الوشاح الأحمر | The red scarf

By LaraAshraf8

17.2K 857 242

بعدما قتلت ابن عمه كان يجب عليه الانتقام منها و من عائلتها كلها.. فتاة بدوية عمياء لكن رصاصتها أصابته في مقتل... More

الندم للجبناء!
الحقيقة الهاربة🍁
دموع الشياطين
زواج أم عقاب⏳
ليست مكسورة الأجنحة
اقتباس🥀
فتيل النار الأخير
للحيَّة لون أرجواني
غرام الأسياد
شيطانة الصومعة
اقتباس خطير🔥
النداهة
لا تهجريني!
سهام الأميرات
شياطين العابد
غرام الأفاعي♪♫
لا تقعنَّ في الحب!
(الخاتمة) أشواك الورد🥀

الوحش الذي يسكنه🎭

652 61 9
By LaraAshraf8

لا تنسوا الفولو و الڤوت عشان تعبت فيه جامد الفصل ده و مليان صدمات و غموض و أكشن🔥💀

****

ولجت إلى الغرفة مأخوذة بيد غادة حسناء آل جبران و أقلهم حظا...

ابتسمت فورا كأن ابتسامته وصلتها و استطلعت أحواله بسؤال رقيق ينم عن سعادتها الصادقة بنجاته.

استقام زين الدين جالسا أو شبه ذلك و مد لها يده كيلا تصطدم بالأثاث الكثير المحاوط لفراشه فاعترضت غادة سريعا..

"لا تخاطر بهذا حتى....قاسم للتو تشاجر شجارا داميا مع فراس لأنه جذبها من عضدها لتجلس على الأريكة"

انتشرت ضحكاته الواهنة في أرجاء الغرفة تعلن لمن لا يعلم أن الذراع الأيمن لرأس عائلة جبران قد عاد من الموت ومازال لطيفا كما اعتاده الجميع..

شكرتها حليمة بعدما استقرت في مجلسها على المساعدة في تحركاتها بالمنزل حتى تعتاده ثم انتظرت بابتسامة مرتاحة حتى سمعتها تغلق باب الغرفة وراءه....في ذلك الحين لم يكن من ابتسامتها إلا أن تلاشت تماما و هي تسأل زين بجدية تامة...

"من كان الرجل الذي طعنك زين؟ هل هو فرد من عائلتي؟"

تنهد الأخير يرمي بصره نحو الباب تارة و نحوها أخرى ثم أقبل عليها قدر استطاعته و غمغم بخوف لم يستطع المسكين إخفاءه من هول ما رأى..

"كان رجلا ملثما لا أعرفه...حين جاء يقتلني قال لي بحقد و غل شديدين أنه ينتقم من عائلتي على ما اقترفوه منذ سنوات"

الآن حين يسمع قاسم تلك الإفادة هو ببساطة سيكون مقتنعا مائة بالمئة أنه سالم يسفك الدماء حدادا على عمه الذي مات شابا دون أن يرتوي قلبه من صبابة الحب...

لم يخالجها في حياتها شعورا بالخوف و الخطر إلا كما خالحها في تلك اللحظة كقناص أعمى يصيب بعشوائية أناس أبرياء!

رغبت في ازدراد لعابها فلم تستطع من شدة الأمر على قلبها....عيناها الجميلتان تلمعان بالحزن و الحيرة...و هو يراهما جيدا...يشعرانه بمقدار الألم الذي يشق فؤادها المتجلد مع كونها أضعف من مجابهته وحدها.

لا يبالي في الواقع إن كانت قتلت عيسى لأنه حاول الاعتداء عليها في عقر دارها مستغلا قلة حيلتها و الظلام الدامس الذي انكفأت فيه منذ ولادتها أو لم تفعل لأنه في الحالتين كان وضيعا و هو يعلم...حتى قاسم كان متيقنا من قذارته مع نساء العائلة و لم يتوقف عن تعذيبه ليكف عما يقترفه بجرأة......لكن ما الذي قد يغير حقيقة الإنسان إلا الهداية من الله؟!

فُتح الباب كأنما ضربه البرق و ولج عبره قاسم برفقة أبوي زين الدين الباكيين من رحمتهما بابنهما و خوفهما المرير عليه!

أول من أطبق عليه بين ثنايا صدره كان رفيقه الوحيد...اعتصره بقوة لا يأبه إن آذته أم لا، المهم أنه يمكنه الآن أن يستنشق عبير الحياة يسري في جسدها و أنفاسه مسموعة له ببساطة...

لا يعلم الجميع سببا حقيقيا لشدة الحب الذي يقع في نفس قاسم لابن عمه زين الدين لكنه يكاد يمنحه جل ما في جعبته من حقائق و أفكار لا يطوي منها شيء في جيبه الخفي.

بعدما استطاع المسكين التخلص من أحضان العائلة بالتوالي بادر بالحديث يغير الأجواء المظلمة التي غيمت على المكان بوجود حليمة_العدو المباشر للعائلة الآن_مستفيضا في شرح ما حدث له و ما عاناه من عذاب حين توقع موته المحتوم وحده كالكلب النافق في عرض الصحراء...لكن كل هذه المخاوف تبددت فور أن أتته حليمة تنقذه و تشجعه فيما يشبه الأوامر القيادية ليبقى حيا!!

كان يضحك بين كلماته و دموع والديه تستجلب تعاطفهما و حبهما المزيل بالامتنان لها، و هو حجر الأساس الذي أراده وسيساهم في وضعه داخل هذا البيت..

أخيرا كان الرد الذي ترقبه قاسم أفضل مما تصور حقا حينما احتضنت المرأة حليمة و غمرتها بعبارات الامتنان و الحب...لم يكن صعبا على الأخيرة فيما بعد اكتساب الاشخاص الذي اختارتهم تحت جناحها و إجبارهم على محبتها خلال فترة وجيزة كما فعلت مع غادة جبران ابنة عمه..

لكنها لا تعطي الحب فقط...بل و السهام الضارية للأعداء المحتملين..

******

طرقت باب مكتبه بسلاسة عدة طرقات فأذن لها دون معرفة هويتها..

دلفت للغرفة ذات الطراز العتيق الذي يحمل بعضا من الكآبة و الظلام...صوت عصاها البيضاء الطويلة التي أحضرها لها على الأرض و الأساس أعلمه هويتها قبل أي يرفع رأسه عن الأوراق و يطالعها باستهجان!

لم يكن غريبا مجيئها إليه بل الغريب هو أنها تلف يديها بالحناء على شكل وردة حمراء...و تنزع حجابها بلا تردد حين الدخول عليه.

ليس معتادا على مثل هذا، بيد أنه لا خلطة له بنساء غير عائلته لكنه يدرك أنها لا تفعل إلا الصواب. لذا ببساطة سألها بعدما استقرت بمقعدها المقابل له عما تحتاجه أو ترغب به...

"كنا قد تواعدنا أنا و أمي و صديقتاي أن نذهب اليوم بعد الفجر مباشرة للبحث عن فستان جميل للزفاف...و الآن بما أنني أسيرة حرب عندك أئذن لي بالذهاب"

نزع نظارات بابتسامة عفوية لم يملك نفسه لإخفائها ثم طالعها بحرص و سأل متهكما..بشأن قولها ذاك فهذا يعني أنها ما كانت لتستئذنه إلا لأنها مخطوفة و غير ذلك كان ليجدها قد اختفت من المنزل فجأة و انتهى الأمر!!

لم يدرِ هل ضحكت لأن مزاحه أضحكها أم سخرية منه حتى أدلت بأقوالها على الفور كأنها تحفظ الردود على حديثا سلفا...

"كنت لأستأذنك بالتأكيد يا سيد الممالك السبعة لأنه يتوجب عليك إيصالي"

هزت رأسها بحركة مائلة كنوع من الاستهزاء به على أفكاره الغبية كالبطة التي تقفز من فوق البناية أملا منها أن تطير....نعم هكذا تصورته للحظة لذا انفجرت ضاحكة أكثر من اللازم و تركته حائرا لا يفهم ما مدى غباء ما قاله كي يدغدغها بهذا الشكل؟!

تنهد بخفة و مسح وجهه بيمينه ثم أوقف ضحكاتها بالأنباء غير السارة..

"للأسف لن أكون متفرغا قبل العاشرة صباحا...بعدها أعدكِ أن آخذك و أمكِ التي ضربت عمتي بالنعال و صديقتيك لنبحث في المدينة عما تريدين من فساتين..."

"و مجوهرات"

كاد يومئ إيجابا لوهلة قبل أن يستوعب ما أضافته هكذا كإضافة الملح للغداء فتبدلت تعابير وجهه لأخرى غير مفهومة و استفهم عما تعنيه بالـ "مجوهرات"

فلا شك أنه قدم لها المجوهرات الموروثة للعائلة يوم عقد القران، أنها تلبس في يسراها الآن بالفعل الخاتم ذو الماسة القرمزية الذي منحها إياه ذلك اليوم!!

خرج من تساؤلاته الفلسفية حين أجابته تهز كتفيها كدمية بلاستيكية، تتفاخر بأكبر قدر من الغرور اعتراها في تلك اللحظة..

"تلك المجوهرات يا عزيزي هي حلي تشتريها عائلتنا للفتاة التي تتزوج كهدية تفتخر بها أمام عائلة زوجها...و رغم كوني لا أعرف شكل المجوهرات على كل الحال لكن أمي و سهير و نورا سيخترن الأروع من أجلي"

نفضت شعره بحركة درامية و أولته ظهرها تهتف بنبرة أقرب ما يكون للأوامر الإلزامية..

"الآن أتركك بين الأوراق للعاشرة إلا خمس دقائق بينما آكل الكعك مع غادة..إياك أن تتأخر، كن رجلا"

أصابته الحيرة الشديدة إذا ما كان ينبغي له أن يطلق عليها رصاصتين تنهيان حياتها التي تمسح بكبريائه أثاث المنزل أم يتركها معتبرا إياها خفيفة العقل لا تدري ما تقول و يترفع عن مثل تلك التراهات التي تتفوه بها؟!

شعر أنه غاص في تفكير عميق عن تلك المعضلة الفكرية حتى اختفت من أمامه و انتهى العمل الذي كان يريد إنهاءه قبل الموعد بنصف ساعة...

نهض يتمطأ و يشد أطرافه المتيبسة ثم انطلق للخارج يمر عليها وهي جالسة تتابع عرضا تلفازيا عاطفيا مع غادة ابنة عمه...كلتاهما مركزتان غاية التركيز في ما يقوله البطل باكيا للمرأة التي خانته مع صديقه سبع و أربعون مرة فقط لا غير وهو لا يدري..

كان المشهد مؤثرا لكن ليس بمشاعر قاسم المتبلدة كالخبز الفاسد، لذا هو حمل نفسه للخارج يتجهز للرحلة التي أرادتها..قاطعا بذلك انشغالاته المريعة في تجهيزات الزفاف بالتعاون مع آل لقمان.

لا يعتقد أنه على الأرض ما هو أكثر ألما و عذابا من التعامل مكرها مع سالم لقمان لأنه رئيس العائلة و كلاهما يكرهان بعضهما....ناهيك طبعا عن اعتقاد سالم الراسخ أن الرجل اختطف الفتا الــ "بريئة" ليعذبها و يهينها و ينتقم منها فهي على حد اعتقاده الخيالي في بركان مستعر يدعى قاسم جبران!!

عاد الأخير للداخل يرجو أن يكونا قد انتهيا من المشهد العاطفي فوجدهما قد انتقلا لآخر حيث البطلة تضرب البطل بعصا المكنسة الكهربائية! لم يحاول حتى التساؤل عن كيف آلت الأمور إلى هذا الحد بل كبح استنكاره بداخله و نبهها بصوت المفاتيح قائلا..

"كل شيء جاهز إلا رفيقاتك...لمَ لم يأتين؟!"

"لأننا سنذهب و نُقلّهن...سالم يفرض حصارا لعينا على تحركاتهن خارج البيت خوفا من أشخاص ما بالوضاعة الكافية لاختطافهن..."

لم يعد يستطيع مقاومة رغبته في انتحار حقيقي الآن أمامها لترتاح منه و يرتاح منها للأبد، لكن المانع الوحيد كونه يريد الموت في طاعة و ليس كهرة أكلت ذيلها.

زفر بانزعاج و طالعها بتعابير نزقة سخيفة لكنها بالتأكيد لا ترى تلك التعابير فاستكملت حديثها كأن شيئا لم يكن...مبينة أنها جاهزة بالكامل للخروج لذا لا داعي لجدالهما هنا و إضاعة وقتها الثمين في أمور أقل أهمية من فستان زفافها المعظم.

أكلت آخر كعكة في الطبق ثم نهضت تضع وشاحها على رأسها تتبعه حيثما يذهب كيلا تتعثر في أي إنسان بهذا البيت..

لتتو تعثرت بلا قصد بنفيسة جبران_عدوة أمها و عدوتها لأنها أم الفاسق الذي وضعها في تلك المحنة_فتسببت بسقوط المرأة العجوز كمن نطحه ثور ثم أكملت طريقها بصورة طبيعية معتمدة على عذرها الباديهي "الفتاة لا ترى أي شيء"

تعثرت للمرة السابعة بأشياء لا تدري ماهيتها لكنها أصابتها بغضب عارم جعلها ترفع صوتها بالسباب و اللعن في منتصف واحة النخيل المؤطِرة للقصر!! كانت تلك أمورا لا يسامح فيها قاسم لرجل أو امرأة كيلا يُحاسب أمام الله على سماع الآخرين للألفاظ النابية في المنزل...لذا فورا التفت ينتهرها و ينهاها عما تتفوه به غير مدركٍ أن رد الفعل ذاك ليس في وقته....

المرأة تتعثر أمامه و هو لا يشعر مثل سائح أبكم يسير في طريق العميان! لم يعرض عليها مرة واحدة أن تتكئ عليه كيلا تصاب ببتر لأصابعها من قوة الصدمات..

صمتها و سكونها التام أثار حفيظته فسألها عما يجعلها تبدو غريبة وهو حتى لو يقسُ عليها بالقدر الكبير؟!

لم تجبه لكنها مدت يدها تميل جهة اليسار فالتقطت ذراع زين الدين_الذي كان آتيا على صوتهما يتنازعان كالمعتاد_و طلبت بوجوم و انقباض لم يسبق له رؤيته في ملامحها..

"خذني لسيارة قاسم من فضلك...لا يمكنني الحراك في البيت بحرية لأنه جديد علي و الباحة الخارجية مليئة بالصخور الصغيرة"

"لا تفعل ذلك زين أنت مريض...أنا سآخذها"

كان أكثر هدوءها مما تصور الرجل حين أمسكت بذراعه....ليس من طبيعة القاسم التساهل في المحرمات عامة و الأمور التي تتعلق بنسائه خاصة.
في تصوره عن صديقه الذي لا يخطئه ما كان ينبغي له أن يتأبط حليمة برقة و لين للسيارة وحسب دون تعليق على تصرفاتها قليلة التهذيب تجاهه....إما أنه وقع بحبها بسرعة البرق كالقصص الخيالية....أو أن شيئا بها يستعبد الجزء الضعيف في نفسه المعذبة.

*******

"مرحبا يا زوج ابنتي....أهلا يا ابنتي التي تبدو كمن تطلقت!"

وضعت حقيبتها بالسيارة وجلست بالأريكة الخلفية ثم تبعتها نورا و سهير...كلٌ يطالع تعابير وجه العروسين بريبة و ترقب.

أجابها قاسم بأدب بينما تتحرك السيارة كأنه يكتم في جعبته شيئا يود إخبارها به..

"عمت صباحا سيدة هالة..نحن على ما يرام لكنه مجرد جدال بسيط"

"هل هو بشأن أيكما يحب العناق و من لا يفضله؟"

صدح صوتهما كجوقة واحدة تتردد في سيارة من القرميد مجيبين بـ "لا" على تصوراتها الخيالية كأنها نعتتهما بالزنا!

أزالت الخمار عن شعرها ثم جذبت جتف قاسم بغضم تنغزه بسبابتها مستهجنة..

"لا؟! و تقولها بكل جرأة! إذا هل ستختطف ابنتي و تمكث عندك يومين بلا مشهد عاطفي واحد؟! ماذا ستفعل بعد الزفاف إذا...ها....ترقيها من عيون الحاسدين؟"

تلك المرة رنت ضحكات حليمة و الفتاتان كأجراس المعابد بكل ما أوتيت أنفسهن من قوة...لا يخجلن من ضحكهن عليه في حضوره ولا يوارين نظرات الشفقة التي رمقنه بها بعدما تعرض لإهانات قاسية من حماته!

لكن الرجل ليس من طبعه التعرض للتأنيب صامتا كأنه فتاة غرست رأس أبيها في الوحل...لذا بابتسامة متشفية أجاب يهز كتفه أيمن كنوع من السخرية الصامتة..

"لا داعي لأكون وقحا كي تمضي الزيجة على ما يرام...ابنتكِ ربة العفاف تبدو كمن لا تتردد في تقبيل رجل غريب لينفذ طلباتها"

"ماذا كان إحساسك حين قامت بتقبيلك إذا؟ رائع أليس كذلك؟!"

رددت هالة وراءه على عجل بتعابير باديهية بينما تأكل قطعة حلوى كانت في حقيبتها...

لا يعرف الجميع ما الذي كان يشربه أو يأكله كي يسبب له هذا السعال الشديد من فرط الصدمة لكن الرجل كان في حالة مزرية لدرجة أن الهرة التي يتشاجر معها ليل نهار أشفقت لحاله و منحته زجاجة مياه!

ظلم صامتا على إثر ذاك السؤال طوال الطريق لا يفتح فمه إلا للضرورة القصوى.

وصل للمجمع التجاري الذي أرادته هالة و الفتيات فترجلن من سيارة يتأبطن حليمة في طريقهن للداخل كأنه لم يكن إلا سائق سيارة الأجرة التي أقلتهن إلى وجهتهن!!

لم يبالي فعليا و ذهب يرصف سيارته في مكانها المعتاد ثم لحقهن للداخل...يجد لنفسه مكانا يلقي بنفسه فيه حتى تنتهي رحلتهن الطويلة...

لم يفكر حتى في مرافقة زوجته بينما تشتري فستان الزفاف، بل لم يتصور أنه و لو أراد هذا ممكنا!!
في صباه اعتاد عمه الأكبر و وليّه بعد وفاة والده إخباره أن يبتعد قدر الإمكان عن أمور النساء كيلا يفقد عقله...لذا على ما يبدو هو ينفذ ما قيل له تماما.

مضت ساعتين أو أكثر و هو ينتقل بين المسجد و المقهى الذي ينتظر به أغلب الرجال نساءهم منذ عقود و قرون لينتهين من التسوق...بالضبط كما يفعل هو الآن للمرة الأولى في حياته الخالية من رائحة الاستروجين منذ الولادة.

رن هافته فأجاب بهدوء و صبر..

"مرحبا سيدة هالة...أتحتاجين شيئا؟"

"لا يا عزيزي، أحتاجك شخصيا في الطابق الثامن عشر الآن لتختار بين فستانين للعروس"

وثب عن مقعده يستجدي أي سبب للحركة من مكانه بعدما تيبست عضلاته...حمل حقيبة ظهره الجلدية الخفيفة و عدل من هندام قميص الكتان الرمادي خاصته ثم توجه بحركات سريعة نجلاء نحو السلالم الكهربائية يصعدها بنفسه لا ينتظرها لترفعه كرياضي حقيقي يتدرب للأولمبياد!!

مظهره بساقيه الطويلتين داخل تلك السراويل القماشية الواسعة يركض على السلالم مقاوما الشيخوخة المبكرة التي تصيب شباب هذا الجيل و فتياته بلا رحمة كان أكثر منظرا جذابا رائعا كانت حليمة لتضحي بذراعها و بسالم و شقيقته لتراه!

صعد ما يقارب سبعة أدوار على هذا الحال يستهلك وقود طاقة ذكورية مطلقة تي تنبعث في جسده و غالبا ما تصيب الرجال المساكين بالجنون بطول الانتظار لأشياء مملة..

أخيرا أصابه التعب وتهالكت عضلاته عند الطابق العاشر و اضطر أت يستكمل طريقه للأعلى بالمصعد.

كان مستندا بظهره للمرآة الواقعة خلفه يجفف عرقة بمحرمة معطرة بالياسمين الفواح حين استقلت فتاة المصعد برفقته ترتدي تنورة من قماش يشبه البلاستيك المختلط بالجلد الرخيص تصل لركبتيها بالكاد...قميصها الأحمر مفتوح بالكامل إلا ما يخجل البشر عادة إبداءه أمام الجميع...لا تبدو كفتاة عادية أفرطت في الزينة بل كشيء آخر لا يريد تصوره حتى..

رفع بصره لها لحظة ثم أخفضه سريعا و شغل نفسه بإرسال الرسائل لحليمة يخبرها أنه أوشك على الوصول أخيرا للطابق الأخير في ناطحة السحاب التي تتسوق بها..

"أيها السيد الوسيم، هل تعطل المصعد؟"

ازدرد لعابه لوهلة مدركا تعطل المصعد بين الطابق السابع عشر و الثامن عشر و هو مع تلك المرأة التي قد تهتك شرفه في أي وقت!!

هز رأسه هزة خفيفة ثم اتجه لهاتف الطوارئ يتصل بأمن المكان كي يصلحوا العطل سريعا..

"خلال عشر دقائق سيعمل المصعد ثانية سيدي من فضلك قف أنت و السيدة التي برفقتك في زوايا المصعد كيلا تتأذوا من أي حركة خفيفة قد تحدث"

أغلق الهاتف و جلس أرضا في زاوية كلاعب كرة قدم مصاب يطالع هاتفه بانتظار الإجابة من حليمة لكن لا شيء يصله منها! الشبكة ضعيفة في المكان لكنها متوفرة و تستطيع الفتاة التواصل معه إن شاءت..

حاول الاتصال بها بيأس على سبيل التصرف بأدب لتأخره و كذلك شغل نفسه عن الضغط الذي يسببه حضور تلك المرأة التي تغمزه بين الفينة و الأخرى...

"قاسم...اسمعني أنا في مكان لا أعرفه..."

"ماذا؟ كيف هذا؟! أين نورا و سهير و والدتكِ؟"

تنفست بصعوبة بالغة كأن ثمة ما يعيقها و باتت تنهت بعنف و هي تهمس له كمن على وشك الموت..

"قاسم...اسمعني...الحانوت الذي دخلنا نبتاع منه أحد فروع (Dior) في الطابق الأخير...المرأة...اا...المرأة متواطئة...البائعة أدخلتني حجرة تغيير ثياب في نهاية ممر يمتد باتجاه اليسار من الباب...الرجل الذي اختطفني كان موجودا داخلها و هي تعرف...ااا...كذلك..الرجل..طوله يقارب المترين"

بدأت بالسعال بخفة وهو لا يسمع إلا صوت أنينها الخافت مع الأنفاس الضارعة للحياة!

سرت في جسده صعقة عنيفة منحته ما يشبه قوة رجل مجنون بكل صفاتها جعلته يقفز ناهضا يحاول سماع ما تقوله بخفوت بين سوء الإشارة و صوت العمال يصلحون العطل...

التقط أنفاسه بصعوبة و دار حول نفسه في المصعد هاتفا يستجدي منها معلومة تمنحه أملا أنها لن تموت قبل وصوله..

"لمَ لا يمكنك التنفس؟ ماذا حدث لكِ حليمة؟!"

ازدردت لعابها بوهن و غمغمت بنبرة ممحية بالكاد أرهف السمع لها..

"الرجل...قوي جدا...احذر منه قاسم...ضربني..عدة مرات ببطني و الآن..أنا أنزف لا أعلم لمَ.."

إن كان ثمة ما يمكنه وصف شعوره في تلك اللحظة فهو لا يمكن أن يكون الخوف أو الوجل....إنه شعور آخر ينبثق من نقطة في داخله و يتكاثر متضخما يبدو كوحش من نوع ما يرغب بالسيطرة على عقله!!

لم يرَ في تلك اللحظة إلا صورة الفتاة ذات العيون النازفة الهاربة من أحلامه تطالعه بوجه صار أكثر وضوحا له بالتأكيد و تتوسله ليساعدها كما تفعل دائما و هو يفشل في تقديم العون لها!

اخشوشن صوته رغما عنه متأثرا بتلك المشاعر الحيوانية التي تحتله...

"لا تنهي المكالمة...أخفي الهاتف حتى أتمكن من سماعكِ و اصمدي...رجاءا"

*******

"كيف حالكِ يا حُلوة؟ هل تشعرين بألم في مكان ما؟"
همس بجانب أذنها فجأة ففزعت تزحف بعيدا عنه...تشهق و تتنفس بصعوبة بين ضحكاته السخيفة التي تطرق بنعال حديدية على رأسها.

طرحت سؤالا باديهيا في العادة لا يجيب المجرم عنه مباشرة لكنه يستجلب الحديث عن أحقاد أو رغبات مريضة بداخله..

"هل تفعل هذا لتنتقم من شخص ما...أو أنها فقط رغباتك؟"

"أنا أفعل هذا لأن قاسم اللعين عليه أن يذوق العذاب و مرارة الفقد لبقية حياته...أما أنتِ يا حُلوتي فأنتِ بريئة بالكامل لكنك جميلة كشيطان تجسد لراهب و أنا على استعداد للوقوع في أي خطيئة تأمرينني بها.."

زحف باتجاهها و جذب طرف وشاحها الأحمر يجردها إياه...يحمله بيديه و يلوح به بين يديه هازئا بها بأكثر الكلمات إهانة و انحطاطا خطرت له عن حالتها و موقفها الآن...

لم تتمكن من سد آذانها عما يقوله أو تجنب التركيز فيه لأنها أرادت استخراج أي شيء ذا قيمة منه قبل أن يقوم بما لم يستطع عيسى جبران القيام به في أحلامه!!

خطرت لها فكرة تطيل بها الحديث حتى تستجمع قواها فسألت بسرعة و بنبرة بريئة كما يحلو لها أن تدعي..

"أيعجبك الأمر حين تهتك شرف قاسم جبران لتنتقم منه؟ هل فعل المثل لك؟"

لم تتصور أن تكون صفعة منه بتلك القوة مهما غاصت بخيالها! لم تتعرض للضرب في حياتها قط إلا قليلا مما يصيب الأولاد كلهم لذا ربما لا تعلم ما هو الألم الناجم عن التعرض للتعنيف حقا....يبدو فظيعا!

تلك الصفعة بالتأكيد لأنها أصابت نقطة حساسة لديه لا يستطيع تجاوزها...و هي أيضا لا تنوي تجاوزها لكن ستعبث معه كي تكسب تعاطفه إن وُجِد..

استجمعت شجاعتها و حفنة جيدة من التمثيل عالي الجودة ثم ذرفت دموعا حارقة انتزعتها انتزاعا من أعماق صدرها كي تبدو بتلك الشدة....

تصور الرجل أنها تبكي من ألم الضربة فصار يهزأ بها و يسخر حتى فجعته بما حضرته لتقوله بحرقة...

"لمَ تعذبني أنا و هو يفعل ذلك بي أيضا؟! ذلك الوغد قاسم...إنه يفعل هذا بي دائما و لذلك اختطفني قبل العرس..لإذلالي"

لا داعي لتصور الصدمة التي عاناها الرجل أمامها و الرجل الآخر على الهاتف حين وجد نفسه فجأة مغتصبا للنساء!! كانت تلك قصة جيدا تستهلك وقت المعتدي المختل حتى يتحرر من سجن المصعد...استحقت على أدائها بتلك الروعة أوسكار و ليس ألباتشينو.

انهارت باكية دموعا حتى التماسيح لا تقدر عليها بينما تهذي بأجزاء غير صريحة من الحديث، تزيد شوقه لمعرفة البقية..

"ذاك الرجل وحش حقيقي...لا بل الوحش لا يفعل هذا لفتاة عمياء مثلي...لقد اخبرني أنه سيجعلني أود الموت كل ليلة، و قد فعل...لم يعد هناك جزء مني يطهر من رائحته أو أثره المقرف.."

أمسكت جسدها بكلتا يديها و رسمت تعابير متقنة للقرف و الازدراء بينما تتكور على نفسها بصورة مثيرة للشفقة..

أقبل الرجل عليها يجذبها من كتفيها بنوع من اللين بدأ للتو سائلا بنبرة و لهجة بدت لها إثباتا على كونه تأثر حتى الموت بكلماتها و قد يراهن على ساقيه ليعرف تفاصيل أكثر...

"ماذا تعنين؟ أنتِ زوجته لمَ عساه يفعل ذلك؟!"

"تلك هي طريقته...هذا ما يحبه...أن يعذبني و يؤلمني و يحطم كبريائي...أنت لا تعلم فقط..."

غطت فمها بكفها تدعي كتمان البكاء و ظلت تشهق لثوان فسدت فيها أعصابه بكل تحمله الكلمة من معنى ثم أردفت بقهر و حسرة...

"أنت لا يمكنك حتى تصور كيف يمكن للأمر أن يكون...مؤلما..مهينا...مرعبا...خصوصا حين لا ترى وجه الذي يعتدي على جسدك ولا تعرف خطوته التالية...الأمر مقرف و يسبب شعورا بالخزي و العار.."

ارتفع صوتها عند الأخيرة لكن المستمع فقد أعصابه تجاوبا معها...على الرغم من كونه أوشك أن يفعل مثلما تقول بالضبط منذ لحظات لكن الآن صار الملاك الذي يتعس لحالها!!

لا تعلم إن كان الأمر الذي حدث له من قبل قاسم يخصه شخصيا أو أحد يقربه و يعز عليه لكنها بالتأكيد سمعته يضرب الجدار بكل قوته عدة مرات و....يتقيأ!!
الآن...ربما الآن يمكنها المراوغة...

********

ذلك هو أكثر شيء مريب حدث لها في حياتها و ذاك الرجل ليس مريضا فحسب بل هو بلا عقل تماما...

كان قاسم قد خرج من المصعد للتو هو و السيدة التي كانت تغمزه و الآن أضحت تعينه على إيجاد فتاته الواقعة في مصيبة كبيرة...

يدور حول نفسه كالمخبول يبحث عن اسم المكان الذي قالته في المكالمة و في الوقت ذاته يستمع لحديثها مع المجرم و يطمئن نفسها بكونها على قيد الحياة.

لمحت المرأة يافطة مكتوب عليها (Dior) فأشارت إليها بحماس بالغ ثم سحبته من يده كالطفل ركضا إلى هناك..!

سألته بينما يدخلان المكان كبابلو إسكوبار و حبيبته إن كان يملك سلاحا فأخرج مسدس (Beretta-92) الذي لا يستعمل إلاه بالتوارث على مدار جيلين أو أكثر.....هدد به العاملة التي لم تتحمل ركلتين من حذاء المرأة من المصعد حتى اعترفت بكل شيء و أخبرتهم ببساطة أن الفتاة في مصعد معطل لم يعد صالحا للاستخدام...يملك مفتاحه عمال الصيانة و بعض الإداريين وحسب.

لم يستفسر أكثر و انطلق مع المرأة لمكتب الأمن يطلب فتح المصعد المعطل بسرعة أو حتى تشغيله لتخرج امرأته من هناك!!

كانت الإدارة نوعا ما تريد الرفض لكن حليمة كانت معه على الهاتف مباشرة تتشاجر شجارا الموت مع المجرم بعدما علم أنها على اتصال بقاسم طوال ذلك الوقت و الآن يريد الانتقام!! لا وقت للبروتوكول...قام الرجل و شغل المصعد فجأة و هما فيه ليصعد للدور الأخير الذي يتواجدان فيه.....

مواطن مجهول الهوية مسلح بأفضل طراز من الأسلحة الإيطالية و الآخر بالكاد يحمل جهازا صاعقا.

كان عنفوان قاسم في أشده و أنفاسه تضطرم بنيران الأدرينالين الحارقة حتى انفتح الباب أمامه و رأى بعينيه اللتين تمنى لو فقدهما رجل يحاول اغتصاب زوجته أمامه مباشرة!!

الآن وحسب الوحش الذي كان يأكل منه ببطئ التهم عقله كله و أخفى وجود قاسم الرجل الذي يخاف الله لبرهة حتى ينتهي من هذا الموقف بقاسم الجزار...

أمسك بتلابيه بكل ما أوتي من قوة و رماه على الأرضية خارج المصعد بعنف أفزع المشترين!

توجه نحوه يرمي المسدس أرضا و يستبدله بسكين يد ذات قاطع له أسنان...و لم يجرؤ أحد في المكان كله على إعاقته بينما يتقاتل مع الوغد بتلك السكين و يثخنه بالجراح الضارية!!

كان منتصرا بلا ريب لكن الأمر لم يبدُ كشجار أكثر منه كمذبحة أو إعدام شنين يقوم به سفاح لحيوان أصيب بالسعار...كل ما قام به المجرم هو لكمة أو لكمتين لوجه الرجل و القية كانت ضربات وحشية بلا نهاية تعرض لها بصورة مهينة أمام الجميع.

لم تتوقف حليمة عن الصراخ عليه ليتوقف فورا قبل أن يقتل الرجل و يضيع مستقبله...لكن الشخص الذي أمامها لم يكن يسمع إلا صوت تمزق اللحم و تهشم العظام...و قد أعجبه حقا..

كانت الفتاة شجاعة انتحارية لا يعوقها الخوف و الحذر عما تريد مطلقا، لذا ببساطة و لأجل مصلحته هو قفزت عليه كالنمر الجائع ترمي بجسده على الأرضية الزلقة الناعمة هاتفة في أذنه بالشيء الذي تصورته قد يوقظه...

"قاسم لا تفقد نفسك بالله عليك اهدأ لأجلي...لا إله إلا الله...اهدأ يا قاسم أستحلفك بالله!"

هتفت بيأس عند الأخيرة و هي تنازعه.....وكما توقعت، الرجل كان مؤمنا وسكن تدريجيا بين أحضانها...كشمعة خفت ضيُّها ببطئ ثم اختفى بلباقة..

**********

اااااه فصل طويل سببلي آلام في الرقبة و الرأس و عيوني أصابها جفاف فياريت تتقوا ربنا فيها و تتفاعلوا عليه عشان أواسي نفسي لحد ما الآلام دي تروح🥺❤❤❤✨

كان من المقدر ده يكون فصل فرح حليمة و قاسم لكنه دسم بما فيه الكفاية ليكون فصل الخطف وبس🤏

دمتم سالمين و رايقين❤✨

Continue Reading

You'll Also Like

1.4K 109 13
إكليل النجاح هو الرسوب، إن لم أرسب لن أتذوق مرارة دموعي بعد النجاح، سقوطي من الهاوية كهطول حبّاتِ المطر من سفح الجِبال للأرض الذي تغرق فيها، ربما الب...
998 75 22
"من النهاية إلى البداية."
16.1M 345K 57
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
5.8M 166K 108
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣