الزهور الجنائزية || Funeral f...

By LaraAshraf8

4.1K 162 72

دفع عبد الله الباب و دلف للداخل بحذر حين التقط بصره امرأة مجهولة تزحف على بطنها تستجدي الرجل....أعني غول الأس... More

هلا قضيتِ الليلة معي؟
لمَ لم تقتلني؟!
القبعة الذهبية
الشيطان الذي لا يقهر
من تكون حقا؟!
هلا ملأت كأسي؟
الصدق قد يقتلك حقا
ألا بأس بالحب؟!
المترصد و القط الخطير
الفرار من الشيطان
حطام الفتاة الصغيرة

رجل نازي و امرأة يهودية

229 17 9
By LaraAshraf8


رأته من خلف البناية المهترئة يقف قبالة ابنه يطالعه بابتسامة جزِلة...يهز كتفيه باستمتاع كالمرأة البغي...ينتظر منه التقدم الأهوج نحوه كي يقضي عليه بسكينه المحشور في خزانة خلف ظهره.

تحركت ببطئ، حافية القدمين في اتجاه دائري حتى صارت في وضعية مناسبة لصيده من هذا الاتجاه لكن مشاعرها المضطربة أرعدت أطرافها الممسكة بالسلاح حتى أضحى من المستحيل حمله بشكل مستقم.....كم هذا ساذج و مثير للشفقة؟! يبدو أنها ليست سفاحة بما يكفي بعد...

جاءها الصوت الوحيد الذي تحب سماعها من خلف تلك البناية بجملة بسيطة لكنها تفضح نواياه بصدق اعتاده..

"جئت لأعيد قتلك...أبي....لن أدعك تأخذ من دليلة روحها كما أخذت شرفها و حياتها....لن أسمح لك بقتل المزيد من الناس...و إن كانوا عندك بلا قيمة فأنت أحقرهم و أقذرهم"

تقدم رشاد نحوه بخطوات مترنحة حتى بلغه و أصبحت عينيهما تلمعان متقابلتان كالزبرجد و الأوبال....لا يتشابهان في الشكل لكن الكينونة واحدة...كلاهما صلب.

كانت سكين الأب قد انسلت بالفعل بين يديه و قطعت نصف الطريق في الهواء تجاه بنكرياس عادل بالتحديد كيلا يموت إلا بعد عشرين عاما من المرض....لكن الأخير الذي كان يرى بكل وضوح دليلة تقف كأيقونة حجرية ثابتة خلف المجرم الذي سلبها إنسانيتها....ترفع المسدس الروسي مباشرة باتجاه رأس أبيه...أراد حقا تركها تفعلها... لأنه على ما يبدو فقد طاقته أو فقد الرغبة في الحياة.

تنفس بعمق بالتوازي مع صوت إطلاق النار الصاخب....التفت الجسد الذي استقرت به الرصاصة و مازال على قيد الحياة كالقتلة في الأفلام الدموية!!

حمل سلاحه و أراد قبل نفاذ روحه إلى خالقها أخذها معه حيث يمكنه الحصول عليها قبل الوصول للجحيم...
كانت متصلبة مكانها لا تدري ما تفعل ولا ما يكون هذا الرجل الذي لا يموت....صدرها يعلو و يهبط مع هدير أنفاسها و العرق البارد ينساب على طول عمودها الفقري و عنقها أسفل الحجاب ببطئ قد يصيبها بالجنون إن استمر أكثر.

"سأحمل جسدكِ الجميل معي للجحيم، أقسم لكِ..."
حاول الإطلاق عليها لكن يبدو أن توازنه سيئ بدرجة كافية ليكون التصويب مستحيلا....و كذلك الوقوف باستقامة!

صدح صوت عادل_الذي يقف مكتوف اليدين يمنحها فرصتها للانتقام لكن تحت عينيه الحذرتين_يأمرها بقسوة لا تعرف لما بثت في صدرها قوة إعصارية في لحظة واحدة...

"أطلقي عليه دليلة....أطلقي على الرجل الذي أخذ شرفكِ و إلا لن يكون لكِ كبرياء بعد اليوم!!"

مرت رياح عنيفة بعثرت ثيابها و أخذت الطلقات الباقية في مسدسها معها إلى صدر رشاد....لم تبقِ في خزانه بارودا إلا حشرته في قلبه كيلا يعود للحياة أبدا إلا يوم القيامة...

سقط جسد القاتـــل الحقيقي خاليا من الحياة و خلفه ابنه الذي أراد بشدة قتل إنسانيته قبل أن ينقضي إلى سبيله لكنه فشل....أو ربما ليس تماما..

بدأ عادل يهوي كالبناية الشاهقة التي لطالما تحملت المشقة....كان متعبا و يائسا...لا يرغب في فتح عينيه ليجد نفسه مازال يتنفس....أراد أن يسقط على الأرض ولا يرفع عنها، لكن امرأته الحبيبة حمته من الانهيار بصرخة مكلوم تبعها غفوة أخذها بين ذراعيها...

**********

استيقظت من غفوتها الخفيفة على صوت الاواني الزجاجية التي وضعتها شيرين أمام عادل النائم على الأريكة....كانت المرأةعلى ما يبدو تقصد إيقاظها لشعورها الرهيب بالارتباك و الخوف على شقيقها الذي غرق في غيبوبة قصيرة و حمى تكاد تحرق المخمل الأسود للأريكة!

طرحت سؤالا روتينيا عن حالته فأجابتها شيرين كالمعتاد انه مازال كما هو. 
أخبرهما الطبيب قبل ثلاث ساعات أن المحلول الوريدي الذي منحه إياه سيجعله أفضل من أحصنة السباق حين يستفيق.....لكن ما باله مستغرقا في تلك الحالة من السكون البائس بشكل مفزع؟!

في صمت قبوري أشارت دليلة لشيرين لتنام قليلا بينما تصحو هي و تمرضه كما ينبغي...هكذا تتبادلان الأدوار منذ يوم و ليلة بأمل و شغف.
لم تنسَ دليلة كيف عذبتها تلك المرأة لأيام و ساعات...بل أن الإصابات المؤلمة التي أصابتها بها لم تبرح مكانها على جسدها المسكين حتى الآن! تلك المرأة تفننت في إيذائها وهي لا تغفر ما يهدم كبريائها أبدا.....لا يمكنها مسامحتها أو التعامل معها بطبيعية بعد كل الإهانة التي عرضتها لها بقسوة.

تنهدت تصرف الأفكار عن رأسها بكل قوتها، لكن صعوبة الأمر بحكم وجود حبيبها المسجي أمامها ينازع الموت أو لا ينازعه و يريد الاستسلام وحسب كانت أصعب ما يكون!

نهضت بتثاقل و هرعت إلى من لا تلجأ إليه فيردها أبدا....قلبها مليء بالشجن و اليأس...لكن في حضرته يزول كل شعور غير الرجاء و الأمل..
نزعت حجابها بيد أن لا رجل_في كامل وعيه_موجود حولها و توجهت للمغسلة كي تلقي اوزارها الثقيلة عن كاهلها بينما تتوضأ و تتجهز للصلاة.

بسطت فرش صلاتها_الذي لم يكن إلا غطاء وسادة كبيرة_بما أنها في منزل الرجل الذي لا يدري الفرق بين دينه و الزرادتشية و شقيقته آكلة لحوم الرجال فلا يوجد غير هذا لتصلي عليه..!

في الواقع هي لم تتصور مطلقا المدة التي قضتها بين ركوع و سجود و قيام تتضرع فيه لربها أن يعينها على ما عزمت عليه من توبه و نجاة من سبيل الشيطان إلى الاستقامة....
لا تدري هل يقبلها بما يلطخها من دماء و خطايا...لكنها بالتأكيد لن تتوقف عن سؤاله و مناجاته بعدما عرفت الطريق إليه إلا عند مماتها.... قدمت وعدا صادقا لربها ألا تسمح لمشاعرها مهما كانت قوية لأي رجل أن تقودها لفعل لا يرضيه مادامت حية.

استغرقت في دعاء خافت من نوع خاص لخمس عشرة دقيقة من أجل الرجل الذي أنقذها و انتشلها من الانحطاط و الضياع الأبدي إلى نجاة لن توفيه شكرها أبدا......كانت الأسباب التي ذكرتها للدعاء له مجرد حجج قالتها في سجودها كنوع من اجتذاب رحمة الله وكرمه لكن الحقيقة أنها أرادته بخير لأنها تريد ذلك وحسب....حي تحب كيف يكون على قيد الحياة و إن لم يكن برفقتها.    

سمعت همهمة و أنينا خافتا يصدر من عادل بينما يتململ بخفة و يبحث بيده عن شيء ما...
كانت تلك استجابة سريعة جدا لدعائها لذا قفزت من مكانها وتوجهت إليه بكل حماس و سعادة...تميل عليه ببطئ و تسأل كالأم الماكرة..

"علامَ تبحث سيد عادل؟! هل أضعت فتاة جميلة كانت تتبعك في كل مكان؟"

طالعها بملئ عينيه كأنه بالفعل كان قد أضاعها في السوق و للتو وجدها....تساءل بتنهيدة ارتياح لمَ ليست في مكانها حيث كانت رأسه في حجرها و يدها ذات العظام الناتئة تدلله بحنان...بالرغم من كون تلك الذكرى الرائعة لا وجود لها! فأحلامه التي راودته بين الموت و الحياة ليست بالضرورة حقيقة مطلقة...

تلك المرأة التي تقف قبالته ترفض لمسه و إن لفظ أنفاسه الأخيرة لأجل تلك اللمسة، لقد عزمت عزما لم يره في عيني تائبٍ من قبل...بل لا يكاد يرى وجودا له في قلبها.

كانت تبتسم لكن بلا إجابة واضحة، فقط همهمت و فسرت له بالإشارة لفرش الصلاة أنها كانت منشغلة بما هو أهم منه و من خطيئة حبها له بلا مقارنة...!

رفع بصره فتراءى له وجه شيرين النائمة خلفه...إلا أنه سرعان ما غض طرفه عنها بانزعاج بدى على ملامحه دون تكلف.

لم تدرِ دليلة هل عفى عن شقيقته لكنه مازال يحمل تجاهها مشاعر سلبية أو أنه لم يسامحها قط بل أحضرها أمام عينيه ليحميها من مخططات الشرطة لإعادة القبض عليها؟

حاولت النهوض من وضع القرفصاء الذي اتخذته أمامه لكنه تمسك بها يمنعها بعينيه و رماها برجائه الصادق...

"لا ترحلي الآن دليلة....أعلم أنكِ تريدين الهرب كما أردت أنا في البداية لكن أرجوكِ ابقي بجانبي.."

عيناه الزمرديتان تلمعان في غياهب الليل المتلألئ بنوع من البؤس و الانكسار أمام رغبته القاتلة في وجودها...
كل ما في علاقتهما التي كانت مفروضة عليها من الأساس يصرخ باستحالة بقائهما معا بعدما أوقعته الأقدار بينهما....بيد أن الحب لا يبقى حيث يوجد القتل و الدماء..كانا كلاهما محرمين على بعضهما ببساطة.

"لن أرحل الآن لكنني سأرحل فيما بعد....أنا و أنت كرجل نازي و امرأة يهودية....لم يعد بيننا إلا رائحة الدماء و الأنفس المحترقة المعذبة"

************

"دليلة، أنتِ تعرفين مكان عادل و شيرين أنا موقن بهذا.."

"هذا لا يعني أنني مكرهة على إخبارك به أيها الرقيب....لم أعد طرفا في هذه القضية فقد قبضت على المجرم بنفسي بالفعل لذا رجاءا دعني أرحل بسلام"

حملت حقيبتها و حاولت الخروج من مكتبه لكنه استوقفها مغلقا الباب بكفه بفظاظة ثم طرح سؤالا أخيرا بنوع من الشفقة و العطف..

"أنتِ لا تهربين من عادل أليس كذلك؟ سواءا قتلتِ أباه أم لا فهو لا يعنيه أبدا أيتها الغبية...تزوجيه و أنجبي له سبعة أولاد و ثلاث فتيات....و اقضِ ما تبقى من عمركِ تطبخين له طعاما جيدا"

لا يعلم أي جزء من حديثه الذي ألقاه عليها كان حساسا أو مؤلما بحيث فجر الينابيع اليابسة في مقلتيها و أصابها بزوبعة من الانهيار و البكاء المرير!
تهاوت على أقرب مقعد منها و دثرت وجهها بكفيها....تخفي ببساطة الغصة التي تعصر قلبها بقسوة لتحافظ على بضعة من كبريائها...

كانت الحقيقة أكثر قسوة مما يمكن للرقيب تصوره....الأمر مركب و عميق ولا يتعلق مطلقا بنفسية عادل وحسب....لقد كان يتعلق بها...

شعورها الدفين أن فقدانها لشرفها و كرامتها بل و قسط لا بأس به من حياتها كان بسبب والد الرجل الذي يحاول إقناعها الآن بالزواج منه يكاد يصيبها بالجنون المحقق!! كلما استراحت في فراشها و نظرت إلى سقف الغرفة ترى شخصا يطاردها أو يلمسها بغير رضى منها....و حين تستفيق لا يظهر أمامها إلا شبح رشاد العمري و هو يحاول الاعتداء عليها في عشية اليوم الذي حاول فيه الرجل الوحيد الذي آمن بها قتله من أجلها.

بالتفكير في الأمر كان من الواضح أن الأيام نجحت في جعلها نسخة بشعة من نفسها القديمة....حتى أنها لم تعد قادرة على النظر لوجه الرجل الذي تحبه.

وثبت كالإعصار عازمة على الرحيل فورا قبل أن تنساب تلك الأفكار المخزية بلا وعي منها و تصير مرئية و مسموعة....
إن كان الهرب هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على كبرياء عادل من شياطينها المضطربة فستفعل...تلك ليست مرتها الأولى في دعس قلبها البتول لقاء المصلحة.

"إن كنتِ راحلة لا محالة فعلي إخباركِ بشيء دليلة..."

تجمدت تحت سطوة صوته الجهوري و نبرته السيادية ثم التفتت إليه بشيء من التؤدة فاستطرد بينما يقترب منها بصوت تسلل لصدرها بنعومة خبيثة كالسموم الشهية...

"لقد داهمت الشرطة مخبأ فرحات الذي كان يحتمي به منذ مدة....و احذري ماذا وجدوا هناك؟ جثة الوغد خالية من الأعضاء الداخلية و محشوة بفضلات الحيوانات كالدمى القطنية.....لا أنكر أنني رغم هلعي من النظرة الأولى عرفت أن تلك الطريقة الجنونية للقتل كانت من رجل يشعر بالغضب....أظن أنكِ فهمتِ ما أرمي إليه"

*********

ركضت بمحازاته، تحمل بين أحضانها دزينة من الأوراق لا ندري ما بها فعليا...تكرر إصرارها المزعج في أذنه بصوت حاد و نبرة آمرة....

"عادل لا تفقد صوابك أيها الأبله....لقد تركتك المرأة في مرضك لأنها لا تحبك، توقف عن الركض خلفها كالطفل الضائع و تمالك نفسك!"

دفعها دفعة خفيفة متذمرة و استمر في هرولته في محطة القطار يبحث عنها في أوجه النساء في مثل عمرها آملا ألا تكون قد غادرت بالفعل....يمشط بسنون رفيعة وجه كل فتاة ترتدي مثلها كيلا يخطئها مهما حدث....

أوداجه نافرة و مشاعره أكثر حرارة من شمس الظهيرة....كل أنفاسه تؤلمه من الداخل مع انتفاض قلبه حين يتلاشى الطريق أمامه شيئا فشيئا و لم يجدها بعد.
توقف قبل نهاية الطريق و القطار يطلق إنذاره الأخير للإقلاع...شقيقته تحاول عدله عما يفعله حمايةً لكبريائه و حقدا لم تتخلص منه بعد على دليلة التي لم تتسخ بنجاسات الأيام مثلها....

توقف الزمن أمام عينيه و انحبست أنفاسه في صدره حين لمحها داخل الكابينة من الدرجة الثانية، تجلس بجانب حقائبها و عيناها القاتمتان تلتمعان بيأس تحت أشعة شمس الضحى الشابة....أنفاسها تجوب صدرها على شكل تنهيدات خفيفة و حركات جسدها الناعمة كالمعتاد تبدو كمن تصف لشخص ما أمرا بلا اهتمام حقيقي.

لم يدخر طاقة في عدوه نحو الباب أثناء حركة القطار الأولية حتى بلغه بسهولة لا عجب فيها...فهو و إن كان قد أصابه الوهن مما وقعته عليه السنون الماضية مازال فتيًا بالقدر الذي قد يكفيه للتسابق مع القطار حتى المحطة التالية..

مر بين الناس بتهذيب بينما يلتقط أنفاسه حتى بلغ مكانها و اقتحم عليها مجلسها بفظاظة أجفلتها و شريكيها في الكابينة و منحتهم انطباعا مريبا عن هوية الرجل.

"دليلة....يالكِ من امرأة قاسية لعينة"

فزعت إليه من فورها منعا للفضائح و الكلمات النابية التي تخرج منه حين ينسى كونه رجلا نبيلا ثم سحبته كالفتى الذي أفسد ثيابه بالحلوى إلى مكان ناءٍ لا يراهم به القاصي و الداني!

طالعته بحاجب معقود و نظراتٍ مستنكرة كأنه كان من المستحيل العثور عليها أو أنه ماكان ليستفيق في وقت كهذا من مرضه فجأة!! جل ما أرادت قوله علق في ثغرها الفاغر حتى انقطع الصمت الرهيب بصوته المبحوح من أثر الحرارة و الإعياء...

"أعلم أنكِ لا تريدين رؤيتي لأن أبي أفسد حياتكِ لكنني لم أقترف خطيئة تستحق منكِ تعذيبي!!"

"الأمر أنني لا أستطيع نسيان ماضيَّ المقرف طالما أنا معك، و أنت لا تستطيع التوقف عن رؤية جثمان أبيك المقتول حائلا بيننا....أناأريد التوبة و الحياة التي ترضي ربي و أنت مازلت الرجل ذاته الذي التقيته في الملهى"

حاولت تجنب النظر لعينيه كيلا يصيبها بالوهن و التراخي عما قد قررته سلفا و انتهى الأمر....إلا أن صوته مازال يلمس بقعة في قلبها لا تعترف بالحواجز و المستحيل...أنفاسه القصيرة المتتابعة و نظراته التي تقلبها باستعطاف عز عليها أن تراه في وجه رجل مثله.

عظم في نفسها الأمر خصوصا حين طال صمته و استمر ذلك الضغط الأخرس من جانبه لمدة دقيقتين....ينتظر منها على ما يبدو تنازلا عما قالته منذ قليل أو استسلاما لمشاعرها مثلما فعل....أو أنها لا تملك مشاعر حقا تجاهه؟!

تساءل في نفسه لوهلة لم تدم طويلا حتى أبداها لها كهمسة حييَّة لا يتمنى لها جوابا...

"أنتِ لم تحبيني قط، أليس كذلك؟ هل كنت أفرض عليك نفسي طوال تلك المدة؟"

ترنح قليلا مع حركة القطار فأمسكت بكتفيه تثبته في مكانه و تضع ظهره على الحائط خلفه كيلا يتكلف عناء الثبات في مكانه بنفسه...

تنهدت كأنها تنوي حقا الإجابة بـ "بلى" على سؤاله ذاك رغم ما يعتليها من مشاعر جيَّاشة ترغب في الظهور بصدق في كلماتها و محياها...

لا يدري إن كان قد فقد رجولته أو أصابه الخور و الجبن، لكنه أراد الهرب حقا قبل سماع إجابة ذلك السؤال!! لا يرى في عينيها الآن حبا له...بل لا يرى شيئا على الإطلاق...جل ما ينعكس داخل أحداقها هو صورة مجردة له دون أي أفضلية عاطفيه تخصه بها...
يبدو أنه صار بالنسبة لها ساعي البريد أو محصل فاتورة الكهرباء في أفضل الاحتمالات...

كاد يرحل مستندا على ما يأتي تحت أنامله بانهيار لم يكتمل بعد لما يمنعه منه كبرياؤه و فطرته الرجولية الخالصة...كما لو كان فقد تذكرة الرحلة الوحيدة للنعيم و سيقضى ما يقضي الله له أن يبقى حيا بين الجحيم و النعيم معلقا خلف ستار من زمرد أسود.

"لا هذا غير حقيقي أقسم لك....لكن هل من الممكن لنا حقا أن نكون معا و ننظر لبعضنا كل صباح دون أن ينتهي هذا الحب بالتدريج؟ هل ستتمكن أنت من التغير للأفضل و النجاة من البئر الملئ بالخطيئة و القذارة الذي رماك به والدك؟ لا إراك إلا عازما على البقاء كما أراد لك أن تكون...رجلا فاسقا منحلا يشتري العاهرات أمثال دليلة القديمة..."

أعادته كلماتها مشدودا من تلابيبه ليستقر أمامها مجددا....تنفس الصعداء و نظر من النافذة التي خلفها يطل منها على أشجار الريف التي بدأت تلوح في الأفق و حقول القمح البديعة تتراقص تحت أشعة الشمس كقلبه تماما...
استعاد نفسه أو زاد عليها غطرسة و كبرا ذكوريا غذاه اعترافها بالحب الضمني له.

وضع كلتا يديه في جيوب سرواله الكتاني و مال نحوها بابتسامة واسعة و نظرات متألقة كأنه سيعلن الآن فوزها بالأوسكار..

"لا داعي للنظر لبعضنا كل صباح، سأفقأ عينيكِ اللعينتين و أنتِ ترشينني بالماء الحار فأفقد بصري.....أما بالنسبة للتوبة أعدك بلا شك إن تزوجتني كما يريد الله و بالطريقة التي ليست محرمة سأكون الشيخ عادل لبقية حياتي"

*******

كم أشعر بسعادة لإتمام تلك الرواية الصغيرة كأنني أنهيت تمشيط طفلتي الصغيرة😭♥️

شاركوني مشاعركم و آرائكم♥️

Continue Reading

You'll Also Like

1.2M 87.3K 61
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...
28.8M 1.7M 55
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
28.7K 3.2K 15
هل هذا رمادنا سويًا؟ أم أنك فقط تزفر في حريقي؟
7.3K 719 33
العزلة ! ، قد تكون نعمة لبعض البشر ، و قد تكون نقمة أحيانا كثيرة ... ماذا لو حل الظلام على العالم ؟! ، هل يمكنك أن تجد مكانا أكثر ظلمة حينها ؟! ، و ه...