الوشاح الأحمر | The red scarf

By LaraAshraf8

20K 1K 272

بعدما قتلت ابن عمه كان يجب عليه الانتقام منها و من عائلتها كلها.. فتاة بدوية عمياء لكن رصاصتها أصابته في مقتل... More

الندم للجبناء!
الحقيقة الهاربة🍁
دموع الشياطين
زواج أم عقاب⏳
ليست مكسورة الأجنحة
اقتباس🥀
فتيل النار الأخير
للحيَّة لون أرجواني
الوحش الذي يسكنه🎭
غرام الأسياد
شيطانة الصومعة
اقتباس خطير🔥
لا تهجريني!
سهام الأميرات
شياطين العابد
غرام الأفاعي♪♫
لا تقعنَّ في الحب!
(الخاتمة) أشواك الورد🥀

النداهة

822 53 8
By LaraAshraf8

حاولت الإسراع في كتابة الفصل ده علشان ينزل يوم الجمعة بحيث أجازتكم تكون ممتعة♥️♥️🥰

الفصل فيه تفاصيل هتظهر شوية تلخبط فركزوا أوي و ممكن تسألوني على الحاجات اللي مش فاهمينها♥️♥️

لا تنسوا الڤوت و الفولو عشان تتابعوا التحديثات👈👉


*********


"قاسم…قاسم..تعال إلى هنا يا ولد"
نهض من مخدعه على صوت والدته حبيسة الغرفة المجاورة تناديه بفحيح أرعد أوصاله و بث الرعب في نفسه..

نهض قفزا بجسده الضئيل عن الفراش يركض نحو الخارج مارا بالردهة الواسعة نحو الغرفة الواسعة التي ينبع منها الصوت..

من المفترض أن تكون الحجرة مغلقة بالأقفال الضخمة كيلا تتمكن المرأة المتوحشة الساكنة بداخلها الخروج مهما يكن إلا بإذن من أبيه "نور الدين جبران"

ألقى نظرة خاطفة بالداخل للشموع الهائلة الموقدة بكل أنحاء الغرفة…ثم إلى الفتاة ذات الربيعين المقيدة بصورة خماسية من جميع أطرافها إلى الأثاث على الأرضية القذرة!! لم يتعرف إليها لكنها نظرت إليه بعينيها البنيتين تأمل بكل براءة أن ينقذها مما هي بصدد التعرض له!!

ظهرت امرأة قبيحة بطريقة لا يتصورها عقل…شعثاء…نحيلة القوام في سن حديثة جدا لكن شعرها يكاد يصطبغ باللون الرمادي عن بكرة أبيه..

طالعته بنظرات مخبولة حارقة قبل أن تشده من تلابيبه للداخل بعنف هاتفةً بحماس…

"تعال إلى هنا عزيزي…اليوم سأستعيد حب أبيك كما كنا مسبقا…سأقدم عيني تلك الفتاة لثائر و هو سيمنحني قلب نور"

كان يعرف بالتأكيد من هو ثائر ذاك….شيطان استحضرته من كتاب ملعون أهدتها إياه امرأة حقيرة النسب تعمل كقابلة…

الآن هي تنوي تقديم تلك الصغيرة البريئة هدية لذلك الشيطان المريد ظنا منها أنه سيعيد لها زوجها الذي نفر منها بعدما رآه من الأسحار التي تهواها و الشعوذة المؤذية للناس من حولها! كان أبوه رجلا نبيلا رقيق الطبع، يتقي الله في أموره كلها ولا ينفك يسترضيه قدر استطاعته..

لذا بطبيعة الحال حين أبت المرأة التي أحبها و تزوجها إلا أن تسير كشيطان في دائرة الكفر و الشرك العفنة تلك لم يتمكن من تحملها و إن كان على حساب مشاعره.

وجد قاسم نفسه يُسحب من شعره بعنف اتجاه النجمة الخماسية المحفورة على الأرض بيد لا يعرفها ولا يستطيع رؤيتها حتى لكنها قوية قاسية و….كريهة الرائحة.

"أمي…أعدكِ أن أجلب أبي ليراكِ إن تركتني أرحل و الفتاة"

لم يتلق على استجدائه المهين إلا صفعة مدوية من السيدة التي أنجبته حولت وجهه لكتلة من الدماء الوردية.

كانت تصرخ عليه و تعنفه بالضربات غير القاتلة و الشتائم النابية التي لا تُقال لطفل في الخامسة ولو سهوا! تتحرك في الغرفة بردائها الأبيض  حول الفتاة و ترش عليها مسحوقا أسود اللون ذا رائحة عطنة…و الصبية اليائسة تبكي بصمت أُكرهت عليه بعدما ألصقت السيدة المجنونة شفتيها بالغراء.

عيناه تقابلان عيناها بشفقة و عجز سرمديان…أنفاسه تضطرم كشعلة متأججة معبرة عن رغبته الجريئة بإنقاذها من هذا الموقف الكريه.

"أمي أتوسل إليكِ…ضعيني مكانها و اتركيها ترحل إنها صغيرة و تبكي"

انهمرت دموعه بكبرياء و عزة انبعثت من رجولة عائلة جبران الفاحمة في المواقف القاحلة…نظراته الراجية و كلماته بتلك النبرة كانت استنساخا حقيقيا لوالده…ذاك الذي زاد من اشتعال أجيج حقد أمه و غضبها المستعر!

تحركت نحوه بحركات همجية كدبٍ بريٍ أو حيوانٍ وحشي آخر تدوس أطراف البنت المسكينة في طريقها بقسوة حتى مر صراخها المكتوب إلى قلبه كسهم سام…

اخشوشن صوت الأم بطريقة تشي بهوية المتحدث الحقيقية بينما تجيبه و ابتسامتها المقرفة لا تغادر محياها..

"تلك الفتاة غنيمتي…ستكون زوجتي و امرأتي لسنين عدة و أنت يا صغير ستعينني على هذا بيديك و إلا قتلتُها"

"لا لن أفعل!'

زمجر به بشجاعة باهرة ثم هرع نحو الصبية يحميها بجده محتضنا إياها كيلا يصل إليها ثائر أو أمه التي صارت مجرد بيدق له ليس إلا.

همس لها بقلب ينبض كقلب فرس مريض في ماراثون عالميّ…بكل ما استطاع من ثباتٍ و قسوة أكسبتها إياه الأيام التعيسة التي يقضيها هنا…

" لا تتحركي ولا تصدري صوتا…اليوم حين تؤذيني أمي سيطلقها أبي للأبد و سنكون كلانا بأمان"

كانت تصوراته ضيقة الأفق…ضعيفة البصيرة كما يتحتم على الأطفال في مثل عمره.. لذا لم يتخيل في أحلامه أن يجد جسده كله مأخوذا بإرادة السيدة أنيسة جبران_أمه و معذبته_تحركة كدمية مريونت كيفما تشاء! تضع السائل الزجاجي في يده و تجبره بكل قسوة و عنف رغم مقاومته التي يشهد الله أنها كانت مذهلة على سكبه داخل عيني الصبية حتى انقطعت أنفاسها من الصراخ و الاستغاثات!

كانت تبكي ألما و هو يبكي ذعرا و حسرة…يصرخ بعلو صوته كما لو كان يستبدل صراخها الأخرس بخاصته القوي الرنان…لا ينقطع عن الزئير لأجلها كمن سيقوم بهذا للأبد..

لم يشعر بشيء حينها إلا ما يشبه القشعريرة الباردة تتصاعد في شكل ثعباني من قدميه إلى رأسه…تأخذ وعيه في الثانية التي اقتحم بها أبيه الغرفة و هتف الشيطان بصوته الذي يشبه صهيل الخيل المصابة بالسعار..

"الآن صارت لي…ابنة آل لقمان لي و الخردة من آل جبران لك يا نور الدين!"






******



وثبت من نومته فزعا يشهق و يتنفس برعونة! استيقظت حليمة معه و جلست في مكانها تحتضن جزعه العاري بقلق عارم و حيرة لا متناهية…

باتت تربت على صدره من بين لهاثها وتذكر الله…

"بسم الله عليك…بسم الله…ما بالك يا قاسم؟! هل راودك كابوس؟"

"حليمة! هل أفزعتكِ؟"

مسد على شعرها محاولا تخفيف حدة الخوف الذي أصابها حين انتفض بجوارها دون سابق إنذار…في ذلك الوقت صوته و شعور يده على جسدها كانت ذات طابع مختلف…كما لو كان رجلا آخر.. لطيفا.. رقيقا بقدر لا يمكنها استيعابه منه! صوته لا يبدو كالرجل الذي تزوجته!

احتضنته مخبئة رأسه بين حنايا صدرها بدفئ و حنان…تربت على ظهره كالأم التي لم يحصل عليها قط بينما تجيبه بخفة و ظرافة..

"لم أفزع لأنني معتادة على النوم بجانب الرجال…الفرق أنك زوجي وحسب"

رفع رأسه بعنف من بين أحضانها فانهمكت في ضحكات جزلة ناعمة لم تثر في نفسه أي رغبة في التخلي عن انزعاجه الجم مما قالت بلا اهتمام..

قرص يدها بقوة أشعرتها أنها قد تعرض للطعن ثم طفق يؤنبها بفظاظة..

"لا أضحك على نكاتكِ السخيفة بعد الآن يا حليم…توقفي عن التحدث بوقاحة عن الرجال كأنه شيء عادي"

"حسنا لكنني أقول الحقيقة…لم أترك رجلا استطعت النوم بجواره في قبيلتنا إلا و فعلت"

أحسن بوخز شديد في صدره و تقلصات خطيرة في معدته من فرط الصدمة التي أحدثتها كلماتها له كصعقة برق في منتصف الرأس…

أطبق على منكبيها و جذبها إليه كالدمية المحشوة يهمس سائلا أمام عينيها بنفاذ صبر يرجو أن تكون تلك مزحة ثقيلة من خاصتها…

"ما معنى هذا؟ لعنة الله عليك إن كان ما فهمته صحيحا!!"

هزت كتفيها ببساطة و مطت شفتيها تجيبه بصوت إذاعي مثل نشرات الأخبار الجافة..

"أنت رجل عديم الحياء…أنا أصدقك القول لكنك فهمته خطأ…الرجال الذين نمت بجوارهم هم أبي و جدي و أعمامي و خالي بالرضاع و أخي بالرضاع ابن الخياطة…و أيضا سهير حين كانت صبيا في المرحلة الإعدادية و تملك شاربا أكثر كثافة من خاصتك"

لم يمنع نفسه من الضحك على ذاك الوصف الفظيع لصديقتها التي تشاجرت معها ليلة زفافها….كانت غاضبة بكل وضوح من أفعالها الوضيعة معها لكنه كان يملك ما هو أسوأ حيال تلك المرأة ليخبرها إياه..فقط ليس الآن.

نهض عن الفراش يتوجه للمغسلة كي يتأهب للصلاة…بينما اتخذت هي طريقها لإعداد ثيابها التي سترتديها حين ترافقه لمسجد الواحة..

كانت تحدثه في أمور متفرقة بينما هو يغتسل وهي تأكل حلوى البندق أمام باب الحمام حرفيا..
خرج يطالعها بابتسامة ساخرة لمظهرها الذي يشبه متسولي الطرقات..

تساقطت قطرات مياه استحمامه من شعره إلى وجهها فنهضت تمسح وجهها هاتفة بعزم..

"سأذهب لأغتسل…لا تتركني و تذهب للصلاة…قد ينزل تتحول لمكنسة كهربائية إن منعت امرأة مسكينة من الذهاب للمسجد"

همهم بانصياع درامي بينما يرتدي عباءته التي قامت بتعطيرها بنوع من العطور النسائية كي يعلم الجميع أنه غير متاح بعد الآن للتواجد رفقة نساء أخريات!

جفف رأسه ثم جلس يحدثها على المقعد المجاور للحمام مستطردا حديثهما السابق حول ألعاب الطفولة..

"هل اعتدتِ أيضا اللعب مع الفتيان في طفولتك أم اكتفيت بصديقتيكِ؟"
أراد بجدية معرفة إن كانت تذكره و تذكر وجوده الكارثي في حياتها مسبقا أم أنها ذكريات أمست لها سرابا بلا لون أو معنى؟
لم يتوقف عن النظر للباب ينتظر إجابتها بترقب و صبر كمدخل لبقية الحديث إن تعرفت عليه بأدنى درجة.

جاءته إجابتها بعد عدة تأوهات إثر اصطدام رأسها بحامل المناشف..

"لم ألعب إلا مع الفتيان في طفولتي…صديقي المفضل كان سالم و البقية يمكن الاستغناء عنهم إن استحكمت الظروف.."

"ألا تذكرين أسماءهم أو الألعاب التي اعتدت لعبها معهم؟"

صرخت تتألم من حرارة المياه التي وضعت كامل جسدها بها فجأة دون تأكد من درجة سخونتها…بعد هنيهة من الاعتراض على رغبته في الدخول و التأكد من سلامتها بنفسه أجابت على سؤاله الأول في محاولة لإلهائه بأمور أخرى..

"كنت ألعب لعبة سادية حيث أجمع الصبية و أتظاهر بأنني الملكة و هم فرسان المائدة المستديرة الذي يتقاتلون على حبي…و دائما ما كان سالم يفوز بشق الأنفس على ولد آخر لا أذكره جيدا…لكنه دائما ما أبرح رئيس عائلتنا ضربا في تلك الألعاب"

كم أراد بشوق و ياس إخباره أنه كان الفتى الشرس الذي لا يخسر بسهولة أمام ولد يكبره بعام..! كاد يموت ليقول تلك الكلمات لكنه خشي من كل خلية في قلبه أنها غن تعرفت عليه أدركت أن ذكرياتها معه لم تكن لعبا و مرحا وحسب…

يداه هاتين سلبتا بصرها و إن كان بغير إرادته..فقد فعل و هي للآن تتعذب عذابا سرمديا على يده و والدته المجنونة!
داهمته غصة قاسية لفت حول عنقه ببطء و تريث مثل حيّة رقطاء لا تنوى تركه حيا ولا ميتا للأبد. كل الكلمات التي امتلكها تلاشت في فضاء لا يسمع في إلا صوت صراخها المكتوم و لا يرى غير مقلتيها الداميتين في صحوته و أحلامه..

لطمه صوتها القريب لطمة خفيفة لكن مفزعة نبهته لوقوفها أمامه تنظر مباشرة إليه كما لو كانت عيناها توجه له أصابع الخطيئة و الانتقام البارد..

"هل يزعجك ذلك الحلم الذي رأيته قبل قليل؟ أترغب في عناق آخر للمزيد من البهجة؟"
كانت جادة كرجل ينقل خبر وفاة صديقه للعائلة الثاكل….تنتظر بصبر رده عازمة على تقديم كل العناق الذي يتطلبه الأمر لينسى حتى أنه نام ليحلم..

لم يتمكن من التعامل مع عواطفه ذات الأشواك الحادة بشكل طبيعي كما لم يتعلم كيف يفعل قط..لذا أصابه الغضب و الحنق المتردد كذبذبات الراديو…ليس غضبا حقيقيا لكنه لا يتحمل الحقيقة التي كشفها له الله الآن لسبب وجيه سيظهر قريبا جدا..

"لا داعي لهذا…دعينا نذهب قبل إقامة الصلاة حتى لا نصل متأخرين"






*******




"كيف بالله انتهى بنا الأمر نسير معا للمنزل؟!"
تأفف سالم من حقيقة أنه يرافق قاسم جبران الذي لا يدع زوجته تسير دون ذراعه التي تحيطها بطريقة غريبة لمنزلهم…يشعر بما يشبه اليقين أن الرجل يعاني من أزمات نفسية بخصوص تعلقه بالأشخاص المقربين من قلبه…كان قاب قوسين أو أدنى من منيته حين أصيب زين الدين..و الآن هو يعامل حليمة ذات السبع أرواح على أنها معرضة للقتل أكثر من جورج بوش!!

"توقف عن التذمر سالم…كن رصينا مع الرجل و زوجته.."
غمغمت سهير بالقرب من أذنيه بنبرة حادة حين تفطنت للسبب الذي منع قاسم من الإجابة على إهانته المبطنة…كان بطريقة ما لا يسمعه ولا يدرك ما يجري حوله من شدة شروده في غياهب شيء ما لا يدريه أحد غيره!

بعدما ورطهم الجد الأكبر في عزيمة على الإفطار ببيت آل لقمان احتفالا بزواج الحفيد الأكبر لم تتحدث إليها حليمة مطلقا ولا حتى بالمباركات العادية….كما لم يفعل زوجها الذي يملك ولاءً لامرأته يفوق خاصة الجنود لقادتهم..

تربيتة خفيفة على كتف قاسم من زوجته انتشلته من الهوة الموحشة التي غرق بها إلى صوتها العذب يداعبه كنسمات باردة في صبيحة صيفية من الجحيم..

"هل رأيت امرأة أعجبتك في الطريق وتفكر جديا في خطبتها؟"

"و هل وجه الخنزير هذا ستقبل به أي امرأة غيركِ لأنكِ لا ترينه؟!"

ضحك سالم على نكتته الخاصة حتى كاد يموت و سهير تحاول إيقافه خوفا من نظرات قاسم الباسمة كسفاح في مشرحة مهجورة..

تكلمت حرم الخنزير متهكمة بخيلاء تطعن غرور سالم في مقتل…

"أذكر أن شقيقتك كانت ضمن عشرين فتاة كادت تفقد صوابها في النافذة حين رأته يوم الصلح في مرعانا…لا أظن نورا تفضل الخنازير عادة"

هز قاسم رأسه بخفة في حركة كيدية و لعق أسنانه بطرف لسانه مبتسما بجزل…ربت على كتف زوجته مفتخرا بدافعها الجسور عنه دون لحظة تردد أمام صديق طفولتها و رفيق صباها المفضل.

طوال الطريق الذي استغرق ثلاث دقائق أخرى لم يتحدث أحدهم للآخر بعدما انتهت المحادثة النابية التي بدأها سالم لقمان بخسارته أمام ابنة عمه…

عيون قاسم تنطلق بحذر بين الفينة و الأخرى نحو سهير يرقب تعابير وجهها و نظراتها المتوترة التي ترميه و حليمة بها بشكل متكرر…
بالتأكيد لاحظ زوجها الأمر لكنه اكتفى بزجرها زجرا صامتا بعينيه لتنتهي عما تفعله من سلوكيات قد تكون فاضحة إن فُهمت بشكل خاطئ!

كان سالم يدرك سبب تحسسها من الحديث لحليمة، بيد أنه قد علم ما جرى بينها و ابنة عمه ليلة العرس من شقيقته لكنه لم يواجهها بفعلتها المشينة مع صديقتها كيلا يفسد عليها الليلة التي يجتمعان بها أخيرا بعد طول انتظار.

دلفا لبيت آل لقمان في أعقاب ضيوفهما ذوي المكانة المهيبة…استقبلوا التهاني و المباركات المذيلة بالهدايا القيمة و الشاعرية من الجميع حتى كان الدور قد وقع على الزوجين المثيرين للجدل.

مدت حليمة يدها بابتسامة رحبة وديعة نحو سالم تمنحه مغلف باللون الأخضر البترولي…

لم يعجب لاختيارها هذا اللون بالذات فهي تعلم حبه الشنيع له و إن كانت لا تفرق فعليا بينه و بين أي لون آخر.

فتح الهدية فورا باستمتاع و ترقب مرتاب أمام الجميع غير مكترث لما قد تعتقده من سوء الأدب لأن أمورا كتلك لا تقع بينهما…

"ما هذا؟ يبدو مألوفا.."

"إنه خاتم أخبرني عمي أواب رحمه الله أن أمنحك إياه حين تختار أميرتك التي تحتل جوارك على العرش….قال أنه سيكون العراف الخاص بك الذي يكشف العدو و الصديق"

عند ذكر العم الذي فُقد بأبشع طريقة في ريعان شبابه تأثر الجميع بلا استثناء تأثرا كبيرا…لا كارهين لأواب لقمان ولا حاقدين…لا أحد أمسك عبراته من الهطول كالمطر حين علم بوفاته..
حتى قاسم الذي كان قد فقده من ذاكرته إثر ما تعرض له من بشائع بعد موته لم ينفك يشعر بوخز في ثنايا قلبه يلؤه الحنين للعبه معه حيث لم يكن يقسو عليه كما قست عليه من بعده الأيام.

وضع سالم الخاتم بأصبعه تحت نظرات الجميع…ذاك الذي لم يخلعه العم مطلقا إلا للوضوء الآن عاد للحياة في يد شخص آخر يحبه الجميع و يحترمونه.

طالعها بامتنان جم ربما لم تره لكنها استشعرته فابتسمت عفويا…تستقبل على استحياء شكره العاطفي..

"لا أعلم كيف أشكرك لحفاظكِ عليه بتلك الحالة الرائعة! ظللت أبحث عنه أنا و جدي بعد وفاته رحمه الله لكننا لم نجده و كذلك لم نجد دبوس الثياب ذا الماسة الزرقاء الذي يشبهه…كان لا ينفك يرتديهما كلما اتيحت له الفرصة"

اتسعت ابتسامته بخفة و لطافة ثم قدت حاجبيها في حركة لعوب تعبيرا عن امتلاكها له أيضا! فجأة تحول من الرجل العاطفي الممتن لزوبعة من الغيرة و الانزعاج الصبياني…ضرب الطاولة بقدمه و تشدق سائلا بغيظ يكاد يشوي الخبز الطري أمامهم..

"لمَ بالله قام بمنحكِ كل شئ؟! لقد أحببته أيضا أكثر منكِ يا من أزعجته ليل نهار! لكن ما هو رده لولائي و إخلاصي له؟ لا يمنحني إلا المسؤوليات و انت كل الوعود الجميلة الرومانسية!!"

"عن أي وعود رومانسية تتحدث؟"

سأل قاسم بينما يرتشف من كأس العصير مظهرا عدم الاكتراث…يستغل اندماجه في الغضب كي يفصح له دون قصد عن أمور ربما لا تشاركها حليمة مع ابن أخ قاتل عمها..

حصل قاسم على مبتغاه لكن ليس من فم سالم بل من زوجته التي على ما يبدو لا يعجبها تهميش دورها في المجلس كعروس و منح الاهتمام لحديث حليمة كما يكون عادة..

"إنها تعويذة خياليها ألقاها عمي أواب على حليمة قبل أن يموت مباشرة أنه لن يخبرها رجل أنه يحبها إلا و يكون صادقا، وقد صدقتها لدرجة أنها كانت لا تنوي الزواج إلا من رجل يخبرها أنه يحبها"

ضحكت سهير و الحاضرون على الطاولة لكن حليمة اكتفت بابتسامة باهتة مجاملة…ليس لأنه أزعجها ما قالته عنها و عن تصديقها للتعويذة..لكن لأنها لم تعد ترغب في الضحك على نكاتها أو حتى إجراء محادثة قصيرة معها.
الأمور لا تسير على ما يرام حين يلعب أحدهم لعبة الحقارة مع حليمة لقمان.

مازالت تذكر لتلك اللحظة صوت نورا على الهاتف صباح اليوم تقسم لها بالله أن سهير طلبت منها إخبار حليمة أنها ستصير وصيفتها في الحفل! كانت الفتاة في حيرة من أمرها لا تدري سبب إنكارها لما قالته أمام الجميع بطريقة فظة و مهينة؟!

عند سماع تلك الكلمات من سهير كان قاسم يريد إخبارها أنه يحبها حتى و إن كان لا يشعر بذاك الشعور الآن، لكنه أصيب بنوع من الخوف أن يخبرها أحد غيره تلك التعويذة السحرية و يتعلق قلبها به.

أفاق على صوت حليمة تستأذنه لتذهب في جولة للاصطبل مع الفتيات…لم يكد يقرر إن كان موافقا أو لا إلا و نورا تسحبها من ذراعها و فتاة أخرى من الذراع اليمنى! شدها من خصرها فزعا و طالعهن بتساؤل غير راض عما ينوين فعله..

"لم لا أحتفظ بزوجتي في حضوركن إلا دقائق ثم أجدها قد اختطفت كأميرة الحكايات المبتذلة إلى ان ارجوكن كي تعدنها؟!"

"إنها معك في المنزل طوال الوقت أما نحن نفتقدها و نريد ركوب الخيل معها.."

أصابته ما يشبه اللكمة على رأسه حين سمع رغبتهن الاخيرة الجنونية فوثب يأخذها من بين أيديهن عنوة حتى كدن يسقطن جميعا..!

"ما الذي تقولينه يا نورا هل أنت بكامل قواكِ العقلية؟! تريدين من امراة عمياء ركوب الخيل حتى تموت و ينتهي أمري؟!"

"و لمَ سينتهي أمرك أنت يا بني؟ المرأة هي التي سينتهي أمرها"
تعليق الجد الأكبر على كلمات قاسم التلقائية سبب ضجيجا من الضحك اللامتناهي حتى شعرت حليمة أنه ربما يكون خجلا من الموقف فهمت تلطف الأمور بمزاحها، لكنه قاطعها يهتف بوقاحة و لم يزل يضحك باستمتاع..

"لم أعد أشعر بالراحة في نومي إلا و هي بجواري…إن ماتت سأصاب بالأرق حتى الموت يا شيخ"

رددت أمها وراءه على عجل بنبرة مسرحية زادت من قهقهاتهم..

"اه ياللولد المسكين! لمَ إذا سمعتك شديدة السوء مع النساء؟!"

ضحك الولد المسكين بخفة ثم نظر لوجه حليمة التي مازالت محاصرة من قبل ذراعه الحلزونية و رفيقاتها الغاضبات لانعدام محاولاتها لإقناعه بالحقيقة الصادمة التي لا يدريها بشأنها!
سألها سؤالا لم يسمعه غيرهما لكن على ما يبدو أنه حول رغبتها فعلا في ركوب الخيل و إن كانت خطيرة..

رفعت رأسها باتجاهه كمن ينظر للموز على شجرة شامخة تجيب بنبرة خافتة..

"العميان يمكنهم ركوب الخيل أيضا عزيزي، الحصان الخاص بي مدرب من قبل أبي و يعلم جيدا كيف يتحرك حين أمتطيه"

"حين تقولين عزيزي أبدو كرجل ابله على وشك قبول كل شئ دون جدال"



******



"تعلمين أيتها العاهرة اللعينة أنني أدرك مدى حقارتكِ لذا أخبريني الآن أين زوجتي و إلا خلعت رأسك المقرفة عن كتفيكِ حالا!!"

عيناه تتقد بنيران جحيمية سوداء و أنفاسه التي تصفع وجهها بعنف تنبئها بما يدور داخله من عواصف قاتلة!! يداه القويتان كسيف من الصلب المثول تضغط أكثر على عضديها يريد هرس عظامها و تمزيقها لولا أن يكون قد قتلها قبل معرفة الحقيقة!

رجها بعنف حين رآها تتأمله بلا رد مشدوهة من عنفه و هوسه المتفجر بامرأة عرفها منذ أيام فقط…أعاد حديثه بصوت أعلى و أقسى حتى أجابته برعب و صوتها المبحوح يبدو للأسف…صادقا..

"أقسم أنني لا أعلم أين هي….كنا نتسابق بالأحصنة و فجأة لم نجدها حولنا و تقول نورا أنها رأت رجلا طويل يتمشى بين النخيل لكنني لم أره"

حررها من وثاق يديه يتلفت حوله كمن فقد ابنته في وسط قتالات المافيا! لم يصدق ما قالته حول كونها بريئة كالذئب من دم يوسف لكنه لم يملك إجبارها على الاعتراف بأي مكيدة حاكتها في الظلام و إن كانت قد فعلت.

تذكر أخيرا شيئا كان قد رآها تفعله قبل بداية سباقاتهم و ألعابهم و لم ينتبه له لبداهته و بساطته…
كانت سهير قد اختلت بالخيول في الاصطبل قبل خروجهم للركض و قد لاحظ بكل تأكيد احمرار عيني "بغداد" حصان حليمة الأصيل بشكل مريب!

عاد إليها بعدما كان قد تجاوز فكرة قتلها و تعليق جثمانها على إحدى الأشجار فأمسك بعنقها يخنق كل ممرات الهواء و الدماء المار لرأسها متشدقا بنية حقيقية للقتل تتلألأ في مقلتيه..

"أنت حقنتِ حصانها بمنشط!! أنا لا أعفو عن النساء لأنهن ضعيفات إن وضعن أيديهن على امرأتي يا سهير…"




******


جلس القرفصاء في وسط الأشجار العالية بعدما انقطع صوته و الآخرين بحثا عن حليمة بلا فائدة…أحاط رأسه بكفيه يقاوم الرغبة الجامحة في إحراق نخيل آل لقمان عن بكرة أبيه حتى يجدها بصعوبة و يضرع لربه بكل ما في قلبه من أمل أن يجدها بأمان قريبا..

تنهد عدة مرات بعنف و انفعال قبل أن يستقيم واقف ينوي إعادة البحث عنها بلا كلل للمرة الثلاثين.

صوت رجل ما من وسط الغابة كان مألوفا في ذاكرته لكن لا يعرف كيف ناداه بنبرة جهورية لها تردد و صدى..

"يا قاسم…أتريد إيجاد زوجتك؟"

التفت نحوه يطالع هيئته المريبة و ثيابه الرثة بغرابة لبرهة قبل أن تتفتق الأفكار و الاحتمالات في ذهنه عن كينونة الرجل التي في الغالب هي المجرم الذي يترصدهما منذ مدة لا بأس بها!!

كانت أفكاره جيدة نسبة لما لديه من المعطيات في الوقت الحالي لكنها لم تكن صحيحة…. فحين سأل الرجل عن هويته و هو يدنو منه بإرادة حارقة لتمزيقه أجابه الآخر بأكثر إجابة مفزعة قفزت مباشرة من ذكريات طفولته…

"ألا تذكرني أيها الولد؟! أنا ثائر…صديق أمك المقرب"

دارت الدنيا به بسرعة خمسون ميلا في الساعة و انبعثت من قلبه رجفات لها صوت رن في أذنيه كأنه عاش ذاك اليوم مجددا بكل تفاصيله…ليس فقط حين أرادت أمه التضحية بحليمة لأجل ثائر ذاك…بل حين حاولت استخراج أحشاء طفلها نفسه لتقدمها كقربان له..

شعر بحرارة في جسده تبعها سقيع مؤلم انبثق على وجهه في هيئة عرق بارد و أنفاس متتابعة قبل أن يسأل بلا صوت كأن أوتار صوته قد تجمدت..

"أنت أخذت حليمة؟!"

ضحك الرجل الملثم ذو الأعين الذهبية ضحكة صداحة ملأ بها الواحة بأكملها…أو لعل هذا ما تخيله قاسم بتأثير من شيطان يعرف جيدا ما يفعل..

"لا بالطبع فأخذها ليس سهلا علي…لكنني أعلم بمكانها و قد تبقت لها بضعة دقائق وحسب على انتهاء حياتها المؤسفة"

نبرته المتهكمة و حركة جسده المتمايلة بصورة مقرفة بينما يقترب نحو قاسم جعلته على وشك الفرار بنفسه متقمصا صورة الطفل الصغير المعنف…لكنه انتصب أمامه كجدار من الشجاعة و الجرأة مثلما فعل مسبقا…يرجو إنقاذ الفتاة التي فشل في إنقاذها قبلا.

تنحنح يجلي صوته من حشرجة التوتر و القلق ثم طفق يسأله بخشونة و شدة بينما عينيه الحادتين تراقبان العيون المرفوعة بزاوية لغريمه..

"و هل ستخبرني ابتغاء مرضاة الله أم لديك اعتبارات أخرى بما أنك كافر حقير؟"

"بالضبط…أنا لست مؤمنا مثلك يا قاسم؛ لذا في المقابل لأمنحك فتاتك قبل أن توافيها المنية أنت ستمنحني لعبة مسلية أحب فعلها كثيرا"

أمال قاسم رأسه باستهجان لا يفهم ما يريد الشيطان الذي أمامه التلميح إليه..

كل ما يعنيه هو النظر المتكرر للساعة خشية أن تتعرض حليمة للأذى خلال مهاتراته عديمة النفع ذلك الرجل الذي دمر حياة عائلته بأكملها!

سمعه يجيب أخيرا بتريث كما لو كان يعبث قصده بأعصابه و بصوت مهتز كأنه يضحك بداخله..

"أنا أخبرك مكان حليمة عزيزتي و أخبرها هي بحقيقة أنك من أخذ عينيها"



*****



"بغداد، هلا توقفت عن الحركة رجاءا لأنك تهرس فقرات ظهري"
قالت بينما تمسد ظهر الفرس الذي يحاول جاهدا بلا كلل النهوض من فوق جسدها لكن بلا جدوى…كل حركة منه بوزنه الهائل فوقها تسمعها صوت تهشيم عظامها لكنها تستطيع السيطرة عليه بسهولة ولا تدري أنه بسبب المنشط الذي تعاطاها بكمية هائلة!!

سمعت صوت أقدام تقترب من موقعها و قاسم يناديها بكل طاقته آملا أن تجيبه و لو بهمس خافت! لم تتردد في الصراخ هاتفة باسمه تعلمه بمكانها كلما رفعت صوتها أكثر يقترب هو منها أسهل…

حين رآها ممدة أسف الحصان الضخم انخلع قلبه و هرع إليها يرفعه عنها في محاولات عديدة حتى نجح أخيرا و أخرجها من حصارها.

"ااه يا إلهي تصورت أنني سأموت هنا…حتى أنني صليت الظهر نائمة في مكاني خشية أن أموت و لم أصلِّه بعد"

ضحك ضحكة متشنجة بينما ينهت بإعياء و يفحصها من كل الجوانب يتأكد ألا إصابات قاتلة في جسدها.

كانت كلتا ساقيها مصابتان إما بالكسر أو أقل من ذلك لكنها بالتأكيد لم تكن على ما يرام، إذ كلما لمسها بأي شكل تألمت بشدة!!

راح يمسد على شعرها الذي انكشف بسبب السقوط و يمسح العرق البارد عن وجهها بمنديله مغمغما بكلمات لا تخرج منه عادة إلا عفويا في غير وعيه لما تلقيه مشاعره عبر فاه..

"بل أنا من كاد يموت بحثا عنكِ…ليتني ما تركتكِ تمتطين الخيل قط"

رددت وراءه باستدراك تعقد حاجبيها مظهرة أمارات انعدام الرضى..

"بئس القول ما قلته يا قاسم! التمني من الشيطان…قل الحمد لله الذي نجانا و جمعنا في أمان"

"أنا آسف"

شعرت بارتباكه حين ردد تلك الكلمات البسيطة التي لا تناسب الحوار مطلقا فلم تُثقل عليه و تنهدت تحاول إجلاء الخوف عنه بمزاحها…

"الآن لا يمكنك حملي كأمير ساحر لأن ساقاي مكسورتان، لذا لا حل أمامنا إلا أن تسحبني من ذراعاي على الأرض حتى منزل آل لقمان"

لم يتمالك ضحكاته حين تخيل مظهرها مجرورة كعبد هارب إلى بيت أهلها بدلا من حملها بطريقة صحيحة وحسب..

مسح على رأسه يتنفس الصعداء بعدما فرغ كلاهما من الضحك الواهن ثم انحنى إليها يرفع ساقيها بيديه برفق و بصورة مستقيمة…يردد عبارات المواساة لها حين تتألم كي تصبر لحظة قبل أن يرفعها بأكملها بين ذراعيه.

استندت على منكبيه بيديها تتنفس برعونة كأن الهواء في العالم قد نفذ إلا قليلا! أسندت رأسها لخاصته و جبينها تتصبب عرقا كما جبينه…يلهث كلاهما على الرغم من عدم شعور الرجل الذي يحملها بالتعب جراء حملها مطلقا….كان بالتأكيد متعبا لسبب آخر.

"سأسير بثبات لذا لا تتحركي بيد يدي كيلا تتألمي…فقد دقائق معدودة و نكون حيث الجميع فيوصلنا أحدهم بسيارته للبيت…سيراك زين الدين و يتصرف بإصاباتك"

"لن أتحمل حتى منزلنا…اجلب زين الدين لبيت آل لقمان"

صمت هنيهة يسترجع ذكرى إصابة ابن عمه الخطيرة في ذلك البيت الملعون بقلب واجب و نفس مرتاعة…لكن لم يجرؤ على إجبارها لتتحمل ساقين مكسورتين مسافة ساعة بالسيارة…

كانا قد اقتربا من مكان اجتماع الفتيات و الفتيان من فصيلتها حين سألته بين أحاديثهما المتفرقة…

"هل صليت الظهر؟"

"لا ليس بعد"

مسدت بيسراها على رأسه و شعره بحنان ثم رفعت يمينها تربت على صدره في حركات خفيفة هادئة جعلته أقل انفعالا و هلعا مما هو عليه…

عقبت أخيرا بعدما شعرت باستجابته جسديا بارتخاء عضلاته من تشنجها..

"لا تنس الصلاة…حين يستجيب الله دعاءنا لا تكون العاقبة ترك الفرض الذي فرضه علينا"

همهم بانصياع سلسل للغاية مما توقعت أن يكون عليه حين ذكرته بالصلاة و هو شديد التوتر…هز رأسه مجيبا بابتسامة لطيفة زاهية…

"لن أترك الصلاة و إن قيل لي اليوم تقوم الساعة، لذا لا تقلقي يا حبيبتي و اخلدي للنوم"

تمنى من كل قلبه حين اتضح له أنه نطق تلك الكلمة التي ناداها بها دون حذر أنها قد أصيبت بالصمم كيلا تسمعها! هو لا يشعر بالحب تجاهها حسب ما يراه لذا انفلات تلك الكلمة الجزلة من بين شفتيه أصابه بإحراج و خجل شديدين..

لم يتوقع أن الله استجاب دعاءه حين لم يتلق من ردا على ذلات لسانه…نظر إليها مشدوها فإذا هي قد غطت في نوم عميق! أدرك الآن فقط شيئا لم يسبق له أن انتبه له بالمرأة التي تزوجها منذ فترة لا بأس بها…

أنها على ما يبدو تصدر صوتا خافتا لأنفاسها حين تنام كما تفعل الهريرة الصغيرة كما لو كانت تنام على بساط من حرير..




*******




انتهى زين الدين من تجبير ساقيها ثم التفت لقاسم و أبيها الواقفين بجوار سالم يطمئنهم بهدوء و بساطة أن الإصابة ليست مريعة و ستشفى منها عما قريب..

"جسدها قوي بقدر كاف لتحمل حصان عربي ضخم دون الإصابة بالشلل ولا حاجة كذلك لتركيب شريحة أو غيره….الفتاة مثابرة و ستكون بخير خلال ثلاثة أسابيع بإذن الله"

"لكنها تشتكي من ألم في بطنها منذ استيقاظها، ألا يمكن أن يكون هذا خطيرا؟!"
سأل سالم مستدركا على عجل فأجابه الطبيب بينما يجلس على الكرسي المجاور لها..

"لا إنه فقط بسبب ضغط الحصان و حركته الهيستيرية فوق المعدة و الرحم مباشرة…لكنها لم تتعرض لأضرار جسيمة…الله نجاها بسبب سقوطها على كومة رمال طرية تلقت الصدمة عنها"

طالعها زين بنظرات فاحصة كأنه يمشطها بشكل عابر من الإصابات أو احتمالية الإصابات التي قد تظهر آثارها فيما بعد….لكن فحصه انتهى دون تعليقات أخرى غير إخبار قاسم بإتمام ما طلبه منه في الهاتف…

"أحضرت سيارة مريحة يمكننا أخذها داخلها للبيت…لن تتضرر بتعرجات الطريق بسبب النظام الداخلي للسيارة و ستكون رحلتها مريحة و آمنة"

كاد يبدأ سالم و أبيها مع قاسم و ابن عمه جدالا قاتلا حول وجوب بقائها هنا حتى تشفى لكنها أوقفتهم ببساطة تهتف كأنه تفض نزاع بين المزارحين على الأرض…

"لا داعي للشجار أرجوكم أنا سأعود لمنزل زوجي…هناك امرأة هناك تريد أخذه مني ولا أريد أن أسمح لها بذلك"

ما كاد أحد يستوعب ما قالته بكل أريحية أمام العائلة بأكملها حتى صدح صوت أمها تضرب على صدرها فزعةً ثم طفقت توجه كلماتها الطاعنة لقاسم مباشرة..

"أي امرأة تلك يا ابن جبران التي تنازع أميرتنا عليك؟!  من تحسب نفسها الحقيرة الوضيعة ذات المقام الخسيس؟!"

"إنها غادة شقيقتي بالرضاع…تعتني بإدارة أمور المنزل الخاصة بالنساء"

غيم الصمت المهيب على المجلس و صوت أنفاس حليمة التي تكتم ضحكاتها هي و نورا بشق الأنفس بات مسموعا بوضوح!

لم يتمالك خالد لقمان نفسه من مظهر زوجته المنصدم. و وجهها الذي تمدد كالعجين فأطلق تعليقا كان كافيا لجعل الجميع يضحك…

"أتوقع أن السيدة هالة تسرعت في مسح الأرضية بكرامة آل جبران و الآن جميعنا سنتزحلق عليها"





*******




فرغ من حمامه الدافئ و انطلق نحو الغرفة الخاصة بهم ينوي الاطمئنان عليها..

كانت جالسة باستقامة في فراشها بثياب نومها القرمزية و شعرها الأجعد المتهدل بشغب على كتفيها و ظهرها..

تنظر بلا تعابير للسواد الذي تحياه من زمن و تبكي دموعا باردة بلا طعم!

أصيب بصدمة بالغة ففزع إليها و هو يعلم الاتفاق الذي عقده مع ثائر…الحقيقة التي يجب عليها معرفتها مقابل إنقاذه لها من الموت تحت الحصان الهائج.

خشي لمسها لعلها ترفضه أو تبدي ردة فعل لا يتوقعها لكنه خاطر بكبريائه كيلا يتركها تبكي وحيدة بعدما ذكرها الشيطان بسبب إصابتها بالعمى و ما جرى لها على يدي قاسم و أمه!

احتضنها بين ذراعيه يطبق على جسدها بأكمله كأنه يود إنقاذها من السقوط في هوة الذكريات…

كان يائسا لأي كلمة منها تخبره عن شعورها لكنها استأثر بالصمت الرهيب دقيقة مرت عليه ساعات طوال.

كانت الشرفة تبعث رياحا باردة ذات رائحة شتوية حزينة ليست أكثر برودة من قلبه الذي يخشى الرفض و الحرمان……كلما مسد على ظهرها شعر بأنفاسها و شهقاتها بين منكبه و عنقه تشي بقوة الألم الذي استرجعته دفعة واحدة كجلدة بالسوط من جلاد ماهر!

"أنا آسف يا حليمة….أنا سبب عيشك في هذا الظلام"

لم يستطع التفوه إلا بتلكم العبارات البئيسة بصوت ضعيف يشوبه الخجل و الضياع…لا يبدو كصوت رجل جسور مثله مطلقا…بل لا يشبه شخصية الجزار التي لاحظت لمحات منها في مواطن عدة قبلا!

حركتها كلماته و منحتها شعورا بالغ السوء أرادت محقه في لحظتها..لذا أرخت جسدها على صدره تبادله أخيرا عناقه الذي طال بتفرد مرير…

"بيديك لا بقلبك قاسم….كانت يديك هي التي سكبت السائل على حدقتيّ أما عينيك هي آخر ما رأيت في حياتي و قد كانتا تتوقان لإنقاذي لا لقتلي…كنت مستعدا حتى لتلقي العذاب عني"


******


إيه رأيكم في سهير هل هي فعلا حقنت الحصان منشطات؟

ايه رد فعل حليمة لما تعرف إن أم جوزها هي السبب في عماها؟

لا تنسوا الڤوت و الفولو لمتابعة كل جديد♥️🥰

Continue Reading

You'll Also Like

2.3M 304K 77
اجتماعية رومانسية
1.2K 70 2
مجردُ ذكرى ماتزالُ تحرقُ قلبها .. من ليلةٍ سرقت كامل عمُرها ، ذِكرى باتتْ كابوسًا يُأرقُ نومها ،، وكلُ مُناها نسيانها أو تغيب عنها فلا تزورها ،، أصبح...
2.1M 34.5K 36
[ S E X U A L C O N T E NT ] لم أتوقع بأنّني سأنْجذب لـِزوْج عمّتـي الأربعيـني بمُجرد تصادم سُبُلِ طُرقاتـنا في تلك الليلة و هِي ليلة مُقدّسة بالخطـ...
8.5M 255K 131
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣