و ليس رجل غريب!!

أدرك حين لاحظ تصرفاتها المريبة و الطريقة التي تتحرك و تتكلم بها أنها ربما تنوي إغواءه أو أسوأ لذا أراد الهرب من أمامها سريعا قبل أن تلدعه بأنيابها الناتئة لكنه أدرك أن الباب مقفل بالفعل بمفتاح تملكه هي…استخرجته أمامه بلا حياء من حمالة صدرها فلثمت قبلة عليه بطريقة منحطة ثم أعادته لمكانه هامسة بنبرة متكسرة…

"إن أردته تعال و خذه يا كلب حليمة الأليف!"

"أنت امرأة غانية بلا شرف…أعجب لزواجكِ برجل نبيل كسالم لقمان!"

صوته الهادئ و نبرته الراسخة كما لو كان يملك حلا ما لموقفه الشنيع أمامها أصابها بنوع من الرعدة الخفيفة خشية أن تكون قد أفلتت ثغرة ما في خطتها…

جلس على المقعد المقابل لها و أشار لها بالمثل فطالعته بغرابة لبرهة ثم استجابت….رأته يناظرها بعيني النسر الشمالي خاصته يغرس خنجره في قلبها و يطلق عليها أحكاما قد لا تعنيها في لحظتها لكنها تربت و نشأت عليها.

نظراته الباسمة تجردها من كل معنى لإنسانيتها بلا كلمات أو انفعال كما توقعت من رجل ناريّ الطباع مثله!

حاولت التخفيف من أحمال الصمت المقيت بتراهات لا معنى لها..لكنها ستثير حفيظته و غضبه كما تريد..

"ما بك تطالعني بلا حركة؟! هل تنوي تفويت فرصتك الوحيدة لتذوق امرأة أخرى غير زوجتك التي لا تعرف ظهرك من بطنك؟"

تنفس بعمق يزفر هواءا حارا مملوءا بالحقد و الحنق…تجاهل أحقادها على حليمة و تطرق للموضوع الرئيسي بشكل غير مباشر اختصارا لوقته و جهده..

"أنا لا أنوي النوم معكِ يا سهير، أنتِ امرأة عفنة و نفسي تعاف مثل نوعكِ من النساء…لذا ابدأي بطرح عرضكِ سريعا و دعيني أتفكر به"

بدى عليها الارتباك و الانزعاج الشديد من إهاناته المتوالية لكنها تماسكت و نهضت تنوي استكمال الجزء الاحتياطي من خطته إن لم يسقط العاشق المخلص في شباكها…

حدجته بنظرات متخمة بالحقد و الغيرة التي يفهمها جيدا؛ كانت تريد منه السقوط أمامها على ركبتيه لتشعر بنشوة الحصول على الشيء الوحيد الذي تملكه غريمتها و تتركها في عذاب و وحدة سرمدية!

هز كتفه هزة خفيفة كخاصة حليمة و ابتسم مستمتعا بينما هي تتكلم بانفعال و تتحرك ذهابا و إيابا أمامه..

"أنت تعتبر نفسك جائزة لكنني لا أرغب بك بالمرة يا قاسم…زوجي يمكنه أن يضرب ألفيّ رجل مثلك بيده الحرة لكنني أريد الانتقام منك لكونك أخبرته بما فعلتُ"

"و ما الذي تنوين فعله إذا، سيدة سهير؟"

رفعت جانب ثغرها في بسمة جانبية غير مريحة بالمرة ثم مزقت نحر ثوبها و شعّثت شعرها بيديها…جرحت وجهها و فخذها بأظافرها ثم أفسدت أحمر شفاهها بيديها ثم انقضت عليه تنوي مهاجمته ليبدو شكله طبيعيا من أثر دفاعها المزعوم عن نفسها أمام محاولته المختلقة لاغتصابها!!

لم تتوقع القوة التي يملكها رجل اختير ليكون رأس آل جبران من بين أكثر من خمسون شاب في نفسه عمره إلا عندما وجدت نفسها محمولة من قِبَله في لحظة و جسدها ينطرح على الأرضية بعنف لم تتخيله قط!

شعرت بعظامها تئن و تصطرخها للتحلى بالشرف على الأقل أمام هذا السفاح الفظيع لكنها لم تأبه بالقدر الكافي و نهضت تركض نحوه صارخة بالاستنجاد و الاستغاثة…

كان متجها نحو الباب بخطوات لم تستطع هي إيقافها مهما حاولت ثم ركل اللوح الخشبي الشامخ الذي يحبسه بالداخل فتهاوى على الأرض في الممر.

لم تجد بُدًا من التصرف بسرعة قبل أن يبدو الأمر كأنه رجل بريئ أمام سكان البيت الذي يهرولون على السلم الداخلي نحو الحجرة؛ لذا تجاوزته بعدما دفعته و ركضت باتجاه السلم مستكملة مسرحيتها و صراخها الذي أصابه فيما بعد بصمم جزئي مؤقت.

"سالم أنقذني!"
ارتمت بين ذراعي زوجها البائس باكية بحرقة لم يفهم قاسم حينها كيف اختلقتها بكل تلك البساطة لكنه آثر توفير عقله لما هو هم الآن…

يداه في جيوب جلبابه و خطواته المتريثة نحو الجموع الغفيرة أصابت رجال و نساء آل لقمان بالبلاهة و الاستهجان…كل ما يرونه ليس متشابكا بشكل مناسب لكنه يشير لأمر واحد و إن كانت السيدة سهير لم تعبر عنه شفهيا..

"ما الذي فعلته لزوجتي أيها الوغد الخسيس؟!!"

زعق سالم بصوت رج أضلاع سهير نفسها و جماجم الحاضرين بينما سلاحه الإيطالي ينظر بسخرية و استهزاء لقاسم المتهم بلا أي أساس!!

مال الأخير برأسه يمينا بلا اهتمام يذكر بينما يجيبه كأنه يلقي نشرة الطقس..

"لا شيء، فقط أشاهد المسرحية الدرامية رديئة الصنع التي تقوم بها لتلهيك عن حقيقة محاولتها قتل الأبرياء بسبب الغيرة و الحقد"

لاح أمامه ظل حبيبته تخترق الجموع فتحركت تعبيراته الباردة أخيرا نحوها و ركض إليها يمسك بيدها كيلا تسقط أو تنسحق في الممر الضيق بين الأجساد.

أمسكت به سائلة بقلب ملتاع عما حدث فأجابها سالم بصياحه الجنوني بينما يدفع بيمينه جسده قاسم عبر فوهة مسدسه..

"ما حدث أن الرجل المنحط الذي آمناه على عِرضنا و أدخلناه بيتنا يرتع فيه كيفما يشاء اعتدى على حرمة المنزل و عِرضه محاولا التحرش بزوجتي!!!"

"لا يمكن لقاسم فعل هذا يا سالم! نعلم جميعا أنه أشرف رجل عرفته الواحة بأكملها و لا يمكن لأحد أن يشهد بعكس ذلك!"

زعقت بثقة لها أساسها و دلالاتها مشيرة بسبابتها نحوه تفطنا لمكانه من موقع الصوت فأمسكها من عضديها يهزها صارخا كمن على وشك فقدان عقله..

"أنتِ تدافعين عن الحقير ابن الساحرة لأنه زوجكِ ليس إلا يا حليمة!! لكن ماذا عني أنا صديقكِ ألا تصدقينني؟!"

دفعه قاسم بضربة لصدره بعيدا عنها محذرا بقسوة و ضراوة..

"لا تلمس زوجتي يا دمية امرأتك الخشبية!! العاهرة تتصرف أمامك كالعفيفة الآن لكنها منذ دقيقة كان ترجوني لأتذوقها بدل حليمة، صديقتها المقربة!!'

تلقى لكمة وحشية من قبضة سالم  تسببت في سقوطه بصورة مفجعة مصطدما بالجدار!

صرخت حليمة فزعة فجذبها عمر ابن عمها بسرعة بعيدا عن ساحة القتال هامسا لها كأنها تنبأ بما سيحدث مسبقا..

"لا تفزعي يا حليمة فلن ينهزم قاسم أمام سالم…قد لا يربح لكنه لن يموت لأنه غاضب أكثر لأجل عِرضه"

التفتت تقابله بوجهها مشدوهة من تعبيره الغريب عن الأمر كأنه رأى بأم عينه سهير تفتري على شرف قاسم؛ لكنه لم تطل الغرق في تلك الفكرة الغريبة، إذ أن الشجار الذي دار بين زوجها و ابن عمها تحول لتجمع من رجال العائلة حول الاثنين يمنعون كل منهما من قتل الآخر بلا فهم لما يجري جيدا! كل منهما الآن_قاسم و سهير_يدعي أمرا مختلفا عن الآخر بشأن ما حدث لذا تجريم الرجل نظيفة السمعة بلا نظر جدي في الأمر..

فورما سمعت نداء قاسم المنهك عليه افتكت من بين يدي عمر راكضة نحوه…ارتمت بين يديه عاجزة عن المشي بشكل صحيح بسبب إصاباتها المتفرقة في مفاصل ساقيها…

ضمها بيسراه و الدم يقطر من بين شفتيه و وجهه على صفحة وجهها الصافية…كإعلان على فوزه الذي كان وشيكا على الرجل الآخر الذي يدافع عن الباطل دون علم منه.

شعرت به ينهت بإعياء شديد كنمر جريح خرج ناجيا معركة مع ألف ثور هائج!!

"سأقتلك يا قاسم!! تالله إن لم أقتلك أنت و عائلتك القذرة لأكونن امرأة لعينة لبقية حياتي!!"

كانت تبكي دموعا خرساء لكن زوجها لم يبكِ مثلها؛ كان أسعد ما يكون إنسان في موقف كهذا لأنها تصدقه بكل كيانها رغم موقفه بالغ السوء…ابتسم يظهر نشوة النصر مسبقا ثم أجاب يهز رأسه مستفزا سالم المحجوز بين أذرع عشرين رجلا…

"لا داعي لهذا أيها المغفل…انتظر تسعة أشهر و إن أنجبت غانيتك صبيا سأكون الأب.."

لا يمكنني شرح ما صار بعد جملته تلك من مجزرة نجلاء لكنه خرج منه حيا كما سالم بالضبط…بالكاد..



********


"أقسم بالله العظيم أنني لم أعتدي أو أحوال الاعتداء على سهير لقمان…إن كنت كاذبا أشهد الله ليخسف بي أمامكم الآن أو يأخذني أخذ عزيز مقتدر…إن امتلكت هي الجرأة نفسها للحلف الآن على أن يحترق الكاذب في الجحيم للأبد سأسلمكم نفسي لتطبيق الحد عليّ"

قال قاسم بصوت جهوري في وسط المسجد بينما سالم يطالعه بنظرات قاتلة و الأخرى ترتجفا خوفا من رهبة الحلف أمام الجميع على كذبة!

صوته هادئ و مرتاح رغم الإصابات الخطيرة التي تزين وجهه و موقفه في جريمة مشينة لم يُتهم بها في حياته قط جديا…حليمة تجلس القرفصاء بجواره تمام تتابع الحوار بينما رجال آل جبران يحفونهما كالجدار المانع.

انطلق صوت سالم المحتد يحاول خفضه قدر استطاعته كيلا يأثم لرفعه في بيت الله..

"لن أجعل زوجتي تقسم على براءتها أمام خنزير مثلك، أنا أؤمن أنها صادقة"

"لكن أحدا لم يره يحاول إيذاءها يا بُنيّ…تصديقك لها شيء رائع لكننا لن نحكم على الرجل بحد القتل لأن زوجتك ادّعت أنه حاول هتك عِرضها دون دليل"

أجابه الشيخ محود بنبرة حانية و صوت رخيم هدّأ من غيظه قليلا على الرغم من كونه قدم اعتراضات..

"لكننا جميعا رأينا كيف كانت تبدو في حال مزرية يا شيخ! هل أصابت هي نفسها بتلك الجروح و مزقت ثيابها؟!"

"أحسنت، هذا بالضبط ما حصل يا سالم"

أجابه قاسم ببلادة فأشار لهما الشيخ محمود كيلا يجيب أحدهما على الآخر و تحصل مذبحة كالتي كانت قبل سويعات بسيطة.

أعاد الأخير مضمون حديثه بالطريقة ذاتها منقلا بصره بين سالم و زوجته بابتسامة شبحية ودودة..

"إن كان ما تقوله صحيحا إذا لن تمانع ابنتي سهير أن تقسم كما فعل الرجل الآن؟ لقد أشهد الله إن كان كاذبا أن يأخذه بذنبه أمامنا…و لم يطلب الكثير لقاء الاستسلام لإقامة الحد عليه دون دليل أو شهود، اللهم إلا أن تقسم الفتاة مثلما فعل بالضبط"

قُضي الأمر بكل سلاسة عبر كلمات الشيخ و إشارته بيده لسهير كي تبدأ بقسَمها كما فعل المدّعى عليه للتو.

نظرت بعين زائغة مرتعبة لوجه قاسم المملوء بالفخر و العزة ثم للجموع الغفيرة التي ستتهمها بأقذر تهمة في الوجود إن تجابنت عن الحلف أمامهم الآن! لا تدري سبب خوفا الشديد الذي يزلزل بدنها بل و يصيبها بما يشبه الحمى!

تهتهت و بدأت دموعها الحارقة تنساب مع ارتجافها الفظيع بجوار زوجها على أعين الجميع…كلماتها لا تجتمع في عبارة واحدة ذات معنى…بل أنها لم تنطق لفظ الجلالة إطلاقا كأنها شيطان سيحترق إن لفظها!!

صدح صوت عبدالله جبران الجهوري بطبيعته في المسجد يسخر منها..

"توقفي عن التأتأة يا امرأة لقد عرفنا أنكِ كاذبة حقيرة"

نهض سالم يجيبه بضراوة..

"اخرس ولا تخاطب زوجتي يا ابن الأنجاس و إلا قتلتك!!"

تلك المرة كانت حليمة هي التي انتصبت واقفة رفقة زوجها مخاطبة الشيخ محمود بتهذيب بالغ و بحزم تمتاز به..

"اعذرني يا شيخ…سنذهب أنا و زوجي للمنزل، فلا إثبات على فعلته المزعومة ولا شهود، و قد تلعثمت سهير أمامك و لم تتجرأ على الحلف"

استمهلهما الرجل بإشارة من يده فجلس الرجال الذي كانوا قد نهضوا جميعا كما فعل رئيسهم و امرأته…

أطلق نظرة فاحصة قاسية نحو سهير قائلا بحزم أضفت عليه هيبته هالة مرعبة..

"يا فتاة…إن كنتِ صادقة فلمَ الخوف؟ ألم تري ابنة خالتكِ حليمة (أشار الشيخ بشيء من الفخر تجاه حليمة) حين كانت تشهد و تقسم بالله بكل ثقة أمامي حين كانت متهمة بقتل عيسى جبران؟؟"

اختبأت خلف سالم تبكي و تنتحب_حقيقةً عكس بقية التمثيلية_متمتمة برجاء باهت بلا معنى..

"لا يمكنني أنا خائفة مما سيفعله بي إن تكلمت…أرجوك يا شيخ لا أريد الكلام"

نجحت خطتها في استجلاب تعاطف أمها و كذلك زوجها لكن الشيخ لم تعجبه تصرفاتها البتة و أراد وضع حد لدلالها و تقاعسها عن أداء الجزء الخاص بها من الشهادة كأن ادعاءها مصدق عليه فقط لأنها امرأة ضعيفة.

"سهير يا بُنيّتي…إن لم تفتحي فمكِ و ترفعي صوتكِ بالحقيقة لن يلمس أحد شعرة من رأس قاسم جبران و سيتم اتهامكِ بالافتراء عليه و قذفه بالباطل"

لم يكن من سالم أمام خوف و ارتجاف زوجته التي تعرضت_بلا شك_للترهيب من قِبَل قاسم إلا أن ينهض محتجا على إجبارها بأي شكل على إثبات صدق ادعاءاتها..

صرح بكل بساطة أمام الجميع أنه لا ينوي جعلها تقسم على صدقها كما فعل قاسم لأن الدلائل واضحة على إدانته؛ فما كان من الشيخ محمود إلا أن فض المجلس بكلماته التي ستكون إيذانا ببدء حرب جديدة بين عائلتين من بني عبد المطلب…

"الآن لا حق لسهير ولا لك عند آل جبران يا سالم، بل كلاكما مدين بالاعتذار للرجل الذي طُعن بشرفه دون بيّنة و تعرض للضرب و الإذلال ببيتكم لأن الموقف العام يبدو كما لو كان مذنبا (رفع سبابته بوجه سالم الذي يرسم تعبيرات قاسية متعالية) و بما أنك لم تبدِ حسن النية فأنا أحذرك إن بلغني أن فردا من آل جبران تعرض للأذى على يد فرد منكم سأعتبرها محاولة للترهيب و ستتعرض عائلتك للعقوبة القصوى"

هز سالم رأسه تحت اندهاش الجميع موافقا ظاهريا على ما يقوله الشيخ ثم اتجه ببصره نحو حليمة، رفيقة صباه و خائنة كهولته…يرمقها بنظرة ثاقبة يغرقها الخذلان و الأمر قائلا..

"ألا تريدين المجيئ معي يا ابنة العم قبل أن تبدأ الفرقة من اليوم و تكونين حبيسة ذلك الوغد المجنون و عائلته للأبد؟!"

شعرت بتمسك قاسم الحثيث بعضدها كأنه يرجوها بلا وعي ألا تتخلى عنه في أضعف موقف له…كان قلبه ينبض بعنف بجوار خاصتها لذا لم تتردد في منح سالم الإجابة التي تهدئ من روع الرجل الذي تعشقه..

"سيكون من دواعي سروري لو حوصرت للأبد رفقة رجل شريف يأبى الزنا و يخشى الله يا سالم"



********


نزعت عباءة قاسم التي كان قد منحها إياها لشدة البرد في الطريق فطوتها جيدا و وضعتها على الفراش..

أحست بتحركاته في الغرفة لتبديل ثيابه و أنينه المكتوم من أثر الشجار الدامي بينه و سالم فعلّقت بهدوء..

"ألا تجد من الأفضل لو أخذت حماما دافئا لتخفف الألم؟"

"نعم أنتِ على حق؛ لكنني سأستخدم حمام الغرفة لأن المغطس مريح أكثر لذا يمكنكِ انتظاري لو أردتِ أو استعمال الحمام الخارجي"

فضت ضفيرتها الفرنسية و اختارت ثيابا مناسبة مما كانت قد تركته في الخزانة ثم دلفت للحمام قائلة بنبرة عادية..

"تعال يا قاسم، سأقوم بتدليك إصابة كتفك بالماء الساخن كيلا تعاني منها طويلا"

تبعها كالطفل الهائم فأغلفت الباب خلفهما كي تحافظ على دفئ المكان من أجله ثم ربتت على ظهره برفق و حنان كإشارة صامتة لينتظرها ريثما تعد ماء المغطس له.

كان منصدما من كونها لا تعاتبه أو تسأله عن الأمر حتى لكنه سعيد و هانئ كأن الليلة عيد بالنسبة له! رؤية الثقة التامة ترتاح على صفحة وجهها و سماعه التأييد المطلق له في صوته أصاباه بنوبة من الحب العارف لا يدري كيف يتعافى منها..

يجزم أنه حين أبى الخطيئة التي عرضتها عليه سهير بالمجان لم يفكر في حليمة و الرغبة في ألا يخونها و يكسر شوكتها أمام عدوتها بالقدر الذي أخافه و أرعبه رؤية الله له في حال خسيسة كتلك متصورا في نفسه أن لا أحد رآه؟!

"هيا ضع جسدك في هذا الماء، ستقوم الأعشاب الطبية تلك بتخفيف آلامك و تحسين مزاجك…لقد أوصتني بها الطبيبة و أنت اشتريتها لي ضمن الدواء دون اكتراث"

ابتسمت عند عبارتها الأخيرة كأنها تضحك من تقلبات القدر كما يشاء الله بلا علم منهم أو تدبير..

شعر بالخجل من عريه أمامها و إن كانت لا تراه كما لو كان قد تزوجها للتو حين هجرته الشهر الماضي…كان يتلفت و يزدرد لعابه أسرع من قدرة غدده على انتاجه حتى هدأته يداها اللطيفتين على كتفيه و صوتها الشجي يقطع ارتباكه و تساؤلاته بإجابة واحدة…

"أنت لم تفعلها يا قاسم…أعلم هذا و أصدقك من صميم قلبي…لم أكن أدعي أمام الجميع لأحفظ ماء وجهك بل ما شهدت به أمام الشيخ محمود هو ما أؤمن به عنك"

سرت في قلبه رعشة دفيئة جعلت بدنه بأكمله يصاب بسخونة لطيفة لم يشعر بها من قبل.
كل ما تفعله به حليمة لم يختبره قط كأنها تتسبب في تفاعلات جديدة في جسده لم يكن يعرفها ولا يدري دلالتها…

زفر بعمق فأدركت هي سريعا أن كلماتها أزالت عبئا ثقيلا عن كاهله و طمأنته في الوقت المناسب، و كان ذلك كل ما أرادته من التصريح بصدقه أمامه كيلا يشعر بالوحشة و الوحدة في أزمته.

"لا تقفي هكذا ستؤلمكِ ساقاكِ؛ دعكِ مني و اذهبي للاستحمام"

جلست على طرف المغطس مستكملة ما تفعله بلا توقف بينما تغمغم بنبرة لعوب مسموعة بوضوح..

"لا لن أفعل. أنوي الاستحمام هنا…إلا إن كنت لا ترغب.."

"بلى أرغب، لا ترحلي"

ضحكت باستمتاع فأصابته العدوى بسرعة و رافقها في ضحكاتها.

تبادلا أحاديث كثيرة حول ما جرى و ما حدث للمنزل إبان غيابها من شيطناته و ترويعه لكل من يتنفس داخل البيت..

كان قد فرغ من الاغتسال منذ مدة لكنها أبقته داخل الماء الدافئ ليخفف آلامه و إصاباته.

"هل يمنحك شعورا جيدا أن يقوم شخص ما بتحميمك؟ أحب هذا الشعور لأنه يذكرني بطفولتي حين كانت تدللني أمي و تلعب معي في حوض الاستحمام كيلا أخاف"

ابتسم مستمتعا بشعورا اللذيذ رغم كونه لم يختبره إلا مرة يتيمة..

"قام أبي بتحميمي مرة واحدة حين كنت طفلا و أذكر أنني استمتع بها و سعدت بشكل لا يصدق!"

ضحكت بخفة فأمال رأسه للخلف ينظر إلى صفحة وجهها اللامعة ببريق ذهبي لا يدري من أنّى يأتي لها!!
لا يكاد يصدق أنها تضحك معه الآن و تمازحه بينما الموقف عامة بين العائلتين صار بأمر من سالم لقمان في حالة حرب باردة و الموقف الخاص يدعوها للحزن و التنكد! يحب الطريقة التي تتعامل بها مع الأمور كأنها لا تحمل هما لشيء و ترمي ثقلها و حمولها على التصريف الإلهي..

شعر بأصابعها تفرك فروة رأسه بالصابون بقوة كأنه كان يلعب في بركة طين كالنعام..

أراد سؤالها عن أمر هو السبب الرئيسي في الإيقاع به بواسطة سهير..

"أين هو هاتفكِ؟ لقد تم استدراجي عن طريق رسائل أُرسلت من هاتفكِ و اعتقدتُ حينها أنها أنتِ.."

لم يجد في ردة فعلها صدمة أو فجعة، إذ تنفست بغضب و حنق مجيبة أنه ببساطة تمت سرقته صبيحة يوم مجيئه للمنزل.

انتهى من حمَّامه و تبادل الأدوار معها بحيث يدلك لها كتفيها كما فعلت له لكنها لم تتحمل وقع يده على جسدها و راحت تتألم و تتململ..

"لا داعي لهذا يا قاسم فإصاباتي أنا من النوع الذي يؤلم إن تم لمسه…أحبك لكن لا أتحمل هذا"
بدى على وجهها الانزعاج الشديد فأشفق عليها و رحمها من محاولاته الحثيثة لتخفيف آلامها؛ قرر الجلوس على الكرسي المجاور لها يسمع أحاديثها اللطيفة عن الوقت العصيب و المضحك الذي قضته في غيابه بينما تتعالج..

"حين حاولت الوقوف شعرت بألم فظيع في ساقي فأردت الصراخ ليدعني أبي أجلس مجددا لذا و بعلو صوتي قلت (رفعت ذراعيها في وضعية الخطابات الوطنية) تبا لك يا زين الدين!!"

قهقهت بعمق فضحك بخفة بينما هو يستند بذراعيه لحافة الحوض…ينظر بإمعان لوجهها الذي لم يشفَ تماما بعد و يتأمل صفاء روحها التي لا تعتمل بالشقاء و التعاسة…كان مفتونا تماما بها…غارقا حتى أذنيه في حبها…و يبدو له من موقفها معه اليوم أنها تحبه مثلما يفعل.

أفاق على صوتها المنعَّم بالضحكات الرقيقة يستطرد بينما يدها المبتلة تمسح على رأسه و ظهره

"كان عليك رؤية وجوههم بدلا عني حين صرخت بالسُباب لزين الدين لأنني متأكدة أنهم كانوا سيموتون ضحكا!"

أسبل أهدابه يستمتع بصوتها البديع يؤنس وحدته وملمس بشرتها الطرية تعانق الوحش الذي بداخله بحركات بسيطة لا تدرك هي دلالتها في نفسه….

حين أمسكت يده في المسجد بينما يقسم على براءته…حين ابتسمت له بعدما رفضت سهير الحَلف…حين دافعت عنه أمام عائلتها كلها دون أدنى شك في شرفه و عفَّته…كل ذلك كان كافيا ليكون قلبه مهووسا بقربها و المشاعر الدافقة العبقة التي تغمره بها.

فتح عينيه يريد الاغتراف من هيئتها اللطيفة بينما تتكلم و هي غارقة في فقاعات الصابون الباهظ خاصتها…ليتها لا تهجره أبدا مجددا و هو مستعد ليكون لصيقا بها مادام حيا ليحميها و يحفظها عن الأذى.



******



"ألن تأكل شيئا؟ إنه اليوم الثالث بلا طعام يا حبيبي ستمرض.."

اقتحم صوتها الواجف عليه عزلته الذهنية التي بدأت من يوم الحادث و حتى الآن بلا قدرة اختيارية منه على إيقافها أو التصرف بطبيعية.

تنفست بشكل فجائي كمن كان في حلم من نوع ما ثم وجه بصره إليها يتمتم بإنهاك..

"أنا لست مضربا عن الطعام، فقط لا شهية لي…أنا آكل سبع تمرات في اليوم لذا لن أموت"

خلت نبرته من كل دلائل الحب و الشفقة…كل ما تسمعه يخرج من جوفه خلال المدة الفائتة هو كلمات و عبارات وجيزة بلا روح ثم يغوص مجددا في التفكّر بما حدث و كيف تعامل هو مع الأمور.

إن كان قاسم جبران حقا قد اعتدى على امرأته فلمَ صدقته حليمة و وقفت في صفه على غير عادتها…نعم…لم تعتد ابنة عمه أن تنصر أحدهم بلا بيِّنة إذن ربما هو على خطأ و تحتمل هي وزرا أمام ربها..

ترددت كلماتها و صوتها الراسخ في أرجاء جسده كالصدى القاتل للمرة الألف

"لا يمكن لقاسم فعل هذا يا سالم! نعلم جميعا أنه أشرف رجل عرفته الواحة بأكملها و لا يمكن لأحد أن يشهد بعكس ذلك!"

بالفعل هو يعلم يقينا في قرارة نفسه أن الرجل لا غبار على أخلاقه و تقواه…حتى أنه حين تزوج المرأة التي قتلت ابن عمه لم يعذبها أو ينتقم منها بذنب الرجل الخسيس الذي هاجمها!! كل ما يعرفه عن قاسم جبران منذ الطفولة و حتى الآن هو الاستقامة في السر و العلم بشكل لا يكاد يصدق حتى كما كان عمه أواب لقمان…

وثب عن الفراش عندما تذكر أمرا كرهه و أزعجه..

"لا تلمس زوجتي يا دمية امرأتك الخشبية!! العاهرة تتصرف أمامك كالعفيفة الآن لكنها منذ دقيقة كان ترجوني لأتذوقها بدل حليمة، صديقتها المقربة!!

لقد ناداه بالدمية الخشبية بكل تلقائية كأن الجميع يعلم أنه هكذا أو أنه يراه في عمىً بالغ عن شرور السيدة لقمان.

حين تذكر المشهد من جديد أصابته صعقة أليمة في رأسه بفكرة أن سهير على غير العادة كانت تجلس في غرفتهم بمنامة فاضحة و هو نفسه أصلا غير موجود معها و لن يتواجد معها قبل أذان المغرب حين تنتهي أعماله و مشاغله…أي أنه هناك احتمال كبير أن تكون قد ارتدت بهذا الشكل على غير العادة لإغواء قاسم فعلا كما ادّعى!!

هاجت معدته فشعر كأن فيها سنجابا بريا يختلج طلبا للنجدة…لم يتحمل ذاك الإحساس الثقيل فتوجه ناحية الباب ينوي المبيت في أي مكان آخر عدى الحجرة التي تجمعه بتلك المرأة.

"سالم..!"

التفت على صوتها منصدما ثم أدرك بعد لحظة أنها كانت تحدثه طول الوقت الذي كان فيه مغموسا في أفكاره!

"ما الأمر؟"

سأل بارتباك طفيف يطالع وجهها المشدوه كأنه تجاهل للتو شيئا خطيرا كانت تقوله..

اقتربت منه و مازالت عيناها تحتجزان خاصته في جولة تحديق بلا نهاية…قالت بعدما زفرت جل ما في صدرها من هواء

"إلى أين أنت ذاهب؟! الفجر لم يؤذَن له بعد.."

مسح على وجهها بطريقة تنم عن شعوره البائس بالإرهاق الشديد ثم غمغم متجها للخارج بخطوات متباطئة..

"أحتاج شخصا أناقشه في تلك الأمور التي ستقتلني…سأهلك إن بقيت أفكر وحدي ولا يمكنني محادثة جدي لأنه غاضب"

"لمَ لا تتحدث إليّ؟! أنا زوجتك و حبيبتك ألا تريد مناقشة أي شيء معي؟"

طالعها هنيهة بنظرات غريبة لا تفسير لها إلا أنه يشعر بالقرف لرؤيتها ثم توجه للخارج مندفعا بلهيب فكرة جنونية مسّته هاتفا..

"آسف لا يمكنني، أحتاج حليمة لهذا الأمر"

تبعته عدوًا حتى أدركته فتشبثت بذراعه تزمجر بغضب مستعر و نيران الغيرة تحتقن في صوتها و لمساتها..

"ألا تذكر كيف وقفت في وجهك لصالح زوجها القذر و عائلته؟ حين كنت في أضعف حالاتك و تحتاج إليها كانت هي تجلس في الجانب الآخر محتضنة ذراع قاسم بكل حب لتثبت بتصرفاتها أنه منزَّه عن كل ريب!!"

انتشل نفسه من بين يديها متقززا من لمساتها و كل شيء فيها! قطب جبينه و احتدت عيناه حين أجابها بخشونة و حزم..

"لهذا بالضبط سأذهب إليها و أناقشها في أموري كما اعتدنا دائما…حليمة ليست عاهرة تتهم رجلا بالباطل و هي تعلم براءته…إنها سيدة آل لقمان و ستظل تحمل ذلك اللقب فعلا و خُلُقا للأبد"

"أنت…هل تحبها يا سالم؟!!"

همست أمام وجهه مباشرة بذهول ماحق تتأمل اللمعة المختلة في عينيه حين ذكرت طبيعة العلاقة بين ابنة عمه و زوجها كأنه يوخز من كل كلمة لها دلالة عليها!

تجعدت تقاسيمه و لاذ بالصمت المرير لحظات مرت عليها كدهر من الحب و الحرب، ثم ما لبث أن استسلم و ارتخت تعابيره بكل الشقاء الذي في العالم متمتما..

"لا أدري"

Continue Reading

You'll Also Like

1.8M 37.8K 66
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
818 152 7
تدور أحداث هذه القصه حول مغامره يقوم بها شاب شجاع الي جزيره يقال عنها اساطير كثيره وتحدث له أمور غريبه ٠ تري هل سيستطيع النجاه من تلك الأخطار 👀
3.1K 124 21
المقدمه كان يتقن الغزل كلماته كانت تجعلها تبحر بعيدا ِمن اين كان ياخذ هذه الكلمات ِلعله قرا كثيرا من شعر جميل ِلعله قرا عده روايات رومنسيه ِكان يقول...
21.1K 4.3K 104
سنعود إلى الوطن، وليس هناك نقاش في ذلك، سنترك وطني هُنا في روسيا حتى نعود إلى وطنها هي في مِصر. اسمي يعني الحرب، ولا أعلم متى ستُقام هذه الحرب على...