الزهور الجنائزية || Funeral f...

By LaraAshraf8

4.1K 162 72

دفع عبد الله الباب و دلف للداخل بحذر حين التقط بصره امرأة مجهولة تزحف على بطنها تستجدي الرجل....أعني غول الأس... More

هلا قضيتِ الليلة معي؟
لمَ لم تقتلني؟!
القبعة الذهبية
الشيطان الذي لا يقهر
من تكون حقا؟!
هلا ملأت كأسي؟
الصدق قد يقتلك حقا
ألا بأس بالحب؟!
الفرار من الشيطان
حطام الفتاة الصغيرة
رجل نازي و امرأة يهودية

المترصد و القط الخطير

112 10 0
By LaraAshraf8


تناهى لمسامعها صوت تجادل الضباط بجوار فراشها.....كان جسدها الضئيل ملفوفا في الأقمشة و الجبس الصلب بحيث يبقى الأعضاء المهشمة في وضع سليم
لم تستغرق الكثير لتبصر عبدالله الواقف على مقربة منها و تسمع حديثه الهامس حول حالتها و عادل مع الطبيب المسؤول...

"إن لم تكن دليلة تعرضت للاغتصاب فهذا غريب....لماذا إذن برب السماء جن جنون عادل لدرجة تهشيم عظام شقيقته و قتل أبيه؟!!"

"المرأة مصابة بقوة يا حضرة الرقيب...كل إنش منها تعرض للتعذيب و الضرب بطريقة لا يتحملها جسد ضعيف كهذا.....حينما رأيتها لم أتحمل معالجتها للوهلة الأولى و شعرت أنها كتلة لحم بارد بين يدي....لعل الرجل حينما رآها على هذا النحو شعر بالحسرة"

مدت يدها نحو عبدالله بوهن و ضعف شديدين تحاول استدعاء انتباهه لها...
فور أن لاحظها التفت فورا و جثى أمامها على ركبة واحدة يجعل مستوى بصره أمام وجهها مباشرة....

"أنت بخير، دليلة؟"
كان صوته ناعما رقيقا كأنه يخشى إيذاءها بالكلمات وحسب....لم ترَ في عينيه قط مثل تلك النظرة الحزينة المراعية...يربت على كفها الناعم بدفئ راحتيه الواسعتين..

"هل عادل بخير يا حضرة الرقيب؟"

هز رأسه بهدوء مؤكدا ومنحها إجابة تفصيلية عن حالة عادل المزرية...
يبدو أن رجلا خمسينيا لم يكن بالقوة الكافية لقتل شاب فتيّ كعادل لكنه قوي كفاية بالتأكيد لتمزيق كل شطر من عظامه كأنه كان دمية بلاستيكية في يده! بالنسبة للرقيب فهو لم يلتق رشاد العمري ولا مرة واحدة كي يقيم قدراته الجسدية، لكن مجرد تشريح الجثة يعطيه خلفية عن مدى فظاعة ما تعرضت له الفتاة المسكينة على يد وحش كهذا....

"هل أنا فشلت في المهمة أيها الرقيب؟ هل ستعفو الشرطة عن خطاياي؟"

الرجاء في صوتها و عينيها جعله يرغب جديا في منحها كل ما تريد...و رغم كون ما طلبته سيتحقق بالفعل دون تدخل يذكر منه إلا أنه رغب للمرة الأولى أن يسدي إليها معروفا و لو كانت لا تحتاجه، فقط كيلا يذهب عناؤها و عذابها هباءً.

"لم ينجح أحدهم في مهمة قط كما فعلتِ ؛ لولاكِ ما علمنا مكان السفاحين الأوغاد...أنت تحملتِ الألم لأجلنا و لهذا أنت معفية من المسائلة القانونية و ستحصلين على جائزة كذلك.."

"و ما هي؟!"
قالت بشغف و اقتربت بجسدها من وجهه...
أخرج من جيب سرواله القماشي الثقيل ورق مطوي ثم بسطه أمام وجهها متوقعا منها أن تستنتج ما يحمله بين أسطره من مفاجآت رائعة!

لم تتوقع مهما أعادت قراءة تلك الأوراق مرارا كيف حصل عليها لكنها كانت سعيدة لدرجة يمكنها بها الجزم أن صوت الموسيقى يركض بحماس في صدرها..

منزل والدها الذي تم الحجر عليه تحت ملكية فرحات "القس" بسبب ديونها المزعومة له عاد مجددا لها أخيرا!
كم شعرت بالحسرة حينها...كان المنزل الذي تربت بين أحضانه و قد سُرق منها بشكل جائر لا تعرف له أصلا حتى الآن..

تذكر أنها من كثرة التفكير في الأمر وقتها خمنت أن يكون والدها حقا فقد شرفه في آخر أيامه و صار مدينا لقواد بكل تلك الأموال الطائلة! لكن مع أول مرة رأته فيها بعد اختطافها من عصابته أدركت كيف تسير أمور هذا الرجل فوق القانون و فوق المنطق حتى...

أخيرا تنحنحت محاولة تقنين انبهارها و سألت بابتسامة عذبة...

"لكن سيد عبدالله....هل ثبتت براءتي عندكم من تهمة الدعارة لذلك تتم مكافأتي؟"

"في الواقع لا و نعم.....هناك وثائق عثرنا عليها عند فرحات تثبت الإتجار بك و بفتيات أخريات من القصَّر بالإضافة لاعتراف من نوع ما وجدناه في منزله.....لكن مع أسفي الشديد لا إثبات على اختطافك و إجبارك على توقيع الإيصالات....الأمر بالنسبة للقانون يحتاج أكثر من تلك القرائن لتبرئتك ورفيقاتكِ لكن بالنسبة لنا و للجميع فالحقيقة صارت معلومة بلا شك"

لم تكن نبرته ألطف مما هي عليه الآن قط، بل لم تكن عيناه تطالعها بتلك النظرة المجروحة كأنه نادم على كل مرة بث لها بطريقة غير مباشرة شكوكه في أمرها و في برائتها من التهم الوضيعة التي حاكها قلبه تجاهها هو ورفاقه.

شعرت كأنه بعبارته الأخيرة يمنحها السلوان على ما مرت به و ستمر به مستقبلا بسبب الإصابات.....و قد قبلت تلك التعزية الخفية من رجل لا يعبر عن مشاعره بوضوح..

تنهدت بعمق مستنشقة كل ما أمكنها من هواء الغرفة المعبأ بالروائح المختلفة للمنظفات ثم سألت أخيرا بعيون تلمع بالعبرات و الأسف..

"هل بوسعي معرفة موقف عادل القانوني بشأن قتل والده رجاءً سيدي؟"

نظر خلفه لجسد عادل المخفي خلف الستائر الزرقاء الخاصة بالمشفى ثم عاد ببصره إليها و تراقصت على محياه ابتسامة ساخرة لم تدر هي ما معناها أول الأمر....لكن كل شيء صار واضحا ببساطة حين نهض من مجلسه و أزال الستائر الفاصلة بينها و بين الرجل الذي قتل أباه لأجلها ثم تمتم متهكما....

"كما ترين يا دليلة الرجل حتى غير مقيد بالأصفاد تحسبا لهروبه إن استيقظ فجأة أو للأذى الذي قد يسببه باعتباره شخص فاقد للسيطرة على حالته النفسية....إنه فوق القانون مثل القس ذاك و غيرهم....حين جاء محاميه بعدما استيقظ من عدة ساعات لم يستغرق حتى عشر دقائق من المكالمات و المحادثات ليكون موكله بريئا و لعله سيطلب منا تعويضا عن الضرر الذي تعرض له أثناء إنقاذك"

ضحكت....بالتأكيد كانت ضحكتها اللطيفة العفوية هي أفضل شيء رآه منها منذ تلك الليلة حين كانت غارقة في الدماء على شفير جرف الموت!

كانت تضحك باستمرار كأن كلماته عن الفساد و الدمار الذي تغرق فيه بلادها أمر يدغدغها...
احمر وجهها كالتوت الناضج و تنفست بعمق كيلا تفقد حياتها بسبب الضحك ثم استدركت باعتذاراتها قبل أن تتعرض للسجن مدى الحياة...

راقبها تحاول التكلم من بين أنفاسها بابتسامة عفوية بلا معنى....ربما لأنها تضحك بكثرة أمامه فأصابته العدوى...أو لأنها حية و بإمكانها الحديث و الضحك بعدما استقر في قلبه طيف مغبون تعيس معتقدا أنها ميتة!!

"عليكِ خفض صوتكِ في المشفى و إلا قامت رئيسة التمريض التي تتجول هنا و هناك بضربكِ حتى الموت"

"لا أعتقد أنها ستجرؤ على هذا بعدما أمسكت بها تتحرش بي في نومي"

صوت عادل الأجش من أثر النوم محى ضحكات دليلة تماما وسرق أنظارها نحوه بأنانية لا مثيل لها....نهض ببطئ في فراشه ثم تحرك نحوها بخطوات ثقيلة يجر بها جسده و خطاياه..

وقف أمامها يراقب وجهها الجميل المعذب بأقسى الطرق يطالعه كأنه شبح ثم التفت ناظرا للرقيب بابتسامة سمجة مصطنعة لا يخفى معناها على أحد، فاستجاب الأخير له دون اكتراث و حمل نفسه خارج الغرفة بأكملها....تاركا المجال له بأريحية ليبكي مع امرأته أو حتى ينفصل عنها إن شاء.

"أنا أجعلك تعيسا....لقد جعلتك تقترف شيئا فظيعا"

تحشرج صوتها بعدما لطختها العبرات وغبَّره الأسى....كانت تتنفس بخفوت و عيناها التي أحاطها اللون الأزرق و الأرجواني تتهرب من خاصته كأنه سيحاكمها على التعرض للتعذيب و الاعتداء من عائلته المحبوبة؟!

جلس بجوارها بخفة كما لو كانت الرياح التي تهب منه ستقذف بها بعيدا ثم التقط خصلة شاردة من شعرها ولثمها بلطف و نعومة كأنه يخشى كسرها.....شعر بتململها و انعدام الراحة في عينيها فرفع بصره إليها و تساءل بكلمات من حمم بركانية "هل صارت رائحتي تصيبكِ بالقرف بعدما حدث؟ هل أشبه أبي لتلك الدرجة؟!"

أجفلت ووثبت في مكانها فزعة مما تفوه به كأن ما فكر به يستحيل أن يكون...
استدركت الخراب الذي يتدهور داخله بتوضيح أكثر بساطة مما تصوره...

"عادل، كيف أمكنك قول هذا؟! الأمر أنني لا أرغب في تلك اللمسات...لا منك ولا من غيرك أنا أريد التطهر من ذلك الرجس"

تنهد بعمق و طالعها بعيون لامعة.....لكن ليس بالسعادة كما يتضح لها، بل بالأسى أو مثله لكن أسوأ..
راعها ما رأته في عينيه من بؤس و شقاء فدنت منه ورمقته بنظرات تساؤل الحبيبة القلقة...

"لا تنظري إليِّ هكذا"

أشاح بوجهه عنها كأنه ثمة ما يجرحه في وجهها أو في عينيها الخائفتين!

"هل تكرهني بعدما حدث؟"

سخونة أنفاسها التي لفحت عنقه المصاب و تسارعها أعلمته دون النظر لوجهها أنها تبكي دون صوت كما تفعل دائما، فقط تسمح لنفسها بذرف العبرات الدافئة كيلا يحترق قلبها لكنها لا تنتحب.
قبض أنامله بقوة أبرزت كل عرق يوصل الدماء لأصابعه بزرقة باهتة تناسب بشرته الشاحبة....تنهد مرتين كأنه ينفث دخان التبغ المحترق في قلبه ثم بادرها بسؤال بدى لها في بادئ الأمر غير ذي علاقة بسؤالها الأول له....

"أتعلمين لمَ قتلت أبي؟"

لم يتلقَ جوابا منها غير تلك النظرات التي يكرهها...ترمقه بها كأنه قديس و هي البغيّ التي أغوته!

"لأنني حثثتكَ على هذا.."
قالت ببحة خلفتها دموعها و يداها المضمدتان تمسحان على فخذها في حركة متوترة كما لو كانت قد أدركت للتو كيف شجعت على خطيئة أكبر من الزنا الذي كانت تفر منه!!

طالعها بتلك النظرة المتهكمة الغريبة لبضع ثوان...كادت أعصابها فيهم تتآكل كالحديد الصدئ....ثم انهمر عليها كسيول الصيف الشرقية بالحقائق المرعبة..

"أنتِ شديدة البراءة بالنسبة للعمل الذي أجبرتي عليه مدة لا بأس بها من حياتكِ..."

أخرج من جيبه لفافة تبغ أغلى من الثمن الذي كان يدفعه الرجال لقاء عِرضها و تنفس صعيد احتراقها بتريث شديد التوتر....
كانت نظراتها تلتهمه حيا و تلسع بشرته كرذاذ المياه المغلية فلم يجد بدا من الاستمرار في حديثه الذي بالتأكيد سيأخذها من بين أحضانه للأبد...

"أخبرتني من قبل أن والدكِ كان تاجرا محترما و عائلتك كانت في حالة مادية و اجتماعية ممتازة...أتذكرين؟ (طالعها بتساؤل فهزت رأسها بالإيجاب) أنتِ قلتِ حينها أنه بعد وفاة والدكِ عرض عليكِ فرحات عملا ظاهره جيد في شركة محترمة و بعد التوقيع على العقود بثقة فتاة ساذجة قام باختطافكِ للعمل في الدعارة تحت سلطته..."

أطرق مليا كأنه لن يستطرد حديثه أبدا...نفث سم سجائره الأسود ثم طالعها منظرا منها تأكيدا أو إجابة...لا يدري ما ينتظر حقا لكنها أجابته كما أراد بالضبط...

"الأمر لم يتعلق بالعقود مطلقا، لقد كان بإمكاني دائما دخول السجن وحسب و الهرب من قبضته....الأمر هو كونه رجل عصابات و كنت خائفة على نفسي مما قد يفعله إذا حاولت الهرب و الإبلاغ عنه"

"هل رأيتِ امرأة تتعرض للتعذيب أو القتل على يد فرحات و عصابته لأنها حاولت الهرب قبلا؟"

سأل بتمعن شديد في عينيها...بينما كانت أنامله الرفيعة تمسح الدم المتجمد على زاوية فمها برقة شديدة وحذر لا مثيل له...
يبدو أنه لم يفهم الأمر حين قالت أنها لا ترغب في تلك اللمسات..

تجاهلت ما يفعله بإرادتها...إذ كان النقاش شديد الأهمية و لم ترد تشتيته بأمور أخرى مؤقتا.....لذلك نقلت بصرها من يده التي تحمل السجائر نصف المحترقة قرب بشرتها و عينيه الضائعتين في شيء ما يثير فضوله في ذاك الجرح ثم أجابت بسرعة و ارتباك...

"نعم، حدث بالفعل.....كانت فتاة أعرفها و قد قتلها أمام أعيننا و شق جسدها ثم أخرج منه الأعضاء الداخلية و ألقاها أمامنا على الأرض....أذكر أن النوم جافاني شهرا بعد تلك الحادثة حتى كنت لا أفرق بين الجعة و البول"

ابتسم، لا يدري بمرارة أو بسخرية لكنه تعيس....تعيس و غاضب للغاية لأنه يسمع معاناتها التي كان أباه سببا بها بشكل مباشر!!

تنحنح يجلي حلقه من اللاشيء ثم بصق الحقيقة في وجهها وحسب كأنه لا يرغب في سماع المزيد

"بذكرك لمعاناتكِ الشنيعة يؤسفني إعلامكِ أن أبي هو الذي وضعك بها....كان يعرف ذلك العاهر فرحات من قبل، و قد طلب منه أن يخدعكِ و يستدرجكِ للرذيلة عمدا لأنه كان يجري تجربة إنسانية ليرى إن كانت المرأة التي هو مهووس بها بشكل جنوني ستصبح عاهرة إذا تطلب الأمر أو لا"

توقف فجأة بفعل غصة فظيعة لفت قلبه و حلقه وراح يتنفس بعنف...يرغب في نفسه حقا بينما يروى تلك الحقائق لو يخرج جسد الرجل من المشرحة و يعيد قتله من جديد..!

استقبل نظراتها المتسائلة و حركات جسدها المتوترة غير المرتاحة بلمحة سريعة خجلة كما لو أن العار الذي اجترحه أباه يلازم كبرياءه هو، ثم أردف بنبرة خافتة...

"أنا آسف...كان أبي هو السيف الذي طعن ظهركِ و تركك تنزفين لبقية حياتكِ...هو أراد اللعب بمصيركِ و مستقبلكِ من أجل المرح و المتعة و أنتِ دفعتِ الثمن...أنا آسف حقا أتمنى لو أعوضكِ كما تشائين و لا تكرهيني"


***************

"أنتِ قمتِ بتعذيب الآنسة دليلة جلال الدين بالتعاون مع والدك رشاد العمري كنوع من الانتقام لأنها أفصحت عن سركما الصغير لعادل، أليس كذلك؟"

التزمت شيرين الصمت المزعج و طالعته بنظرات عدائية كأنه هو من اختطفها و انتزع براءتها...
كانت تحرك أصابعها معا بأشكال هندسية كأنها تنظم أفكارها أو ترغب في تخطي الموقف دون إشارات من جسدها للحقيقة.

انتبهت لنهوض عبدالله عن مقعده المريح في تلك الغرفة ذات الإضاءة المرعبة....تحرك بقامته التي تفوق قامة شقيقها ببضعة سنتيمترات قليلات و اقترب منها في انحناءة قوية من جزعه يهمس بفحيح يكاد يحرق الشعيرات الدموية التي تجري تحت جلدها...

"إن لم تتكلمي هنا و الآن سأجعلكِ تجربين قبضة أقوى من خاصة عادل الهزيل....أعدكِ أن لكمة واحدة لوجهك الجميل ستحوله لكعكة خربة"

"يبدو أنك ترغب بشدة في تذوق تلك الكعكة....أليس كذلك...أيها الرقيب؟"

كان الأمر مثيرا للشفقة حين ظنت لبضعة ثوان أن نبرتها المتغنجة و طريقتها الوضيعة في التلميح بالقذارة ستحمل الرجل الذي أمامها على تقبيل قدميها.....كان حلما جميلا..قام بسحقه لها تحت نعله القاتم بركلة اخترقت معدتها و جعلت كل عضو أسفل لحمها يفقد مكانه المعتاد!

"أنتِ يا حثالة النساء عذبتِ دليلة لمدة لا بأس بها بشكل متناوب مع والدكِ القذر و سأرد عليك الآلم الذي منحتها إياه كيلا يبقى لك قبل الإعدام إلا العذاب و الندم"

يبدو أنه قد غير مبادئه بشأن ضرب الضعفاء و النساء حين رأى وجه تلك الشيطانة اليوم....لم يسبق له في حياته المليئة بالمجرمين و الأوغاد أن رأى مثلها في العهر و الانحطاط!!

تساءل إن كان هذا بسبب المعاناة التي لاقتها على يد رجل العصابات ذاك الشاذ الذي اختطفها في طفولتها؟ لكن شيئا لا يضاهي العذاب الذي لاقته فتاته دليلة لشهور و أيام على يد رجل أكثر قسوة و شدة و بطشا من خاصة شيرين لكنها لم تتحول لمسخ مثلها....بل صارت أقرب ما يكون لامرأة عابدة تائبة ترى السوء في نفسها ولا تنتقم من غيرها على ما قدره الله عليها من بلاء.

أعاد خصلاته المبللة بالعرق للخلف بإرهاق لا داعي له ثم خرج من غرفة الاستجواب إلى الطريق ليستنشق هواءا لا يختنق بالنيكوتين و المجرمين..

نظر حوله فلم يجد إلا ظلام الليل و أضواء السيارات المسرعة كأن الواحد منهم يقود سيارته تحت تهديد فان دام..

تخلى عن السيجارة التي أوشك على تدخينها واستقل أي سيارة أجرة عبرت من أمامه.....كانت رغبته في قيادة السيارة معدومة و مشاعره مضطربة لسبب لا يفهمه! لا يدري ما جرى له خلال المدة التي اختطفت فيها دليلة وبعدما تم إيجادها بهذا الشكل المثير للشفقة؟

كما لو كان لقلبه قشرة من فولاذ انصهرت و صار فتاة مراهقة جريحة..

تنهد بانزعاج من ذلك التشبيه الذي ورد بخاطره و مسح وجهه بانفعال يعجن كل جزء فيه بالآخر ثم خاطب السائق بخفوت..

"أسرع رجاءا فأنا على وشك فقدان صوابي"

استجاب الرجل له معتبرا إياه مجنونا أو منزعجا من زوجته و حمله سريعا إلى وجهته التي يتمناها "المشفى" حيث فتاتة دليلة تقبع على فراش من نوع رديئ بجانب عادل الذي قتل أباه.

**********************

تسللت رائحة الدخان المتشبع بثيابه لأنفها بينما كانت تجلس بمفردها في الردهة على الأرض....تضم ركبتيها لصدرها و تتأمل الحائط عديم اللون كأنها في حالة من التخطيط لقتل نفسها لكنها لا تدري من أين تبدأ...

جلس القرفصاء أمامها....يلقي معطف بذلته على كتفه و حالته مزرية...
طالعها بعينيه المنهكتين مباشرة و اخترقها بسهولة مستشفا ما تفكر فيه..

"لقد أخبركِ عادل بمصائب أبيه التي ارتكبها لأجل سواد عينيك الجميلتين أليس كذلك؟"
كانت نبرته حنونة كفاية لتستجلب دموعها الحارقة التي تختلج في صدرها كالطفل الهائج...لكنها لم تحررها من زوبعة المعاناة و الخيبة التي أصابتها.

كانت ترغب حين نظرت إليه أن تموت وحسب أو أن تتعرض للضرب القاسي كيلا تشعر بألم قلبها أبدا.....و لبساطة تلك الفكرة كان تنفيذها سهلا حين وردت بخاطرها، فاتسعت حدقتها فجأة و ضربت الحائط المسكين برأسها الصلبة بقوة ظلت تتزايد تدريجيا مع محاولات الرقيب منعها مما تفعل حتى تمكن أخيرا من تكبيل حركتها بالكامل و حملها كالدمية الممسوسة إلى غرفتها!!

كانت تبكي و تحاول حتى ضرب نفسها في جسده لعل التشابه الذي بينه و بين الجدار يؤلمها بقوة مكافئة لكنه منعها جيدا...
بحث ببصره عن عادل_الرجل الذي يمكنه تهدئتها بمجرد مناداة اسمها في موقف كهذا_لكنه لم يكن موجودا! بل أن فراشه صار ملكا لآخر بالفعل..

طرحها على الفراش بعنف و غضب لا يدري مما جاءه بالضبط.....خوفه عليها و على سلامتها جزء لا يتجزأ من شعوره لكن ثمة ما يشتعل داخله و يجعله مسعورا في تلك اللحظة كأنها حاولت ضرب رأسه هو في الحائط.

"اهدأي دليلة....اهدأي رجاءا"

كان ذلك الشيء الأخير الذي تسمعه منه حين كانت تتلوى فوق الفراش قبل أن تباغتها الطبيبة بالمخدر الذي سيأخذها في نزهة لعالم الأحلام حتى تجد راحتها.

لم تشعر بما حولها قط خلال تلك النزهة الرومانسية الرقيقة التي أخبرها بها عادل أنه سيهرب معها إلى حيث تتمنى، بدلا من الهرب منها كما فعل بالفعل.

تململت عندما كادت تستيقظ و تقلبت في مضجعها بلطف...كان لأنفاسها صوت ينم عن التعب و الاستغراق في النوم لكن صوت أنفاسٍ أخرى اختلط بتلك الخاصة بها بطريقة فظيعة أفزعتها!!

من على وجه الأرض يتنفس كالذئب المتربص بالصيد أمام وجهها بذلك القرب؟! حتى أن سخونة أنفاسه لفحت بشرتها الباردة كلسعة غير مرغوبة و أجبرتها على الخروج من أحلامها بانزعاج على صورته.....

رشاد العمري....المغفور له....يجثو أمامها و أنامله الخشنة تمسد على طول ذراعها بخفة كانت كالسكاكين بالنسبة لها....لكنها لم تستطع أن تصرخ.

Continue Reading

You'll Also Like

3.2K 633 30
في عالمٍ آخر مناقضٍ لعالمنا ، حيث القتل مشروعٌ بل و اعتيادي ، حيث يتوغل بين ثناياه الخراب و السحر و الموت دون رادع ، هل يمكن لتلك الفتاة معايشة ذلك ا...
3.3M 88.7K 64
عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ، فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ، أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أ...
786K 45.3K 64
مراهقه دفعها فضولها للتعرف على الشخص الخطأ وتنقلب حياتها بسبب هذا الفضول.
11.7K 538 9
تحول من عُصرهِ لِعُصر اخر لم يعلم بهِ شئً، كانت تُريد اسرار عن العثمانين ومِصر القديمه تَلاقيُ وهو يريدها لشئٕ وهي لشئً اخر، فـا ماذا سيحدُث!